آلاف الشيكات المرتجعة في غزة تكشف عن «خراب اقتصادي» خطير

45 ألف قضية مالية أمام النيابة العامة وسجن أكثر من 800 رجل أعمال

سيارات في محطة وقود في مدينة غزة (أ.ف.ب)
سيارات في محطة وقود في مدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

آلاف الشيكات المرتجعة في غزة تكشف عن «خراب اقتصادي» خطير

سيارات في محطة وقود في مدينة غزة (أ.ف.ب)
سيارات في محطة وقود في مدينة غزة (أ.ف.ب)

بدأت إعادة شيكات بنكية، بكثافة غير مسبوقة، إلى تجار في قطاع غزة، لم يستطيعوا الوفاء بالتزاماتهم المختلفة مع البنوك، تشكل كابوسا حقيقيا، ومؤشرا على انهيار الوضع الاقتصادي في قطاع غزة، بفعل الحصار الإسرائيلي المشدد منذ 12 عاما، والذي زاد بشكل ملحوظ في الأشهر الـ9 السابقة، إلى جانب تفاقم أزمة رواتب الموظفين واستمرار الخصومات على رواتبهم بنسبة تجاوزت الـ50 في المائة.
وبحسب إحصائيات جديدة لجهات مختصة، فإن عدد الشيكات المرتجعة في قطاع غزة، بلغ خلال النصف الأول من عام 2018 نحو 17 ألف شيك، بقيمة مالية بلغت أكثر من 47.8 مليون دولار.
وتظهر إحصائية صادرة عن سلطة النقد الفلسطينية، أن إجمالي عدد الشيكات المرتجعة خلال عام 2017 بلغت قيمته 28.68 مليون دولار، مقارنة بـ15.25 مليون دولار عام 2016.
وقال ماهر الطباع، الخبير الاقتصادي المختص، إن الأوضاع الاقتصادية الكارثية في القطاع، ساهمت في هذا الارتفاع الحاد، ما ألقى بآثاره السلبية على حركة دوران رأس المال، وأحدث إرباكا كبيرا في مختلف أوجه النشاط الاقتصادي.
واعتبر الطباع الأرقام الجديدة للشيكات المرتجعة، دليلا واضحا وقاطعا على حالة الانهيار الاقتصادي في قطاع غزة.
وقد أفلست بعض الشركات في القطاع بفعل الواقع الحالي، فيما اعتقل مئات من رجال الأعمال والتجار لأسباب مالية.
وتعد أزمة «الشيكات المرتجعة» خطيرة، إذ تتسبب في تباطؤ النمو الاقتصادي، وتعميق الأزمة الاقتصادية، خاصة أنها لا تسدد في وقتها المحدد. ومع عدم تحصيل قيمتها في تواريخ استحقاقها، ينشأ إرباك في التدفقات النقدية، وعدم تمكن أصحاب الشيكات من الإيفاء بالتزاماتهم في مواعيدها.
ويقول التاجر حسان منصور، إن الوضع الاقتصادي وصل إلى الرمق الأخير، ودخل فعلا، في موت سريري. مشيرا إلى أن هناك حالة إفلاس بين عدد كبير من التجار، ممن كانوا يملكون شركات قوية، بدأت تنهار وبعضها انهار فعليا.
وبيّن منصور، أن الحصار والخصومات المالية على رواتب الموظفين العموميين، التابعين للسلطة الفلسطينية، وكذلك الرواتب المتدنية لموظفي «حماس» الذين يتسلمون رواتبهم كل 50 يوما بنسبة لا تزيد عن 40 في المائة، وتدني الدخل لدى القطاع الخاص، كلها أسباب أدت لانعدام توفر السيولة النقدية إلى جانب انعدام القدرة الشرائية.
وأشار إلى أن الوضع الاقتصادي الحالي، تسبب في اعتقال عدد كبير من رجال أعمال وتجار لم يستطيعوا تسوية ديونهم. مشيرا إلى أن هناك تجارا كانوا يعتبرون من أصحاب أقوى الشركات اقتصاديا في غزة، اضطروا لبيع منازلهم وسياراتهم الخاصة للتمكن من سداد الديون التي تراكمت عليهم.
وبحسب جهات اقتصادية تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، فإن أكثر من 45 ألف قضية مالية باتت لدى النيابة العامة في غزة، وأكثر من 800 رجل أعمال وتاجر باتوا محتجزين لدى الأمن، وأن هناك محاولات لحل القضايا المرفوعة ضدهم، من خلال حلول جزئية، بالدفع عبر نظام التقسيط للدائنين، وذلك للتخفيف على السجون.
وتقول النيابة العامة في قطاع غزة، إنها اتبعت، قبل وصول الأزمة إلى ذروتها، نهجا جديدا في محاولة لتقريب وجهات النظر، بين الأطراف المعنية، وإعطاء فرص لتسوية الأمور بطرق ودية وحلول مرضية، مبينة أنها تدعم ذلك بحفظ القضية في حال التنازل والمصالحة النهائية، ما لم يكن المتهم من أصحاب السوابق الجنائية.
وأوضحت النيابة في بيان سابق لها، أنها رسمت سياسة أكثر ملاءمة للواقع، بعد اشتداد الأزمة الأخيرة، من خلال زيادة المساحة والاستئخارات، ممن لم يعهد عليهم الاحتيال والنصب، وإنما كانوا ضحية الواقع والظروف الصعبة، بحيث تقوم بإعطاء فرصة شهر، قابل للتمديد بشكل مفتوح، في حال أبدى المدين جديته واستعداده للحل وإرجاع الحقوق وجدولة الديون وعدم التهرب من الدفع.
وأشارت إلى أنها بادرت بالتعاون والاتفاق مع الاتحادات الصناعية والمقاولين ورجال الأعمال والغرف التجارية والجمعيات الخاصة بالتجار وأرباب الحرف، لتكون هذه الهيئات راعية ووسيطة وضاغطة ومساهمة بشكل إيجابي في الحل والتوفيق بين الأطراف، بما يحقق المصلحة ويحفظ الاستقرار والعلاقات.
وقالت إن فكرة وقف الإجراءات بصورة مطلقة وطويلة الأمد ودون أفق وبشكل غير مدروس، سيؤدي إلى تفاقم المشكلة، لكون العلاقات التجارية والمالية مترابطة ومتراكمة ولها تشابكات أفقية ورأسية، وسيؤدي عدم التحصيل إلى سقوط وتراجع التاجر الدائن، ليصبح مثقلا بالديون والالتزامات في علاقته مع الآخرين، وبالتالي وقف عجلة النشاط الاقتصادي بالكامل.
واعتبرت النيابة العامة أن الحل الأفضل والواقعي يكمن في انتهاج سياسة متوازنة، تأخذ بالاعتبار مصلحة الدائن والمدين، بما يساهم في دعم فئة التجار وأصحاب الشركات والحرف، وتنظيم أوضاعهم بما يناسب روح القانون، ويحقق العدالة الاجتماعية والاستقرار الاقتصادي، والحفاظ على المراكز القانونية.



«الرئاسي اليمني» يُطلق حرباً على الفساد في المؤسسات الحكومية

مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)
مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)
TT

«الرئاسي اليمني» يُطلق حرباً على الفساد في المؤسسات الحكومية

مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)
مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)

في خطوة غير مسبوقة تهدف إلى مواجهة الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية وحماية المال العام، أعلن مجلس القيادة الرئاسي في اليمن حزمة من الإجراءات المنسقة لمكافحة الفساد وغسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتعزيز المركز القانوني للدولة، وذلك بعد تلقي المجلس تقارير من الأجهزة الرقابية والقضائية حول قضايا فساد كبرى وقعت في الأعوام الأخيرة.

وأفاد الإعلام الرسمي بأنه، بناءً على توصيات من رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، صدرت توجيهات مستعجلة لاستكمال إجراءات التحقيق في القضايا قيد النظر، مع متابعة الجهات المتخلفة عن التعاون مع الأجهزة الرقابية.

وشدد مجلس الحكم اليمني على إحالة القضايا المتعلقة بالفساد إلى السلطة القضائية، مع توجيهات صريحة بملاحقة المتهمين داخل البلاد وخارجها عبر «الإنتربول» الدولي.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن رشاد العليمي (سبأ)

وأمر العليمي -حسب المصادر الرسمية- بتشكيل فريق لتقييم أداء هيئة أراضي الدولة وعقاراتها، التي تواجه اتهامات بتسهيل الاستيلاء على أراضيها من قِبل شخصيات نافذة. كما شدد على إلغاء جميع التصرفات المخالفة للقانون وملاحقة المتورطين.

وبينما تشير هذه الخطوات الجادة من مجلس القيادة الرئاسي إلى التزام الحكومة اليمنية بمكافحة الفساد، وتحسين الأداء المؤسسي، وتعزيز الشفافية، يتطلّع الشارع اليمني إلى رؤية تأثير ملموس لهذه الإجراءات في بناء دولة القانون، وحماية موارد البلاد من العبث والاستغلال.

النيابة تحرّك 20 قضية

ووفقاً لتقرير النائب العام اليمني، تم تحريك الدعوى الجزائية في أكثر من 20 قضية تشمل جرائم الفساد المالي، وغسل الأموال، وتمويل الإرهاب، والتهرب الضريبي. ومن بين القضايا التي أُحيلت إلى محاكم الأموال العامة، هناك قضايا تتعلّق بعدم التزام بنوك وشركات صرافة بالقوانين المالية؛ مما أدى إلى إدانات قضائية وغرامات بملايين الريالات.

كما تناولت النيابة العامة ملفات فساد في عقود تنفيذ مشروعات حيوية، وعقود إيجار لتوليد الطاقة، والتعدي على أراضي الدولة، وقضايا تتعلق بمحاولة الاستيلاء على مشتقات نفطية بطرق غير مشروعة.

مبنى المجمع القضائي في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن (سبأ)

ومع ذلك، اشتكت النيابة من عدم تجاوب بعض الجهات الحكومية مع طلبات توفير الأدلة والوثائق، مما أدى إلى تعثر التصرف في قضايا مهمة.

وأوردت النيابة العامة مثالاً على ذلك بقضية الإضرار بمصلحة الدولة والتهرب الجمركي من قبل محافظ سابق قالت إنه لا يزال يرفض المثول أمام القضاء حتى اليوم، بعد أن تمّ تجميد نحو 27 مليار ريال يمني من أرصدته مع استمرار ملاحقته لتوريد عشرات المليارات المختلسة من الأموال العامة. (الدولار يساوي نحو 2000 ريال في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية).

وعلى صعيد التعاون الدولي، أوضحت النيابة العامة أنها تلقت طلبات لتجميد أرصدة أشخاص وكيانات متورطين في غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وبينما أصدرت النيابة قرارات تجميد لبعض الحسابات المرتبطة بميليشيات الحوثي، طلبت أدلة إضافية من وزارة الخزانة الأميركية لتعزيز قراراتها.

تجاوزات مالية وإدارية

وكشف الجهاز المركزي اليمني للرقابة والمحاسبة، في تقريره المقدم إلى مجلس القيادة الرئاسي، عن خروقات جسيمة في أداء البنك المركزي منذ نقله إلى عدن في 2016 وحتى نهاية 2021. وتضمنت التجاوزات التلاعب في الموارد المالية، والتحصيل غير القانوني للرسوم القنصلية، وتوريد إيرادات غير مكتملة في القنصلية العامة بجدة وسفارتي اليمن في مصر والأردن.

وأفاد الجهاز الرقابي بأن التجاوزات في القنصلية اليمنية في جدة بلغت 156 مليون ريال سعودي، تم توريد 12 مليون ريال فقط منها إيرادات عامة، في حين استولت جهات أخرى على الفارق. أما في مصر فتم الكشف عن استيلاء موظفين في السفارة على 268 ألف دولار من إيرادات الدخل القنصلي باستخدام وثائق مزورة.

وفي قطاع الكهرباء، كشف تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة عن مخالفات جسيمة في عقود توفير المشتقات النفطية، تضمّنت تضخيم تكلفة التعاقدات وإهدار المال العام بقيمة تزيد على 285 مليون دولار. كما أشار التقرير إلى اختلالات في عقود السفينة العائمة لتوليد الطاقة التي تضمنت بنوداً مجحفة وإعفاءات ضريبية وجمركية للشركة المتعاقد معها.

وتحدّث الجهاز الرقابي اليمني عن اعتداءات ممنهجة على أراضي الدولة، تشمل مساحة تزيد على 476 مليون متر مربع، وقال إن هذه الاعتداءات نُفّذت بواسطة مجاميع مسلحة وشخصيات نافذة استغلّت ظروف الحرب لنهب ممتلكات الدولة. كما تم تسليم أراضٍ لمستثمرين غير جادين تحت ذرائع قانونية؛ مما تسبّب في إهدار أصول حكومية ضخمة.

وحسب التقارير الرقابية، تواجه شركة «بترومسيلة» التي أُنشئت لتشغيل قطاع 14 النفطي في حضرموت (شرق اليمن)، اتهامات بتجاوز نطاق عملها الأساسي نحو مشروعات أخرى دون شفافية، إلى جانب اتهامها بتحويل أكثر من مليار دولار إلى حساباتها الخارجية، مع غياب الرقابة من وزارة النفط والجهاز المركزي.