إيطاليا تتحول إلى خاصرة أوروبية رخوة مالياً واقتصادياً

الوضع يتفاقم أكثر إذا استمرت الحكومة اليمينية الشعبوية في مناهضتها بروكسل

فاقمت كارثة انهيار جسر جنوى من الأوضاع السياسية والاقتصادية المرتبكة في إيطاليا (رويترز)
فاقمت كارثة انهيار جسر جنوى من الأوضاع السياسية والاقتصادية المرتبكة في إيطاليا (رويترز)
TT

إيطاليا تتحول إلى خاصرة أوروبية رخوة مالياً واقتصادياً

فاقمت كارثة انهيار جسر جنوى من الأوضاع السياسية والاقتصادية المرتبكة في إيطاليا (رويترز)
فاقمت كارثة انهيار جسر جنوى من الأوضاع السياسية والاقتصادية المرتبكة في إيطاليا (رويترز)

ترتفع معدلات الفوائد في إيطاليا منذ تشكيل الحكومة الجديدة المكونة من «حركة النجوم الخمسة» الشعبوية وحزب الرابطة اليميني، وذلك الارتفاع يعبر بالدرجة الأولى عن قلق المستثمرين، لا سيما من توجهات انفلات الإنفاق العام بحيث يتجاوز عجز الموازنة المعدل الآمن الذي تفرضه قواعد الاتحاد الأوروبي، كما أن هناك خوفا من الرجوع عن الإصلاحات التي أجراها رئيس الحكومة السابق ماتيو رينزي. هذه المخاوف تحول الوضع الإيطالي إلى «هش» بنظر بروكسل، لا سيما عند منعطفات أزمات كالتي تمر بها تركيا حالياً.
وأكدت مصادر مصرفية أن التقارير المتشائمة لا تمر مرور الكرام، بل تزيد الطين بلة؛ كما حصل الأسبوع الماضي عندما أصدر بنك «سوسييتيه جنرال» تقريراً أشار فيه إلى أن سندات الخزانة اليونانية أصبحت أكثر أماناً من نظيرتها الإيطالية.
وتؤكد المصادر عينها أن ذلك القلق يتعاظم أكثر منذ 15 أغسطس (آب) الحالي عندما اقترضت الحكومة بسندات لعشر سنوات بفائدة 3.15 في المائة، وهي الأعلى منذ عام 2014. وبذلك يتسع الهامش بين فوائد السندات الألمانية والإيطالية إلى أعلى مستوى منذ عام 2013 عندما بلغت أزمة الديون السيادية الأوروبية أوج مخاطرها آنذاك.
وجاءت كارثة انهيار جسر جنوى لتثقل هذا المناخ أكثر، لأن التحالف الحكومي الجديد استغل المناسبة ليصب جام غضبه على السياسات السابقة وعلى قواعد الاتحاد الأوروبي المحذرة من زيادة الإنفاق العام. إذ قال مصدر من حركة النجوم الخمسة الشعبوية: «إذا كان الاتحاد الأوروبي يحول بيننا وبين ضرورة القيام بورشة لتحديث بنانا التحتية والفوقية، فلماذا إذاً علينا احترام قواعد ذلك الاتحاد؟!».
ويتسرب من مصادر حكومية أن الاتجاه الآن هو نحو إعادة التفاوض مع المفوضية الأوروبية في بروكسل بشأن التقشف وقواعد ضبط الإنفاق.
في المقابل، هناك قلق محسوس في بروكسل، حيث ترد مصادر المفوضية على تلك المقولات التي تعتبرها «خاطئة» و«غير لائقة»، لأن الاتحاد منح إيطاليا لفترة 2014 - 2020 مبلغ 2.5 مليار يورو لتحديث البنى التحتية، وحصلت إيطاليا في أبريل (نيسان) الماضي على مبلغ 8.5 مليارات يورو خصصت لمخططات استثمار في الطرق السريعة، وهناك برنامج إنفاق قيمته 12 مليار يورو لقطاع النقل.
وتحذر مصادر المفوضية من توجهات الحكومة الإيطالية الجديدة الخاصة بزيادة الإنفاق بحيث يتجاوز عجز الموازنة نسبة 3 في المائة من الناتج، وهذا التجاوز يضرب بعرض الحائط الالتزامات التي على إيطاليا وأي بلد آخر في الاتحاد «احترامها جيداً» وفقاً لتلك المصادر، وإلا فإن المخاطر ستزيد وتتوسع دوائر العدوى لتضرب كل مستلزمات التنقية المالية الضرورية على المستوى الأوروبي العام. لكن يبدو أن الحكومة الإيطالية الجديدة غير عابئة بتلك التحذيرات، وتقول مصادرها إن «نسبة الـ3 في المائة ليست كتاباً منزلاً!».
وتشير المصادر المصرفية إلى أن اتحادات أرباب العمل في إيطاليا - كما المصارف الإيطالية وعموم المستثمرين الأوروبيين - يشاطرون بروكسل رأيها، ولا يوافقون على التوجهات الحكومية، لأن زيادة الإنفاق، ومعه ارتفاع عجز الموازنة، يؤديان إلى تراكم الديون أكثر في بلد يعيش فوق طاقته ويرتب أعباء ثقيلة على الأجيال المقبلة. ويضيف أرباب العمل في إيطاليا إلى ذلك تحذيراً من مغبة المضي قدماً في نقض الإصلاح الذي أجراه ماتيو رينزي والخاص بتخفيف قيود قانون العمل، لأن العودة إلى الوراء في هذا المجال تضع عراقيل أمام الاستثمارات المطلوبة لخلق فرص عمل في بلد تبلغ نسبة البطالة فيه 11 في المائة.
ويسيطر حالياً مناخ حذر شديد بانتظار موعد 27 سبتمبر (أيلول) الذي ستعلن فيه الحكومة الخطوط العريضة لمشروع ميزانيتها الجديدة، فإذا طبق التحالف البرنامج الذي على أساسه فاز في الانتخابات وذهب بعيداً في وعوده الشعبوية، لا سيما وعد خفض بعض الضرائب وتأمين حد أدنى من الدخل لكل فرد إيطالي «محتاج» بواقع 780 يورو، فإن العجز سيصل إلى 6 في المائة من الناتج وفقاً لحسابات أجراها مكتب «كابيتال إيكونوميكس».
ويحذر مفوضون أوروبيون من أي خطأ إيطالي في الحسابات، ويدعون الإيطاليين إلى وعي مخاطر ارتفاع الفائدة. ففي بلد يبلغ دينه العام 132 في المائة من الناتج، فإنه في «عين العاصفة» إذا صعدت الفوائد أكثر في موازاة عجز متعاظم في الموازنة. فنسبة ذلك الدين هي الأعلى أوروبياً بعد اليونان. ويضيف أحد المفوضين: «بذلت إيطاليا جهوداً جبارة في سبيل التنقية المالية منذ 6 سنوات. ففي عام 2012 كانت كلفة فوائد الدين العام أكثر من 83 مليار يورو (5.2 في المائة من الناتج)، وهبطت تلك الكلفة في 2017 إلى نحو 66 ملياراً (3.8 في المائة من الناتج). وجاء ذلك أيضاً بفضل جهود بذلها الاتحاد الأوروبي لمساعدة إيطاليا، لا سيما عندما خفض البنك المركزي الأوروبي الفوائد إلى أحد أدنى مستوياتها التاريخية، كما أن البنك المركزي اشترى إصدارات إيطالية بكثافة. بيد أن المشهد بدأ يتغير منذ وصول التحالف اليميني الشعبوي إلى السلطة، فبعد كل تلك الجهود التي أثمرت انخفاضا في هوامش الفوائد، عادت تلك الهوامش لترتفع بقوة، فإذا بإيطاليا تقترض بفائدة أعلى من 3 في المائة مقابل 0.30 في المائة لفوائد الإصدارات السيادية الألمانية، و0.65 في المائة للفرنسية».
وترد بعض المصادر الإيطالية معتبرة تلك التحذيرات بمثابة «تهويل»، وتقول: «يبشروننا بالأسوأ وتحديداً بعاصفة مالية، لكنهم لا يذكرون أن لدى إيطاليا بعض المزايا التي ستحول نسبياً دون هبوب تلك العاصفة المزعومة. أولاً في إيطاليا أحد أعلى نسب التوفير والادخار في أوروبا. فادخار الأفراد والأسر يبلغ 4400 مليار يورو (4.4 تريليون)، والدين العام ممسوك بنسبة 75 في المائة من مقرضين إيطاليين. إلى ذلك، فإن متوسط عمر ذلك الدين طويل نسبياً، ولا يتجدد منه سنوياً إلا 10 في المائة فقط... لذا فإن ارتفاع الفائدة لن يكون بالنتائج الكارثية التي يحذر منها البعض».
وترد أيضاً مصادر المفوضية على تلك «التطمينات» بتجديد تحذيرها من خفض الضرائب إلى 15 أو 20 في المائة، كما جاء في البرامج الانتخابية، لأن ذلك سيخفض الإيرادات، في المقابل ستزيد المصروفات إذا وفي التحالف بوعد تأمين دخل قيمته 780 يورو لكل مواطن «محتاج».
وتضيف المصادر أن مشكلة إيطاليا ليست مالية فقط، بل هي اقتصادية أيضاً متعلقة بالتنافسية والنمو كما يؤكد البنك المركزي الأوروبي. إذ ورد في دراسة لـ«المركزي» أن متوسط دخل الإيطالي تراجع منذ 1999. وهو تاريخ إطلاق عملة اليورو، بنسبة 25 في المائة مقارنة بمتوسط دخل مواطني الدول الأعضاء في الاتحاد، وهناك شيخوخة زائدة في المجتمع، ونقص في الاستثمارات الإنتاجية، وتراجع في نمو الصادرات... كل ذلك يجعل مهمة الحكومة الجديدة المكونة من حركة النجوم الخمسة الشعبوية وحزب الرابطة اليميني أصعب مما يعتقده أعضاء هذا التحالف الذي فاز بالانتخابات مستخدماً شعارات «قد لا تكون مناسبة، أو صعبة التطبيق، أو حتى خطرة لأنها شعبوية أكثر من اللزوم»، وفقاً لمصدر مسؤول في بروكسل.



«الفيدرالي» على وشك خفض الفائدة مجدداً يوم الأربعاء

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
TT

«الفيدرالي» على وشك خفض الفائدة مجدداً يوم الأربعاء

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)

من المتوقع على نطاق واسع أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي تكاليف الاقتراض خلال اجتماعه، يوم الأربعاء المقبل، مع احتمال أن يسلط المسؤولون الضوء على كيفية تأثير البيانات الاقتصادية الأخيرة على قراراتهم بشأن أسعار الفائدة في العام المقبل.

وتضع الأسواق المالية في الحسبان احتمالات بنسبة 97 في المائة أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية بمقدار ربع نقطة مئوية، ليصبح النطاق بين 4.25 في المائة و4.5 في المائة، وفقاً لأداة «فيد ووتش».

ومع ذلك، تضاءل مبرر بنك الاحتياطي الفيدرالي لخفض الفائدة مؤخراً بعد التقارير التي تشير إلى أن التضخم لا يزال مرتفعاً بشكل مستمر مقارنةً بالهدف السنوي لـ«الفيدرالي» البالغ 2 في المائة، في حين أن سوق العمل لا تزال قوية نسبياً. وكان البنك قد خفض أسعار الفائدة في سبتمبر (أيلول) ونوفمبر (تشرين الثاني) بعد أن أبقاها عند أعلى مستوى في عقدين طوال أكثر من عام، في محاولة للحد من التضخم المرتفع بعد الوباء.

ويؤثر سعر الأموال الفيدرالية بشكل مباشر على أسعار الفائدة المرتبطة ببطاقات الائتمان، وقروض السيارات، وقروض الأعمال. ومن المتوقع أن تكون أسعار الفائدة المرتفعة في الوقت الحالي عقبة أمام النشاط الاقتصادي، من خلال تقليص الاقتراض، مما يؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد لتخفيف الضغوط التضخمية والحفاظ على الاستقرار المالي.

لكن مهمة بنك الاحتياطي الفيدرالي لا تقتصر فقط على مكافحة التضخم، بل تشمل أيضاً الحد من البطالة الشديدة. وفي وقت سابق من هذا الخريف، أدى تباطؤ سوق العمل إلى زيادة قلق مسؤولي البنك بشأن هذا الجزء من مهمتهم المزدوجة، مما دفعهم إلى خفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في سبتمبر. ورغم ذلك، تباطأ التوظيف، فيما تجنب أصحاب العمل تسريح العمال على نطاق واسع.

توقعات الخبراء بتخفيضات أقل في 2025

تدور الأسئلة المفتوحة في اجتماع الأربعاء حول كيفية موازنة بنك الاحتياطي الفيدرالي بين أولويتيه في مكافحة التضخم والحفاظ على سوق العمل، وكذلك ما سيقوله رئيس البنك جيروم باول، عن التوقعات المستقبلية في المؤتمر الصحفي الذي سيعقب الاجتماع. وبينما تبدو التحركات المتعلقة بأسعار الفائدة في الأسبوع المقبل شبه مؤكدة، فإن التخفيضات المستقبلية لا تزال غير واضحة.

وعندما قدم صناع السياسات في بنك الاحتياطي الفيدرالي آخر توقعاتهم الاقتصادية في سبتمبر، توقعوا خفض المعدل إلى نطاق يتراوح بين 3.25 في المائة و4.5 في المائة بحلول نهاية عام 2025، أي بتقليص بنسبة نقطة مئوية كاملة عن المستوى المتوقع في نهاية هذا العام.

وتوقع خبراء الاقتصاد في «ويلز فارغو» أن التوقعات الجديدة ستُظهر ثلاثة تخفيضات ربع نقطة فقط في عام 2025 بدلاً من أربعة، في حين توقع خبراء «دويتشه بنك» أن البنك سيُبقي على أسعار الفائدة ثابتة دون خفضها لمدة عام على الأقل. فيما تتوقع شركة «موديز أناليتيكس» خفض أسعار الفائدة مرتين في العام المقبل.

التغيير الرئاسي وتأثير التعريفات الجمركية

يشكّل التغيير في الإدارة الرئاسية تحدياً كبيراً في التنبؤ بمستقبل الاقتصاد، حيث يعتمد مسار التضخم والنمو الاقتصادي بشكل كبير على السياسات الاقتصادية للرئيس المقبل دونالد ترمب، خصوصاً فيما يتعلق بالتعريفات الجمركية الثقيلة التي تعهَّد بفرضها على الشركاء التجاريين للولايات المتحدة في أول يوم من رئاسته.

وتختلف توقعات خبراء الاقتصاد بشأن شدة تأثير هذه التعريفات، سواء كانت مجرد تكتيك تفاوضي أم ستؤدي إلى تأثيرات اقتصادية كبيرة. ويعتقد عديد من الخبراء أن التضخم قد يرتفع نتيجة لنقل التجار تكلفة التعريفات إلى المستهلكين.

من جهة أخرى، قد تتسبب التعريفات الجمركية في إضعاف الشركات الأميركية والنمو الاقتصادي، مما قد يضطر بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة لدعم الشركات والحفاظ على سوق العمل. كما يواجه البنك تحدياً في فصل تأثيرات التعريفات الجمركية عن العوامل الأخرى التي تؤثر في التوظيف والتضخم.

وتزداد هذه القضايا غير المحسومة وتزيد من تعقيد حسابات بنك الاحتياطي الفيدرالي، مما قد يدفعه إلى اتباع نهج أكثر حذراً بشأن تخفيضات أسعار الفائدة في المستقبل. كما أشار مات كوليار من «موديز أناليتيكس» إلى أن التغيرات المحتملة في السياسة التجارية والمحلية تحت إدارة ترمب قد تضيف طبقة إضافية من عدم اليقين، مما يدعم الحاجة إلى نهج الانتظار والترقب من لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية.