«تراب الماس» ينتصر للسينما الجادة في موسم تجاري

ثمان سنوات درامية، مرت بها رواية «تراب الماس» منذ صدورها في 2010، وحتى طرحها فيلما سينمائيا يحمل نفس الاسم في دور العرض قبل أيام. الرواية التي تتصدر المبيعات للكاتب أحمد مراد، كان من المقرر أن يقوم ببطولتها في البداية الفنان أحمد حلمي بمشاركة الفنان الراحل محمود عبد العزيز، وبالفعل أجريت عدة بروفات، ولكن توقف المشروع، وبدأ فجأة صراع قضائي حول حقوق الرواية التي استعادها الكاتب الشاب، قبل أن تذهب الشخصية الرئيسية في العمل للفنان آسر ياسين. وحقق فيلم «تراب الماس» إشادات بالغة، من الجمهور والنقاد عقب ساعات من عرضه بدور السينما في مصر.
ورغم احتفاء صناع العمل بالفيلم الجديد ووصفه بأنه أهم فيلم بالموسم بل في المواسم السينمائية الأخيرة، فإن بعض النقاد رأوا أن الفيلم الذي يرصد نحو 70 عاما من تاريخ مصر حتى 2018. يسلط الضوء على ثلاثة أجيال مختلفة. وأوضحوا أن بناء الرواية كان متماسكا أكثر من بناء الفيلم، بسبب الانتقالات أو القفزات الزمنية. وأبدى صناع العمل إعجابهم بالقصة والفكرة التي يقدمها والسيناريو والحوار، وأشادوا بالمخرج خلال تصريحاتهم لـ«الشرق الأوسط».
«كان علي الموافقة على (تراب الماس) منذ اللحظة الأولى، لأنه فرصة قد لا تتكرر كثيراً»، بهذه الكلمات بدأ آسر ياسين تصريحاته لـ«الشرق الأوسط»، عن فيلم «تراب الماس» الذي يجسد فيه شخصية مندوب مبيعات لإحدى شركات الأدوية.
يقول آسر ياسين: «طه الزهار، من أصعب الشخصيات التي قدمتها في مشواري الفني، لأنها احتاجت لتحضيرات كبيرة ولمدة طويلة، فهي ليست مليئة فقط بمحاور نفسية، بل هناك محاور أخرى كان يجب العمل عليها، مثل أنه ضعيف البنيان، ولا بد أن يظهر عليه طوال الوقت الهزال والضعف، ولتحقيق ذلك اتبعت نظاما غذائيا، حتى أنقصت وزني 9 كيلو تقريبا.
الشخصية أيضا تظهر خلال الأحداث تعزف «درامز»، وهذا استلزم التدريب على هذه الآلة لمدة سنة ونصف تقريباً، يضاف إلى ذلك أن علاقته بأبيه القعيد الذي يلازمه طوال الوقت ويقضي له كل احتياجاته، كانت في غاية الأهمية والصعوبة، لكن كل ذلك لا ينفي أن العامل النفسي كان الأصعب، لأن هذا هو البعد الرئيسي للبطل والذي تتمحور حوله جميع المحاور.
وأوضح آسر ياسين، أنه تعمد عدم قراءة الرواية قبل تنفيذ الفيلم لأسباب كثيرة، يأتي في مقدمتها أنه عندما قرأ السيناريو شعر بأنه كافٍ بدرجة كبيرة وأعطاه صورة كاملة عن حياة «طه الزهار» وبالتالي وجد أنه ليس في حاجة لقراءة الرواية المأخوذ عنها الفيلم، مشيرا إلى أنه بعد أن قرأ الرواية اكتشف أنه لا يوجد اختلافات جوهرية بين شخصية «طه» في الفيلم والرواية، فهي مجرد تغييرات بسيط جداً، فمثلاً في الرواية «طه» له صديق، أما في الفيلم فقد تم الاستغناء عن هذه الشخصية، وفي الرواية كان يعمل صيدلياً فقط، أما في الفيلم فيعمل أيضاً مندوب مبيعات، لكن هذه الاختلافات البسيطة لا تفرق في مجريات أحداث الفيلم.
وعن سبب اختيار آلة الدرامز ليعزف عليها البطل، قال آسر ياسين، إن كل إنسان له طريقته الخاصة في التعبير عن نفسه، فهناك من يحب النحت وهناك من يحب الرقص أو الصوت العالي، من وسائل التعبير عن مكنون المشاعر الداخلية، وفي الفيلم «طه» يحب العزف على الدرامز كنوع من التعبير عما بداخله. لكنه كان أمراً مميزاً من أحمد مراد هذا التناقض الجميل الذي صنعه في شخصية طه الزهار، فهو كتوم جداً وهادئ جداً ومع ذلك يحب آلة «الدرامز» التي تتميز بطبيعة صاخبة، وهذا معناه أن البطل يتمتع بإيقاع داخلي ويحب أن يعبر عما بداخله وخصوصاً الغضب، وهذا كان يتيح له اللعب على آلة الدرامز، التي هي مهمة في الفيلم لأنها تضبط توقيت الأحداث.
وأعلن آسر ياسين، عن رضاه بالشكل الذي خرج عليه الفيلم في صورته النهائية، معتبرا «تراب الماس» من أهم الأفلام التي قدمت في الـ10 سنوات الأخيرة، وأنه شخصيا يحب أن يشاهده كثيرا، وهي حالة من الانبهار لم يشعر بها منذ «رسائل البحر»، وإن كان «تراب الماس» تطلب مجهوداً أكبر، وفترة تحضير أطول، رغم أن تصويره في الحقيقة لم يستغرق سوى شهرين ونصف فقط.
يرى آسر ياسين أن تصنيف الفيلم رقابيا لأكثر من 18 سنة، أمر طبيعي، لأنه يضم مشاهد عنيفة لا يصح أن يشاهدها من هم دون هذا العمر، أما فيما يتعلق بالمنافسة في موسم عيد الأضحى، فأكد أنه لا يتعامل مع المنافسة بشكل سلبي، لقناعته أن أي دخل لصناعة السينما هو مكسب للجميع، معلنا عن أمنيته بأن يحقق هذا الموسم أعلى إيراد، لأن الإيرادات الكبيرة تفتح الباب لمزيد من الإنتاج السينمائي. وبالتالي تكون هناك استفادة لجميع العاملين بالصناعة، لكن في الوقت نفسه رأى آسر ياسين أن «تراب الماس»، فيلم قوي على الصعيدين الفني والتجاري، وقادر على المنافسة بتحقيق إيرادات وجذب المشاهدين في أي موسم.
من جهتها، كشفت الفنانة منة شلبي، التي تجسد شخصية الصحافية ومعدة البرامج «سارة» ضمن أحداث الفيلم، في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، أنها أيضا لم تقرأ رواية «تراب الماس» قبل تجسيد شخصية «سارة» لأن المخرج مروان حامد، قال لها منذ اللحظة الأولى، أن الشخصية في السيناريو مختلفة تماما عن الرواية، في كثير من التفاصيل، وبالتالي يمكنك قراءة الرواية بعد انتهاء التصوير إذا شعرت أنها يمكن أن تربكك، وبناء عليه فضلت الاكتفاء بالسيناريو لأنه الأهم بالنسبة لها كممثلة.
تقول منة شلبي، إن شخصية الصحافية ومعدة البرامج «سارة»، تعد من أصعب الشخصيات التي قدمتها في حياتها، لمرورها بعدة تحولات، ولكن مروان حامد قام بدور كبير في تسهيلها، فهو في رأيها مخرج مخلص جداً لعمله ومجتهد ويعرف بالضبط ما يريده من الفنان، ويعي كلياً أبعاد العمل الذي يقوم بإخراجه، كما أنه يساعد الممثل جداً ويوفر عليه الكثير من المجهود ويجعله يركز فقط في الدور الذي يقدمه، فهو نموذج للقائد الذي يضعك على المسار الصحيح ويدخلك لعالمه.
تؤكد منة شلبي، أنها لم تضف شيئا لشخصية «سارة»، وترى أن من الأمور الخاطئة جداً في مجال الفن، أن يقول ممثل «أنا وضعت لمستي الشخصية على الدور». فالمفروض أن يجرد الفنان نفسه تماماً ويستسلم للدور كلياً وطبيعة الشخصية التي يؤديها، ومن الخطأ أن يحاول فعل ذلك وإلا ستعاكسه كل الأمور ويربك نفسه.
أما فيما يتعلق بالأزياء، فقالت إن الفضل في ظهورها بهذا الشكل المختلف خلال أحداث الفيلم يعود إلى مصممة الأزياء ناهد نصر الله، التي تعد واحدة من أهم مصممي الأزياء في السينما المصرية حاليا حسب رأيها.
وكشفت منة شلبي، أن صعوبة شخصية «سارة» تكمن في أنها تنتمي إلى التراجيديا، وتركز على الجانب النفسي بشكل كبير جدا، مؤكدة أنها استغرقت فترة طويلة بعد الانتهاء من التصوير كي تعود إلى طبيعتها وتنسى آلام الشخصية.
وترى منة شلبي أن «تراب الماس» فيلم ينافس نفسه فقط، وهو لا يشبه أي عمل آخر ولا يجوز مقارنته بأي فيلم في موسم عيد الأضحى، لدرجة أنه مختلف عن الرواية، فحتى من قرأ الرواية سيشاهد شيئاً جديداً.
واستطردت منة شلبي في حديثها إلى قناعاتها في اختيار الأعمال السينمائية، مؤكدة، أن الفنان عادة يوافق على أي عمل سينمائي من أجل 3 أشياء؛ تحقيق مكسب أدبي، ومكسب مادي وإشباع رغبة داخلية، أما بالنسبة لها فهي لا تفكر إلا فيما ستتركه من ميراث لمن بعدها، مشيرة إلى أن الأعمال التي لا تعتمد على العنصر التجاري وتخلو من الأغاني والرقص، أصبحت قليلة ويمكن حسابها على أصابع اليد الواحدة.
وتابعت منة شلبي: «ذوقي ينتمي لهذه القلة البسيطة، فأنا لا أرغب في أن أكون سيدة السينما، ولكن أحب أن أستمتع بعملي، ولا أسفه من موهبتي للعمل في أي فيلم. وهذا لا يعني أنني أحب الحزن والنكد، فأنا أيضا أحب تقديم الأعمال الخفيفة، ولكن لا بد أن تكون جيدة ومصنوعة بحرفية. تؤكد منة شلبي، أن أزمة الكوميديا حاليا تكمن في نقص كُتّاب ومخرجي ذلك النوع، فرغبة الفنان في تقديم أعمال خفيفة لا تكفي لخروج العمل بشكل جيد، فلا بد أن يكمل هذه الرغبة مخرج ومؤلف وفريق عمل متكامل.