أسمرا... جارة البحر ومنارة جنوب إريتريا

«روما أفريقيا» تبدي حسنها وتتنسم خريف السلام

مدينة أسمرا
مدينة أسمرا
TT

أسمرا... جارة البحر ومنارة جنوب إريتريا

مدينة أسمرا
مدينة أسمرا

أينما تنقشع الرؤيا عن سحب قريبة كأنها تسير هوناً بين الناس، مرسلة زخات مطر أنيس ومدرار، لا تخالطه بروق صواعق، أو هدير رعد، فإن المكان حتماً هو «أسمرا» عاصمة إريتريا. «جارة البحر ومنارة الجنوب» كما يقول شاعرها.
ترجع الرواية الشعبية الاسم «أسمرا» إلى أن أربع نساء من أربع قرى تكوّن المدينة، قررن إنهاء حرب عبثية كانت مشتعلة بين سكانها، فأفلحن في مسعاهن. وحين تذوقن طعم النجاح، وصفن فعلهن بأنه مفيد و«مثمر»، وأطلقن عليه المفردة التغرينية «أسمرت»، وتعني «صالحت، ووحدت».
زائر المدينة، في قمة «كبسا» وهي امتداد شرقي للهضبة الإثيوبية، يلحظ أن الطقس «الخريف» يحمل أكثر من بشارة الخصب والحصاد الوفير. فقد صار يحمل للناس وعود السلام، ووعود التواصل مع العالم، بعد قطيعة طويلة وحرب مع الجارة إثيوبيا، حالت دون تمتع الإريتريين ببلادهم المستقلة في عام 1991.
تحت غلالة هذا المطر، وأسراب الصبايا الجائلات في شارع الحرية «كمشتاتو»، تطل المدينة التي يُقال إنها الأجمل في الشرق الأفريقي. هؤلاء يصفونها بـ«روما الأفريقية» نظراً لطابعها الإيطالي.
لم يفت هذا الطابع البديع منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم «اليونيسكو»، فأدرجته في قائمتها الخاصة بالتراث الثقافي العالمي، في اجتماع لجنة التراث في «كراكوفا» ببولندا، يوليو (تموز) 2017. الآن هي تراث إنساني تحفظه مسؤولية عالمية.
تسترخي مدينة أسمرا في أعلى قمة هضبة «كبَسا»، على ارتفاع يتجاوز 2300 متر فوق سطح البحر، ما أعطاها مناخاً معتدلاً طوال العام، وموقعاً جعل الاستعمار الإيطالي يوليها عناية خاصة. فقد بناها لتكون روما أفريقيا البديلة، أو روما الصغرى «بيكولا روما»، من حيث المعمار والتخطيط والنسق الحياتي.
سعوا فعلياً في تصميمها لتكون شبيهة بعاصمتهم روما. حرصوا على بنائها على الطراز المعماري «آرت ديكو»، الذي بدا كثورة معمارية اجتاحت أوروبا في بداية القرن العشرين.
معماريون ومصممون أوروبيون شباب، تمردوا على التصميم المعماري التقليدي في فرنسا وإيطاليا على وجه الخصوص، ووجدوا في أسمرا أرضية مناسبة لتطبيق أسلوبهم، الأمر الذي أدى إلى شكل المدينة الحالي.
يقول الخبراء، إن التصميمات المعمارية التي بنيت عليها «روما الصغرى» لم تحظ بها حتى روما «الكبيرة» الأم. ويقول الإريتريون إن «أسمرا مدينة ثائرة، بناها ثوار، ويسكنها ثوار»، إشارة للثورة المعمارية «آرت ديكو» التي بنيت على نمطها، وأيضا لـ«الثورة الإريترية» وتحرير البلاد من الاستعمار الإثيوبي.
حافظ الإريتريون على «هوية» المدينة المعمارية، وساعدها الحظ في أن نجت من تخريب متوقع أثناء الحرب بين بلادهم وإثيوبيا لاحقاً. ورغم مرور أكثر من مائة عام على بناء المدينة، فلا يزال «الجانب المشرق» من الاستعمار الإيطالي، كما يراه كثير من أبناء البلد، ظاهراً في معمارها ومعالمها وأسماء طرقاتها وسبل الحياة فيها. فأحياء «كزبندا طليان، وترافولو، وشارع كمشتاتو» لا تزال بأسمائها القديمة.
يعد «كمشتاتو» الرئة التي تتنفس بها المدينة. تزينه أشجار النخيل على الجانبين، ويعد مكاناً مثالياً للسير، بدليل المقولة السائدة، إن «التنزه في كمشتاتو تعبير عن روح ثأر قديمة من الحرمان من السير في الطريق أثناء الاستعمار». فقد كان السير فيه محظوراً على الإريتريين، ولا يزال المشي على حواف الطريق يمثل مشهداً لافتاً، فترى النساء والرجال في أزيائهم الحديثة والتقليدية، وصبايا يرتدين بنطلونات الجينز، متشبهات بنساء روما.
وتقع في منتصف شارع كمشتاتو، وطوله نحو 4 كيلومترات، كاتدرائية «القديس سان جوزيف» للمسيحيين الكاثوليك، التي تعتبر تحفة معمارية بهية الجمال، لا يمكن أن تُمحى من الذاكرة بسهولة.
ليس بعيداً من مسمع أجراس الكنيسة الضخمة، يسمع صوت الأذان القادم من مئذنة «جامع الخلفاء الراشدين»، أو مسجد أسمرا العتيق، الذي بني قبل مائة عام، على تلة موازية لكمشتاتو، وخلف الكنيسة.
يسع جامع الخلفاء الراشدين نحو 10 آلاف مصلٍّ، وهو مبني على الطراز المعماري الإسلامي، بقبتيه الخضراوين، وتزينه من الداخل بالنمنمات الإسلامية، وتتدلى من سقفه القناديل الملونة.
يتناغم المسجد الإسلامي مع معمار المدينة الـ«آرت ديكو» بشكل عجيب، لا يُشعر الزائر بأي تناقض، بل العكس، فإنه يكمل جلال المدينة، ويكسبها هيبة روحية يحسها المسلمون، مثلما يحس المسيحيون جلال كنيسة كمشتاتو أو «القديس سان جوزيف»، خصوصاً أن المبنيين الدينيين يجسدان التسامح الديني في البلاد، التي لا يزيد عدد سكانها عن أربعة ملايين على آخر التقديرات.
- مطاعمها
تشتهر أسمرا بمأكولاتها الشعبية، وأشهرها «الزغني» و«الإنجيرا»؛ لكنها تفخر أيضاً بأطعمتها الإيطالية، فهي تزعم أنها تقدم أفضل «بيتزا، ومعكرونة، ومشروب كابتشينو» بعد روما. وعلى الرغم من تنوع المأكولات في مقاهي ومطاعم وفنادق المدينة، فإن طعامها الشعبي له مذاق خاص، فالمائدة الإريترية غنية بالأطعمة الحاذقة والحريفة، المتبلة بالبهارات الحارة، وتتكون من المقبلات والوجبة الرئيسية.
«الإنجيرا»، أو الوجبة الشعبية الرئيسية، هي عبارة عن «كسرة» من حبوب «التف»، تخبز في شكل شرائح إسفنجية حامضة، تقدم بالمرق والعدس والفاصوليا والخضراوات المطبوخة. هناك أيضا الأطعمة البحرية، التي تعد هي الأخرى من الوجبات الرئيسية، بحكم موقعها المطل على البحر الأحمر.
- طقوس وعادات
تنفرد أسمرا بتقليد «الفادوس»، وهي فترة استراحة تبدأ بعد الظهيرة، وتمتد لنهاية القيلولة، تغلق خلالها المتاجر والمكاتب والشركات أبوابها، ويعود فيها العاملون إلى بيوتهم، أو يذهبون للأسواق لتناول وجبة خفيفة، ثم يعودون لممارسة أعمالهم في الثانية والنصف بعد الظهر. وهي شبيهة بـ«قيلولة الظهيرة» الشهيرة، مع فرق أن المدينة تدخل خلالها في سبات عميق وسكون عميم، فتخلو شوارعها من السيارات والمارة.
> يتسم سكان المدينة، وأهل البلاد عموماً، بالهدوء والتهذيب. يتحدثون بهمس، ويحافظون على النظام بكل أشكاله. فالسائح إليها لن يرى مثلاً أي نفايات أو ملوثات، حيث إن شوارعها تلمع، وكأن الأمطار تتساقط لتغسلها ساعة بعد أخرى.
> مباني المدينة معظمها لا يرتفع لأكثر من ثلاثة طوابق. ويحرص السكان على أن تكون لهم حديقة في أي منزل، مهما ضاقت مساحته. يزرعون فيها الورد والياسمين والزهر، وفي المناسبات يتهادونه. هذا هو الحال في المدينة القديمة، ففي الجانب الجديد، بدأت تظهر مبانٍ إسمنتية مرتفعة تماشياً مع متطلبات العصر؛ لكن لحسن الحظ أنها تحرص على الطابع المعماري للمدينة.
> تقع دولة إريتريا على شريط ساحلي يطل على البحر الأحمر، يمتد من الجهة الغربية عند باب المندب وسواحل جيبوتي، حتى السواحل السودانية. تحدها من الساحل الشرقي دول اليمن والمملكة العربية السعودية، وتقع في مياهها الإقليمية نحو 126 جزيرة، ضمن ما يعرف بأرخبيل «دهلك»، ما يجعل منها موقعاً استراتيجياً على الساحل الغربي. من الجنوب تحدها برياً دولتا إثيوبيا وجيبوتي، ومن الشمال والغرب السودان.


مقالات ذات صلة

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

سفر وسياحة أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

الأسواق المفتوحة تجسد روح موسم الأعياد في ألمانيا؛ حيث تشكل الساحات التي تعود إلى العصور الوسطى والشوارع المرصوفة بالحصى

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المنتدى التاسع لمنظمة الأمم المتحدة لسياحة فن الطهي المقام في البحرين (الشرق الأوسط) play-circle 03:01

لجنة تنسيقية لترويج المعارض السياحية البحرينية السعودية

كشفت الرئيسة التنفيذية لهيئة البحرين للسياحة والمعارض سارة أحمد بوحجي عن وجود لجنة معنية بالتنسيق فيما يخص المعارض والمؤتمرات السياحية بين المنامة والرياض.

بندر مسلم (المنامة)
يوميات الشرق طائرة تُقلع ضمن رحلة تجريبية في سياتل بواشنطن (رويترز)

الشرطة تُخرج مسنة من طائرة بريطانية بعد خلاف حول شطيرة تونة

أخرجت الشرطة امرأة تبلغ من العمر 79 عاماً من طائرة تابعة لشركة Jet2 البريطانية بعد شجار حول لفافة تونة مجمدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أشخاص يسيرون أمام بوابة توري في ضريح ميجي بطوكيو (أ.ف.ب)

اليابان: اعتقال سائح أميركي بتهمة تشويه أحد أشهر الأضرحة في طوكيو

أعلنت الشرطة اليابانية، أمس (الخميس)، أنها اعتقلت سائحاً أميركياً بتهمة تشويه بوابة خشبية تقليدية في ضريح شهير بطوكيو من خلال نقش حروف عليها.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق سياح يصطفون للدخول إلى معرض أوفيزي في فلورنسا (أ.ب)

على غرار مدن أخرى... فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة

تتخذ مدينة فلورنسا الإيطالية التاريخية خطوات للحد من السياحة المفرطة، حيث قدمت تدابير بما في ذلك حظر استخدام صناديق المفاتيح الخاصة بالمستأجرين لفترات قصيرة.

«الشرق الأوسط» (روما)

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)
أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)
TT

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)
أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)

الأسواق المفتوحة تجسد روح موسم الأعياد في ألمانيا؛ حيث تشكل الساحات التي تعود إلى العصور الوسطى والشوارع المرصوفة بالحصى، المسرح المثالي للاحتفال بأعياد الميلاد ورأس السنة.

تنطلق هذه الأسواق في أواخر شهر نوفمبر (تشرين الثاني) وتستمر حتى 24 ديسمبر (كانون الأول)، وأحياناً حتى شهر يناير (كانون الثاني)، وتنبض بسحر محلي خاص، حيث تقدم الزينة اليدوية الصنع، المعجنات الموسمية، والهدايا الحرفية، إلى جانب الموسيقى التقليدية، مما يغمر الزوّار في أجواء رائعة من التقاليد العريقة والبيئة الاحتفالية.

اسواق العيد مناسبة للعائلات (الشرق الاوسط)

تنتشر في ألمانيا أسواق كثيرة تتميز بتنوع حيوي إليكم أجملها:

سوق أعياد كريسكنيدل ميونيخ

تقع سوق الأعياد البافارية في قلب ساحة مارينبلاتز، وتعد نموذجاً للأجواء الاحتفالية البافارية، حيث تجمع بين التقاليد التي تعود إلى قرون مضت والروح الاحتفالية لمدينة ميونيخ. هنا، يمكن للزوار استكشاف صفوف من الأكشاك الخشبية التي تعرض الحرف اليدوية المحلية والزخارف الدقيقة والمأكولات الموسمية اللذيذة، مثل خبز الزنجبيل والمكسرات المحمصة. كما يمكن للعائلات الاستمتاع بمجموعة متنوعة من الأنشطة الخاصة، بما في ذلك العروض الموسيقية و«ورشة العمل السماوية»، حيث يمكن للأطفال صنع الحرف اليدوية الخاصة بموسم الأعياد.

أسواق دريزدين (الشرق الاوسط)

سوق دريسدنر – دريسدن

يعود تاريخ سوق دريسدنر شتريزيلماركت إلى عام 1434، وهي أقدم سوق أعياد في ألمانيا ومن بين الأكثر شهرة فيها. تُقام السوق في ساحة التماركت بالمدينة، وتعرض الزخارف الخشبية المصنوعة يدوياً، وزخارف الزجاج المنفوخ في ساكسونيا، مع عروض وأنشطة للأطفال في قلعة القصص الخيالية ليستمتع بها الجميع.

أسواق العيد المفتوحة في برلين (الشرق الاوسط)

سوق الأعياد في ساحة ألكسندر - برلين

يُعد ميدان ألكسندر بلاتز من أشهر الساحات في برلين، وهو ذائع الصيت بعجلة فيريس الشهيرة التي توفر إطلالات بانورامية على معالم المدينة التاريخية، بينما تقدم حلبة التزلج وألعاب الترفيه أنشطة ممتعة لجميع أفراد العائلة. تضم السوق بائعين دوليين يعرضون أطعمة موسمية، مثل الكستناء المشوية، وخبز الزنجبيل، والوافل على الطراز البرليني، إضافة إلى هرم موسم الأعياد الشاهق المزدان بشخصيات تقليدية ليكون نقطة جذب مثالية للصور.

أسواق فرانكفورت (الشرق الاوسط)

سوق الأعياد في فرنكفورت

مع خلفية ساحرة تجمع بين ساحة رومربيرغ وساحة سانت بولس، تُعرف سوق الأعياد في فرنكفورت بزخارفها الاحتفالية وعروضها الموسيقية. تقدم السوق زينة يدوية الصنع، وألعاباً خشبية، وحلويات موسمية مثل بسكويت المارزيبان «بيتماينشن»، بينما تضفي الشجرة الضخمة المُزينة والموسيقى الاحتفالية من جوقات وأوركسترا محلية، المزيد من السحر والأجواء الاحتفالية.

سوق رايترلسماركت في مدينة روتنبورغ أوب در تاوبر (الشرق الاوسط)

رايترلسماركت - روتنبورغ أوب دير تاوبر

تقع سوق رايترلسماركت في مدينة روتنبورغ أوب در تاوبر التي تعود إلى العصور الوسطى، وتوفر أجواءً فريدة لقضاء العطلات في واحدة من أفضل مدن العصور الوسطى في ألمانيا. وبينما يتجول الزوار في شوارع المدينة المتعرّجة، يمكنهم الاستمتاع بالعطلات الفرنكونية والعروض التقليدية ورواية القصص، فضلاً عن جولات المشي على ضوء الشموع التي تسهم في إحياء تاريخ المدينة، مثل جولة روتنبورغ الأسطورية التي تُعد محور احتفالات رايترلسماركت.

أسواق دريزدين (الشرق الاوسط)

سوق نورنبيرغ الاحتفالية

تُعدّ سوق الأعياد في نورنبيرغ، المعروفة باسم «كريست كيندلس ماركت»، من أشهر أسواق العيد في العالم، وتُقام في ساحة «هاوبت ماركت»؛ حيث تقدم هدايا يدوية الصنع مثل خبز الزنجبيل التقليدي من نورنبيرغ، وكسّارات البندق الخشبية، وشخصيات «نورنبيرغ بلام بيبول» من نورنبيرغ التي ترتدي الأزياء التقليدية.

اسواق هامبورغ (الشرق الاوسط)

سوق هامبورغ للأعياد التاريخية

تشتهر سوق الأعياد التاريخية، التي تُقام أمام مبنى راتهاوس العريق في هامبورغ بـ«سانتا الطائر» الفريد من نوعه، الذي يقوم برحلات يومية فوق ساحة السوق، مما يُسعد الأطفال والكبار على حدٍّ سواء. هذا ويتم تسليط الضوء على تاريخ هامبورغ البحري في عروض العطلات والأكشاك الاحتفالية؛ حيث يمكن للزوار العثور على الهدايا ذات الطابع البحري والاستمتاع بالأطباق الإقليمية مثل الكستناء المحمصة ومعجنات العطلات، فيما تجعل قرية الأطفال والعربة الدائرية من السوق، وجهة مفضلة لدى العائلات.