مشاركة ثلاثة جنود جزائريين في العرض العسكري الفرنسي تثير جدلا بين باريس والجزائر

«حرب الذاكرة» تعود للاشتعال واليمين المتطرف الفرنسي يستغل المناسبة

عسكريون جزائريون يشاركون في التدريبات الخاصة التي أقيمت أمس في باريس استعدادا لاحتفالات فرنسا بعيدها الوطني غدا  (أ. ف. ب)
عسكريون جزائريون يشاركون في التدريبات الخاصة التي أقيمت أمس في باريس استعدادا لاحتفالات فرنسا بعيدها الوطني غدا (أ. ف. ب)
TT

مشاركة ثلاثة جنود جزائريين في العرض العسكري الفرنسي تثير جدلا بين باريس والجزائر

عسكريون جزائريون يشاركون في التدريبات الخاصة التي أقيمت أمس في باريس استعدادا لاحتفالات فرنسا بعيدها الوطني غدا  (أ. ف. ب)
عسكريون جزائريون يشاركون في التدريبات الخاصة التي أقيمت أمس في باريس استعدادا لاحتفالات فرنسا بعيدها الوطني غدا (أ. ف. ب)

ككل عام، تحتفل فرنسا بعيدها الوطني في 14 يوليو (تموز)، بعرض عسكري كبير. ودرج الرؤساء الفرنسيون على توجيه دعوات إلى رؤساء دول صديقة لحضور العرض. ومن ذلك مثلا أن الرئيس السابق نيكولا ساركوزي دعا عام 2008 الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، ونظيره التونسي زين العابدين بن علي، والرئيس السوري بشار الأسد، للوقوف إلى جانبه على المنصة الرئاسية.
لكن احتفال الغد له نكهة خاصة، إذ يحل بينما تحتفل فرنسا بالمئوية الأولى لاندلاع الحرب العالمية (1914)، لذا، اقترحت اللجنة الخاصة بالاحتفالات الجمع بين المناسبتين ودعوة ممثلين عن 80 دولة شاركت بشكل أو بآخر، إن عبر جنودها، أو مدنييها، في المجهود الحربي الذي أفضى إلى انتصار الحلفاء على دول المحور.
والمعلوم أن عشرات الآلاف من سكان المستعمرات السابقة والبلدان التي كانت تحت الحكم الفرنسي بداية هذا القرن شاركوا في الحرب تحت العلم الفرنسي، منهم 130 ألف مغاربي سقط منهم 25 ألفا في جبهات القتال. ولذا، كان من الطبيعي أن يدعى عسكريون (بمعدل ثلاثة من كل بلد من البلدان المغاربية الأربعة: المغرب، موريتانيا، تونس والجزائر). بيد أن وجود ثلاثة عسكريين جزائريين في العرض لم يمر مرور الكرام لا في فرنسا ولا في الجزائر.
يقول وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لو دريان في حديث صدر أمس في صحيفة «لوموند»: «من الطبيعي أن يُدعى الجزائريون للمشاركة في العرض لأن الكثير من أبائهم وأجدادهم ماتوا من أجل الدفاع عن فرنسا. والامتناع عن دعوتهم كان سيشكل صدمة». والحال أن المشاركة نفسها شكلت صدمة بالنسبة لليمين الفرنسي المتطرف وللمتحدرين من المستعمرين الفرنسيين الذين اضطروا لمغادرة الجزائر عام 1962 مع حصول الجزائر على استقلالها بعد حرب دامية سقط فيها مئات الآلاف من القتلى. لكن اليمين المتطرف، ممثلا بالجبهة الوطنية التي ترأسها مارين لوبن التي شارك والدها في حرب الجزائر ضابطا وثبت لجوؤه للتعذيب، سارعت للتنديد بوجود «جيش التحرير الوطني» والعلم الجزائري على الأرض الفرنسية.
وسريعا ما قام تجمع سُمّي «لا لمشاركة الجنود الجزائريين في 14 يوليو (تموز) 2014». وأصدر نائب رئيس الجبهة الوطنية لويس أليو والنائب عن الجبهة المحامي جيلبير كولار بيانا مشتركا عد فيه «الحضور العسكري الجزائري» بمثابة «إهانة»، ويطرح «مشكلة أخلاقية» فضلا عن كونه «استفزازا وتعبيرا عن الاحتقار الكبير للقتلى والمعذبين والمغيبين (من الجيش الفرنسي) على أيدي الجيش الجزائري المتحدر من منظمة إرهابية هي جبهة التحرير الوطني».
أما من يسمون بـ«الأحذية السوداء»، وهم الفرنسيون الذين عادوا من الجزائر في الستينات فقد عبرت جمعياتهم عن «سخطها» لرؤية العلم الجزائري مرفرفا على جادة الشانزلزيه وفي ساحة الكونكورد. وجاء في بيان لها أن هذه المشاركة «تعيد فتح الجروح وتعكس استهانة الجدولة بآلام (الأحذية السوداء) و(الحركيين)»، وهم الجزائريون الذين وقفوا إلى جانب فرنسا ضد الثورة الجزائرية، وهجروا من الجزائر مع الاستقلال.
ويأتي هذا التشنج على خلفية الجدل الذي ثار في فرنسا بمناسبة «المونديال»، حيث احتفل الفرنسيون من أصول جزائرية والجزائريون بالمنتخب الوطني حاملين الأعلام الجزائرية،. وذهب بعض السياسيين إلى حد المطالبة بمنع رفع الأعلام الأجنبية على الأراضي الفرنسية.
وتكشف هذه التشنجات عن الهوة التي ما زالت تفصل الجزائريين عن الفرنسيين بعد 52 عاما على استقلال الجزائر عن البلد المستعمر السابق. وما زال بعض الجزائريين يريدون من باريس أن «تعتذر» عما ارتكبه الفرنسيون أثناء استعمارهم للجزائر. وحتى الآن، رفض الجانب الفرنسي الامتثال لهذا الطلب، وعدّ أن تقويم الماضي يقع على كاهل المؤرخين، وليس على كاهل السياسيين. لكن الرئيس هولاند المعروف عنه ميله للجزائر قطع خطوة على هذا الطريق في زيارته الرسمية للجزائر، وذلك في الكلمة التي ألقاها أمام مجلس الشعب الجزائري. لكن هولاند اكتفى فقط بـ«التنديد» بالأخطاء التي ارتُكبت، لكنه لم يصل إلى حد الاعتذار.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.