حماس تخسر مليار دولار من تجارة الأنفاق

يتجاوز عددها 400 نفق

حماس تخسر مليار دولار  من تجارة الأنفاق
TT

حماس تخسر مليار دولار من تجارة الأنفاق

حماس تخسر مليار دولار  من تجارة الأنفاق

حولت العاصفة الثلجية التي ضربت الشرق الأوسط هذا الأسبوع، قطاع غزة إلى «فينيسا» جديدة، ولكن بمعايير جديدة، فسكان مدينة غزة اختاروا أن يستغلوا قوارب الصيد للانتقال من منطقة إلى أخرى، بعد السيول والأمطار التي اجتاحت المدينة أخيرا، في مشهد شبهه البعض بقوارب السياح التي تشق المدينة الإيطالية الجميلة.
كانت القوارب تعمل لإنقاذ آلاف المحاصرين في منازلهم جراء السيول التي هدمت منازل وأغرقت أخرى، وجعلت من القطاع بحرا كبيرا.
كان المشهد يختصر إلى حد كبير معاناة الغزيين، الذين لم يجدوا سوى «السخرية المرة» في مواجهة الواقع الأكثر مرارة، وهم يجربون من جديد كل أشكال الحياة البدائية، تحت «الحصار»، بلا كهرباء ولا وقود ولا ماء، بل غرقى في بحر مؤقت في مواجهة البرد، بعد 7 سنوات على حكم حركة حماس. كشفت العاصفة الثلجية، وهي الأقوى منذ سنوات طويلة، عن البنية التحتية الهشة في قطاع غزة، وزادت مأساة الغزيين مع استمرار انقطاع التيار الكهربائي عن المنازل، وفقدان الوقود اللازم، وهي أزمة مستمرة منذ أكثر من 50 يوما.
بدأت أزمة حماس قبل شهرين بإغلاق مصر للأنفاق، وهو ما منع تهريب الوقود والبضائع والأموال، لكن ذلك ترافق مع تغييرات في ميزان القوى الذي بات يهدد شرعية حماس. ومع تواصل الأزمة وجدت الحركة نفسها في عنق الزجاجة.
وطالما مر حكم الحركة الإسلامية في أزمات مشابهة، لكنها كانت في كل مرة تخرج أقوى من قبل بفضل حلفائها الأقوياء في المنطقة، وقدرتها على توظيف «المقاومة» و«الحصار» بشكل جيد لكسب تعاطف الآخرين وكسر القيود المصرية والفلسطينية، ولكن هذه المرة يبدو الأمر مختلفا.
ويمكن وصف الأزمة الحالية بالأسوأ في تاريخ حماس منذ منتصف 2006، بعدما ضحت الحركة بمعظم حلفائها الاستراتيجيين في المنطقة، وراهنت على الإخوان المسلمين فسقطوا، ثم خسرت مصر، ووجدت نفسها تحت «حصار» صعب، سياسي ومالي وإعلامي.
وتعكس الحالة المتردية للناس في قطاع غزة وضع حماس الصعب.
وتغط غزة طيلة 18 ساعة في اليوم في ظلام دامس بسبب انقطاع الكهرباء، وهو ما أدى إلى كوارث «ارتدادية»، إذ توقفت المضخات عن ضخ كميات المياه اللازمة للسكان، فيما أوقفت بعض المستشفيات عددا من غرف العمليات، والأقسام، بينما تتراكم النفايات وتزداد المكاره الصحية، جراء توقف عمل البلديات.
وتطال الأزمة الحالية كل قطاعات الغزيين تقريبا - إلا الأكثر ثراء - رجال الأمن، والطلاب، والصيادين، والأطباء، والصحافيين، وسائقي التاكسي، والمؤسسات، والوزارات، وجميع الموظفين، والعائلات في بيوتهم.
واستطلعت «الشرق الأوسط» آراء الكثير من أهالي القطاع الذين عبروا عن إحباط كبير بسبب «بدائية» الحياة وصعوبتها.
وقال صحافيون ومهندسون وأصحاب مصانع إنهم لا يستطيعون إنجاز أعمالهم بسبب الانقطاع المتواصل للكهرباء، فيما يضطر مئات الآلاف من الطلبة الفلسطينيين في غزة للدراسة على ضوء الشموع التي طالما جلبت كوارث بإشعالها حرائق أودت بحياة الأطفال.
وعبرت الطالبة في الصف العاشر، أماني أبو شنب، عن مخاوف حول مستقبل العام الدراسي بالنسبة لها بسبب انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة. وقالت لـ«الشرق الأوسط» إنها تضطر هي وأشقاؤها الصغار للدراسة على ضوء الشموع حتى وقت متأخر من الليل.
ولجأت عدة مدارس في القطاع لتركيب لوحات شمسية تعمل على تحويل الطاقة الشمسية إلى كهربائية، لكن هذه التجربة مكلفة للبعض، كما أن مردودها محدود للغاية في فصل الشتاء.
وقال هاشم أبو ريالة (32 سنة): «الأزمات باتت تخنقنا، وتضر كثيرا بالحياة العامة هنا». وأضاف: «في بيتي لا يوجد كهرباء ولا ماء، وقاربي الصغير توقف عن العمل بسبب نقص الوقود». وتابع: «نبدو عاجزين بصراحة».
وتابع: «أنا أسكن في مخيم الشاطئ، حيث يعيش رئيس الوزراء إسماعيل هنية، والمياه تنقطع لأيام طويلة. الأزمة تضرب الجميع هنا». وتقف جهات الاختصاص حائرة وعاجزة أمام شكاوى معظم الأهالي الذين يشاركون أبو ريالة مشاكله.
وقال نقيب الصيادين في غزة، نزار عياش، لـ«الشرق الأوسط»، إنه يحاول قدر الإمكان توفير كميات محدودة جدا من الوقود للصيادين لكي يتمكنوا من العمل وكسب رزقهم. «الأزمة عامة».
أما المسؤولون في بلدية غزة، فيبررون توقف آبار المياه عن العمل بسبب حاجتها الماسة لكميات كبيرة من الوقود يوميا لكي تتمكن من العمل وضخ المياه للأحياء المختلفة.
وقال مسؤول قسم المياه في بلدية غزة المهندس، رمزي أهل، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الآبار في مدينة غزة وحدها بحاجة إلى نحو 3 آلاف لتر سولار يوميا، ونحن لا نملك أي حلول الآن». وأضاف: «لا توجد أي حلول حتى في القريب. الأزمة ستتفاقم في الأيام المقبلة في ظل انقطاع الوقود، والسولار الاحتياطي المخزون لدى البلدية نفد بشكل كامل».
وتحتاج كل بلديات القطاع إلى 900 ألف لتر سولار شهريا لتشغيل مرافقها، وقف تصريحات لوزير الحكم المحلي في حكومة حماس، محمد الفرا. وأدى انقطاع الوقود إلى تعطيل عمل ما يقرب من 205 آبار مياه شرب و42 مضخة للصرف الصحي و4 محطات معالجة مياه للصرف الصحي و10 محطات مركزية لتحلية المياه المركزية، واضطرهم إلى ضخ 50 في المائة من الصرف الصحي دون معالجة إلى شاطئ البحر من خلال الكثير من محطات الضخ وخاصة غرب مدينة غزة.
وكان القطاع مقبلا على ما هو أسوأ من ذلك، إذ لمحت سلطة الطاقة وشركة الكهرباء في غزة إلى إمكانية تراجع عدد ساعات وصول الكهرباء إلى البيوت إلى أقل عن 6 ساعات يوميا. وحذر المسؤول في الشركة جمال الدردساوي، من عدم قدرة الشركة على السيطرة على برنامج 6 ساعات مع دخول فصل الشتاء.
وقال الدردساوي، لـ«الشرق الأوسط»، إن قطاع غزة يعاني من نسبة عجز في الكهرباء وصلت إلى 75 في المائة من نسبة الاحتياجات الفعلية، مؤكدا أنها مرشحة للازدياد إلى 80 في المائة مع دخول فصل الشتاء. وحذر الدردساوي من احتمالية انقطاع بعض الخطوط في حال دخلت المنطقة في منخفضات جوية. ويحتاج قطاع غزة، يوميا، إلى أكثر من 350 ميغاواط، ويستورد من الجانب الإسرائيلي بقيمة 120 ميغاواط، و17 ميغاواط من الجانب المصري، فيما تنتج محطة توليد الكهرباء المحلية ما قيمته 80 ميغاواط، بعجز متفاوت قد يصل إلى 150 ميغاواط. هذا مع وجود الوقود المصري رخيص الثمن. أما اليوم فتوقفت المحطة نهائيا عن توليد الطاقة.
وكانت المحطة تستهلك نحو 400 ألف لتر وقود حتى تولد الـ80 ميغاواط، أما الاحتياجات الأخرى في القطاع فتبلغ 100 ألف لتر يوميا من البنزين والسولار والمازوت.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل توقفت أجهزة غسل الكلى وحاضنات وغرف عمليات في بعض المستشفيات جراء نقص الكهرباء. وحذرت وزارة الصحة في حكومة حماس من نفاد مخزونها الاحتياطي بشكل كامل، ما يعني توقف كل المستشفيات والمرافق الصحية عن العمل، وخاصة أجهزة غسل الكلى وحضانات الأطفال الخدج وغيرها، كما اشتكت من نفاد كميات كبيرة من أنواع الأدوية بسبب إغلاق المعابر.
وكانت «شبكة المنظمات الأهلية» ومنظمات حقوق الإنسان في قطاع غزة حذرت من تدهور الأوضاع الإنسانية لسكان القطاع، مبدية قلقها البالغ من تفاقم أزمة انقطاع التيار الكهربائي التي تؤدي إلى الاقتراب من «حالة الكارثة الإنسانية، وتمس بشكل خطير بكل المصالح الحيوية للسكان، بما فيها خدمات المياه والصحة البيئية، وخدمات التعليم وكل الخدمات الحياتية اليومية الضرورية».
لكن تدخلا قطريا عاجلا بعد نداءات استغاثة أطلقتها السلطة الفلسطينية وحماس وجامعة الدول العربية، نجحت في التخفيف من حدة الأزمة.
واستأنفت محطة توليد الكهرباء في القطاع، هذا الأسبوع، عملها بعدما سمحت إسرائيل بإدخال كميات من الوقود الصناعي، للقطاع، عبر معبر كرم أبو سالم، كما سمحت بدخول بضائع أخرى، وقالت إنها مددت فترة فتح المعبر لاثنتي عشرة ساعة بدلا من ست ساعات. ويعتقد أن ذلك سيتواصل في الفترة المقبلة.
وسمحت منحة قطرية بشراء الوقود، بعدما خصصت لدفع ضريبة الوقود.
واتفقت القيادة القطرية مع الفلسطينية على شراء الأخيرة للوقود والتنسيق وإرساله إلى غزة لمدة شهر كامل، على أن تحول قطر ما قيمته 10 ملايين دولار، بدل قيمة الضريبة، على كمية الوقود، التي كانت محل خلاف بين السلطة وحماس.
ولا تنهي كميات الوقود التي دخلت إلى غزة الأزمة هناك، لكنها تخففها إلى حد ما. وأعلنت سلطة الطاقة والموارد الطبيعية بغزة أنه سيجري تشغيل محطة توليد الكهرباء وإدخالها إلى الخدمة بشكل تدريجي، حتى تعود إلى جدول التوزيع السابق بواقع 8 ساعات وصل، و8 ساعات قطع، وبشكل دوري. وبدأت أزمة حماس عندما سقط نظام الإخوان المسلمين في مصر، وأحكم الجيش المصري قبضته على الحدود وأغلق الأنفاق بين مصر والقطاع.
ولا يمكن فصل المنحى السياسي عن أزمة حماس في القطاع، ليس بسبب اتهامها فقط بالتدخل في شؤون مصر، وما قابله من ردة فعل مصرية، ولكن لأن الحركة أيضا رفضت التعاون مع السلطة في رام الله وتبادلتا الاتهامات فوق ذلك.
وتجد حماس صعوبة الآن في ترويج أن ما يحدث لكم (أي للناس) هو «جراء المقاومة» وبفعل «الحصار» الإسرائيلي، خصوصا أن الحركة ما توقفت لحظة عن دعم نظام الإخوان المسلمين في مصر بعد سقوط الرئيس المعزول محمد مرسي بشكل علني ومستفز، كما اتهمت من قبل جهات أمنية وسياسية مصرية، وحتى عبر حركة فتح الفلسطينية بالتدخل في شؤون مصر عبر سيناء.
ولم يطل رد مصر الجديدة، فأغلقت الأنفاق ومنعت تهريب الوقود والبضائع، وجمدت إلى حد كبير العلاقات مع حماس. ويعتقد مراقبون الآن أن حماس تدفع ثمن قراءتها الخاطئة لتطور الأحداث، منذ خسرت سوريا وإيران وراهنت على نظام الإخوان.. من ثم استعدت النظام المصري الجديد.
وفي أقل من عام واحد، خسرت حماس كل الحلفاء: سوريا وإيران والإخوان ومصر، فيما يحدث تغيير بطيء في السياسة القطرية التي طالما راهنت عليها حماس. واليوم لا مال يجود به الحلفاء، ولا أنفاق يمكن من خلالها إنعاش الحركة.
وثمة جدل كبير الآن حول ما إذا كانت حماس قد وقعت في أزمة «تعريف نفسها من جديد».
وخلال الأشهر القليلة الماضية ظهرت إشارات متناقضة لمواقف مسؤولين في الحركة. ظهر البعض أنه مع الإخوان ثم عاد البعض وأظهر رغبة في التقرب من مصر الجديدة، فيما خفف آخرون لهجتهم تجاه الرئيس السوري بشار الأسد، وراح مسؤولون من الخارج يحاولون من جديد مد الجسور مع إيران.
ورصد مركز «كارنيغي» الأميركي لـ«الشرق الأوسط» تراجع شعبية حركة حماس التي تحكم قطاع غزة، مشيرا إلى أنها تواجه الكثير من التحديات الداخلية والخارجية التي تهدد قبضتها على حكم القطاع.
وقال المركز: «إن حظوظ حماس قد تبدلت في عام واحد، حيث تلقت حماس ضربة بسبب الإطاحة بالإخوان المسلمين من حكم مصر، وعزلت عن العالم، في الوقت الذي تواجه فيه تهديدات داخلية وخارجية، وبينما تتفاقم الأوضاع الاقتصادية في غزة، يزداد شعور قادته حماس بالبارانويا ويجدون صعوبة متزايدة في الحكم».
وتحدث التقرير عن محاولات حماس التكيف مع التغييرات الدراماتيكية التي تشهدها المنطقة من حولها، وعجزها عن إعادة تعريف نفسها وسط هذه التحولات الإقليمية الكبرى، وسط تزايد التململ الشعبي وخسارتها الداعمين الأساسيين في المنطقة، وهو ما يعرض للخطر قدرتها على مواصلة حكم قطاع غزة.
ويرفض قادة حماس هذا التوصيف، ويصرون على أن حركتهم قادرة على تجاوز الأزمة، غير أن مفكرين في حماس وغيرها كان لهم موقف مخالف، إذ دعا القيادي المعروف في الحركة يحيى موسى، حركته إلى التحول إلى «حركة تحرر وطني فلسطيني»، وأن لا تبقى هياكلها التنظيمية وأطرها المؤسساتية أطرا تنظيمية إخوانية (الإخوان المسلمين).
هذه الدعوة لإعادة تعريف النفس، تبناها ودعا إليها الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري، الذي يرى أنه لم يعد أمام حركة حماس هامش مناورة كاف كما كان عليه الحال سابقا، وكتب يقول: «هناك مخرج مضمون لحماس، لكن يبدو من الصعب أن تلجأ إليه، لأنها تأخرت في اعتماده، وكان يجب أن تستعد له مبكرا حتى في ذروة صعود الإخوان المسلمين، وهو إقامة مسافة كافية بينها وبين جماعة الإخوان المسلمين، وأن تكون جزءا من الحركة الوطنية الفلسطينية أكثر مما هي امتداد للجماعة. هذه المسافة ضرورية لأنها تستجيب لخصوصية القضية الفلسطينية بوصفها قضية تحرر وطني تحتاج وتستطيع الحصول على دعم عربي وإسلامي وإنساني وتحرري على امتداد العالم، ولا يجب أن تحسب نفسها على تيار واحد، بينما هي تستطيع الحصول على دعم جميع التيارات».
وأضاف: «إن المخرج الوحيد المتبقي هو أن تبدي حماس استعدادا جديا وحقيقيا أو تستجيب لمبادرات تدعوها إلى التخلي عن السلطة في غزة، مقابل شراكة سياسية حقيقية في السلطة والمنظمة، ولو اقتضى الأمر اتخاذ مبادرات منفردة في هذا الاتجاه، مثل الاستعداد لنقل السلطة في غزة إلى (هيئة وطنية موثوقة) وليس دعوة الفصائل إلى مشاركة حماس في السلطة؛ تمهيدا إلى الشروع في حوار وطني شامل يستهدف إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية في سياق إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية من خلال إعادة تعريف المشروع الوطني وإعادة بناء التمثيل والمؤسسة الوطنية الجامعة التي تمثلها منظمة التحرير».
لكن هذا الخيار (أي المصالحة) يبدو الآن في «الثلاجة».
وعلى الرغم من أنه ليس من السهل أن تنهار الحركة الإسلامية في غزة، فإنها دخلت في نفق طويل. وأقر المسؤول الحمساوي غازي حمد بصعوبة الأزمة التي تمر بها حماس، وقال إنها خسرت الكثير من الدعم المالي وما زالت تبحث عن مخارج لذلك.
غير أنه لم يشر إلى حلول يمكن أن تلجأ لها حماس أو كيف تتدبر أمرها. ومع إغلاق «منابع» الدعم الكبيرة، تتلقى الحركة اليوم دعما أقل من قطر وتركيا، لكنه لا يكاد يسد حاجات «الحكم» الذي وصفه يوما رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل، بالورطة.
* ماذا خسرت حماس من إغلاق الأنفاق؟
> لم تكن مئات الأنفاق المحفورة تحت الأرض بين غزة ومصر مجرد أنفاق للتهريب وحسب، بل اتخذت هذه الأنفاق صفة المعابر الرسمية، لكنها معابر تحت الأرض، وتحولت مع الزمن إلى مصدر كبير للرزق والثراء، ودخلا مهما لخزينة الحكومة الحمساوية المقالة هناك أيضا.
وكان يدخل عبر هذه الأنفاق يوميا آلاف الأطنان من الوقود والسلع والبضائع المختلفة والأدوية، ومواد البناء، مثل الإسمنت والحديد، هذا غير تهريب السيارات والسجائر. ولا يعرف عدد دقيق للأنفاق، لكن مصادر مختلفة تقول إنها قد تصل إلى 400 نفق رئيسي، وأكثر من ألف فرعي.
والأنفاق متنوعة؛ أنفاق خاصة تابعة لحماس وأنفاق عامة للآخرين. ويكلف حفر النفق الواحد نحو 80 ألف دولار، بحسب حجمه وطوله، وإذا ما عمل بشكل متواصل فقد يصل دخل النفق الواحد إلى 150 ألف دولار في اليوم.
وقال مصدر فلسطيني مطلع لـ«الشرق الأوسط»، إن «أنفاق حماس تخص الحركة، يعمل فيها رجال محسوبون عليها، وتكون خاصة بتهريب وإدخال ما يخص حماس: سيارات، سلاح، وما شابه، ويتحرك منها رجال حماس أيضا». أما الأنفاق العامة، حسب المصدر، «فهي ملك أشخاص عاديين، ولهم شركاء أحيانا مصريون من البدو، وهذه تخضع لإشراف حماس وتخصص للبضائع والسلع».
وشكلت حماس في الأعوام السابقة لجنة خاصة للأنفاق، مهمتها الإشراف عليها وتحديد الضريبة المناسبة على كل بضاعة مهربة وجنيها من أصحاب هذه الأنفاق. وأعطت هذه اللجنة للأنفاق صفة الشرعية.
وتراقب هذه اللجنة وترصد كل النشاطات والتحركات، وتضع مراقبين على بوابات الأنفاق، وهي مختصة بمنح تراخيص لفتح أنفاق جديدة، وهذه تتطلب قدرة من المتقدم على الوفاء بالتزامات مالية كبيرة، وكثيرا ما قبلت اللجنة منح تراخيص لأنفاق جديدة، وكثيرا ما رفضت ذلك.
وتقدر مصر حجم تجارة الأنفاق بمليار دولا سنويا، بينما يقدرها خبراء اقتصاد في غزة بأقل من ذلك بقليل.
ولكن لا يعرف بالضبط كم تجني حماس من هذه التجارة، وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط» إن ذلك «بحسب البضائع»، وأضافت: «بعضها تفرض عليه ضريبة مقطوعة على الكيلو أو القطعة، وبعضها على الطن». وأضافت: «كانت تتقاضى نحو نصف دولار من أصل 80 سنتا هي سعر لتر البنزين عن كل لتر، و8 سنتات عن كل علبة سجائر، و15 دولارا عن كل طن حديد، و10 عن كل طن إسمنت». وتابعت المصادر القول: «بعض السلع مثل السيارات تفرض عليها ضريبة تصل إلى 25 في المائة، و2000 دولار على كل سيارة بدل إذن دخول». وهذا سار على أي بضائع تدخل إلى غزة، بما فيها الملابس واللحوم والعصائر وغيرها. كما تقتطع ضريبة من دخول العمال في الأنفاق.
وقدر مراقبون أن تجارة الأنفاق كانت تسهم بـ15 في المائة من ميزانية حماس، فيما تحصل على دخل آخر من خلال الضرائب التي يدفعها الناس، ناهيك عن الدعم الذي كانت تتلقاه من إيران وسوريا.
غير أن ذلك كله توقف الآن بانتظار كيف ستعيد حماس صياغة الموقف.



شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.