ألمانيا تستشعر خطراً محتملاً على اقتصادها من أزمة الليرة التركية

قالت الحكومة الألمانية، أمس، إنها لا تدرس تقديم دعم مالي لتركيا لمساعدتها على التغلب على أزمة انهيار قيمة العملة، فيما أشارت وزارة المالية الألمانية إلى أن أزمة الليرة تشكل خطراً إضافياً على الاقتصاد الألماني، علاوة على الخلافات التجارية مع الولايات المتحدة واحتمال ترك بريطانيا الاتحاد الأوروبي دون التوصل لاتفاق.
وفقدت الليرة التركية نحو 40 في المائة من قيمتها أمام الدولار، هذا العام، نتيجة تأثرها بخلاف دبلوماسي متفاقم مع الولايات المتحدة وشعور المستثمرين بقلق من تأثير الرئيس رجب طيب إردوغان على السياسة النقدية. وألمانيا ثاني أكبر مستثمر أجنبي في تركيا التي يعد الاتحاد الأوروبي أكبر شركائها التجاريين.
وقالت وزارة المالية الألمانية في تقريرها الشهري الصادر أمس إن «المخاطر ما زالت موجودة، لا سيما في ما يتعلق بالغموض بشأن كيفية نجاح انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى السياسات التجارية الأميركية في المستقبل... والتطورات الاقتصادية في تركيا تمثل خطراً اقتصادياً خارجياً جديداً».
وقالت الوزارة إنه على الرغم من مثل هذه المخاطر، فما زال الاقتصاد الألماني قوياً يدعمه إنفاق الدولة والاستهلاك الخاص وانخفاض أسعار الفائدة وسوق العمل القوية وارتفاع الأجور الحقيقية.
وأضافت أن من المتوقع أيضاً أن تزيد الشركات استثماراتها، لأن الاقتصاد العالمي ما زال في حالة طيبة على الرغم من التهديد بنشوب حرب تجارية.
ويأتي تقرير المالية الألمانية عقب ساعات من تصريحات لرئيس البنك المركزي الألماني ينس فايدمان، قال فيها إن تركيا تواجه وضعاً اقتصادياً خطيراً للغاية، إلا أنها لا تشكل سوى واحد في المائة من الأداء الاقتصادي العالمي.
وأشار فايدمان في مقابلة مع صحيفة «فرانكفورتر ألجماينه زونتاغ سايتونغ» الألمانية، إلى أنه «يمكن أن تظهر المشكلات بالتأكيد»، موضحاً أنه يندرج ضمن ذلك حدوث آثار غير مباشرة عن طريق علاقات ائتمانية مثلا، أو من خلال التجارة الخارجية.
وأضاف أن الخطر بالنسبة لقطاع البنوك الألماني يمكن تجنبه وتداركه، فضلاً عن ذلك، أصبحت أنظمة التمويل أكثر قدرة على المقاومة بشكل عام.
وقال فايدمان إن الآثار غير المباشرة يصعب التحسب لها بشكل أساسي، مثل حالة فقدان عام للثقة التي تطال دولاً ناشئة أخرى، وأشار إلى أن تركيا تحتل المركز السادس عشر فحسب في ترتيب الشركاء التجاريين لألمانيا في قطاع الصادرات.
وإثر تلك التصريحات، قال متحدث باسم الحكومة الألمانية أمس إن ألمانيا لا تدرس تقديم دعم مالي لتركيا لمساعدتها على التغلب على أزمة انهيار قيمة العملة.
وقال المتحدث شتيفن زايبرت في مؤتمر صحافي دوري للحكومة، إن «مسألة تقديم مساعدة ألمانية لتركيا ليست على جدول أعمال الحكومة في الوقت الراهن».
جاء ذلك ردّاً منه على سؤال بشأن إمكانية تقديم مساعدة مالية ألمانية لتركيا، وهو الأمر الذي أثارته أندريا ناليس زعيمة الحزب الديمقراطي الاشتراكي في مطلع الأسبوع.
كما قال زايبرت إن الأمر يرجع لتركيا في تقرير ما إذا كانت تريد طلب مساعدة صندوق النقد الدولي. وأضاف أن مسألة المساعدة المالية ليست هي محور المحادثات بين قادة تركيا وألمانيا.
وأشار زايبرت إلى أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والرئيس التركي إردوغان اتفقا في محادثتهما الهاتفية الأسبوع الماضي على أنه من المقرر أن يعد وزراء مالية واقتصاد كلا البلدين في الحادي والعشرين من سبتمبر (أيلول) المقبل لزيارة إردوغان المنتظرة في نهاية الشهر ذاته.
ومن جانبه، حذر وزير الخارجية الألماني السابق زيغمار غابرييل من المخاطر السياسية والأمنية الكبيرة للأزمة التركية على ألمانيا وأوروبا. وقال غابرييل لشبكة التحرير الصحافي بألمانيا أمس: «يتعين علينا - ولمصلحتنا الخاصة - بذل قصارى الجهد من أجل إبقاء تركيا داخل حظيرة الغرب، وإلا فسيكون هناك تهديد على المدى الطويل بتسلح نووي لتركيا إذا أصبحت معزولة سياسياً».
وأضاف الوزير الاتحادي السابق المنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي أنه يتعين على ألمانيا وأوروبا إعطاء إشارة واضحة بأنهم لن يشاركوا في عملية زعزعة الاستقرار الاقتصادي لتركيا، التي يقوم بها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بحسب قوله.
وقال غابرييل: «الولايات المتحدة تقوم الآن بشيء يجب ألا يتم القيام به بين شركاء حلف شمال الأطلسي (ناتو) بحسب رأيي، إنها تطبق عقوبات وتحاول دفع البلاد المنكوبة اقتصادياً بالفعل إلى الهاوية». وأضاف السياسي الألماني البارز قائلاً: «أتخوف من أن تلجأ قوى قومية في تركيا عاجلا أو آجلا - مثلما حدث في إيران وكوريا الشمالية - للقنبلة النووية لتحصين نفسها».
يُذكر أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات اقتصادية ضد تركيا في ظل الخلاف حول قس أميركي محتجز في تركيا، ما أسفر عن تدهور سعر الليرة التركية.
وكانت رئيسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي أندريا نالس قد طرحت للنقاش فكرة تقديم مساعدات ألمانية لتركيا، وقالت لصحف مجموعة «فونكه» الألمانية الإعلامية: «يمكن أن ينشأ الموقف التي يتعين فيه على ألمانيا مساعدة تركيا - بغض النظر عن النزاعات السياسية مع الرئيس إردوغان». وأضافت: «تركيا هي شريك بحلف شمال الأطلسي، ومن مصلحتنا جميعاً أن تظل مستقرة اقتصادياً، وأن يتم الحد من تدهور سعر عملتها».