أين اختفت الشاعرات العراقيات؟

لا تتعدى الأصوات الحقيقية عدد أصابع اليد وما تبقى هو شعر «فيسبوك»

أين اختفت الشاعرات العراقيات؟
TT

أين اختفت الشاعرات العراقيات؟

أين اختفت الشاعرات العراقيات؟

كانت العرب تردد مثلاً يدور على ألسنتهم: «إذا صاحت الدجاجةُ صياح الديك، فاذبحوها»، وهم يقصدون بذلك النساء اللواتي يكتبن الشعر، وكأنَّ الشعر لديهم جنسٌ ذكوريٌ لا يُتقنه إلا الرجال، فيما نرى أن النساء الشواعر خفضن أجنحتهن إلى هذا الفهم من الكتابة الإبداعية، ولكن حديقة الشعر العربي توشوش لنا بين الفينة والأخرى بورود نسوية، حيث حفلت الذاكرة الشعرية العربية بوجود علامات مهمة من النساء الشواعر، ويذكر تاريخ الأدب أنَّ «الخنساء» تفوقت على «حسان بن ثابت» في مباراة شعرية. ولكن في طبيعة الأمر، لم يكن هذا الظهور واضحاً جلياً، بل هو عبارة عن علامات تظهر بوضوح بين كم هائل من الشعراء، في كل زمنٍ وجيلٍ شعري عربي.
حين نتحدث عن أدبنا المعاصر أو الحديث، نجد أنَّ أهم ضربةٍ تلقاها عمودُ الشعر العربي من يد امرأةٍ، وهي «نازك الملائكة»، وكأن قدر الفحولة العربية أنْ يُكسرَ أنثوياً، لذلك فظهور نازك الملائكة كان علامة فارقة في مسيرة الشعر العربي، بل في الثقافة العربية بمجملها، فهي فضلاً عن ريادتها الشعرية، لها وعي مبكر في التجديد، ومناهضة التقليد وفضحه، وطرح أفق جديد للكتابة الإبداعية، أصبحت مفاهيمها ورؤاها فيما بعد دستوراً لمجمل الخريطة الشعرية العربية. وعلى الرغم من تراجع نازك الملائكة عن بعض الآراء التجديدية المهمة، فإنها تمثل نقطة تحول ما بين فحولة الشعر وكسره أو معادلته أنثوياً.
لقد اعتادت الشعرية العربية المعاصرة، والعراقية منها على وجه التحديد، أنْ تحمل في جنينها الشعري، وفي كل جيل من أجيالها المتعاقبة، عدداً مهماً من الشواعر العراقيات اللواتي يمشين جنباً إلى جنب مع الشعراء، وربما حصلت ولادات توائم كثيرة للحركات الشعرية دون أن يكون هناك قدم متقدمة على رجل أو أنثى.
أظنُ أنَّ المناخ العام للمدينة هو العامل الأكثر تأثيراً في ظهور النساء الشواعر، لأننا نعرف جميعاً أنَّ جميع أمهاتنا شاعرات بالفطرة، ولكنهن يوظِفن موهبتهن الشعرية في النعي على موتاهن، ويكتفين بجلد الذات شعرياً.
فيما تمنح المدينة مساحة واسعة للنساء الشواعر، حيث الأفق الأكثر رحابةً الذي يحتمل، ولا يضيق بأنثى، تحب وتكتب شعراً، وهذا ما ظهر جلياً في الجيل الثمانيني في العراق، حيث ظهر جيل نسوي كبير ومهم في الثقافة العراقية، وأظنه من أكثر الأجيال كماً ونوعاً، فما زلنا نتذكر «دنيا ميخائيل، وريم قيس كبة، وأمل الجبوري، وسهام جبار، وفائدة آل يس، وفليحة حسن، ونجاة عبد الله، وكولالة نوري، ورسمية محيبس، وأخريات كثر».
وقد كان الجو العام يسمح بالسباق الشعري والمنافسة الذكورية الأنثوية، هذا إذا علمنا أن جلّ الشعراء الشباب في الثمانينات كانوا في معسكرات التدريب وفي جبهات القتال، فيما الشواعر الشابات كن يدرن على مسارح بغداد بكامل أناقتهن الشعرية والجمالية.
إن هذا المناخ كان صحياً صالحاً لزراعة قصائد الفتيات والشابات في ذاكرة الشعر العراقي، لذلك شكلن حضوراً مهماً، وعلامة مضيئة في الشعرية العراقية، لكن المفارقة أن هذا المشهد لم يدم طويلاً في تاريخ الحركات الشعرية، ذلك أنَّ التحول الذي حدث في التسعينات وما بعد الألفين أسهم كثيراً باختفاء الصوت الأنثوي الشعري من هذا الصراع، وإخلاء الساحة شبه كاملة للذكور، يدورون وحدهم، ويقرأون الشعر لبعضهم، خالية أرواحهم من نسمة حب لشاعرةٍ، حيث بقي بيت «لميعة عباس عمارة» أشبه بالحسرة لدى الشعراء التسعينيين ومن بعدهم، إذ تقول:
أكان اكتمالاً لمجدك أنْ
سيُقال: وهامتْ به شاعرة
وذلك لخلو الساحة من الشواعر الجدد، أو الإبقاء على بعض الوجوه المكررة في كل محفل وصحيفة.
شخصياً، أعتقد أن التحول الثقافي الذي حدث في العراق بعد التسعينات، والحصار الدولي الذي أطبق على العراقيين، وموجة الهجرة التي دفعت العوائل العراقية للمغادرة، كانت أسباباً غير مباشرة، ولكنها مؤثرة، في خلو الساحة الشعرية من الشواعر العراقيات، وأظن أن سبباً أهم من كل هذه الأسباب كان يقف وراء هذا الموضوع، وهو التوجه الديني بعد التسعينات، حيث تحول «صدام حسين» إلى «عبد الله المؤمن»، وبدء حملة الجوامع والحجاب والتدين ومنع الخمور والسينمات، وتحول المسارح إلى مخازن للتجار من جهة، ومن جهة أخرى ظهور السيد «محمد صادق الصدر» في النجف، وقيادته المجتمع دينياً، حيث اليمين المتشدد بأعلى مستوياته، حتى أني أتذكر أنَّ عدداً كبيراً من سواق سيارات الأجرة (التاكسي) كانوا لا يقفون لفتاةٍ غير محجبة، حتى لو لم يعملوا النهار كله، وذلك رضوخاً لفتوى السيد الصدر بحرمة الوقوف للسافرات ونقلهن في التاكسي!
أظن أن هذه الأسباب تقف حائلاً مهماً في تفرد الرجال بالمشهد الشعري، واكتفاء الشواعر بالزواج والجلوس في مطابخهن، دون أنْ يكملن طبختهن الشعرية الأكثر دسماً وبقاءً من طبخة الرز واللحم، وهذا لا يعني خلو الساحة تماماً من الصوت النسوي الشعري، ولكنه حضور غير لافت متقطع، كسرته العادات والتقاليد والمؤسسة المجتمعية والزوج والدراسة والعمل و.. و.. و.. و.. و.
أما مرحلة ما بعد 2003، فتكاد الموجات الدينية تمد ظلالها جميعاً على المشهد، ويكاد يختفي الصوت النسوي أيضاً بسبب التطرف الديني، وموجات الطائفية، والتشديد على الحجاب في مرحلة من المراحل، ومطاردة الصوت النسوي، ولكن كل هذه الأسباب قد تكون حائطاً صغيراً لا يمنع من رؤية المواهب الحقيقية للشواعر العراقيات. وأنا هنا أتحدث عن المواهب الحقيقية لبعض الشواعر اللواتي يشكلن إضافة جمالية وإبداعية للمنجز الشعري في هذه المرحلة. فللأسف، نقولها وقد «تزعل» بعض الصديقات: إن عدداً جيداً من الشواعر يحضرن ويشتركن، ولهن صوتٌ جيدٌ في الحركة الثقافية، ولكن في المجمل الأعم فإن المواهب النسوية في خفوت، وإن عضلة الشعر النسوي في ضمور للأسف.
نعم، توجد اليوم أسماء نسوية شعرية، وقد أعد أحد الأصدقاء «ببليوغرافيا» شعرية تختص بالشعر النسوي المعاصر في العراق، وقد جمع وأرخ لأكثر من ثلاثين شاعرة معاصرة، من الجيل التسعيني والثمانيني، وما بعد الألفين، ولكن للأسف أيضاً لا تتعدى الأصوات الحقيقية الشعرية عدد أصابع اليد الواحدة، وما تبقى هو شعر «فيسبوك» وخواطر لا قيمة فنية لها.
- شاعر واكاديمي عراقي



دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)
«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)
TT

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)
«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

أعربت الفنانة اللبنانية دياموند بو عبود عن سعادتها لفوز فيلم «أرزة» بجائزتين في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، مؤكدةً أنّ سعادتها تظلّ ناقصة جرّاء ما يشهده لبنان، ولافتةً إلى أنّ الفيلم عبَّر بصدق عن المرأة اللبنانية، وحين قرأته تفاعلت مع شخصية البطلة المتسلّحة بالإصرار في مواجهة الصعوبات والهزائم.

وقالت، في حوار مع «الشرق الأوسط»، إنّ «الوضع في لبنان يتفاقم سوءاً، والحياة شبه متوقّفة جراء تواصُل القصف. كما توقّف تصوير بعض الأعمال الفنية»، وذكرت أنها انتقلت للإقامة في مصر بناء على رغبة زوجها الفنان هاني عادل، وقلبها يتمزّق لصعوبة ظروف بلدها.

وفازت بو عبود بجائزة أفضل ممثلة، كما فاز الفيلم بجائزة أفضل سيناريو ضمن مسابقة «آفاق السينما العربية»، وتشارك في بطولته بيتي توتل، والممثل السوري بلال الحموي، وهو يُعدّ أول الأفلام الطويلة لمخرجته ميرا شعيب، وإنتاج مشترك بين لبنان ومصر والسعودية، وقد اختاره لبنان ليمثّله في منافسات «الأوسكار» لعام 2025.

في الفيلم، تتحوّل البطلة «أرزة» رمزاً للبنان، وتؤدّي بو عبود شخصية امرأة مكافحة تصنع فطائر السبانخ بمهارة ليتولّى نجلها الشاب توصيلها إلى الزبائن. وضمن الأحداث، تشتري دراجة نارية لزيادة دخلها في ظلّ ظروف اقتصادية صعبة، لكنها تُسرق، فتبدأ رحلة البحث عنها، لتكتشف خلالها كثيراً من الصراعات الطائفية والمجتمعية.

دياموند بو عبود والمؤلّف لؤي خريش مع جائزتَي «القاهرة السينمائي» (إدارة المهرجان)

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم في فخّ «الميلودراما»، وإنما تغلُب عليه روح الفكاهة في مواقف عدة.

تصف بو عبود السيناريو الذي جذبها من اللحظة الأولى بأنه «ذكي وحساس»، مضيفة: «حين عرض عليَّ المنتج المصري علي العربي الفيلم، وقرأت السيناريو، وجدت أنّ كاتبيه لؤي خريش وفيصل شعيب قد قدّماه بشكل مبسَّط. فالفيلم يطرح قضايا عن لبنان، من خلال (أرزة) التي تناضل ضدّ قسوة ظروفها، وتصرّ على الحياة». وتتابع: «شعرت بأنني أعرفها جيداً، فهي تشبه كثيرات من اللبنانيات، وفي الوقت عينه تحاكي أي امرأة في العالم. أحببتها، وأشكر صنّاع الفيلم على ثقتهم بي».

عملت بو عبود طويلاً على شخصية «أرزة» قبل الوقوف أمام الكاميرا، فقد شغلتها تفاصيلها الخاصة: «قرأتُ بين سطور السيناريو لأكتشف من أين خرجت، وما تقوله، وكيف تتحرّك وتفكر. فهي ابنة الواقع اللبناني الذي تعانيه، وقد حوّلت ظروفها نوعاً من المقاومة وحبّ الحياة».

واستطاعت المخرجة الشابة ميرا شعيب قيادة فريق عملها بنجاح في أول أفلامها الطويلة، وهو ما تؤكده بو عبود قائلة: «تقابلنا للمرّة الأولى عبر (زووم)، وتحدّثنا طويلاً عن الفيلم. وُلد بيننا تفاهم وتوافق في الرؤية، فنحن نرى القصص بالطريقة عينها. تناقشتُ معها ومع كاتبَي السيناريو حول الشخصية، وقد اجتمعنا قبل التصوير بأسبوع لنراجع المَشاهد في موقع التصوير المُفترض أن يكون (بيت أرزة). وعلى الرغم من أنه أول أفلام ميرا، فقد تحمّستُ له لإدراكي موهبتها. فهي تعمل بشغف، وتتحمّل المسؤولية، وتتمتع بذكاء يجعلها تدرك جيداً ما تريده».

دياموند بو عبود على السجادة الحمراء في عرض فيلم «أرزة» في القاهرة (إدارة المهرجان)

صُوِّر فيلم «أرزة» قبل عامين عقب الأزمة الاقتصادية وانفجار مرفأ بيروت و«كوفيد-19»، وشارك في مهرجانات، ولقي ردود فعل واسعة: «عُرض أولاً في مهرجان (بكين السينمائي)، ثم مهرجان (ترايبكا) في نيويورك، ثم سيدني وفرنسا وكاليفورنيا بالولايات المتحدة، وكذلك في إسبانيا. وقد رافقتُه في بعض العروض وشهدتُ تفاعل الجمهور الكبير، ولمحتُ نساء وجدن فيه أنفسهنّ. فـ(أرزة)، وإنْ كانت لبنانية، فهي تعبّر عن نساء في أنحاء العالم يعانين ظروف الحرب والاضطرابات. وقد مسَّ الجميع على اختلاف ثقافتهم، فطلبوا عروضاً إضافية له. وأسعدني استقبال الجمهور المصري له خلال عرضه في (القاهرة السينمائي)».

كما عُرض «أرزة» في صالات السينما لدى لبنان قبل الحرب، وتلقّت بطلته رسائل من نساء لبنانيات يُخبرنها أنهن يشاهدنه ويبكين بعد كل ما يجري في وطنهنّ.

تتابع بتأثر: «الحياة توقّفت، والقصف في كل الأماكن. أن نعيش تحت التهديد والقصف المستمر، في فزع وخوف، فهذا صعب جداً. بقيتُ في لبنان، وارتبطتُ بتدريس المسرح في الجامعة والإشراف على مشروعات التخرّج لطلابه، كما أدرّس مادة إدارة الممثل لطلاب السينما. حين بدأ القصف، أصررتُ على البقاء مع عائلتي، لكن زوجي فضَّل المغادرة إلى مصر مع اشتداده».

وشاركت بو عبود العام الماضي في بطولة فيلم «حسن المصري» مع الفنان أحمد حاتم، وقد صُوّرت معظم المَشاهد في لبنان؛ وهو إنتاج مصري لبناني. كما تكشف عن ترقّبها عرض مسلسل «سراب» مع خالد النبوي ويسرا اللوزي، وبمشاركة زوجها هاني عادل، وإخراج أحمد خالد. وتلفت إلى أنه لم تجمعها مشاهد مشتركة مع زوجها بعد مسلسل «السهام المارقة»، وتتطلّع إلى التمثيل معه في أعمال مقبلة.