صحافة الواقع الافتراضي... عندما يصبح المتلقي شخصية في قلب الحدث

باحث عربي: مهنة المتاعب كما عرفناها ستتلاشى

الصحافة التقليدية أمام تحدٍ يرتبط بمجموعة مؤثرات ليست تكنولوجية فقط بل لها علاقة بـ«إنسان اليوم»
الصحافة التقليدية أمام تحدٍ يرتبط بمجموعة مؤثرات ليست تكنولوجية فقط بل لها علاقة بـ«إنسان اليوم»
TT

صحافة الواقع الافتراضي... عندما يصبح المتلقي شخصية في قلب الحدث

الصحافة التقليدية أمام تحدٍ يرتبط بمجموعة مؤثرات ليست تكنولوجية فقط بل لها علاقة بـ«إنسان اليوم»
الصحافة التقليدية أمام تحدٍ يرتبط بمجموعة مؤثرات ليست تكنولوجية فقط بل لها علاقة بـ«إنسان اليوم»

إذا كان تأثير الجمهور المتلقي واضحا اليوم في الصحافة التقليدية؛ فإن تطور تكنولوجيا الواقع الافتراضي يبشر بأن الجمهور سوف يصبح جزءاً من الحدث. وسوف تكون عملية تشكيل الرأي العام مرهونة بمشاركة الجمهور في القصة الخبرية. فربما بحلول عام 2028، سيكون بإمكاننا مشاهدة الأخبار في سماعة الواقع الافتراضي، بطريقة عرض غامرة بزاوية 360 درجة وكأنك في المكتب البيضاوي مع رئيس الولايات المتحدة تستمتع له وهو يلقي خطاباً وتتجول بعينيك في أرجاء الغرفة.
في عصر «الأخبار الزائفة» اليوم تبدو الحاجة ملحة لمثل هذا النوع الصحافي الذي يواكب العوالم الافتراضية من حولنا، وسيدخل الصحافة في طور جديد على صعيد الممارسة وصعيد التلقي. وهو ما تناوله بالبحث والتحليل الأكاديمي والباحث السوداني الدكتور مصطفى عباس صادق في كتابه الجديد «الإعلام والواقع الافتراضي»، الصادر عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة؛ إذ تطرق فيه إلى النقلة الهائلة التي تكفلها صحافة الواقع الافتراضي بما تكفله من أساليب سرد ونقل الأحداث والتجارب وإظهار المشاعر بأدوات تعبير افتراضية.
في محاولة للوقوف على الأبعاد الاتصالية للواقع الافتراضي وتطبيقاته، تواصلت «الشرق الأوسط» مع المؤلف المقيم في أبوظبي عبر البريد الإلكتروني، وقال صادق إنه «في عام 2008 صدر لي كتاب (الإعلام الجديد... المفاهيم والوسائل والتطبيقات) وفيه تطرقت لجانب من التطبيقات الإعلامية للواقع الافتراضي، وقد ظللت مقتنعاً بأن منظومة اتصالية مستحدثة تتخلق من هذه التطبيقات لا تشبه ما سبق... فالعالم يتابع تطور التكنولوجيات المذهلة المرتبطة بالواقع الافتراضي وغيره مثل، الواقع المعزز والواقع المختلط والمتناهي وتطبيقات الهولوغرام وغير ذلك».
يشير صادق إلى أن ندرة الكتابات العلمية في هذا الجانب دفعته للبحث والتواصل مع وجهات متعددة من أشخاص ومؤسسات ومراكز أبحاث، بغرض الوصول إلى مجموعة الأفكار والمعلومات والتجارب التي تمكنه من إكمال مشروع كتاب يوضح لمجتمع الإعلام وعلوم الاتصال وغيرهم من المهتمين أوجه الأبعاد الاتصالية والتطبيقات الإعلامية للواقع الافتراضي، حتى وصل في عام 2015 إلى قناعة كاملة بالشروع في الكتابة مع الاستمرار في جمع المعلومات وتحديثها.
- وثائقيات «افتراضية»
شهد العام نفسه إطلاق صحيفة «نيويورك تايمز» أول محتوى صحافي معزز بالواقع الافتراضي وكان فيلم «النازحون»، وهو فيلم وثائقي بتقنية الواقع الافتراضي من 2015 يصور حياة ثلاثة أطفال صغار لاجئين في سوريا وأوكرانيا وجنوب السودان، ويسمح للمشاهدين بأن يشعروا بمعاناة الأطفال... وفي لقطة من فيلم «مشروع سوريا» يجد المتلقي نفسه مع طفلة سورية تغني، وإذا بقنبلة تنفجر بجوارها فيشعر بحجم الفزع ذاته الذي شعرت به، وهو الفيلم الذي أنتجته الصحافية المتخصصة في صحافة الواقع الافتراضي نوني دي لابينا.
وتتبلور أهمية كتاب عباس صادق بفصوله الـ8 باعتباره يقدم مدخلاً لفهم الواقع الافتراضي، راصداً نشأته وبعض تجارب تدريسه في الجامعات الدولية كإضافة مهمة للمتخصصين في المجال الإعلامي. بعد أن كرس جهده في متابعة المتغيرات التي أحدثتها التكنولوجيا الحديثة في الإعلام ويمارس عمله في نفس المجال كمستشار إعلامي متابع لهذه المتغيرات عن قرب ليكون مدخله الخاص عن الإعلام الجديد وتطبيقاته المتسارعة، وقد عبر عن هذه الاهتمامات من خلال مشاركاته الواسعة في المؤتمرات وورش العمل عربياً وعالمياً.
- قصص المستقبل
عن شكل القصة الصحافية في المستقبل؟، قال صادق: «تختلف صحافة الواقع الافتراضي كلياً عن الصحافة الورقية وصحافة الإنترنت، فعندما ظهرت تطبيقات الواقع الافتراضي المتصلة بالنظم الإعلامية، بدأ نموذج جديد للصحافي والصحافة في الظهور، وذلك بالتوازي مع جهود البحث عن طرق جديدة كليا لعمليات صناعة ورواية الأخبار، فبينما صنعت التكنولوجيا الرقمية لصحافة الإنترنت ووسائل الإعلام الرقمية الأخرى أبعاداً جديدة كلياً وغير مسبوقة للتغطية الإخبارية مثل: الحالية والتفاعلية وتعددية الوسائط، فإن تكنولوجيا الواقع الافتراضي تصنع هي الأخرى عمقاً جديداً كلياً للصحافة، محتوى وشكلاً وممارسة، وذلك من خلال الوجود الحسي والنفسي والتفاعل والاستغراق الكامل في بيئة المحاكاة، ليس للصحافي فقط؛ بل هو وشركائه، ولا أقول متابعيه أو قرائه أو متلقيه، كما كان الأمر سابقا».
ويطرح ذلك تساؤلا حول الجانب الإبداعي في القصص الصحافية ربما بسبب أن الصحافي عليه أن يفكر رقميا؛ وأيضا مع التحول في طرق السرد وأدوات التعبير الافتراضية، وهنا يوضح الدكتور صادق لـ«الشرق الأوسط»، أن «الإبداع في رواية القصص الافتراضية سيأخذ أبعاداً جديدة لا تشبه ما سبق من طرق لرواية الأحداث المختلفة في الصحافة والتلفزيون والسينما»، مؤكداً بل ويحتاج إلى جيل جديد من صناع المحتوى الإعلامي، كما أنه سيخدم أغراضاً لا تشبه ما تعود عليه الناس طويلاً، فقد ظلت وسائل الإعلام المختلفة ولزمن طويل أحادية الاتجاه وهي تخدم أجيالا تعودت على التلقي السلبي.
ويعتبر صادق أن «من حظ هذه الأجيال توفر مبدعين من نوع جديد وتقنيات تسمح لهم بتجربة العوالم الخيالية والعيش فيها كأنها واقع حقيقي».
- تحديات أخلاقية ومهنية
حاليا يدور جدل واسع في الولايات المتحدة الأميركية حول التحديات الأخلاقية لتقارير الواقع الافتراضي، على اعتبار أن أحد أكثر التهديدات إثارة للقلق من توغل الواقع الافتراضي في الصحافة، هو احتمال أن تبدأ بعض المؤسسات الإعلامية غير النزيهة في إنتاج أخبار وهمية.
ويرى الباحث الإعلامي عباس صادق أن النقاش الجاري حول مبادئ صحافة الواقع الافتراضي يضعها في مقابل قيم ومبادئ الصحافة التقليدية، التي تقوم على نقل الواقع كما هو، ويتركز النقاش حول البعدين الأخلاقي والمهني المرتبطين بطريقة تقديم المشهد الإخباري في صحافة الواقع الافتراضي من خلال وجهة نظر كروية ثلاثية الأبعاد، معنى أن المشهد يقدم كاملاً من كل الزوايا، وهذا يدفع للتساؤل حول ما إذا كان بناء المشهد بهذه التكنولوجيا يتم بطريقة غير طبيعية قد تؤثر في مصداقية القصة الصحافية».
وأضاف أن «التساؤلات المطروحة في هذا الجانب تشمل أيضا تحديدا مهنيا لصحافة الواقع الافتراضي، هل هي رؤية شخصية للصحافي؟، أم أنها أخبار تقليدية بمعاييرها الأخلاقية المعروفة، مثل التوازن والإنصاف؟، فاستخدام الواقع الافتراضي في بناء القصة الصحافية ذات الأحداث المؤثرة يمكن أن يزيد من تعاطف الناس، ويدفع إلى تغيير ميولهم خاصة مع حالة الاستغراق التي تتم في رواية الحدث الذي ينقله الصحافي، وهذا التعاطف يتم بشكل أكثر بكثير مما يحدث عندما يتابعون هذه القصة بالصور أو الفيديو التقليديين، يقاس على ذلك أن ظهور المراسل في المشاهد المصورة للتقرير التلفزيوني ضمن مجريات الحدث، أو وهو يروي قصة تقريره، قد يتعارض أو يتداخل مع حق المتابع في الاكتشاف المستقل لتفاصيل هذا الحدث».
حول قدرة الصحافة التقليدية على التصدي لهذا الطور الصحافي الجديد، أكد صادق أن «الصحافة التقليدية لم تختف تماما؛ لكنها ستتلاشى... فنحن أمام تحدٍ يرتبط بمجموعة مؤثرات ليست تكنولوجية فقط؛ ولكن أيضا ترتبط بإنسان اليوم». مضيفاً: «هذا الجيل لا يأخذ معرفته من الكتاب ولا حتى من المدرسة في شكلها التقليدي وهو يعرف أشياء كثيرة ومتجددة أتاحها له الـ«يوتيوب» والـ«فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام» وغيرهم، ومن المؤكد أنه لن يرضى لا بالصحافة التقليدية ولا بالتلفزيون التقليدي ولا السينما القديمة، كما لن يثيره الإعلان إذا لم يجد نفسه جزءا منه.
- نوني دي لابينا الأم الروحية لـ«الصحافة الغامرة»
> أعلنت جائزة هيدي لامار للابتكار في تكنولوجيا الترفيه لعام 2018 فوز الصحافية نونى دي لابينا، التي عملت سابقاً مراسلة لمجلة «نيوزويك» قبل انتقالها إلى «نيويورك تايمز»، وذلك نظرا لما قدمته في مجال أفلام الواقع الافتراضي ومساهمتها البارزة في إدخال هذه التكنولوجيا لعالم الصحافة.
تتسلم الصحافية التي لقبتها «الغارديان» البريطانية بالأم الروحية لصحافة الواقع الافتراضي الجائزة في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وتتولى دي لابينا منذ أكثر من 15 عاما مهمة تطوير «صحافة المعايشة»، وقضت الأعوام الأخيرة في دراسة كيفية الاستعانة بتقنية الواقع الافتراضي في عالم الصحافة، وقدمت عدة أفلام وثائقية بنفس التقنية كان أهمها «مشروع سوريا» وتناول قصص أطفال اللاجئين السوريين، و«جوع لوس أنجليس» الذي دار حول كفاءة عمل بنوك الطعام في الولايات المتحدة.
وتؤكد دي لابينا أن دخول الصحافة التقليدية عالم الواقع الافتراضي سيغير كثيراً من الفهم والعواطف البشرية تجاه القصة الخبرية. وتشير إلى أن صحافة الواقع الافتراضي ستصبح «صحافة غامرة» لأنها ستضع القارئ وسط الأحداث.
وتعتبر دي لابينا صحافة الواقع الافتراضي أداة رائعة لتشجيع التعاطف من خلال ما تسميه دي لا بينيا «الوجود». وتقول إنها «تجربة جامحة جميلة... لقد وضعت الآلاف من الناس داخل هذه التجارب حتى الآن، وكانت لهم ردود فعل غير عادية».
كانت بداية تجارب نوني دي لابينا، التي أنجزت عدة وثائقيات لكن على المنصات الترفيهية وليس الصحافية، حاولت دي لابينا لفترة طويلة نقل إحساس الوجود الفعلي في قلب الحدث عند صياغتها للقصص الإنسانية المختلفة، لكنها فكرت بعد ذلك لماذا لا تضع كل شخص بنفسه في قلب الأحداث والأخبار ليصدر أحكامه الشخصية بناء على تجربة أقرب إلى الواقعية.
وكانت قد انتقلت دي لابينا من عالم «الألعاب الوثائقية» إلى الواقع الافتراضي في عالم الصحافة التقليدية، عندما عملت على مشروع «سوريا» للمنتدى الاقتصادي العالمي، لتظهر لهم ما كان عليه الوضع عند انفجار قنبلة بأحد شوارع مدينة حلب السورية. وعرض المشروع في متحف «فيكتوريا وألبرت» منتصف العام الحالي في لندن، وحصل على أكبر عدد من التعليقات التي شهدها المتحف على الإطلاق في دفتر الزوار، وكان من أفضل ما كُتب: «تبدو هذه الأحداث حقيقة واقعة».


مقالات ذات صلة

إصابة مصورَين صحافيَين بنيران إسرائيلية في جنوب لبنان

المشرق العربي جنود إسرائيليون يقودون مركباتهم في منطقة قريبة من الحدود الإسرائيلية اللبنانية كما شوهد من شمال إسرائيل الأربعاء 27 نوفمبر 2024 (أ.ب)

إصابة مصورَين صحافيَين بنيران إسرائيلية في جنوب لبنان

أصيب مصوران صحافيان بجروح بعد إطلاق جنود إسرائيليين النار عليهما في جنوب لبنان اليوم الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي نازحون في أثناء عودتهم إلى قراهم بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» الذي دخل حيز التنفيذ يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024... الصورة في أبلح شرقي لبنان (أ.ب)

«انتصار للبيت الأبيض»... صحف تحلل اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

رأى موقع «بوليتيكو» أن اتفاق وقف إطلاق النار «انتصار كبير للبيت الأبيض»، وقالت «نيويورك تايمز» إن بايدن يريد تذكّره بأنه وضع الشرق الأوسط على طريق تسوية دائمة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
آسيا خلال احتجاج نظمته حركة «طالبان» في أفغانستان (رويترز - أرشيفية)

إحصاء 336 اعتداءً ضد الصحافيين في 3 سنوات من حكم «طالبان» في أفغانستان

أفادت الأمم المتحدة، الثلاثاء، بأنها سجّلت 336 اعتداءً على صحافيين وعاملين في وسائل إعلام منذ عودة «طالبان» لحكم أفغانستان في أغسطس 2021.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا مبنى التلفزيون المصري في ماسبيرو (الهيئة الوطنية للإعلام)

تشكيلة جديدة للهيئات الإعلامية بمصر وسط ترقب لتغييرات

استقبلت الأوساط الإعلامية والصحافية المصرية، التشكيلة الجديدة للهيئات المنظمة لعملهم، آملين في أن تحمل معها تغييرات إيجابية.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
المشرق العربي المسؤول الإعلامي في «حزب الله» محمد عفيف خلال مؤتمر صحافي بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب) play-circle 00:40

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف تكون إسرائيل انتقلت من اغتيال القادة العسكريين في الحزب إلى المسؤولين والقياديين السياسيين والإعلاميين.

بولا أسطيح (بيروت)

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟
TT

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

أثار إعلان شركة «ميتا» تمديد فترة تقييد الإعلانات المتعلقة بالقضايا الاجتماعية أو السياسية لما بعد انتخابات الرئاسة الأميركية، من دون أن تحدّد الشركة وقتاً لنهاية هذا التمديد، تساؤلات حول مدى فاعلية القرار في الحدّ من انتشار «المعلومات المضلّلة»، يأتي ذلك بالتزامن مع رصد تجاوزات مرّرَتها المنصة الأشهَر «فيسبوك» خلال الفترة السابقة برغم تقييد الإعلانات.

ما يُذكر أن «فيسبوك» أعانت بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي «حظر أي إعلان يحمل رسائل توجيه سياسي أو اجتماعي من شأنه التأثير في سير الانتخابات الرئاسية الأميركية»، غير أن مراقبين قاموا برصد تجاوزات على المنصة وصفوها بـ«التضليل»، وقالوا إن «فلاتر» المحتوى على «ميتا» – التي تملك «فيسبوك» – «غير متمرّسة» بما يكفي لتمييز المحتوى الذي ينتهك إرشادات المصداقية، ما يثير شكوكاً بشأن جدوى قرار الشركة تقييد الإعلانات.

الدكتور حسن مصطفى، أستاذ التسويق الرقمي والذكاء الاصطناعي في عدد من الجامعات الإماراتية، عدّ قرار «ميتا» الأخير «محاولةً لتجاوز المخاوف المتزايدة حول استغلال الإعلانات في التأثير على الرأي العام»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «ميتا تخشى اتهامها بنشر المعلومات غير الموثوقة بشكل واسع إبان الفترات الانتخابية وما بعدها، لا سيما وأنه سبق اتهام الشركة من قبل بوجود محتوى يؤثر على الرأي العام خلال فترات انتخابية سابقة».

وعن دور «ميتا» في الحدّ من «المعلومات المضللة»، أوضح مصطفى أنه «لا تزال المعلومات المضلّلة تحدياً قائماً برغم ما اتخذته (ميتا) من إجراءات لمكافحتها، والتقليل من انتشار الأخبار الكاذبة»، وقال عن دور الشركة في هذا الصدد: «لقد عزّزَت (ميتا) التعاون مع جهات خارجية للتحقّق من صحة الأخبار، فباتت تعتمد على منظمة (فاكت تشيك/ FactCheck)، وشبكات من المؤسسات المستقلة؛ للتحقّق من الأخبار المتداوَلة عبر المنصة».

واستشهد الدكتور مصطفى ببعض التقارير الصادرة عن منظمة «هيومن رايتس ووتش»، التي أظهرت إحراز «ميتا» تقدماً في مجال الحد من «خطاب الكراهية»؛ «إذ تمكّنت خوارزميات الشركة من التعرّف على بعض الأنماط المتكرّرة للمحتوى المسيء، وحذفه تلقائياً قبل أن ينتشر»، غير أنه مع ذلك عدّ إجراءات «ميتا» غير كافية، مشيراً إلى أن «خوارزميات الذكاء الاصطناعي ما زالت محدودة القدرة على معالجة المحتوى بلغات ولهجات متنوعة، أو فهم السياقات الثقافية المعقّدة، ما يجعل من الصعوبة بمكان وضع حدود واضحة أمام تحقيق نجاح كامل في تقليص خطاب الكراهية».

هذا، وكانت المنظمة الدولية «غلوبال ويتنس» قد أعدّت تقريراً حول ما إذا كانت منصات التواصل الاجتماعي قادرةً على اكتشاف وإزالة «المعلومات المضلّلة الضارّة»، لا سيما المتعلقة بانتخابات الرئاسة الأميركية، وأشارت في نتائجها عقب الانتخابات الأميركية إلى أن أداء «فيسبوك» كان أفضل مقارنةً بمنصة مثل «تيك توك»، لكن التقرير لم ينفِ التورّط في نشر «معلومات مضلّلة» برغم القيود، كذلك ذكر التقرير أن «فيسبوك» وافَق على واحد من بين 8 إعلانات اختبرت بها المنظمة قيود المنصة للحَدّ من «المعلومات المضلّلة»، ما رأته المنظمة «تحسّناً ملحوظاً مقارنةً بأداء المنصة السابق مع أنه لا يزال غير كافٍ».

من ناحية أخرى أشار تقرير صادر عن منظمات المجتمع المدني «إيكو» و«المراقبة المدنية الهندية الدولية»، إلى أن «ميتا» سمحت بظهور إعلانات تحتوي على عبارات تحريضية ضد الأقليات على منصّتها خلال فترة الانتخابات الأميركية، كما أشارت إلى رصد «محتوى زائف» مصنوع بأدوات الذكاء الاصطناعي.

وحول هذا الأمر، علّق خالد عبد الراضي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» بمصر والمملكة العربية السعودية، لـ«الشرق الأوسط»، على قرار «ميتا» بالقول إننا بصدد محاولات عدّها «غير جادة»، ودلّل على ذلك بأن «(ميتا) قيّدت الإعلانات قبل الانتخابات الأميركية بأسبوع واحد فقط، وهذه مدة غير كافية إذا كانت المنصة بالفعل جادّة في الحدّ من التضليل والتأثير على الرأي العام، مثلاً (إكس) كانت أكثر جدّية من خلال تقييد أي منشور موجّه قبل الانتخابات بشهر»، مشيراً إلى أنه «بالتبعية شاهدنا على منصة (فيسبوك) محتوى مضلّلاً وزائفاً طُوّر بالذكاء الاصطناعي».

وأوضح عبد الراضي أن «(ميتا) لم تفرض قيوداً على الإعلانات بشكل عام، بل على نوع واحد فقط هو الإعلانات السياسية المدفوعة، ومن ثم تركت المجال أمام التضليل والتأثير على الرأي العام»، ودلّل كذلك على قلة جدّية الشركة بقوله: «بعد الانتخابات الأميركية في 2020 واجهت (ميتا) عدة اتهامات بتوجيه الرأي العام، ما دفع الشركة لاتخاذ إجراءات جادّة، من بينها توظيف (فِرق سلامة) معنية بمراجعة النصوص؛ للتأكد من ملاءمتها مع معايير المنصة، غير أن عمل هذه الفِرق أُنهِي لاحقاً، ما يشير إلى أن ادّعاءات المنصة لم تكن جدّية».