العشائر السورية... أداة احتواء التيارات المتطرفة

النظام يستعين بهم لـ«تسويات» مع مقاتلي «داعش»

عناصر من ميليشيات المعارضة السورية يحملون أسلحة في عرض عسكري في درعا يونيو الماضي (أ.ف.ب)
عناصر من ميليشيات المعارضة السورية يحملون أسلحة في عرض عسكري في درعا يونيو الماضي (أ.ف.ب)
TT

العشائر السورية... أداة احتواء التيارات المتطرفة

عناصر من ميليشيات المعارضة السورية يحملون أسلحة في عرض عسكري في درعا يونيو الماضي (أ.ف.ب)
عناصر من ميليشيات المعارضة السورية يحملون أسلحة في عرض عسكري في درعا يونيو الماضي (أ.ف.ب)

في البادية الشرقية لسوريا، تتعهد فعاليات عشائرية أمام النظام السوري وروسيا بضمانة عودة مقاتلين يقاتلون في صفوف الجيش السوري الحر والتنظيمات المتطرفة إلى الحضن العائلي. يرضخ النظام أمام رغبة شيوخ العشائر، ويضع الأمر الأمني في عهدتهم، بحيث بات هؤلاء مسؤولين عن عزوف العنصر التائب عن القتال، وامتناعه عن المشاركة في أي عمل عسكري أو أمني في منطقته، مقابل «تسوية وضعه»، وإعفائه من العقوبة، و«عودته إلى حضن الوطن»، بحسب ما يقول معارضون.
هذا الدور الجديد يُعتَبَر أحدث صفقة بين النظام وروسيا من جهة، والعشائر السورية من جهة أخرى، لاحتواء العناصر المتطرفة التي يمثل مصيرها معضلة الأطراف المحلية والدولية لإنهاء الصراع الدامي في البلاد بموجب تسويات واتفاقات محلية. إلا أنه يسلط الضوء أيضاً على دور متنامٍ للعشائر السورية في مرحلة ما بعد الحرب، وفي آخر مراحلها، بحيث لم يكن للعشائر ذلك الدور المؤثر والفعال على المستوى الوطني، ولم يتعدَّ نفوذها الإطار المناطقي، خلافاً لعشائر العراق التي كانت تتمتع بنفوذ أوسع على المستوى السياسي، تزايد أيضاً في فترة الحرب ما بعد 2003، وصولاً إلى تشكيل الصحوات التي انهارت إثر ظهور تنظيم «داعش». في أي حال باتت العشائر السورية الآن، أداة مثلى لاحتواء التيارات المتطرفة، وتفكيكها، بالنظر إلى أنها «عدو حيوي للمتشددين» الذي ينافسون شيوخ العشائر على النفوذ، فضلاً عن أنها أداة فعالة في تكريس المصالحات.
انضمت العشائر العربية في البادية الشرقية لسوريا إلى جهود النظام لإنتاج «مصالحات» تنهي حالة العسكرة القائمة، وفق تسويات تعمل في سياق احتواء المقاتلين المعارضين، رغم أن دورها الآن يتسم بتعقيدات أكبر، بالنظر إلى أنها تعمل على احتواء المنتمين للتنظيمات المتطرفة. وقالت مصادر معارضة في دير الزور لـ«الشرق الأوسط» إن العشائر «تضمن بعض المقاتلين لدى النظام، وتقدمهم على أنهم مغرر بهم وانضموا إلى (داعش) تحت الضغط»، في مقابل انتزاع موافقة من النظام تتيح العفو عنهم، وذلك ضمن خطته لتوسعة مناطق سيطرته على سائر الجغرافيا السورية.
وقوات النظام باتت اليوم تسيطر على مساحة 112333 كلم مربع بنسبة 60.7 في المائة، وتمكنت من فرض سيطرتها على عدة محافظات بكاملها، وهي طرطوس ودمشق ودرعا والقنيطرة، كما تسيطر قوات النظام على محافظات حمص والسويداء وريف دمشق باستثناء جيوب يوجَد فيها تنظيم «داعش» في حمص والسويداء، ومناطق وجود قوات التحالف الدولي والفصائل المدعومة منها بمحافظتي حمص وريف دمشق، أيضاً تسيطر مع حلفائها على أجزاء واسعة من محافظة حماة باستثناء مناطق في ريفها الشمالي والشمالي الغربي وسهل الغاب، ومحافظة اللاذقية باستثناء أجزاء واسعة من ريفيه الشمالي والشمالي الشرقي. كذلك تسيطر قوات النظام وحلفاؤها، على عشرات القرى في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، فيما تسيطر على مساحات من محافظة حلب من ضمنها معظم المدينة، وأجزاء من محافظة الرقة في غرب نهر الفرات، ومعظم الجزء الواقع في غرب الفرات من محافظة دير الزور باستثناء جيوب للتنظيم فيها إضافة لسيطرتها على قرى مقابلة لمدينة دير الزور من شرق الفرات، إضافة لوجودها في ثكنات عسكرية في محافظة الحسكة وفي مربعات أمنية وأحياء بمدينتي الحسكة والقامشلي.
ثمة من يقول: مقاتلو «داعش» باتوا العبء الأكبر على النظام وروسيا في ظل فشل محاولات نقلهم إلى خارج سوريا، وبعدما بات التنظيم محصوراً في جيوب عسكرية محاصرة في البادية السورية في محافظات السويداء جنوباً، وحمص في وسط سوريا، ودير الزور في شرقها، إلى جانب الجيب الحدودي مع هضبة الجولان السوري المحتل والأردن في حوض اليرموك حيث يخوض النظام معركة عسكرية بموازاة مفاوضات لإخراج المقاتلين من تلك الرقعة. ويسعى النظام و«حلفاؤه» لإيجاد مخارج لهؤلاء المقاتلين بعد تعذر القضاء عليهم، وهي استراتيجية تقوم على احتواء السوريين منهم، وترك الأجانب في المنطقة الصحراوية، حتى الآن، بعد إغلاق الحدود مع العراق. وهو ما أتاح دوراً جديداً للعشائر السورية، لم تضطلع به في السابق، وباتت جزءاً من عملية الاحتواء تشبه الفعاليات الاجتماعية في مواقع أخرى أنتجت تسويات مع النظام.
لقد تراجعت مساحة تنظيم «داعش» وتقلصت بشكل كبير، لصالح طرفين رئيسيين هما قوات النظام و(حلفائه) الروس والمسلحين الموالين لهما، و«ميليشيا قواتسوريا الديمقراطية»، إذ إن عملية التقدم هذه لميليشيا سوريا الديمقراطية أفقدت تنظيم «داعش»، أكبر جيب متبقٍ له في كامل الأراضي السورية، بحيث لم يتبقَّ للتنظيم سوى الجيب الواقع عند الضفة الشرقية لنهر الفرات، الذي يضم بضع بلدات وقرى من بلدة هجين غرباً إلى بلدة الباغوز شرقاً، وجيوب متناثرة ضمن بادية دير الزور في غرب نهر الفرات، وجيبين واسعين منفصلين للتنظيم في شرق السخنة وشمالها، وجيوب للتنظيم في بادية السويداء الشمالية الشرقية على الحدود مع بادية ريف دمشق، لتتقلص مساحة سيطرة التنظيم إلى 3705 كلم مربع من مساحة الجغرافية السورية، بنسبة 2 في المائة، في حين تأتي هذه الخسارة للتنظيم بعد أيام من خسارة فصيل «خالد بن الوليد» المبايع لـ«داعش»، وجوده الميداني في كامل محافظة درعا، لينكمش التنظيم ويخسر المزيد من مناطق سيطرته والمزيد من عناصره، الذين يتناقص عددهم بشكل متتابع نتيجة عمليات القصف الجوي والمدفعي والصاروخي والعمليات العسكرية.
- تنامي الدور العشائريّ
كما سبق الإشارة إليه، لم يكن دور العشائر السورية بارزاً قبل الحرب السورية. بالكاد كان الدور رمزياً، لا يتعدى حصول العشائر على امتيازات مناطقية، ويسمح لهم بحمل السلاح للدفاع عن أنفسهم في مجتمع رعوي وزراعي بامتياز، ويمثلهم النظام في مجلس الشعب، في مقابل الحصول على ولائهم. وأي دور يتخطى ذلك، لم يتعدَّ سياق مناطق وجودهم، بحيث حرموا من أي دور سياسي مؤثر، لم يتمكنوا من فرض أي أجندة أو قرار، وهو الدور الذي اختلف خلال العام الأخير.
والواقع أن تنامي هذا الدور، بعد الأزمة السورية، جاء إثر محاولات دولية للاستثمار في المتحد القبلي النابذ للتشدد الديني، واستخدامه مجدداً ضد التشدد، واحتواء المتشددين من أبناء العشيرة. يقوم هذا الدور أساساً من «صراع السلطة بين شيوخ العشائر من جهة، التي تتمثل في المشيخة التقليدية، وبين مراكز النفوذ الناشئة من آيديولوجيات دينية تستطيع أيضاً أن تستقطب ناشئين، وهو ما أنتج توتراً يستطيع النظام استثماره لمحاربة السلطة الناشئة، وتعزيز المشيخة التقليدية»، كما يقول باحث سوري في ملفات العشائر السورية، رفض الكشف عن اسمه لضرورات أمنية. وأضاف الباحث: «في الحالة العراقية، كان الصراع بين المشيخة التقليدية والسلطة الناشئة أكبر، بالنظر إلى أن المنافسة قامت من قلب العشيرة، وهو ما جعلها أكثر تعقيداً ودفع بالعشائر العراقية للذهاب نحو الصحوات، خلافاً لما هو الأمر عليه في الساحة السورية، حيث الصراع أقل حدة، لأن المنافسين، بأغلبهم، ليسوا من العشائر نفسها، بل أجانب، وهو ما يجعل رابطة الدم أقوى، وتستطيع أن تواجه السلطة الناشئة بسهولة أكبر».
هذا، ويمثل المواطنون السوريون من خلفية قبلية نسبة تزيد عن 30 في المائة من عدد السكان، ويعيشون في مناطق تزيد مساحتها عن 43 في المائة من مساحة سوريا البالغة 185.180 كلم، إذا احتسبت فقط مساحة المحافظات ذات الغالبية العشائرية المطلقة وهي دير الزور والحسكة والرقة ودرعا.
وتتمتع العشائر في دير الزور بنفوذ واسع، وتسيطر على مفاصلها. كان النظام السوري، منذ السبعينات، قد أدرك أهمية دور العشائر، التي تشكل 35 في المائة من السوريين، ويتركز ثقلها في المناطق الشرقية والشمالية. فسارع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد إلى مهادنتها، بالنظر إلى أنها عشائر مقاتلة، وقادرة على حشد المؤيدين للنظام أو الانفكاك عنه، بسبب التركيبة الاجتماعية لها، وهو ما دفع الأسد الأب إلى جعل شيوخ العشائر مقربين منه، وأوصل بعضهم إلى الندوة البرلمانية في مجلس الشعب.
وُجِّهت اتهامات للعشائر السورية في شرق البلاد منذ عام 2012، باحتضانها للجماعات المتشددة لأسباب يراها بعض أبناء تلك العشائر مختلفة، بينما يقول من انتفض ضد «داعش» من أبناء العشائر، إنه لقي تجاهلاً من قبل المعارضة السورية والمجتمع الدولي، وترك وحيداً ليقارع التنظيم. ولعل القرب الجغرافي مع العراق، والانتماء إلى بيئة قبلية واحدة عززت الروابط العشائرية، كان سبباً أساسياً في وجود التنظيم في سوريا، وفي اندحاره أخيراً.
لكن في الفترة الأخيرة، باتت العشائر أداة فعالة لاحتواء التنظيمات المتطرفة، إذ يتحدث معارضون في منطقة دير الزور عن أن الروس «يعملون على هذا الجانب لخلق عدو حيوي للمتشددين، يقارعهم بالوكالة، ويحتوي آخرين، ويقدم ضمانات»، علماً بأن العشائر قادرة على تقديم تلك الضمانات بالنظر إلى قوتها وحيثيتها، إذ يبلغ تعداد عشيرة البكارة وحدها مثلاً، 1.6 مليون شخص، وهو رقم كافٍ لخلق نفوذ في المنطقة.
ويلعب الروس هذا الدور الآن، بعدما لعبه الأميركيون من قبل، ولقد وجدوا في الغطاء القبلي قوة قادرة على مقارعة المتطرفين، وعملوا على تعزيز دور العشائر سواء في العراق أو سوريا، لاحتواء نفوذ التنظيمات المتطرفة الناشئة. ومثل روسيا والولايات المتحدة، تستثمر إيران أيضاً في العشائر، علماً بأن العشائر، حتى ما قبل 25 عاماً، لم تشهد صعوداً في التدين، خلافاً لما عليه الأمر في هذا الوقت.
والى جانب الروس والأميركيين، يستفيد أكراد سوريا أيضاً من الغطاء العشائري ونفوذه، وعملوا على استمالة العشائر في الإدارة الذاتية التي ضمت عشائر عربية، واستقطبوا الزعامات القبلية العربية في منطقتهم، ومنحوهم أدواراً رمزية في المواقع القيادية، رغم أن كثيرين ينظرون إلى الدور الموكل إليهم بوصفه غير مؤثر سياسياً، لكنه أعطى «قوات سوريا الديمقراطية» غطاء عشائرياً عربياً واستمالوا إثره مقاتلين عرباً لمحاربة «داعش».
وقال مصدر عشائري في دير الزور لـ«الشرق الأوسط» إن النظام يعمل على احتواء التنظيمات المتشددة ضمن البيئة الاجتماعية، لافتاً إلى أن العشائر جزء من خطة الاحتواء، مضيفاً: «أي شخص من مقاتلي (داعش) السوريين يتقدم من النظام لتسوية أوضاعه، وبضمانات عشائرية، فإن النظام يرحب بذلك»، مشيراً إلى أن العناصر المتشددة «لا تثق بالنظام، لكنها توافق على التسوية إذا كانت بضمانات روسية».
وقال المصدر إن روسيا وجدت في العشائر «المكون الاجتماعي الأفضل لهذه المهمة»، لافتاً إلى أن العشائر «تستطيع بناء شبكة علاقات عامة تحتوي إثرها المتشددين، وهي القادرة على تلك المهمة بما يتخطى أي مكون اجتماعي سوري آخر بالنظر إلى امتداداتها وارتباطاتها وعددها وقوتها وترابط هيكلية الحكم العشائري المرتبط جميعه بشيخ العشيرة»، موضحاً أن انتماءات العشائر وانفتاحها على المكونات السياسية والمجموعات التي تمتلك حيثية «قائمة بالنظر إلى توزع الولاءات والانتماءات وسهولة تواصلها مع الأطراف الأخرى، وارتباطها جميعها بالهيكلية العشائرية، ما يجعلها الجهة الأقدر على تنفيذ تسهيلات لعودة المتطرفين».



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».