العشائر السورية... أداة احتواء التيارات المتطرفة

النظام يستعين بهم لـ«تسويات» مع مقاتلي «داعش»

عناصر من ميليشيات المعارضة السورية يحملون أسلحة في عرض عسكري في درعا يونيو الماضي (أ.ف.ب)
عناصر من ميليشيات المعارضة السورية يحملون أسلحة في عرض عسكري في درعا يونيو الماضي (أ.ف.ب)
TT

العشائر السورية... أداة احتواء التيارات المتطرفة

عناصر من ميليشيات المعارضة السورية يحملون أسلحة في عرض عسكري في درعا يونيو الماضي (أ.ف.ب)
عناصر من ميليشيات المعارضة السورية يحملون أسلحة في عرض عسكري في درعا يونيو الماضي (أ.ف.ب)

في البادية الشرقية لسوريا، تتعهد فعاليات عشائرية أمام النظام السوري وروسيا بضمانة عودة مقاتلين يقاتلون في صفوف الجيش السوري الحر والتنظيمات المتطرفة إلى الحضن العائلي. يرضخ النظام أمام رغبة شيوخ العشائر، ويضع الأمر الأمني في عهدتهم، بحيث بات هؤلاء مسؤولين عن عزوف العنصر التائب عن القتال، وامتناعه عن المشاركة في أي عمل عسكري أو أمني في منطقته، مقابل «تسوية وضعه»، وإعفائه من العقوبة، و«عودته إلى حضن الوطن»، بحسب ما يقول معارضون.
هذا الدور الجديد يُعتَبَر أحدث صفقة بين النظام وروسيا من جهة، والعشائر السورية من جهة أخرى، لاحتواء العناصر المتطرفة التي يمثل مصيرها معضلة الأطراف المحلية والدولية لإنهاء الصراع الدامي في البلاد بموجب تسويات واتفاقات محلية. إلا أنه يسلط الضوء أيضاً على دور متنامٍ للعشائر السورية في مرحلة ما بعد الحرب، وفي آخر مراحلها، بحيث لم يكن للعشائر ذلك الدور المؤثر والفعال على المستوى الوطني، ولم يتعدَّ نفوذها الإطار المناطقي، خلافاً لعشائر العراق التي كانت تتمتع بنفوذ أوسع على المستوى السياسي، تزايد أيضاً في فترة الحرب ما بعد 2003، وصولاً إلى تشكيل الصحوات التي انهارت إثر ظهور تنظيم «داعش». في أي حال باتت العشائر السورية الآن، أداة مثلى لاحتواء التيارات المتطرفة، وتفكيكها، بالنظر إلى أنها «عدو حيوي للمتشددين» الذي ينافسون شيوخ العشائر على النفوذ، فضلاً عن أنها أداة فعالة في تكريس المصالحات.
انضمت العشائر العربية في البادية الشرقية لسوريا إلى جهود النظام لإنتاج «مصالحات» تنهي حالة العسكرة القائمة، وفق تسويات تعمل في سياق احتواء المقاتلين المعارضين، رغم أن دورها الآن يتسم بتعقيدات أكبر، بالنظر إلى أنها تعمل على احتواء المنتمين للتنظيمات المتطرفة. وقالت مصادر معارضة في دير الزور لـ«الشرق الأوسط» إن العشائر «تضمن بعض المقاتلين لدى النظام، وتقدمهم على أنهم مغرر بهم وانضموا إلى (داعش) تحت الضغط»، في مقابل انتزاع موافقة من النظام تتيح العفو عنهم، وذلك ضمن خطته لتوسعة مناطق سيطرته على سائر الجغرافيا السورية.
وقوات النظام باتت اليوم تسيطر على مساحة 112333 كلم مربع بنسبة 60.7 في المائة، وتمكنت من فرض سيطرتها على عدة محافظات بكاملها، وهي طرطوس ودمشق ودرعا والقنيطرة، كما تسيطر قوات النظام على محافظات حمص والسويداء وريف دمشق باستثناء جيوب يوجَد فيها تنظيم «داعش» في حمص والسويداء، ومناطق وجود قوات التحالف الدولي والفصائل المدعومة منها بمحافظتي حمص وريف دمشق، أيضاً تسيطر مع حلفائها على أجزاء واسعة من محافظة حماة باستثناء مناطق في ريفها الشمالي والشمالي الغربي وسهل الغاب، ومحافظة اللاذقية باستثناء أجزاء واسعة من ريفيه الشمالي والشمالي الشرقي. كذلك تسيطر قوات النظام وحلفاؤها، على عشرات القرى في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، فيما تسيطر على مساحات من محافظة حلب من ضمنها معظم المدينة، وأجزاء من محافظة الرقة في غرب نهر الفرات، ومعظم الجزء الواقع في غرب الفرات من محافظة دير الزور باستثناء جيوب للتنظيم فيها إضافة لسيطرتها على قرى مقابلة لمدينة دير الزور من شرق الفرات، إضافة لوجودها في ثكنات عسكرية في محافظة الحسكة وفي مربعات أمنية وأحياء بمدينتي الحسكة والقامشلي.
ثمة من يقول: مقاتلو «داعش» باتوا العبء الأكبر على النظام وروسيا في ظل فشل محاولات نقلهم إلى خارج سوريا، وبعدما بات التنظيم محصوراً في جيوب عسكرية محاصرة في البادية السورية في محافظات السويداء جنوباً، وحمص في وسط سوريا، ودير الزور في شرقها، إلى جانب الجيب الحدودي مع هضبة الجولان السوري المحتل والأردن في حوض اليرموك حيث يخوض النظام معركة عسكرية بموازاة مفاوضات لإخراج المقاتلين من تلك الرقعة. ويسعى النظام و«حلفاؤه» لإيجاد مخارج لهؤلاء المقاتلين بعد تعذر القضاء عليهم، وهي استراتيجية تقوم على احتواء السوريين منهم، وترك الأجانب في المنطقة الصحراوية، حتى الآن، بعد إغلاق الحدود مع العراق. وهو ما أتاح دوراً جديداً للعشائر السورية، لم تضطلع به في السابق، وباتت جزءاً من عملية الاحتواء تشبه الفعاليات الاجتماعية في مواقع أخرى أنتجت تسويات مع النظام.
لقد تراجعت مساحة تنظيم «داعش» وتقلصت بشكل كبير، لصالح طرفين رئيسيين هما قوات النظام و(حلفائه) الروس والمسلحين الموالين لهما، و«ميليشيا قواتسوريا الديمقراطية»، إذ إن عملية التقدم هذه لميليشيا سوريا الديمقراطية أفقدت تنظيم «داعش»، أكبر جيب متبقٍ له في كامل الأراضي السورية، بحيث لم يتبقَّ للتنظيم سوى الجيب الواقع عند الضفة الشرقية لنهر الفرات، الذي يضم بضع بلدات وقرى من بلدة هجين غرباً إلى بلدة الباغوز شرقاً، وجيوب متناثرة ضمن بادية دير الزور في غرب نهر الفرات، وجيبين واسعين منفصلين للتنظيم في شرق السخنة وشمالها، وجيوب للتنظيم في بادية السويداء الشمالية الشرقية على الحدود مع بادية ريف دمشق، لتتقلص مساحة سيطرة التنظيم إلى 3705 كلم مربع من مساحة الجغرافية السورية، بنسبة 2 في المائة، في حين تأتي هذه الخسارة للتنظيم بعد أيام من خسارة فصيل «خالد بن الوليد» المبايع لـ«داعش»، وجوده الميداني في كامل محافظة درعا، لينكمش التنظيم ويخسر المزيد من مناطق سيطرته والمزيد من عناصره، الذين يتناقص عددهم بشكل متتابع نتيجة عمليات القصف الجوي والمدفعي والصاروخي والعمليات العسكرية.
- تنامي الدور العشائريّ
كما سبق الإشارة إليه، لم يكن دور العشائر السورية بارزاً قبل الحرب السورية. بالكاد كان الدور رمزياً، لا يتعدى حصول العشائر على امتيازات مناطقية، ويسمح لهم بحمل السلاح للدفاع عن أنفسهم في مجتمع رعوي وزراعي بامتياز، ويمثلهم النظام في مجلس الشعب، في مقابل الحصول على ولائهم. وأي دور يتخطى ذلك، لم يتعدَّ سياق مناطق وجودهم، بحيث حرموا من أي دور سياسي مؤثر، لم يتمكنوا من فرض أي أجندة أو قرار، وهو الدور الذي اختلف خلال العام الأخير.
والواقع أن تنامي هذا الدور، بعد الأزمة السورية، جاء إثر محاولات دولية للاستثمار في المتحد القبلي النابذ للتشدد الديني، واستخدامه مجدداً ضد التشدد، واحتواء المتشددين من أبناء العشيرة. يقوم هذا الدور أساساً من «صراع السلطة بين شيوخ العشائر من جهة، التي تتمثل في المشيخة التقليدية، وبين مراكز النفوذ الناشئة من آيديولوجيات دينية تستطيع أيضاً أن تستقطب ناشئين، وهو ما أنتج توتراً يستطيع النظام استثماره لمحاربة السلطة الناشئة، وتعزيز المشيخة التقليدية»، كما يقول باحث سوري في ملفات العشائر السورية، رفض الكشف عن اسمه لضرورات أمنية. وأضاف الباحث: «في الحالة العراقية، كان الصراع بين المشيخة التقليدية والسلطة الناشئة أكبر، بالنظر إلى أن المنافسة قامت من قلب العشيرة، وهو ما جعلها أكثر تعقيداً ودفع بالعشائر العراقية للذهاب نحو الصحوات، خلافاً لما هو الأمر عليه في الساحة السورية، حيث الصراع أقل حدة، لأن المنافسين، بأغلبهم، ليسوا من العشائر نفسها، بل أجانب، وهو ما يجعل رابطة الدم أقوى، وتستطيع أن تواجه السلطة الناشئة بسهولة أكبر».
هذا، ويمثل المواطنون السوريون من خلفية قبلية نسبة تزيد عن 30 في المائة من عدد السكان، ويعيشون في مناطق تزيد مساحتها عن 43 في المائة من مساحة سوريا البالغة 185.180 كلم، إذا احتسبت فقط مساحة المحافظات ذات الغالبية العشائرية المطلقة وهي دير الزور والحسكة والرقة ودرعا.
وتتمتع العشائر في دير الزور بنفوذ واسع، وتسيطر على مفاصلها. كان النظام السوري، منذ السبعينات، قد أدرك أهمية دور العشائر، التي تشكل 35 في المائة من السوريين، ويتركز ثقلها في المناطق الشرقية والشمالية. فسارع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد إلى مهادنتها، بالنظر إلى أنها عشائر مقاتلة، وقادرة على حشد المؤيدين للنظام أو الانفكاك عنه، بسبب التركيبة الاجتماعية لها، وهو ما دفع الأسد الأب إلى جعل شيوخ العشائر مقربين منه، وأوصل بعضهم إلى الندوة البرلمانية في مجلس الشعب.
وُجِّهت اتهامات للعشائر السورية في شرق البلاد منذ عام 2012، باحتضانها للجماعات المتشددة لأسباب يراها بعض أبناء تلك العشائر مختلفة، بينما يقول من انتفض ضد «داعش» من أبناء العشائر، إنه لقي تجاهلاً من قبل المعارضة السورية والمجتمع الدولي، وترك وحيداً ليقارع التنظيم. ولعل القرب الجغرافي مع العراق، والانتماء إلى بيئة قبلية واحدة عززت الروابط العشائرية، كان سبباً أساسياً في وجود التنظيم في سوريا، وفي اندحاره أخيراً.
لكن في الفترة الأخيرة، باتت العشائر أداة فعالة لاحتواء التنظيمات المتطرفة، إذ يتحدث معارضون في منطقة دير الزور عن أن الروس «يعملون على هذا الجانب لخلق عدو حيوي للمتشددين، يقارعهم بالوكالة، ويحتوي آخرين، ويقدم ضمانات»، علماً بأن العشائر قادرة على تقديم تلك الضمانات بالنظر إلى قوتها وحيثيتها، إذ يبلغ تعداد عشيرة البكارة وحدها مثلاً، 1.6 مليون شخص، وهو رقم كافٍ لخلق نفوذ في المنطقة.
ويلعب الروس هذا الدور الآن، بعدما لعبه الأميركيون من قبل، ولقد وجدوا في الغطاء القبلي قوة قادرة على مقارعة المتطرفين، وعملوا على تعزيز دور العشائر سواء في العراق أو سوريا، لاحتواء نفوذ التنظيمات المتطرفة الناشئة. ومثل روسيا والولايات المتحدة، تستثمر إيران أيضاً في العشائر، علماً بأن العشائر، حتى ما قبل 25 عاماً، لم تشهد صعوداً في التدين، خلافاً لما عليه الأمر في هذا الوقت.
والى جانب الروس والأميركيين، يستفيد أكراد سوريا أيضاً من الغطاء العشائري ونفوذه، وعملوا على استمالة العشائر في الإدارة الذاتية التي ضمت عشائر عربية، واستقطبوا الزعامات القبلية العربية في منطقتهم، ومنحوهم أدواراً رمزية في المواقع القيادية، رغم أن كثيرين ينظرون إلى الدور الموكل إليهم بوصفه غير مؤثر سياسياً، لكنه أعطى «قوات سوريا الديمقراطية» غطاء عشائرياً عربياً واستمالوا إثره مقاتلين عرباً لمحاربة «داعش».
وقال مصدر عشائري في دير الزور لـ«الشرق الأوسط» إن النظام يعمل على احتواء التنظيمات المتشددة ضمن البيئة الاجتماعية، لافتاً إلى أن العشائر جزء من خطة الاحتواء، مضيفاً: «أي شخص من مقاتلي (داعش) السوريين يتقدم من النظام لتسوية أوضاعه، وبضمانات عشائرية، فإن النظام يرحب بذلك»، مشيراً إلى أن العناصر المتشددة «لا تثق بالنظام، لكنها توافق على التسوية إذا كانت بضمانات روسية».
وقال المصدر إن روسيا وجدت في العشائر «المكون الاجتماعي الأفضل لهذه المهمة»، لافتاً إلى أن العشائر «تستطيع بناء شبكة علاقات عامة تحتوي إثرها المتشددين، وهي القادرة على تلك المهمة بما يتخطى أي مكون اجتماعي سوري آخر بالنظر إلى امتداداتها وارتباطاتها وعددها وقوتها وترابط هيكلية الحكم العشائري المرتبط جميعه بشيخ العشيرة»، موضحاً أن انتماءات العشائر وانفتاحها على المكونات السياسية والمجموعات التي تمتلك حيثية «قائمة بالنظر إلى توزع الولاءات والانتماءات وسهولة تواصلها مع الأطراف الأخرى، وارتباطها جميعها بالهيكلية العشائرية، ما يجعلها الجهة الأقدر على تنفيذ تسهيلات لعودة المتطرفين».



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».