إدارة ترمب تسعى لإضعاف معايير أوباما بشأن الحد من الانبعاثات

زعمت الإدارة الأميركية أنه بالإضافة إلى تخفيض أسعار السيارات، فإنه يمكن إنقاذ حياة 12.700 شخص من خلال إضعاف معايير الانبعاثات الكربونية المُعتمدة في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما بالنسبة للسيارات والشاحنات. غير أن هذه التقديرات تعتمد فقط على الافتراضات التي يثار بشأنها التساؤلات من قبل الخبراء داخل وخارج الحكومة الفيدرالية الأميركية.
ومن شأن هذا المقترح أن يُجمد معايير تلوث أنبوب العادم (tailpipe pollution standards) بمتوسط يبلغ 37 ميلا للجالون الواحد بحلول عام 2020. بدلا من رفعها إلى أكثر من 50 ميلا للجالون بحلول عام 2025 على النحو المحدد في عهد الرئيس أوباما.
وتستند نصف الوفيات، التي تزعم إدارة الرئيس دونالد ترمب أنها سوف تمنع وقوعها، إلى فكرة أن جعل السيارات الجديدة أكثر كفاءة (تحت معايير أوباما) من شأنه أن يخفض من تكلفتها في القيادة، نظرا لأن الناس لن يضطروا إلى إنفاق كثير من المال على الوقود، ما سيشجع الناس على قضاء مزيد من الوقت على الطريق، وهو ما يرفع من احتمال وقوع الحوادث والوفيات الناجمة عنها.
ووفقا لمنطق إدارة الرئيس ترمب، فإن السيارات التي تحرق كميات أكبر من الوقود من فئة السيارات باهظة الثمن سوف يقل استخدامها كثيرا، ما يسفر عن انخفاض عدد الوفيات بمقدار 6340 حالة وفاة سنويا.
وسوف يندرج النصف الآخر من الوفيات الناجمة عن التمسك بالمعايير الواردة في عهد الرئيس أوباما، وفقا لمقترح إدارة الرئيس ترمب الجديد بشأن كفاءة استهلاك الوقود، تحت فئتين أساسيتين أخريين.
الفئة الأولى ترتبط بالحجة القائلة بارتفاع تكاليف تقنيات صناعة السيارات الأكثر كفاءة، الأمر الذي يزيد من أسعار السيارات في الأسواق، ويخفض من المبيعات، ويدفع السائقين إلى استخدام السيارات القديمة والأقل أمانا على الطريق.
أما الفئة الثانية فهي أكثر غموضا، وصارت مصدرا خاصا للمناقشات الفضفاضة والتكهنات بين مجموعة محدودة من الخبراء الذين يحاولون استيعاب الجداول المترعة بالبيانات وآلاف الصفحات من التحليلات التي تؤيد مقترح معايير الوقود الجديد، وهو أحد القرارات الرجعية الأكثر صرامة في عهد الرئيس الحالي ترمب.
يقول جيف إلسون، وهو مهندس مخضرم أمضى أكثر من 10 سنوات من العمل على معايير الانبعاثات الكربونية في وكالة حماية البيئة الأميركية، إن الفئة الثانية المذكورة على وجه التحديد، وحتى في ظل وجود كثير من المجاهيل، تشير إلى أوجه القصور الكبيرة في مقترح إدارة الرئيس ترمب.
إذ تستند هذه الفئة الثانية إلى مجموعة من الأرقام الحمقاء التي تشير إلى حجة لم يسبق له أن تعامل معها خلال 40 سنة من العمل في مجال البيئة لدى الوكالة. ويبدو أن إدارة الرئيس ترمب تقول إن التخلي عن معايير عهد الرئيس أوباما لن يؤدي فقط إلى دفع الناس لشراء مزيد من السيارات الجديدة – والتي قد تكون صحيحة أو خاطئة – وإنما تقول أيضا إنها سوف تجعل الناس الآخرين يقودون سياراتهم القديمة بوتيرة أقل.
وقال جيف إلسون، الذي تقاعد من عمله لدى الوكالة في أبريل (نيسان) الماضي: «إنها تشكل حقيقة مفادها أن الناس سوف يقودون سياراتهم المستعملة بصورة أقل، وهذا من الأخطاء الكبيرة»، وأضاف أنه لا يعرف إن كان الأمر متعمدا ومقصودا من عدمه.
لكن القيادة المخفضة هي من العوامل الرئيسية في حجة إدارة الرئيس ترمب بأنها تستطيع إنقاذ الأرواح.

قيادة أقل تنقذ الأرواح

وتوضح الجداول الاحتياطية أن الإدارة الأميركية تفترض، اعتمادا على طريقة حسابها، أنه خلال العقود القادمة سوف يقود الشعب الأميركي ما بين 1.5 إلى أكثر من 3 تريليونات من الأميال، أقل مما كان سيحدث تحت معايير إدارة أوباما. وهذا فارق ببضع نقاط مئوية في العام، كما قال جيف إلسون.
واستطرد إلسون قائلا: «لا ينبغي إلقاء اللوم على المعايير سواء ارتفع أو انخفض مستوى قيادة الناس للسيارات. فتلك الخيارات من صميم قرارات الناس. وهم لا ينقذون مزيد من الأرواح بسبب أن السيارات أكثر أمانا. إنهم ينقذون الأرواح في النموذج المطروح لأن الناس يقودون السيارات بوتيرة أقل مما يمثل الجانب الأكبر من الوفيات».
وقامت وكالة حماية البيئة بإحالة الاستفسارات إلى وزارة النقل، التي لم ترد على الفور عن التساؤلات المتعلقة بما إذا كان النموذج المطروح يعاني من عيوب كبيرة، كما يؤكد جيف إلسون.
ويقر المقترح، الصادر بصفة مشتركة بين الإدارة الوطنية للسلامة على الطرق السريعة مع الوكالة الأميركية لحماية البيئة، أن قدرا من الانخفاض في قيادة السيارات بموجب خطته الجديدة – وبالتالي إنقاذ مزيد من الأرواح – سوف يستند بالأساس إلى «اختيار المستهلك».
ونظرا لذلك، قالت الإدارة الأميركية إن الأرقام الواردة بالدولار في حسابات التكاليف والمنافع لديها لا تشتمل على القيم النقدية للأرواح التي تزعم حفظها من الهلاك من خلال ما يسمى بـ«التأثير الارتدادي». وهو المصطلح التقني الذي يشير إلى أن المستهلك يقود السيارات الأكثر كفاءة بوتيرة أكبر.
ويقول المحللون إن التأثير الارتدادي من الظواهر الحقيقية. وصحيح أيضا أن مزيدا من قيادة السيارات يرتبط بمزيد من الوفيات، الأمر الذي تتبعه الباحثون في وزارة النقل في الأوقات التي تشهد انتعاشا اقتصاديا واضحا، على سبيل المثال. غير أن النقاد يقولون إن إدارة الرئيس ترمب قد بالغت كثيرا في تقدير معامل التأثير الارتدادي، إذ قالت إنه سوف يكون بمقدار ضعفي المستوى الذي افترضه المحللون العاملون في إدارة الرئيس أوباما سابقا.
ولقد ساعد التأثير المبالغ في تقديره لأفضل الأميال المقطوعة على الطرق وسلوكيات القيادة ذات الصلة في زيادة إجمالي الوفيات التي افترض المقترح الجديد احتمال وقوعها وفقا إلى معايير الرئيس الأسبق أوباما.
وفي المقترح الصادر مؤخرا، تم تجميع هذه الأرواح لاستخدامها في تأييد قضية الإدارة الأميركية أمام الرأي العام بشأن الخطة الجديدة.
وقالت وزارة النقل في بيان صادر عنها: «أدرجت الوفيات نظرا لأنها في واقع الأمر عبارة عن التأثيرات المادية للمعايير الجديدة المقترحة، ومن المهم تقديم ذلك بشفافية».

معايير أكثر واقعية

ويقول أنصار خطة الانبعاثات الجديدة لدى الإدارة الأميركية، إن الخطة تهدف إلى تخفيض الأعباء التي تفرضها اللوائح التنظيمية على الصناعة ومحاولة تحقيق التوازن السليم بين البيئة، والاقتصاد، والسلامة العامة.
يقول إندرو ويلر، القائم بأعمال مدير وكالة حماية البيئة في بيان صادر عنه: «إننا نعمل على تنفيذ وعد الرئيس دونالد ترمب للشعب الأميركي بأن إدارته سوف تتعامل مع المعايير الحالية لاقتصاد الوقود والانبعاثات الحرارية وستعمل على إصلاحها. ومن شأن المعايير الأكثر واقعية أن تساهم في حفظ وإنقاذ الأرواح مع الاستمرار في تحسين البيئة».
وقالت وزيرة النقل الأميركية إيلين تشاو، إن مقترح الإدارة الجديد من شأنه «تعزيز الاقتصاد السليم من خلال جلب السيارات الحديثة، والأكثر أمانا ونظافة وكفاءة في استهلاك الوقود إلى الطرق الأميركية. وإننا نتطلع إلى تلقي التعليقات وردود الفعل من مختلف فئات الجمهور».
وأشاد كثير من المشرعين الجمهوريين، وأنصار السوق الحرة، وأصحاب مصالح النفط والغاز بهذه الخطوة. في حين اتخذ آخرون موقفا نقديا صارما، بما في ذلك جماعات حقوق الصحة والبيئة، إلى جانب الخبراء الذين تم الاستشهاد بأبحاثهم في مقترح الإدارة الأميركية الجديد.
وقال إنتونيو بينتو، أستاذ السياسة العامة والاقتصاد في جامعة جنوب كاليفورنيا: يبدو أن مسؤولي إدارة الرئيس ترمب ينتقون التأثيرات التي تروق لهم والتي تؤدي إلى النتائج التي يرغبون في الوصول إليها، أن السيارات الأكثر كفاءة سوف تكون أكثر تكلفة وسوف تؤدي إلى مزيد من الوفيات على الطرق.
لكن البروفسور بينتو، الذي تم الاستشهاد بأعماله البحثية في غير موضع من التحليل قال إن الأدلة الواقعية لا تؤيد مثل هذا الافتراض بحال.
وقال: إنه بالنسبة للمبتدئين، فإن تقديرات الإدارة الحالية التي تقول إن الامتثال لمتطلبات عهد أوباما سوف يكلف أكثر من 2000 دولار لكل سيارة لا تأخذ في الاعتبار المرونة التي تملكها الجهات المصنعة والتقدم التكنولوجي المحرز في السنوات الأخيرة. ولكنه أضاف أن الحسابات بأن السيارات سوف تصبح أكثر تكلفة، قد سمح لإدارة الرئيس ترمب بطرح حجة رئيسية أخرى، مفادها أن الأسعار المرتفعة سوف تدفع الناس إلى تأجيل شراء السيارات ومواصلة استخدام السيارات القديمة والأقل أمانا لفترة أطول.
وأردف قائلا: «في اللحظة التي ترفع فيها السعر (في الموديلات) يمكنك عندها تلاوة القصة التي تروق لك».
كما تناول البروفسور بينتو كذلك الطريقة التي حسبت بها إدارة الرئيس ترمب الوفيات، مشيرا إلى ما أطلق عليه «الافتراضات المبسطة للغاية» التي تتجاهل توزيع وزن السيارات في حوادث الاصطدام والتحطم، وربط السلامة بعمر السيارة بشكل كبير. ومما يُضاف إلى ذلك، قوله إن مسؤولي الإدارة الأميركية قللوا بصورة أساسية من فوائد معايير اقتصاد الوقود العالية على المناخ «إلى لا شيء البتة».
وكانت إدارة الرئيس أوباما قد استخدمت رقما مقبولا على نطاق واسع بمقدار 40 دولارا للطن في حساب «التكلفة الاجتماعية للكربون»، التي تقيس الضرر الاقتصادي الناجم عن إطلاق طن واحد من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. في حين أن إدارة الرئيس ترمب قد قللت من فوائد تخفيض الانبعاثات الكربونية إلى 5 دولارات فقط للطن الواحد.
وقال البروفسور بينتو: «إذا ما جمعنا الأمور معا، فسوف تكون لديك وثيقة مفعمة بالمشكلات. قد يكون أحدنا متعاطفا بعض الشيء ويقدم ملاحظات مرجعية بناءة عندما تكون هناك بعض الأخطاء، وهي الأخطاء التي تقع من دون تعمد واضح. ولكن عندما ننظر إلى هذه الوثيقة بنظرة عامة، فلا أعتقد أن هذه الأخطاء قد حدثت بطريق المصادفة. وإني لا أسميها بالأخطاء أبدا، بل أطلق عليها مسمى التقليص المتعمد للفوائد والتضخيم المتعمد للتكاليف».
وإجمالا للقول، قال البروفسور بينتو إنه يساوره القلق من أن منهج الإدارة الحالية سوف يؤكد على «قصر النظر» الإدارة، وأنها ربما تعمل على إنقاذ أموال شركات صناعة السيارات على المدى القصير ولكنها تضعهم في وضعية تنافسية غير مؤاتية في الأسواق العالمية على المدى البعيد.
وبالنسبة إلى التحليل بصورة عامة، قال البروفسور بينتو: «لا أعتقد أنه يستحق الدفاع عنه. كما لا أعتقد كذلك صحة وسلامة الافتراضات المقترحة كلها».

- خدمة «واشنطن بوست»