اضطهاد قومي وتمييز طائفي نصيب الأقليات العرقية والدينية في إيران

صنعت التغييرات فخذلتها الأنظمة المتعاقبة

انتفاضة الأحوازيين ضد مشروع التغيير الديموغرافي عام 2005
انتفاضة الأحوازيين ضد مشروع التغيير الديموغرافي عام 2005
TT

اضطهاد قومي وتمييز طائفي نصيب الأقليات العرقية والدينية في إيران

انتفاضة الأحوازيين ضد مشروع التغيير الديموغرافي عام 2005
انتفاضة الأحوازيين ضد مشروع التغيير الديموغرافي عام 2005

تعد قضايا الشعوب غير الفارسية في إيران من كبرى القضايا المتراكمة منذ حتى قبل تأسيس نظام الجمهورية الإيرانية؛ إذ طفت مطالب الشعوب المضطهدة والأقليات المكبوتة على السطح مباشرة بعد الإطاحة بحكم الشاه عام 1979. وقد عرف عهد الشاه محمد رضا بهلوي 1926 - 1979 وقبله فترة حكم والده الشاه رضا بهلوي 1925 – 1941 عمليات قمع ضد المطالب القومية، ويواصل النظام الحالي النهج نفسه؛ إذ يعاملهم بأسلوب أمني مشفوع بالتمييز والإذلال.
تضم إيران 6 شعوب رئيسية هم الفرس والترك والكرد والعرب والبلوش والتركمان، وتنحدر منها شرائح أخرى مثل اللور والبختياريين... تتوزع هذه الشعوب في أنحاء مختلفة في إيران، ولكل منها لغة وثقافة وأعراف وتقاليد مختلفة.
أسماء الشعوب تعكس غالباً أسماء الأقاليم التي تقطنها، مثل إقليم أذربيجان وهو موطن الترك الأذربيجانيين – علماً بأن هناك شعوباً تركية أخرى، فضلاً عن الآذريين، مثل التركمان والقشقائي والأفشار - ثم هناك الكرد في كردستان ومحافظتين أخريين هما كرمنشاه وأذربيجان جزء من أيلام، البلوش في سيستان (سجستان) – بلوشستان وخراسان الجنوبية وخراسان الرضوية (عاصمتها مشهد)، بخلاف الأحواز؛ إذ كانت تسمى حتى عام 1925 عربستان، أي أرض العرب، لكن السلطات الإيرانية غيرت الاسم إلى «خوزستان»، حيث كان الإقليم الوحيد الذي تغير اسمه إلى اسم فارسي بعد وصول الشاه رضا إلى الحكم.
لا توجد إحصاءات رسمية تبين تعداد شعوب إيران غير الفارسية؛ إذ ترى سلطات طهران في الانتماءات القومية تهديداً ينذر بتجزئة البلاد وتقسيمها؛ ولذا دأبت الحكومات المختلفة على انتهاج أساليب أمنية لمواجهة الأنشطة القومية، وعملت لطمس الهويات غير الفارسية، كما نفذت أساليب مختلفة ممنهجة لإيجاد اندماج مخطط من خلال تغيير النسيج الديموغرافي لكل من هذه الأقاليم.
في الأحواز مثلاً أطلقت مشروعاً اقتصادياً ضخماً لزرع قصب السكر، فاستولت السلطات على أكثر من 400 ألف هكتار من الأراضي العربية الخصبة لإقامة المشروع وفتحت المجال أمام وافدين من خارج الإقليم للعمل والعيش هناك؛ ما أثار سخطاً وسلسة احتجاجات واسعة.
كذلك أقدمت على ضم مدن كردية مثل مهاباد (ساوج بولاق) وسردشت إلى إقليم أذربيجان ضمن التقسيمات الإدارية، وكذا الحال بالنسبة لإقليم سيستان – بلوشستان؛ إذ تعرّض إلى تقسيمات إدارية واسعة على مرّ السنين؛ إذ قامت السلطات خلال حكم الشاه رضا بتقسيم الإقليم إلى ثلاث محافظات، وتغير اسم الإقليم فيما بعد إلى سيستان – بلوشستان، الذي هو اسمه الحالي، وتدرس الحكومة الحالية تقسيم ما تبقى من الإقليم إلى ثلاث محافظات أخرى.
وتقوم الحكومات الإيرانية المتعاقبة بتجزئة هذه الأوطان دون رغبة شعوبها في وقت تتهم فيه النشطاء المطالبين بحقوقهم القومية بمحاولة تجزئة إيران.

تدمير إرث «ممالك إيران المحروسة»
بدأ الشاه رضا بهلوي حكمه بقبضة حديدية؛ إذ قاد زحفاً عسكرياً صوب الأقاليم المختلفة في البلاد المترامية الأطراف وأطاح بالحكومات المحلية، وأقدم على تغيير اسم البلاد من «ممالك إيران المحروسة» إلى «إيران» وسمّى نفسه ملكاً في البلاد.
واجهت خطط الشاه رضا لترسيخ أسس نظامه الجديد حملة معارضة في أنحاء البلاد، وبخاصة في عربستان وأذربيجان وكردستان ومنطقة لورستان. ذلك أن محاولاته بناء الدولة الجديدة اتسمت بطمس الهويات غير الفارسية وصبّها في بوتقة جديدة تحت شعار «بوطن واحد وشعب واحد ولغة واحدة»، مستعيناً بنخبة من القوميين الفرس الذين سعوا إلى بعث ما وصفوها بأمجاد أجدادهم الفرس.
حدث ذلك في إطار خطط التجديد في البلاد وبناء دولة حديثة؛ إذ كان رجال النخبة الملتفون حول الملك الجديد يقارنون التطور العلمي والاقتصادي في الغرب بالتخلف السائد في بلادهم. وخلصت تأملاتهم إلى أن نمط الحكم المشتت الذي يولي الحكام المحليين سلطات واسعة وطريقة حياتهم، وانتماءهم الإسلامي هي من أسباب التخلف والأعباء الناجمة عنه.
وفي حين ساد خطاب مشفوع بالإذلال والتمييز ضد الشعوب غير الفارسية بين النخبة المقربة من الشاه رضا، قاد الأخير عملية النهوض لتحقيق آماله بقوة السلاح، فبعدما أطاح بالحكام في الأقاليم المختلفة عمل على طمس هويات تلك الأقاليم بالاستعاضة عن الأسماء التاريخية بالأسماء الفارسية وبفرضِ التعليم باللغة الفارسية وتهجير أعداد كبيرة من أبناء هذه الشعوب إلى مناطق مختلفة، كما منع الأزياء التقليدية لكل من هذه الشعوب وفرض ارتداء الزي الغربي وحظرَ ارتداء الحجاب.
كان القضاء على القرار السياسي للشعوب غير الفارسية في عهد الشاه رضا، له الوقع الأكبر عليهم؛ إذ عمل الحكام الوافدون من العاصمة، وكان جلّهم من العسكر، على تنفيذ سياسات تمثلت بالاستئثار السياسي لصالح النظام واستهدفت الهوية والثقافة والتاريخ والثروات المحلية. حدث ذلك بإذلال وكبت غير معهودين، ولقيت تلك السياسات مَن يروّج لها في الإعلام والآداب والشعر ومناهج التعليم ليترسخ في البلاد خطاب معادٍ لغير الفرس.
وذهب الشاه رضا بعيداً في ترسيخ أسس الهوية القومية في البلاد على أساس العرق «الآري»، وهو الذي رأى في الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر حليفاً وأسوة لإيران في نهضتها للتطور والنمو، وبخاصة أن النازية قدمت نفسها على أنها تتصدر قمة الهرم وفق تقسيم عرقي يضع العرق «الآري» في القمة ودونه أعراق أخرى مثل البريطانيين واليهود والروس.
كذلك، لعبت وزارة الدعاية السياسية لألمانيا النازية بقيادة جوزيف غوبلز دوراً أساسياً في تغذية شعور التفوق العرقي والعقائد المناهضة للسامية في إيران، فكانت إذاعة برلين باللغة الفارسية تروّج مقولة أن الإيرانيين والألمان ينتميان إلى العرق نفسه؛ لذا يجب أن يعملا معاً ضد الاستعمار. وهكذا أدار الشاه رضا ظهره لرفاق الأمس - بريطانيا والاتحاد السوفياتي - وفتح المجال أمام ماكينته الإعلامية للترويج إلى نظام هتلر، ودعمَ بذلك تعزيزَ شعور طاغ في إيران ضد قوات الحلفاء.
هذه التوجهات أدت في نهاية المطاف إلى الإطاحة بحكم الشاه رضا بغزو بريطاني – سوفياتي مزدوج، أجبره على التنحي لمصلحة ابنه محمد، ومغادرة البلاد إلى المنفى في جزيرة موريشيوس بجنوب المحيط الهندي، وهناك توفي عام 1944.

قمع الحركات القومية وابتزاز الجيران
عرفت إيران مطلع عهد محمد رضا بهلوي، نجل مؤسس الدولة البهلوية، سلسة اضطرابات في الأقاليم غير الفارسية، بعدما سار الشاه الجديد على خطى والده في ترسيخ أسس حكم قومي لم يعترف بحقوق الشعوب غير الفارسية، وواصل سياسة تعميم الثقافة واللغة الفارسيتين في إيران، مدعياً أن إجراءاته تهدف إلى تعزيز الوحدة في البلاد.
هذا، وشهد إقليما أذربيجان وكردستان إعلان تشكيل جمهوريتين مستقلتين. ذلك أنه بعد خروج الشاه رضا من البلاد إلى المنفى وجدت الشعوب غير الفارسية أرضية لتشكيل تجمعات ومؤسسات مدنية على أساس ثقافي واجتماعي، وتطورت هذه سريعاً إلى تنظيمات وأحزاب سياسية أخذت على عاتقها مهمة استعادة حقوق قومية لم يعترف بها الشاه الابن، بل نذر نفسه لمحاربتها.
عملت تلك التنظيمات تحت شعارات مختلفة مثل «التحرر» و«النضال ضد الفاشية» و«تحقيق السلام» ضمن نقابات وأطر مختلفة. ففي أذربيجان التف النشطاء القوميون حول تنظيم «الفرقة الديمقراطية في أذربيجان» بزعامة جعفر بيشه وري، وطالبوا بحكم ذاتي وتشكيل برلمان محلي، والتعليم باللغة التركية، والإشراف على الشؤون الاقتصادية في إقليمهم.
لكن تلك المطالب لقيت رفضاً مطلقاً من الحكومة المركزية في طهران، التي رفضت التواصل والرد على برقيات الفرقة الديمقراطية في أذربيجان. وقال رئيس الوزراء الإيراني - آنذاك - صدر الأشراف، «... لن أعير أي اهتمام لهذه البرقيات حتى إذا وصلت إلى مائة برقية». ومن ثم، أدى الإهمال وتعمد الإذلال من قبل طهران إلى تنامي الحركة القومية في أذربيجان، إلى أن أعلن عن تشكيل «الحكومة الوطنية في أذربيجان»، حيث سيطرت على أجزاء واسعة في الإقليم وأقدمت على تشكيل إدارة محلية.
حدث ذلك بدعم سوفياتي، علماً بأنه كانت تنتشر للاتحاد السوفياتي السابق قوات في أنحاء إيران منذ الحرب العالمية الثانية، وبخاصة إثر الغزو البريطاني - السوفياتي للإطاحة بحكم الشاه رضا. ثم، مع وصول قوام السلطنة إلى رئاسة الوزراء، قبل إجراء مفاوضات مع «الحكومة الوطنية في أذربيجان» ووقع معها اتفاقاً من 15 بنداً يعترف فيه ببعض الحقوق القومية، منها التعليم باللغة التركية وتشكيل مؤسسات مدنية.
ولكن بعد قرابة سنة من إعلان تشكيل تلك الحكومة زحفت فرقتان من الجيش الإيراني نحو الإقليم لقمع الحركة القومية. ورافق ذلك عمليات قتل ونهب واسعة وأعلن الحاكم العسكري - بعد إحكام السيطرة على أذربيجان - إلغاء الاتفاق بين قوام السلطنة وجعفر بيشه وري. وفرض حكماً عسكرياً، وقام بمطاردة قادة الإدارة المحلية الذين هرب كثيرون منهم إلى الخارج، ونفذت أحكام الإعدام بحق المئات من أعضاء ومناصري «الفرقة الديمقراطية في أذربيجان» على الملأ.
في كردستان أيضاً تشكل حكم ذاتي مماثل عام 1946 تحت اسم «جمهورية مهاباد» بقيادة زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني قاضي محمد، وبدعم من ملا مصطفى بارزاني. غير أن الجمهورية الفتية لم تعش إلا 11 شهراً؛ إذ أسقطتها القوات الإيرانية بالتزامن مع خروج القوات السوفياتية التي أسست تلك الجمهورية بدعم منها. وأعدمت السلطات قاضي محمد ومجموعة من رفاقه، بينما انسحب ملا مصطفى بارزاني مع مقاتليه من المنطقة.

مرحلة ما بعد النصر
بدا نظام الشاه بعد قمع الحركتين القوميتين في أذربيجان وكردستان منتشياً بنصر أسس لمرحلة جديدة من عمليات القمع ضد المطالب القومية في أذربيجان وكردستان وبلوشستان والأحواز وتركمان صحراء (بشمال شرقي إيران).
في ظل هذه الظروف، اتخذ النشاط السياسي للشعوب المضطهدة إبان حكم الشاه محمد رضا طابعاً سرياً؛ نظراً لشدة القمع والتنكيل بحق من يطالب بحقوق قومية في البلاد. وحقاً، نفذ نظام الشاه إعدامات علنية بحق كثيرين من النشطاء السياسيين، منهم قادة «اللجنة القومية العليا لتحرير عربستان» وهم كل من محيي الدين آل ناصر ودهراب الكعبي وعيسى المذخور، وكان هؤلاء القادة العرب الثلاث يؤسسون لتشكيل تنظيم سياسي يطالب بحقوق عرب الأحواز، متأثرين بالمد القومي العربي قبيل «حرب السويس» و«العدوان الثلاثي» على مصر عام 1956.
وبعد سنوات من النشاط السري اعتقل السافاك (جهاز مخابرات الشاه) النشطاء الثلاث ونفذ بحقهم حكم الإعدام عام 1964، كذلك اتخذ الشاه محمد رضا إجراءات مناهضة لمصالح جيرانه العرب، فاحتل الجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، وقاد في البرلمان مناقشات لبحث تدابير للاستيلاء على البحرين، وابتز العراق بتحريض المعارضة الكردية ضد النظام، وخاض مع العراق خلافات حدودية.
ومما يذكر، أن الشاه محمد رضا أدار ظهره لجيرانه العرب تماماً عندما تحالف مع إسرائيل وفتح سفارة لها في طهران، وأقام علاقات واسعة معها خلافاً لرغبة الرأي العام في إيران ومصالح الدول المجاورة له.
هذه المواقف المعادية أسست لتشكيل حاضنة للمعارضين لنظام الشاه في البلدان المتضررة من سياساته، وبخاصة في العراق وسوريا. وبالتالي، تشكلت في العراق «الجبهة الشعبية لتحرير الأحواز»، ولاحقاً «الجبهة العربية لتحرير الأحواز» و«الجبهة الشعبية لتحرير بلوشستان»، كما دعم النظام العراقي المعارضة اليسارية الإيرانية.

عهد نظام ولي الفقيه
بعد سقوط نظام الشاه نظّم نشطاء الشعوب غير الفارسية أنفسهم، وسارعوا للتفاوض مع النظام الجديد الذي رفع شعار المساواة والدفاع عن المظلومين، بأمل ضمان حقوقهم القومية بعد سنوات طويلة من الكبت. وبالفعل، تقاطرت وفود من الأقاليم المختلفة منها كردستان والمحمّرة (جنوب غربي الأحواز) وبلوشستان وتركمان صحراء إلى طهران لطرح المطالب القومية على النظام، وتنوّعت مطالبهم بين المطالبة بحكم ذاتي وحق التعليم باللغة الأم، والحق في الاستفادة من الموارد المحلية في كل من هذه الأقاليم.
ساعدت أجواء الانفتاح التي عرفتها إيران في العام الأول بعد الإطاحة بحكم الشاه في إطلاق نقاشات محلية وتشكيل تنظيمات ولجان قومية؛ ما عزز الموقف لدى النشطاء السياسيين لمطالبة النظام بحقوق حُرموا منها لسنوات طويلة.
مواقف القادة الجدد في طهران تراوحت بين الرفض المطلق والوعد بتحقيق بعض المطالب القومية لاحقاً، لكن ما إن أحكم النظام الخميني قبضته على الحكم حتى بدأ حملة قمع في الأقاليم غير الفارسية. ففي كردستان زحفت قوات الحرس الثوري نحو الإقليم، واشتبكت مع المسلحين المنتفضين في المدن الكردية. واستمرت الاشتباكات بشكل متقطع حتى عام 1983 وخلّفت أكثر من 10 آلاف قتيل.
وفي المحمّرة، عاصمة إقليم عربستان سابقاً، دعمت السلطات ميليشيات فارسية وقفت بوجه النشطاء العرب، وبينما وقعت اشتباكات بين الجانبين، قاد محافظ الإقليم اللواء أحمد مدني عملية مسلحة ضد النشطاء العرب فقتل العشرات واعتقل عدداً كبيراً من المواطنين، ونقل الزعيم الروحي للحركة القومية العربية محمد طاهر شبير الخاقاني إلى المنفى في مدينة قُم.
وكان المشهد في بلوشستان وتركمان صحراء مشابهاً لما وقع في المحمّرة وكردستان، حيث العمليات المسلحة والإعدامات والنفي شكلت صنوف الرد على المطالب القومية.
ومع بدء الحرب بين إيران والعراق واجهت سلطات إيران الخمينية بقوة أي نشاط معارض للنظام، ولم تمضِ فترة طويلة حتى استطاع النظام الجديد إقصاء جميع القوى التي شاركت في الثورة ضد الشاه، ومنها القوى اليسارية والليبرالية ونشطاء الشعوب غير الفارسية؛ إذ لم يكن انتصار الثورة ممكناً من دون مشاركة هذه القوى في المظاهرات والمواجهات ضد الشاه.
ولم يكتفِ النظام الخميني بمواجهة النشطاء المعارضين في الداخل، بل طاردهم في المنفى ونفذ اغتيالات سياسية متعددة في أنحاء مختلفة من العالم، وبخاصة في فرنسا وألمانيا والعراق. غير أن أشهر الاغتيالات التي هزت الرأي العام كان اغتيال زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني صادق شرفكندي عام 1992 في مطعم ميكنوس في برلين، ثم اغتيال خليفته عبد الرحمن قاسملو في فيينا رمياً بالرصاص بعدما استدرجوه بذريعة إجراء مفاوضات بشأن حقوق الأكراد.
وعادت النقاشات القومية بعد الحرب، وبخاصة بعد وصول الإصلاحيين (بقيادة محمد خاتمي) إلى الحكم؛ إذ استغل نشطاء الشعوب غير الفارسية أجواء الانفتاح النسبي لطرح مطالبهم. حصد المرشحون الإصلاحيون نسبة كبيرة من أصوات الناخبين في الانتخابات المختلفة من الأقاليم غير الفارسية؛ ما كشف وجود رغبة جامحة بتغيير الوضع وإنهاء معاناتهم.
لم تلبِ السلطات المطالب الأساسية للشعوب غير الفارسية، وظلت الحكومات المختلفة تعد بتحقيق بعض المطالب، منها حق التعليم باللغة الأم، لكن لم يتحقق منها شيء. ومع وصول الرئيس الحالي حسن روحاني إلى الحكم عيّن مساعداً في شؤون «القوميات والأقليات» هو وزير الاستخبارات السابق علي يونسي. لكن لا يبدو بونسي مهتماً بحل قضايا الشعوب غير الفارسية؛ إذ وصل الرجل إلى المنصب من دوائر الأمن التي لها باع طويل في مواجهة النشطاء القوميين بالإعدامات والسجن والنفي والاغتيالات.
ثم أن يونسي أظهر خلال السنوات الماضية أنه لا يعترف مطلقاً بالتنوع القومي، بل اتخذ مواقف مناهضة للشعوب غير الفارسية. إذ قال في تصريح لصحيفة «قانون» في 21 أبريل (نيسان) 2018 «الآذريون ليسوا أتراكاً، بل لهم جذور فارسية في العرق واللغة. إنهم أكثر تمسكاً بعرقهم الفارسي من أي منطقة أخرى». كذلك أكد يونسي معارضته تشكيل أحزاب في الأقاليم غير الفارسية بقوله، إن وجود مثل هذه التنظيمات «ليس في مصلحة النظام».



كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
TT

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)

فيما كانت الستينية كاميليا محمود تعبر بسيارتها أحد شوارع مدينة نصر بالقاهرة، لفتتها مطاعم كثيرة تزدحم واجهاتها بمواطنين اصطفوا لشراء «ساندويتش شاورما»، ما أثار لديها تساؤلات حول انتشار المطاعم السورية «بهذا الشكل المبالغ فيه»، على حساب نظيراتها المصرية، مبدية مخاوفها من «هيمنة اقتصادية سورية قد يكون لها تبعات أكبر في المستقبل».

كاميليا، التي كانت تعمل موظفة بإحدى شركات القطاع الخاص قبل بلوغها سن التقاعد، رصدت خلال السنوات العشر الأخيرة انتشاراً كبيراً للمطاعم السورية في مختلف الأحياء والمدن المصرية لا سيما مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) حيث تقطن. لم تستغرب الأمر في البداية، بل على العكس كان حدثاً جاذباً، ولو بدافع استكشاف ما تقدمه تلك المطاعم من نكهات جديدة وغير معتادة في المطبخ المصري، من الشاورما إلى الدجاج المسحب والكبة وغيرها.

صبغة شامية

خلال أكثر من عقد من الزمان، منذ تكثف التوافد السوري على مصر، زاد عدد المطاعم التي تقدم مأكولات سورية، لدرجة صبغت أحياءً بكاملها بملامح شامية، لا تُخطئها العين، ليس فقط بسبب أسياخ الشاورما المعلقة على واجهاتها، ولا الطربوش أو الصدرية المزركشة التي تميز ملابس بعض العاملين فيها، بل بلافتات تكرس هوية أصحابها وتؤكد ارتباطهم بوطنهم الأم، فعادة ما تنتهي أسماء المطاعم بكلمات من قبيل «السوري»، «الشام»، «الدمشقي»، «الحلبي».

طوابير أمام أحد المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

محاولات تكريس الهوية تلك «أقلقت» كاميليا وغيرها من المصريين ممن باتوا يشعرون بـ«الغربة» في أحياء مثل «6 أكتوبر»، أو «الرحاب (شرق القاهرة)» التي باتت وكأنها «أحياء سورية وسط القاهرة». وتتساءل كاميليا في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ألا يقتطع وجود السوريين من حصة المصريين في سوق العمل؟ ألا يشكل وجودهم خطراً سياسياً لا سيما مع هيمنة اقتصادية في قطاعات عدة؟».

بين «العشق» و«القلق»

رغم مشاعر القلق والغربة، فإن السيدة لا تخفي «عشقها» للمأكولات السورية. فهي تحرص بين الحين والآخر على الذهاب مع أسرتها لأحد تلك المطاعم، مستمتعة بنكهات متنوعة من أطباق «الشاورما والفتوش والكبة وغيرها». فـ«الطعام السوري لذيذ ومتنوع وخفيف على المعدة، وله نكهة مميزة»، وبات بالنسبة لها ولغيرها «عنصراً مضافاً على المائدة حتى داخل المنزل». وبالطبع لا يمكن لكاميليا إغفال «جودة الضيافة»، لا سيما مع كلمات ترحيبية مثل «تكرم عينك» التي تدخل كثيراً من البهجة على نفسها كما تقول.

حال كاميليا لا يختلف عن حال كثير من المصريين، الذين غيرت المطاعم السورية ذائقتهم الغذائية، وأدخلت النكهات الشامية إلى موائدهم عبر وصفات نشرتها وسائل إعلام محلية، لكنهم في نفس الوقت يخشون تنامي الوجود السوري وتأثيره على اقتصاد بلادهم، الأمر الذي بات يُعكر مزاجهم ويحول دون استمتاعهم بالمأكولات الشامية.

ومع موافقة مجلس النواب المصري، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين، تزايدت حدة الجدل بشأن وجود الأجانب في مصر، لا سيما السوريون، وسط مخاوف عبر عنها البعض من أن يكون القانون «مقدمة لتوطينهم»، ما يعني زيادة الأعباء الاقتصادية على البلاد، وربما التأثير على حصة المواطن المصري في سوق العمل وفق متابعين مصريين.

مجلس النواب المصري وافق على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين (الشرق الأوسط)

تزايد عدد السوريين في مصر خلال العقد الأخير عكسته بيانات «المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين» حيث ارتفع عدد السوريين المسجلين في مصر لدى المفوضية من 12800 في نهاية عام 2012 إلى أكثر من 153 ألفاً في نهاية عام 2023، ليحتلوا المرتبة الثانية بعد السودانيين ضمن نحو 670 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية من 62 جنسية مختلفة.

جاءت هذه الزيادة مدفوعة بالحرب السورية، ودفعت مواطنيها إلى دول عدة، بينها مصر، لتبدأ المفوضية في تلقي طلبات اللجوء منذ عام 2012، مؤكدة دعمها «الفارين من أتون الحرب».

ومع ذلك، لا تعكس البيانات التي تقدمها مفوضية اللاجئين العدد الحقيقي للسوريين في مصر، والذي تقدره المنظمة الدولية للهجرة، بنحو 1.5 مليون سوري من بين نحو 9 ملايين مهاجر موجودين في البلاد.

لكن التقدير الأخير لا يُقره الرئيس السابق لرابطة الجالية السورية في مصر، راسم الأتاسي، الذي يشير إلى أن «عدد السوريين في مصر لا يتجاوز 700 ألف، ولم يصل أبداً لمليون ونصف المليون، حيث كان أعلى تقدير لعددهم هو 800 ألف، انخفض إلى 500 ألف في فترة من الفترات، قبل أن يعود ويرتفع مؤخراً مع تطورات الوضع في السودان». وكان السودان عموماً والخرطوم خصوصاً وجهة لكثير من السوريين عقب 2011 حيث كانوا معفيين من التأشيرات وسمح لهم بالإقامة والعمل حتى 2020.

دعوات مقاطعة

تسبب الوجود السوري المتنامي في مصر في انطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد السوريين، من بينها الدعوة لمقاطعة أحد المطاعم بسبب إعلان عن ساندويتش شاورما بحجم كبير، قال فيه مخاطباً الزبائن: «تعالى كل يا فقير»، مثيراً غضب مصريين عدوا تلك الجملة «إهانة».

حملات الهجوم على السوريين، وإن كانت تكررت على مدار العقد الماضي لأسباب كثيرة، لكنها تزايدت أخيراً تزامناً مع معاناة المصريين من أوضاع اقتصادية صعبة، دفعت إلى مهاجمة اللاجئين عموماً باعتبارهم «يشكلون ضغطاً على موارد البلاد»، وهو ما عززته منابر إعلامية، فخرجت الإعلامية المصرية قصواء الخلالي في معرض حديثها عن «تأثير زيادة عدد اللاجئين في مصر»، لتتساءل عن سبب بقاء السوريين كل هذه السنوات في بلادها، لا سيما أن «سوريا لم يعد بها حرب»، على حد تعبيرها.

وعزز تلك الحملات مخاوف من التمييز ضد المصريين في فرص العمل مع إعلان البعض عن وظائف للسوريين واللبنانيين والسودانيين فقط.

وانتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي المطاعم السورية باعتبارها «ليست استثماراً».

في حين طالب البعض بـ«إغلاق المطاعم السورية والحصول على حق الدولة من الضرائب»، متهماً إياهم بـ«منافسة المصريين بهدف إفلاسهم»، لدرجة وصلت إلى حد المطالبة بمقاطعة المطاعم السورية بدعوى «سرقتها رزق المصريين».

الهجوم على السوريين في مصر لا ينبع فقط من مخاوف الهيمنة الاقتصادية أو منافسة المصريين في فرص العمل، بل يمتد أيضاً لانتقاد شراء الأثرياء منهم عقارات فاخرة وإقامتهم حفلات كبيرة، وسط اتهامات لهم بأنهم «يتمتعون بثروات المصريين». وهو الأمر الذي يعتبره رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر المهندس خلدون الموقع «ميزة تضاف للسوريين ولا تخصم منهم، فهم يستثمرون أموالهم ويربحون في مصر، وينفقون أيضاً في مصر بدلاً من إخراجها خارج البلاد»، بحسب حديثه لـ«الشرق الأوسط».

زحام لافت على مطعم سوري بشارع فيصل بالجيزة (الشرق الأوسط)

ووسط سيل الهجوم على المطاعم السورية تجد من يدافع عنهم، ويتلذذ بمأكولاتهم، باعتبارها «أعطت تنوعاً للمطبخ المصري».

كما دافع بعض الإعلاميين عن الوجود السوري، حيث أشار الإعلامي المصري خالد أبو بكر إلى «الحقوق القانونية للسوريين المقيمين في مصر»، وقال إن «أهل سوريا والشام أحسن ناس تتعلم منهم التجارة».

ترحيب مشروط

كان الطعام أحد الملامح الواضحة للتأثير السوري في مصر، ليس فقط عبر محال في أحياء كبرى، بل أيضاً في الشوارع، فكثيراً ما يستوقفك شاب أو طفل سوري في إشارات المرور أو أمام بوابات محال تجارية، بجملة «عمو تشتري حلوى سورية؟».

ويعكس الواقع المعيش صورة مغايرة عن دعوات الهجوم والمقاطعة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، عبر طوابير وتجمعات بشرية لشباب وأطفال وأسر تقف على بوابات المحال السورية لا يثنيها زحام أو حر أو مطر، عن رغبتها في تناول ساندويتش شاورما، «لرخص ثمنه، ومذاقه الجيد»، بحسب مالك مصطفى، شاب في السابعة عشرة من عمره، التقته «الشرق الأوسط» وهو يحاول اختراق أحد طوابير «عشاق الشاورما» التي تجمهرت أمام مطعم في حي الزمالك.

مصريون طالبوا بمقاطعة المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

أما مدير فرع مطعم «الأغا» في حي الزمالك وسط القاهرة أيمن أحمد، فلم يبد «تخوفاً أو قلقاً» من تأثير حملات المقاطعة على المطاعم السورية، لا سيما مع «الإقبال الكبير والمتنامي على وجبات معينة مثل الشاورما والدجاج المسحب»، والذي أرجعه خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «النكهة المختلفة للمطبخ السوري التي أضافت طعاماً شعبياً جديداً أرضى ذائقة المصريين».

وكان إعجاب المصريين بالمطبخ السوري هو ما دفع مؤسس مطعم الأغا، رائد الأغا، الذي يمتلك سلسلة مطاعم في دول عربية أخرى، إلى الاستثمار في مصر ليفتح أول فروعه في الدقي (شمال الجيزة) عام 2021، ثم يقدم على افتتاح فرعين آخرين في الزمالك ثم مصر الجديدة، بمعدل فرع كل عام.

على النقيض، تُغضب حملات الهجوم المتكررة رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين بمصر، الذي يرفض الاتهامات الموجهة للسوريين بـ«أخذ رزق المصري والحصول على مكانه في الوظائف والاستثمار»، لا سيما أن «السوري استثمر وفتح مطعماً أو مصنعاً ووفر فرص عمل أيضاً ولم يأخذ محل أو مطعم مصريين».

استثمارات متنوعة

يتحدث الأتاسي بفخر عن الاستثمارات السورية في مصر، ووجودها في قطاعات اقتصادية عدة، منها أكثر من 7 آلاف مصنع سوري في مجالات مختلفة، في مدن العاشر من رمضان والعبور وغيرهما، لكن المواطن المصري ربما لا يرى من الاقتصاد السوري في بلاده سوى المطاعم «كونها أكثر اتصالاً بحياته اليومية».

ويبدي الأتاسي اندهاشه من كثرة الحملات على المطاعم السورية، رغم أن «أغلبها وخاصة الكبيرة فيها شركاء وممولون مصريون، وبعضها مصري بالكامل وبه عامل سوري واحد».

ليست الصورة كلها قاتمة، فإعلامياً، يجد السوريون في مصر ترحيباً، وإن كان مشروطا بـ«تحذير» من عدم الإضرار بـ«أمن البلاد»، وهو ما أكده الإعلامي المصري نشأت الديهي في رسالة وجهها قبل عدة أشهر إلى السوريين في مصر رداً على الحملات المناهضة لهم.

وهو ترحيب عكسته وسائل إعلام سورية في تقارير عدة أشارت إلى أن مصر «حاضنة للسوريين».

وهو أمر أكد عليه موقع الجالية بتأكيد الحديث عن تسهيلات قدمت لرجال أعمال سوريين وأصحاب مطاعم، من بينها مطاعم في حي التجمع الراقي بالقاهرة.

و«مدينة الرحاب» تعد واحدة من التجمعات الأساسية للسوريين، ما إن تدخل بعض أسواقها حتى تشعر بأنك انتقلت إلى دمشق، تطرب أذنك نغمات الموسيقى السورية الشعبية، وتجذبك رائحة المشاوي الحلبية، وأنت تتجول بين محال «باب الحارة»، و«أبو مازن السوري»، و«ابن الشام» وغيرها، وتستقطبك عبارات ترحيب من بائعين سوريين، «أهلين»، و«على راسي» و«تكرم عيونك».

«حملات موجهة»

انتشار السوريين في سوق التجارة لا سيما الغذاء فسره مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق رخا أحمد حسن، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن «بلاد الشام بشكل عام قائمة على المبادرة الفردية، فجاء السوري برأسمال بسيط وبدأ مشروعاً عائلياً وباع ما أنتجه في إشارات المرور، قبل أن يتوسع ويحول مشروعه إلى مطعم».

رصد حسن بنفسه تنامي الإقبال على المطاعم السورية في حي الشيخ زايد الذي يقطنه، لا سيما أنهم «ينافسون المنتج المصري في الجودة والسعر»، معتبراً الحملات ضدهم «تحريضية تنطوي على قدر من المبالغة نتيجة عدم القدرة على منافسة ثقافة بيع أكثر بسعر أقل».

وتثير حملات الهجوم المتكررة مخاوف في نفس الكاتب والمحلل السياسي السوري المقيم في مصر عبد الرحمن ربوع، وإن كانت «موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا وجود لها في الشارع المصري»، حيث يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «على مدار السنوات الماضية لم تتغير المعاملة لا من الشعب المصري أو الجهات الرسمية في الدولة».

السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية في مصر (الشرق الأوسط)

وبالفعل، أثرت المطاعم السورية إيجابياً في سوق الأكل المصري، ورفعت من سويته، بحسب ربوع، رغم أنها لا تشكل سوى جزء صغير من استثمارات السوريين في مصر التي يتركز معظمها في صناعة الملابس، وربما كان تأثيرها دافعاً لأن تشكل الجزء الأكبر من الاستهداف للسوريين في حملات يراها ربوع «سطحية وموجهة وفاشلة»، فلا «تزال المطاعم السورية تشهد إقبالاً كثيفاً من المصريين».

ولا تجد تلك «الحملات الموجهة» صدى سياسياً، ففي فبراير (شباط) من العام الماضي وخلال زيارة لوزير الخارجية المصري السابق سامح شكري إلى دمشق، وجه الرئيس السوري بشار الأسد الشكر لمصر على «استضافة اللاجئين السوريين على أراضيها وحسن معاملتهم كأشقاء»، بحسب إفادة رسمية آنذاك للمتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، أشار فيها إلى تأكيد شكري أن «السوريين يعيشون بين أشقائهم في مصر كمصريين».

لكن يبدو أن هناك تطوراً أخيراً «أثار قلقاً كبيراً لدى السوريين وهو قرار إلغاء الإقامات السياحية»، فبحسب ربوع، معظم الأجانب في مصر وبينهم السوريون كانوا يقيمون في البلاد بموجب إقامات سياحية طويلة، لا سيما الطلاب وكثير ممن ليس لديهم عمل ثابت ويأتي قرار إلغاء تجديدها مقلقاً لأنه سيجبر كثيرين على الخروج من البلاد والعودة مرة أخرى كل فترة، وهو القرار الذي يرغب الأتاسي في أن يشهد إعادة نظر من جانب السلطات المصرية خلال الفترة المقبلة كونه «يفرض أعباءً جديدة على السوريين لا سيما الطلاب منهم».

«استثمارات متنامية»

ويشكل السوريون نحو 17 في المائة من المهاجرين في مصر، وهم «من بين الجنسيات التي تشارك بإيجابية في سوق العمل والاقتصاد المصري، وتتركز مشاركتهم في الصناعات الغذائية والنسيج والحرف التقليدية والعقارات»، وبحسب تقرير لـ«منظمة الهجرة الدولية» صدر في يوليو (تموز) 2022، أوضح أن «حجم التمويل الاستثماري من جانب نحو 30 ألف مستثمر سوري مسجلين في مصر، قُدر بمليار دولار في عام 2022».

وفي عام 2012 جاء السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية، عبر تأسيس 365 شركة من بين 939 شركة تم تأسيسها خلال الفترة من ما بين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول)، بحسب بيانات «الهيئة العامة للاستثمار» في مصر.

ولا توجد إحصائية رسمية عن حجم الاستثمارات السورية في مصر الآن، لكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أشار، في تقرير نشره عام 2017، إلى أن «اللاجئين السوريين استثمروا في مصر 800 مليون دولار». وهو نفس الرقم الذي تبنته هيئة الاستثمار المصرية في تصريحات تداولتها وسائل إعلام محلية.

لكنه رقم يقول رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين إنه «لا يعدو كونه الرقم التأسيسي الذي بدأ به السوريون مشروعاتهم في مصر، ثم تنامى مع الوقت»، إضافة إلى أن «هناك الكثير من الأنشطة الاقتصادية غير مسجلة في هيئة الاستثمار المصرية».

مطعم سوري في وسط البلد (الشرق الأوسط)

حملات الهجوم المتكررة على السوريين لن تمنعهم من الاستثمار في مصر، فهي من وجهة نظر الموقع «ناتجة عن نقص المعلومات وعدم إدراك لطبيعة وحجم مساهمة السوريين في الاقتصاد»، إضافة إلى أن «المتضرر الأكبر من تلك الحملات هما الاقتصاد والصناعة المصريان»، لا سيما أنها «تتناقض مع سياسة الحكومة الرامية إلى تشجيع الاستثمار».

فقد جاء المستثمر السوري بأمواله لمصر واستثمر فيها، و«أنفق أرباحه فيها أيضاً»، فهو بذلك قادر على «العمل... ولم يأت ليجلس في المقاهي».

بالفعل «لا يحصل السوريون على إعانات من الدولة، بل يعملون بأموالهم ويدفعون ضرائب، ومثل هذا الحملات تقلل من دور مصر التاريخيّ أنها ملجأ لكل من يضار في وطنه أو يتعرض للخطر»، بحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، الذي اعتبر الهجوم المتكرر عليهم «محاولة لإظهار السوريين بأنهم سبّب مشكلات البلاد، وهو غير صحيح».

وفي الوقت الذي يعول فيه الموقع على الإعلام لـ«نشر الوعي بأهمية وجود السوريين في مصر»، لا تزال الستينية كاميليا محمود حائرة بين «عشقها» للمأكولات السورية، و«مخاوفها» من التأثير على اقتصاد بلادها، ما يتنقص من متعتها ويعكر مزاجها وهي تقضم «ساندويتش شاورما الدجاج» المفضل لديها.