إردوغان في مواجهة ترمب: الوهم عندما يصارع الواقع

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (أ. ب)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (أ. ب)
TT

إردوغان في مواجهة ترمب: الوهم عندما يصارع الواقع

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (أ. ب)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (أ. ب)

850 مليار دولار، 3.684 تريليون دولار، 14.092 تريليون دولار.
-77 مليار دولار، +281.27 مليار دولار، 421.44 مليار دولار.
الأرقام الثلاثة الأولى هي للناتج المحلي الإجمالي لتركيا وألمانيا والصين للعام 2017 على التوالي. والأرقام الثلاثة الثانية هي لعجز الميزان التجاري التركي وفائض الميزان التجاري لكل من ألمانيا والصين على التوالي للعام 2017 أيضاً.
يجمع بين البلدان الثلاثة أنها تخوض مواجهات تجارية مع الولايات المتحدة، وتحديداً مع الرئيس دونالد ترمب الذي فرض تعرفات جمركية عالية على واردات عدة في مقدمها الصلب والألومنيوم، وها هو بالأمس يقول إن الرسوم على الصلب تحديداً سوف تنقذ الصناعة الأميركية.
المواجهة شرسة لأن في الطرف الآخر اقتصادا أميركيا بلغ العجز في ميزانه التجاري العام الماضي 566 مليار دولار، لكن الناتج المحلي الاجمالي المقدّر للعام 2018 هو 20.412 تريليون دولار، بما يبقيه الأكبر عالمياً.
المواجهة تجمع بين تركيا وألمانيا والصين، لكن ما يفرّق بينها هي طرق خوضها. فالصين، مثلاً، وإن ردّت على رسوم ترمب برسوم مماثلة، تواصل الحوار معه، وها هي تقرر إرسال موفد إلى واشنطن قريباً لمحاولة حل المشكلات القائمة. وكذلك، تواصل شراء سندات الخزينة الأميركية بما يجعلها أكبر دائن للولايات المتحدة، وبالتالي أكبر داعم لاقتصادها. وهي بهذه "الدبلوماسية الاقتصادية" إنما تحفظ مصالحها، لأن الولايات المتحدة شريكها التجاري الأول، وفي نهاية المطاف لا يتوقع الخبراء أن يستقيم الميزان التجاري أو يميل لمصحلة الأميركيين الذين لا غنى لهم عن "صُنع في الصين".
ألمانيا، من جهتها، تعاني الأمرّين مع ترمب، فهو إضافة إلى الرسوم التي فرضها والتي تضرّ بالصناعة والتجارة الألمانيتين، لا يكنّ ذرة من الود للمستشارة أنجيلا ميركل ولا يفوّت مناسبة لإظهار شعوره!
الموقف الألماني صلب، ولعل أفضل تعبير عنه تأكيد وزير الاقتصاد بيتر آلتماير أن برلين متسمكة بحرية التجارة والرسوم الجمركية المنخفضة. لكن الصلابة لا تلغي الواقعية، فألمانيا ظلت منضوية تحت راية موقف الاتحاد الأوروبي، ودعمت رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر في ذهابه إلى واشنطن حيث نجح في انتزاع هدنة من الرئيس الأميركي ومواصلة المحادثات الرامية إلى بلوغ تسوية ما.
والواقعية الألمانية تنبع من كون التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يمثل نحو ثلث حجم التجارة العالمية، وإذا أغضبت ألمانيا أو فرنسا أو سواهما ترمب قد ينفذ تهديده برفع الرسوم على السيارات الألمانية، وعندها تتلقى الصناعة الألمانية تحديداً ضربة مزلزلة. لذا لا تنفكّ ميركل تدعو إلى التعقّل والحوار، وترى وجوب العمل في إطار مجموعة العشرين، على غرار ما حصل خلال الأزمة المالية العالمية عام 2008.
ماذا تفعل تركيا في المقابل؟ وتحديداً ماذا يفعل رئيسها رجب طيب إردوغان؟
واشنطن عاقبت أنقرة، ودونالد ترمب لم يتردد في القول إن العلاقات بين الجانبين سيئة وأتبع ذلك بمضاعفة الرسوم على الصلب والألومنيوم التركيين إلى 50 و20 في المائة على التوالي. فردّ إردوغان بمقاطعة الأجهزة الإلكترونية الأميركية!
كل ذلك والليرة تتدهور، إلى أن لجمت تدحرجها تدابير اتخذها البنك المركزي التركي وتطمينات من إردوغان للشعب مناشدا إياه عدم ترك العملة الوطنية واللجوء إلى عملات أجنبية.
طبعاً هذا لا يكفي، لذلك نرى الرئيس التركي يتحدث عن شركاء وحلفاء جدد. وبالأمس نجح في أخذ تعهد قطري باستثمار 15 مليار دولار في بلاده.
لكن هذا أيضاً لن يحل المشكلة. فأي دولة في العالم ترغب الآن في إغضاب دونالد ترمب أكثر؟ فرنسا أم ألمانيا أم روسيا أم الصين؟... لا أحد طبعاً، فالمشكلات القائمة بين الدول الصناعية الكبيرة والولايات المتحدة تكفي، وليس من داعٍ لجعلها تتفاقم بهدف إنقاذ الاقتصاد التركي.
وهنا يجدر القول إن تعثر الأخير ليس كله ناجما عن الإجراءات العقابية الأميركية على خلفية قضية القس الأميركي أندرو برانسون المحتجز في تركيا. والتذرّع بتلقي طعنات في الظهر وبوجود "مؤامرة أجنبية"، لا يلغي أن أي اقتصاد سليم يمكنه تلقّف زيادة الرسوم على الصلب والألومنيوم من دون أن تنهار عملته.
أما السبب الرئيسي لتدهور الليرة التركية فهو ضعف الاقتصاد الناجم عن سياسات إردوغان وتدخله المستمر في الاقتصاد من أجل الحصول على مكاسب سياسية. ولا شك في أن فوزه في الانتخابات الأخيرة وإحكامه قبضته على السلطة أكثر جعلاه يعتقد أن سياسته الاقتصادية حكيمة، بل هو يعتبرها المحرك الأول للنموّ الذي تحقق. وأسوأ ما فعله في هذا السياق، إصراره على إبقاء أسعار الفائدة منخفضة بشكل مصطنع، معلناً أنه عدو لرفع الفائدة. وأفضى ذلك إلى فورة اقتصادية غير صحية، تفاقمت في ظل كلام عن فساد مستشرٍ ومحاباة في منح عقود المشاريع الحكومية الكبرى.
ولم يتوانَ الرئيس التركي عن إبعاد جميع المسؤولين الذين حذّروه من مواصلة سياسته الاقتصادية الهوجاء، بل أتى بصهره وزيرا للمالية ليضمن ولاء الشخص المؤتمن على تنفيذ السياسات الاقتصادية والمالية.
ليس من الحكمة في أي حال لدولة حجم ناتجها المحلي 850 مليار دولار أن تمضي في مواجهة دولة حجم ناتجها المحلي 20 تريليون دولار. فالمعادلة حسابية بسيطة وواضحة. ولن ينفع هنا الكلام عن مؤامرات وسكين تنغرز في الظهر. وتحدّي دونالد ليس بالأمر الحكيم طبعاً، وها هو البيت الأبيض يعلن إن الإفراج عن القس برانسون إذا حصل لن يلغي الرسوم الجمركية التي فرضت على الصادرات التركية من الصلب والألومنيوم لأنها مسألة "مرتبطة بالأمن القومي".
خلاصة القول أن على رجب طيب إردوغان أن يبدّل سياسته حيال دونالد ترمب ويبحث عن حلول دبلوماسية لمشكلاته مع واشنطن. وأن يعمل بسرعة على تبديل سياساته الاقتصادية مبدداً أوهامه ومتذكراً أن "الجمهورية" ليست "السلطنة" وأن "الرئيس" ليس "السلطان".



«المركزي الصيني» يضيف المزيد من الذهب إلى احتياطياته

منظر جوي لمجمعات سكنية عملاقة في جزيرة هونغ كونغ الصينية (رويترز)
منظر جوي لمجمعات سكنية عملاقة في جزيرة هونغ كونغ الصينية (رويترز)
TT

«المركزي الصيني» يضيف المزيد من الذهب إلى احتياطياته

منظر جوي لمجمعات سكنية عملاقة في جزيرة هونغ كونغ الصينية (رويترز)
منظر جوي لمجمعات سكنية عملاقة في جزيرة هونغ كونغ الصينية (رويترز)

أظهرت بيانات رسمية صادرة عن بنك الشعب الصيني يوم الثلاثاء أن البنك المركزي الصيني أضاف الذهب إلى احتياطياته في ديسمبر (كانون الأول) للشهر الثاني على التوالي، مستأنفاً تحركه في نوفمبر (تشرين الثاني)، بعد توقف دام ستة أشهر.

وبلغت احتياطيات الصين من الذهب 73.29 مليون أوقية في نهاية ديسمبر، من 72.96 مليون أوقية في الشهر السابق. ورغم الزيادة في الكمية، انخفضت قيمة احتياطيات الصين من الذهب إلى 191.34 مليار دولار في نهاية الشهر الماضي، من 193.43 مليار دولار في نهاية نوفمبر.

وأوقف بنك الشعب الصيني حملة شراء الذهب التي استمرت 18 شهراً في مايو (أيار) 2024، والتي أثرت سلباً على طلب المستثمرين الصينيين. وقد يعزز قرار البنك باستئناف عمليات الشراء طلب المستثمرين الصينيين.

وقال أولي هانسن، رئيس استراتيجية السلع الأساسية في «ساكسو بنك»: «نظراً لضعف الذهب في نهاية العام بسبب قوة الدولار على نطاق واسع، وارتفاع العائدات، فإن الشراء الإضافي من بنك الشعب الصيني في ديسمبر من شأنه أن يرسل رسالة مريحة إلى السوق، مفادها بأن الطلب من المشترين غير الحساسين للدولار مستمر بغض النظر عن الرياح المعاكسة للدولار والعائدات».

وفي عام 2024، دفعت دورة تخفيف أسعار الفائدة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، وعمليات الشراء القوية من جانب البنوك المركزية والتوترات الجيوسياسية المتصاعدة، السبائك إلى مستويات قياسية متوالية، ومكسب سنوي بنسبة 27 في المائة، وهو الأكبر منذ عام 2010.

وقال يوان دا، المسؤول عن التخطيط الحكومي في الصين، في مؤتمر صحافي يوم الجمعة، إن اقتصاد الصين سيواجه العديد من الصعوبات والتحديات الجديدة في عام 2025، وهناك مجال واسع للسياسات الاقتصادية الكلية.

وفي مقابل زيادة الاحتياطيات من الذهب، أظهرت بيانات رسمية يوم الثلاثاء أن احتياطيات النقد الأجنبي الصينية هبطت أكثر من المتوقع في ديسمبر (كانون الأول) بفعل قوة الدولار المستمرة.

وانخفضت احتياطيات النقد الأجنبي للبلاد - وهي الأكبر في العالم - بمقدار 64 مليار دولار الشهر الماضي إلى 3.202 تريليون دولار، وهو ما يقل عن توقعات «رويترز» البالغة 3.247 تريليون دولار، وانخفاضاً من 3.266 تريليون دولار في نوفمبر.

وانخفض اليوان 0.7 في المائة مقابل الدولار في ديسمبر، بينما ارتفع الدولار الشهر الماضي 2.6 في المائة مقابل سلة من العملات الرئيسية الأخرى.

وفي سياق منفصل، أصدرت الهيئة الوطنية للتنمية والإصلاح، وهي أعلى سلطة للتخطيط في الصين، يوم الثلاثاء، توجيهاً لبناء سوق موحدة صينية.

وذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) أن هذه الخطوة جزء من جهود تستهدف تنفيذ مهام محددة تم عرضها في مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي الصيني في ديسمبر الماضي، الذي ركز على أهمية صياغة توجيه لإقامة سوق وطنية موحدة.

ويستهدف التوجيه تشجيع كل السلطات المحلية والإدارات الحكومية على تسريع تكاملها في سوق وطنية موحدة مع دعم تنميتها بنشاط، بحسب الهيئة الوطنية للتنمية والإصلاح.

وحدد التوجيه إجراءات أساسية مطلوبة، ومنها توحيد المؤسسات والقواعد الأساسية للسوق، وتحسين اتصال البنية التحتية للسوق عالية المستوى، وبناء سوق موحدة للعناصر والموارد، وتعزيز التكامل عالي المستوى لأسواق السلع والخدمات، وتحسين التنظيم العادل والموحد، والحد من المنافسة غير العادلة في السوق والتدخلات غير المناسبة.