محاولة لإقناع الجنائية الدولية برفض الدعاوى ضد إسرائيل

في وقت يتقدم فيه الفلسطينيون بالتدريج نحو بحث شكاواهم أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، ضد ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، وضرورة اعتبارها جرائم حرب، تدير الحكومة الإسرائيلية «معركة هادئة» لعرقلة هذه الجهود، وإقناع المحكمة بوجهة نظر أخرى، بهدف رفض هذه الدعاوى.
وكشفت مصادر سياسية في تل أبيب أن مسؤولين إسرائيليين من وزارتي الخارجية والقضاء، التقيا بمسؤولين من المحكمة الجنائية الدولية، خلال الأسابيع القليلة الماضية، لهذا الغرض.
وقدم المسؤولان الإسرائيليان «احتجاجاً شديد اللهجة» إلى إدارة المحكمة، على قبول بعض قضاتها النظر في الشكاوى الفلسطينية، خصوصاً تلك المتعلقة بممارسات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2014، التي راح ضحيتها عشرات الأطفال ومئات المدنيين من النساء والمسنين، وبمشروعات التهويد والبناء الاستيطاني في الضفة الغربية، التي تتناقض مع القانون الدولي وأنظمة الحروب والاحتلال المتعارف عليها.
وأوضحت هذه المصادر أن الشكوى الإسرائيلية جاءت إثر الحملة التي أطلقتها المحكمة للتواصل مع «ضحايا الأوضاع في فلسطين» بهدف جمع الأدلة في إطار التحقيق المسبق في «الشكاوى الفلسطينية حول جرائم حرب إسرائيلية». ففي شهر يناير (كانون الثاني) من سنة 2015، أعلنت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، عن فتح تحقيقات أولية حول «الأوضاع في فلسطين»، بعد توقيع الفلسطينيين على معاهدة روما، وقبولهم رسميا إحلال صلاحية المحكمة في أراضيهم، للبحث في «الاشتباه في ارتكاب جرائم حرب» خلال العدوان المذكور على غزة، بالإضافة إلى الاشتباه بـ«انتهاكات إسرائيلية للقانون الدولي» فيما يتعلق بالبناء الاستيطاني غير الشرعي.
وقررت إسرائيل، في حينه، الاحتجاج رسمياً وانتظار التطورات، وركنت لجهود أميركية لعرقلة إجراءات المحكمة. وتحركت ببطء؛ لأن المدعية العامة لم تقرر بعد، ما إذا كانت المحكمة الجنائية تتمتع بالصلاحية القضائية للتعامل مع الشكاوى وما إذا كان هناك أي اشتباه في ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية. وراحت إسرائيل تنتظر ما ستقرره المدعية العامة إزاء الشكاوى، وإن كانت ستعتبرها «شبهات في ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، وهل سيتم فتح تحقيق يمكن أن يؤدي إلى إدانة». ولكن، قبل شهرين، قدم الفلسطينيون إلى المحكمة ما يعرف بإحالة حكومية، يطلبون خلالها من المدعية التحقيق في «جرائم ماضية، جارية ومستقبلية، ضمن صلاحية المحكمة، ترتكب في جميع أجزاء أراضي دولة فلسطين»، التي تعتبر الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، وقطاع غزة.
وفي أعقاب ذلك أمر ثلاثة قضاة في يوليو (تموز) الماضي، فيما يعرف بـ«الغرفة ما قبل المحكمة» التي تتعامل مع «الشكاوى الفلسطينية حول جرائم حرب إسرائيلية» مفترضة، من سجل المحكمة أن «يقيم في أقرب وقت ممكن نظام معلومات عامة، للتواصل مع الضحايا من الأوضاع في فلسطين». وطلب القضاة من السجل، وهو طرف محايد في المحكمة يوفر الدعم الإداري لنشاطاتها، بفتح «صفحة معلومات في موقع المحكمة» مخصص للفلسطينيين، ولنشر التقارير حول تقدم نشاطاتها في هذا الإطار كل ثلاثة أشهر.
وجاء في بيان صحافي صدر يومها عن القضاة بيتر كوفاكش، ومارك بيرين دو بريمبو، وريني أديلايد سوفي ألابيني غانسو، أنه «سوف يقيم السجل، بأقرب وقت ممكن، نظام معلومات عامة ونشاطات تواصل من أجل المجتمعات المتأثرة، وخاصة ضحايا الأوضاع في فلسطين». وأكد القضاة أن هذا الإجراء يهدف إلى إقامة «نظام استمراري للتواصل بين المحكمة والضحايا، داخل أو خارج فلسطين»، بحسب ما ورد في البيان.
وإزاء ذلك، شعرت إسرائيل بالخطر وأبدت استهجانها من قرار لجنة القضاة، وأصدرت وزارتا الخارجية والقضاء، بيانا يعتبر هذا الإجراء «دليلا آخر على تسييس المحكمة ضد إسرائيل». وبعد إجراء مشاورات بشأن هذه المسألة، تقرر تقديم طلب إلى إدارة المحكمة يعبر عن احتجاج رسمي. وتوجه مسؤولان إسرائيليان من الوزارتين إلى محكمة لاهاي لتقديم الشكوى بشكل رسمي. وزعما أن «القضاة يتجاهلون تماما حقيقة أن المحكمة لا تملك صلاحية التعامل مع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وأن المدعية العامة لم تتخذ بعد أي قرار إثر تحقيقها الأولي»، وأن «حرص القضاة على إصدار مثل هذا القرار الاستثنائي يضع علامة استفهام حقيقية على قدرة المحكمة على التعامل بشكل عادل مع الأمور المتعلقة بإسرائيل».