بحث فرنسي عن عمال بين السوريين

TT

بحث فرنسي عن عمال بين السوريين

بعدما تقدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باقتراحات لإعادة اللاجئين من فرنسا وأوروبا إلى سوريا، بدأ العاملون في مؤسسات «بول أمبلوا» (قطب العمل المتواجد في أنحاء فرنسا) يشددون المقابلات مع اللاجئين السوريين مهما كانت أنواع إقاماتهم ومهما كان نوع لجوئهم (عشر سنوات أو سنة تتجدد).
وتلقت السيدة أم أحمد إبراهيم طلبين لموعدين في شهر أغسطس (آب) الحالي، الأول يتعلق بلقاء المساعدة الاجتماعية التي ترافق المقيم للحصول على عمل، والثاني في قلب مؤسسة «بول أمبلوا» رغم أنها لا تتكلم بعد اللغة الفرنسية بطلاقة... ولا تتقن سوى اللغة الكردية.
السيدة أم أحمد توضح لـ«الشرق الأوسط»، أنها «لم تستفد أي شيء من مائتي ساعة قدمت لها سابقاً من مؤسسة (الأوفي) كي تتعلم الفرنسية. ولا تعرف إن كانت تستطيع أن تستفيد من مائة ساعة أضيفت في قرار جديد أصدرته الحكومة الفرنسية مؤخراً، حيث أصبح على اللاجئ أن يتعلم الفرنسية بثلائمائة ساعة عوضاً عن مائتي ساعة في السابق».
وأكدت أنها لا تستطيع بعد أن بلغت 41 عاماً أن تتعلم لغة جديدة تختلف عن الكردية والكلامنجية والتركية وغيرها من اللغات التي تفهمها شفهياً، مضيفة أن لديها آلاماً في الظهر، وهي أم لخمسة أولاد تعمل في خدمتهم جميعاً في شقتهم الصغيرة التي لا تتجاوز ثمانين متراً مربعاً فقط..
الشاب باسل العلي قَبِل العمل مزارعاً في مدينة سانت أو مدينة بون، لكن العمل في الحقول يحتاج إلى سيارة كي يستطيع الوصول إلى حقل بعيد عن منزله المتواجد بمكان متطرف بين المدينتين، وهو لا يملك شهادة سواقة بعد. الشاب العلي لديه 3 أطفال من بينهم طفلة صغيرة لا تتجاوز سنة ونصف السنة، وعليه أن يوصل طفليه الأولين إلى المدارس الابتدائية يومياً، وأن يعيدهما إلى المنزل بعد انتهاء الدوام في المدرسة.
المساعدة الاجتماعية في مؤسسة «إم إس آه» المتكفلة مرافقة اللاجئين للحصول على عمل أكدت لـ«الشرق الأوسط»، أنه لم يعد من المقبول أن يبقى اللاجئون السوريون على الإعانات المادية - أو ما يسمى في فرنسا «آر إس آه» - في الوقت الذي تبحث فيه الدولة الفرنسية عن مزارعين وأطباء وكوادر مصرفية وتأمينية. وأوضحت، أنه ليس على اللاجئ سوى اتباع «فورماسيون» لمدة بسيطة كي يستطيع الاندماج في سوق العمل، مشيرة إلى أن العمل هو العنصر الرئيسي للاندماج في المجتمع الفرنسي.
في حين تلمح باروني، المستشارة في «بول أمبلوا»، إلى أن المستشارين في هذه المؤسسة لا يزعجون المقيمين، فهم لا يلتقوهم سوى كل ستة أشهر فقط، لمعرفة ما أنجزوه خلال هذه الفترة، وما هي الوظائف التي تقدموا لها وتم رفضهم، لتوجيههم إلى أعمال ووظائف ومؤسسات أخرى.
أما مكاتب التشغيل كبرومان وغيرها، فتؤكد أن الشركات تفضل الكوادر المقيمة في رومانيا ودول أوروبية أخرى، التي تتقاضى أجراً منخفضاً.



فلسطينيون ظلوا بلا عائلة... وعائلات كاملة شُطبت من السجل المدني

TT

فلسطينيون ظلوا بلا عائلة... وعائلات كاملة شُطبت من السجل المدني

جنازة جماعية في 7 مارس 2024 لـ47 فلسطينياً قتلتهم إسرائيل في رفح (أ.ف.ب)
جنازة جماعية في 7 مارس 2024 لـ47 فلسطينياً قتلتهم إسرائيل في رفح (أ.ف.ب)

216 ليس مجرد رقم عادي بالنسبة لعائلة «سالم» الموزعة بين مدينة غزة وشمالها. فهذا هو عدد الأفراد الذين فقدتهم العائلة من الأبناء والأسر الكاملة، (أب وأم وأبنائهما) وأصبحوا بذلك خارج السجل المدني، شأنهم شأن مئات العائلات الأخرى التي أخرجتها الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ عام.

سماهر سالم (33 عاماً) من سكان حي الشيخ رضوان، فقدت والدتها وشقيقها الأكبر واثنتين من شقيقاتها و6 من أبنائهم، إلى جانب ما لا يقل عن 60 آخرين من أعمامها وأبنائهم، ولا تعرف اليوم كيف تصف الوحدة التي تشعر بها ووجع الفقد الذي تعمق وأصبح بطعم العلقم، بعدما اختطفت الحرب أيضاً نجلها الأكبر.

وقالت سالم لـ«الشرق الأوسط»: «أقول أحياناً إنني وسط كابوس ولا أصدق ما جرى».

وقصفت إسرائيل منزل سالم وآخرين من عائلتها في 11 ديسمبر (كانون الأول) 2023، وهو يوم حفر في عقلها وقلبها بالدم والألم.

رجل يواسي سيدة في دفن أفراد من عائلتهما في خان يونس في 2 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

تتذكر سالم لحظة غيرت كل شيء في حياتها، وهي عندما بدأت تدرك أنها فقدت والدتها وشقيقاتها وأولادهن. «مثل الحلم مثل الكذب... بتحس إنك مش فاهم، مش مصدق أي شي مش عارف شو بيصير». قالت سالم وأضافت: «لم أتخيل أني سأفقد أمي وأخواتي وأولادهن في لحظة واحدة. هو شيء أكبر من الحزن».

وفي غمرة الحزن، فقدت سالم ابنها البكر، وتحول الألم إلى ألم مضاعف ترجمته الأم المكلومة والباقية بعبارة واحدة مقتضبة: «ما ظل إشي».

وقتلت إسرائيل أكثر من 41 ألف فلسطيني في قطاع غزة خلال عام واحد في الحرب التي خلّفت كذلك 100 ألف جريح وآلاف المفقودين، وأوسع دمار ممكن.

وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي، بين الضحايا 16.859 طفلاً، ومنهم 171 طفلاً رضيعاً وُلدوا وقتلوا خلال الحرب، و710 عمرهم أقل من عام، و36 قضوا نتيجة المجاعة، فيما سجل عدد النساء 11.429.

إلى جانب سالم التي بقيت على قيد الحياة، نجا قلائل آخرون من العائلة بينهم معين سالم الذي فقد 7 من أشقائه وشقيقاته وأبنائهم وأحفادهم في مجزرة ارتكبت بحي الرمال بتاريخ 19 ديسمبر 2023 (بفارق 8 أيام على الجريمة الأولى)، وذلك بعد تفجير الاحتلال مبنى كانوا بداخله.

وقال سالم لـ«الشرق الأوسط»: «93 راحوا في ضربة واحدة، في ثانية واحدة، في مجزرة واحدة».

وأضاف: «دفنت بعضهم وبعضهم ما زال تحت الأنقاض. وبقيت وحدي».

وتمثل عائلة سالم واحدة من مئات العائلات التي شطبت من السجل المدني في قطاع غزة خلال الحرب بشكل كامل أو جزئي.

وبحسب إحصاءات المكتب الحكومي في قطاع غزة، فإن الجيش الإسرائيلي أباد 902 عائلة فلسطينية خلال عام واحد.

أزهار مسعود ترفع صور أفراد عائلتها التي قتلت بالكامل في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة (رويترز)

وقال المكتب الحكومي إنه في إطار استمرار جريمة الإبادة الجماعية التي ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي برعاية أميركية كاملة، فقد قام جيش الاحتلال بإبادة 902 عائلة فلسطينية ومسحها من السجل المدني بقتل كامل أفرادها خلال سنة من الإبادة الجماعية في قطاع غزة.

وأضاف: «كما أباد جيش الاحتلال الإسرائيلي 1364 أسرة فلسطينية قتل جميع أفرادها، ولم يتبقَّ سوى فرد واحد في الأسرة الواحدة، ومسح كذلك 3472 أسرة فلسطينية قتل جميع أفرادها ولم يتبقَّ منها سوى فردين اثنين في الأسرة الواحدة».

وأكد المكتب: «تأتي هذه الجرائم المتواصلة بحق شعبنا الفلسطيني في إطار جريمة الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي برعاية أميركية كاملة، وبمشاركة مجموعة من الدول الأوروبية والغربية التي تمد الاحتلال بالسلاح القاتل والمحرم دولياً مثل المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وغيرها من الدول».

وإذا كان بقي بعض أفراد العائلات على قيد الحياة ليرووا ألم الفقد فإن عائلات بأكملها لا تجد من يروي حكايتها.

في السابع عشر من شهر سبتمبر (أيلول) المنصرم، كانت عائلة ياسر أبو شوقة، من بين العائلات التي شطبت من السجل المدني، بعد أن قُتل برفقة زوجته وأبنائه وبناته الخمسة، إلى جانب اثنين من أشقائه وعائلتيهما بشكل كامل.

وقضت العائلة داخل منزل مكون من عدة طوابق قصفته طائرة إسرائيلية حربية أطلقت عدة صواريخ على المنزل في مخيم البريج وسط قطاع غزة.

وقال خليل أبو شوقة ابن عم العائلة لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد ما يعبر عن هذه الجريمة البشعة».

وأضاف: «كل أبناء عمي وأسرهم قتلوا بلا ذنب. وذهبوا مرة واحدة. شيء لا يصدق».

الصحافيون والعقاب الجماعي

طال القتل العمد عوائل صحافيين بشكل خاص، فبعد قتل الجيش الإسرائيلي هائل النجار (43 عاماً) في شهر مايو (أيار) الماضي، قتلت إسرائيل أسرته المكونة من 6 أفراد بينهم زوجته و3 أطفال تتراوح أعمارهم بين عامين و13 عاماً.

وقال رائد النجار، شقيق زوجة هائل: «لقد كان قتلاً مع سبق الإصرار، ولا أفهم لماذا يريدون إبادة عائلة صحافي».

وقضى 174 صحافياً خلال الحرب الحالية، آخرهم الصحافية وفاء العديني وزوجها وابنتها وابنها، بعد قصف طالهم في دير البلح، وسط قطاع غزة، وهي صحافية تعمل مع عدة وسائل إعلام أجنبية.

الصحافي غازي أشرف علول يزور عائلته على شاطئ غزة وقد ولد ابنه في أثناء عمله في تغطية أخبار الموت (إ.ب.أ)

إنه القتل الجماعي الذي لا يأتي بطريق الخطأ، وإنما بدافع العقاب.

وقال محمود بصل، المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني بغزة، إن الاحتلال الإسرائيلي استخدم الانتقام وسيلة حقيقية خلال هذه الحرب، وقتل عوائل مقاتلين وسياسيين ومسؤولين حكوميين وصحافيين ونشطاء ومخاتير ووجهاء وغيرهم، في حرب شنعاء هدفها إقصاء هذه الفئات عن القيام بمهامها.

وأضاف: «العمليات الانتقامية كانت واضحة جداً، واستهداف العوائل والأسر والعمل على شطب العديد منها من السجل المدني، كان أهم ما يميز العدوان الحالي».

وأردف: «ما حدث ويحدث بحق العوائل جريمة مكتملة الأركان».