اللاجئون في كردستان العراق يربطون العودة بـ«ضمانات دولية»

TT

اللاجئون في كردستان العراق يربطون العودة بـ«ضمانات دولية»

«18 مارس (آذار) 2013، يوم لن أنساه ما حييت، سيبقى محفوراً في ذاكرتي». بهذا الكلام بدأت ميديا (32 سنة) قصة خروجها من سوريا، ولجوئها إلى إقليم كردستان العراق المجاور، إثر احتدام المعارك الدائرة بين الجهات المتحاربة في سوريا.
آنذاك عبَر آلاف الأكراد السوريون الجسر الواصل بين المعبر الحدودي من الجهة السورية (سيمالكا)، ونقطة عبور فيش خابور التابعة لإقليم كردستان، وكانت ميديا برفقة زوجها تحمل طفلها الصغير، ويدعى باران، من بين العابرين، حيث قصدوا مخيم دوميز (1) المحاذي للحدود السورية.
ولا تزال تتذكّر تفاصيل ذلك اليوم، وكأنه حدث معها للتو، وقالت: «درجة الحرارة كانت فوق الـ45 مئوية، وقفنا تحت لهيب الشمس في وضح النهار، ننتظر السماح بدخولنا. ابني باران أصيب بحروق الشمس، وزوجي فقد وعيه عدة مرات ولم يتحمّل الوقوف».
ومنذ ذلك الحين، تعيش ميديا وآلاف اللاجئين السوريين في مخيم دوميز (1)، الذي يبعد نحو 60 كيلومتراً عن الحدود السورية باتجاه الشرق، ويتبع محافظة دهوك، ويبعد عنها نحو 15 كيلومتراً، كما يبعد 177 كيلومتراً عن مدينة أربيل عاصمة الإقليم.
أُنشئ المخيم بداية 2012 استجابة لزيادة تدفق أعداد اللاجئين من الشمال السوري، وسرعان ما تحوّل إلى مدينة سورية على أراضٍ عراقية. يعيش اليوم في المخيم نحو 13 ألف لاجئ، موزعين على مساحة (1.142.500) متر مربع، حيث يعدّ من أكبر مخيّمات اللاجئين السوريين في العراق.
وتنحدر ميديا من مدينة المالكية، أو ديريك باللغة الكردية، المحاذية للحدود مع إقليم كردستان العراق، وتعمل اليوم مع منظمة «أطباء بلا حدود» التي افتتحت مكتباً لها منذ بداية تأسيس المخيم. تعمل مع وحدة الأمومة في مجال التوعية الصحيّة، ولأنها كانت تعمل سابقاً في مستشفى خاص حصلت على الوظيفة، وتابعت كلامها لتقول: «في كلّ شهر يبصر النور نحو 100 مولود في المخيم، فالوحدة تقدّم استشارات قبل الولادة وبعدها مجاناً، وغالبية المريضات اللواتي يتردّدن، هنّ نساء سوريات نازحات».
ومنذ إنشاء المخيّم، تعمل منظمة «أطباء بلا حدود» في تقديم الرعاية الصحية وتوفير العلاج للأمراض غير المعدية، واستشارات الصحة النفسية، وخدمات المياه والصرف الصحي.
وأعربت ميديا عن رغبتها في العودة إلى مسقط رأسها، إلا أنّها ترى أن الظروف غير مناسبة في الوقت الحالي.
وصل عدد اللاجئين في مخيم دوميز بعد التدفّق الكبير للاجئين صيف 2013، إلى نحو 55 ألف لاجئ، الأمر الذي دفع بالسلطات المحلية التابعة لحكومة إقليم كردستان، وبالتنسيق مع مفوضية اللاجئين إلى بناء مخيم دوميز (2)، الذي يقع على بعد عدة كيلومترات من المخيم الأول، يعيش فيه نحو 8 آلاف لاجئ سوري، معظمهم من النساء والأطفال الهاربين من جحيم المعارك وأزمة المياه والكهرباء؛ لكن أعداداً كبيرة غادرت المخيمات واستأجرت بيوتاً في مدن دهوك وزاخو وأربيل.
أما رسول (28 سنة) الذي كان ينتظر الانتهاء من دراسته المهنية، حتى يحصل على وظيفة ويكوّن عائلة صغيرة، تغيّر مسار حياته بعد 2011. إذ إنّه أنهى دراسة المعهد المخبري من جامعة دير الزور صيف 2012. آنذاك كان يبلغ من العمر 22 عاماً، وكان عليه الالتحاق بالخدمة الإلزامية؛ لكنه رفض القتال إلى جانب القوات الموالية للأسد، كما رفض الانضمام إلى جهات عسكرية أخرى، الأمر الذي دفعه إلى النزوح واللجوء إلى كردستان العراق، وانتهى به المطاف إلى أن يكون لاجئا في مخيم دوميز.
وكغيره من اللاجئين الذين أجبرتهم الحرب على العيش تحت رحمة خيمة لا تقيهم حرارة الصيف، أو برودة الشتاء، عبّر رسول عن مشاعره بالقول: «هنا لا يوجد مستقبل، وكلّ شيء مجهول، عندما هربت كنتُ أظنّ أنني سأبقى أياماً أو أشهراً على أبعد تقدير؛ لكن مرت 6 سنوات والحرب لم تنته، ولا توجد حلول حقيقية»، وأكد أنّ المبادرة الروسية الأخيرة غير مجدية؛ حيث أضاف: «عندي رغبة شديدة في العودة إذا ما توافرت ضمانات دولية، وكان هناك حلّ شامل لقضية اللاجئين، وتتضمن التسوية الإعفاء من التجنيد الإلزامي، وعدم الملاحقة القانونية للذين امتنعوا عن الالتحاق بالخدمة الإلزامية».
أُنشئ مخيم دوميز في موقع قاعدة عسكرية سابقة، تعود ملكيتها لبلدية بلدة دوميز، واستأجرت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة الأرض من البلدية، وقامت منظمة رياح السلام اليابانية بمساعدة اللاجئين في بناء منازل من الباطون؛ عوضاً عن الخيم. يتألّف المخيم من 13 حيّاً ويحتضن نحو 3000 طفل، بمعدّل كلّ أسرة خمسة أطفال، والمخيم غير مغلق، وبالتالي يسمح للاجئين بالدخول إليه والخروج منه بكلّ حرية، كما يتسنّى للاجئين التحرك بحرية داخل إقليم كردستان ما إن يحصلوا على بطاقة إقامة.
وكشف برونو جيدو، ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في العراق، أنّ العراق مأوى لـ300 ألف لاجئ، وغالبيتهم من سوريا. وفي 20 يونيو (حزيران) الماضي، قال في بيان رسمي نشر على حساب المفوضية: «إنّ إقليم كردستان العراق يضم 97 في المائة من اللاجئين السوريين في العراق، تتاح لهم إمكانية الحصول المتكافئ مع السكان المحليين على العمل والتعليم والخدمات الاجتماعية».
ولا يُظهِر الصراع السوري حتى بعد سبع سنوات أي علامة للخمود، إذ يعبر الناس الحدود السورية كلّ يوم هرباً من القتال، ليصل العدد إلى 700 شخص جديد كلّ شهر، بحسب برونو جيدوز
ومن إجمالي السوريين في إقليم كردستان البالغ عددهم 250 ألف لاجئ، يعيش نحو 70 ألف لاجئ في المخيّمات؛ حيث يضم الإقليم 8 مخيمات تقع 3 منها في محافظة دهوك، و4 في العاصمة أربيل، ومخيم واحد في محافظة السليمانية.
وفي 15 أغسطس (آب) 2013، افتتحت السلطات المحلية في حكومة إقليم كردستان بالتنسيق مع المفوضية السامية للاجئين، مخيم (كوركوسك) كثاني أكبر مخيم للاجئين السوريين في الإقليم بعد مخيم دوميز (1)، يقع على بعد 22 كيلومترا شمال غربي مدينة أربيل.
ويرى المدرس دليل (42 سنة) المنحدر من مدينة (كركي لكي) التابعة لمحافظة الحسكة بشمال سوريا، والذي يعمل في مدرسة مخيم كوركوسك، أنّ قسما من اللاجئين في إقليم كردستان لا يفضّل العودة، بعد سنوات من الحرب والسكن تحت سقف هذه المخيمات. وفي المخيم ثلاث مدارس: ثانوية، وإعدادية بدوامين، ومدرسة ابتدائية بدوامين أيضاً، إلى جانب روضتين للأطفال.



«بريكست» بريطانيا... الحمى أقل زخماً

نتائج خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا تزال تثير جدلاً سياسياً واجتماعياً (أ.ب)
نتائج خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا تزال تثير جدلاً سياسياً واجتماعياً (أ.ب)
TT

«بريكست» بريطانيا... الحمى أقل زخماً

نتائج خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا تزال تثير جدلاً سياسياً واجتماعياً (أ.ب)
نتائج خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا تزال تثير جدلاً سياسياً واجتماعياً (أ.ب)

خلال السنوات الـ8 التي مرت منذ التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) عام 2016، كُتبت ملايين الكلمات عن آثاره. وحتى يومنا هذا، لا تزال قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تقسم البريطانيين.

في المملكة المتحدة، هيمن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على النقاش السياسي لسنوات، سيما بين عامي 2016 و2019. وبدا الأمر وكأن الملحمة لا نهاية لها. كنت نائباً في البرلمان ووزيراً في الحكومة البريطانية طوال ذلك الوقت. وأعلم كم من الوقت استهلك الجدل الذي يبدو بلا نهاية.

لكن الساحة السياسية في المملكة المتحدة اليوم أصبحت أقل زخماً بحمى البريكست. واستقر النقاش الآن على شواغل أطول أجلاً: كيف يمكننا تنمية الاقتصاد؟ وكيف يمكننا التعامل مع مستويات الهجرة المرتفعة للغاية؟ وكيف يمكن للمملكة المتحدة أن ترسم طريقها في الساحة الدولية؟

وزير الخزانة البريطاني السابق كوازي كوارتنغ (غيتي)

في الأثناء، وفي أوروبا نفسها، هناك مشاكل ملحة لا علاقة لها بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والمشاكل التي تواجهها أوروبا تماثل بشكل ملحوظ مشاكل بريطانيا.

يُنظر إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على اعتبار أنه عمل غريب وضرب من الجنون من جانب البريطانيين، في الوقت الذي أصبحت فيه القوى الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي وألمانيا وفرنسا أكثر تركيزاً على الداخل وأكثر تفتتاً من الناحية السياسية.

كان سقوط حكومة ميشال بارنييه بفرنسا، في بداية ديسمبر (كانون الأول)، مثالاً على مشكلة أوروبية لا علاقة لها بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. جاء رحيل بارنييه، بعد 3 أشهر فقط، بعد وقت قصير من انهيار الائتلاف في ألمانيا، الذي دفع باتجاه إجراء انتخابات مبكرة في فبراير (شباط) 2025، بدل الموعد الذي توقعه الجميع في سبتمبر (أيلول).

في بريطانيا، بطبيعة الحال، حصلنا على نصيبنا العادل من الانتخابات المبكرة. كان قرار ريشي سوناك بإجراء الانتخابات في يوليو (تموز) 2024 أحدث دعوة لإجراء انتخابات مبكرة، بعد الانتخابات المبكرة الناجحة التي أجراها بوريس جونسون عام 2019، وانتخابات تيريزا ماي المبكرة الكارثية عام 2017.

تظهر كل هذه الانتخابات المبكرة كيف أن الخروج البريطاني استشرف عصراً يتسم بقدر أكبر من عدم اليقين والفوضى. لا شك أن الأمور أصبحت أقل قابلية للتنبؤ بها بعد خروج بريطانيا، برغم أن المؤرخين سوف يتناقشون بلا أدنى شك حول ما إذا كان خروج بريطانيا أحد أبرز أعراض عصر الاضطرابات، أو بالأحرى أحد تداعياتها.

يشير نجاح دونالد ترمب في الانتخابات الأميركية عام 2016 إلى أن الخروج البريطاني، الذي سبق انتخابات ترمب، كان جزءاً من مجموعة أوسع من المتغيرات.

كانت القضايا التي أدت إلى بريكست؛ بما فيها ركود النمو الاقتصادي والهجرة الجماعية وفقدان الهوية بالنسبة للعديد من الناس في الغرب، هي القضايا نفسها التي ساهمت إلى حد كبير في انتصارات ترمب الانتخابية في عامي 2016 و2024.

يواجه البريطانيون أسئلة ملحة عن النمو الاقتصادي (إ.ب.أ)

في بداية عام 2025، يواجه الاتحاد الأوروبي وبريطانيا مشاكل تراجع النمو وارتفاع الهجرة نفسها. وتكمن خلف هذه الأسئلة القضايا المتعلقة بسياسات الهوية، والسياسات المثيرة للانقسام والمتعلقة بالعرق والجنس.

ويُقال إن الهوس المتصور بسياسات الهوية كان سبباً في إلحاق ضرر هائل بالديمقراطيين، كما بدا واضحاً في أحد الإعلانات الانتخابية الجمهورية، الذي يقول: «كامالا من أجلهم، والرئيس ترمب من أجلكم!».

هذه الرسالة المؤثرة بكل فعالية ألمحت إلى أن الديمقراطيين صاروا منغمسين في قضايا مثل حقوق المتحولين جنسياً، والاستخدام الصحيح للضمائر الشخصية، فضلاً عن مجموعة كاملة من النقاشات «المقبولة سياسياً» التي لم تكن على الإطلاق بين اهتمامات غالبية الأميركيين.

في أوروبا، هناك أيضاً مسألة الطاقة الرخيصة. وإلى أي مدى يتعيّن على الناس العاديين أن يدفعوا مقابل «التحول في الطاقة» لتصفير الكربون في اقتصاد بلدانهم عبر التخلي عن الوقود الأحفوري؟ لم تسبق أي قارة أوروبا في جهود «تصفير الكربون» أو الترويج للتخفيف من استخدام الوقود الأحفوري. ومع ذلك، لم تشهد أي قارة صعوداً أقوى للشعبوية اليمينية من أوروبا. فالشعبوية اليمينية عموماً ليست صديقة لـ«التحول الطاقي» والطاقة الخضراء.

من الواضح أن كل هذه المشاكل تتجاوز قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي التي تبدو أضيق وأكثر محدودية؛ إذ تنحسر أكثر في الزمن الماضي.

لكن بالنسبة لعشاق الاتحاد الأوروبي، فهناك شعور بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان بمثابة خسارة لكل من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. وهم يزعمون أن المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي كان بوسعهما التعامل مع هذه القضايا بشكل أكثر فاعلية.

غير أن الحقيقة الواقعية تشير إلى خلاف ذلك. فمن المرجح ألا يختلف الوضع الراهن من عدم اليقين والخلافات السياسية إذا ظلت المملكة المتحدة داخل الاتحاد الأوروبي. خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في حد ذاته لم يتسبب في الوعكة التي يعيشها الآن كل بلدان الغرب.

*وزير الخزانة البريطاني السابق