معظم السوريين خارج المخيمات في انتظار «رجوع آمن»

يظن البعض أن معظم اللاجئين السوريين في الأردن يعيشون في المخيمات، لكن الأرقام تثبت عكس ذلك. لاجئو المخيمات يشكلون أقل من 20 في المائة من العدد الكلي الذي وصل في الإحصاءات الأخيرة إلى 1.3 مليون. ولوحظ أن المقترح الروسي بإعادة السوريين أثار لدى كثيرين أهمية توفر «ضمانات حقيقية».
يسكن حالياً نحو 80 ألف سوري في مخيم الزعتري، وأقل من 50 ألفاً في مخيم الأزرق، ما يترك أكثر من 1.1 مليون في محافظات البلاد. معظمهم لجأ بين عامي 2012 و2013، انخرطوا في المجتمع، سجلوا أولادهم بالمدارس الحكومية، ومع تسهيلات تصاريح العمل التي باتت توفرها الحكومة الأردنية. واستطاع بعضهم إنشاء أشغال والتحقوا بوظائف متعددة.
«ليست لدينا أي معلومات حول الأعداد المتوقع عودتها إلى سوريا». هكذا تبدأ رانيا مالكي، المديرة التنفيذية لمؤسسة إنقاذ الطفل - الأردن. وتضيف لـ«الشرق الأوسط»، «الذي يتم تداوله حالياً بشكل غير رسمي هو أرقام بالآلاف. الأرقام ضئيلة مقارنة بأعداد السوريين الذين يعيشون في الأردن الذي وصل عددهم إلى 1.3 مليون في المخيمات وخارجها». وتستطرد «بصفتنا مؤسسة غير ربحية محلية، يهمنا أن يعود اللاجئون إلى بيئة آمنة. وأكبر تحدٍ نواجهه اليوم هو تضاؤل الدعم من المانحين بعد الإعلان عن المبادرة».
بالفعل، بدأت المنظمات غير الحكومية في تلمس تداعيات هذا التضاؤل؛ ما أثر كثيراً على عملها ومبادراتها لإغاثة اللاجئين السوريين: «معظم برامجنا ليست فقط داخل المخيمات، بل في المجتمعات الأردنية الحاضنة للاجئين التي تعاني بدورها تردياً في الوضع المادي، وهي في حاجة إلى الدعم من أجل استمراريتها في استقبال اللاجئين وتوفير التعليم»، تقول مالكي. وتشير إلى أن «مقترح العودة يسلب الانتباه من القضايا الأخرى، وهي الحاجة الملحة إلى استمرار دعم الأطفال السوريين خصوصاً في مجال التعليم». وقضية مهمة أخرى وفق المديرة التنفيذية «هي توفير ضمانات أن عودة السوريين ستتم بشكل ملائم وآمن يضمن كرامتهم وسلامتهم».
بالنسبة إلى مجال التعليم، الكثير من الخدمات التعليمية التي توفرها المؤسسة تم تقليصها نتيجة انخفاض الدعم. وعن ذلك تقول مالكي «قبل بضعة أيام خسرنا إحدى أكبر المنح المالية التي توفرها لنا (يونيسف) التي كانت تمول مبادرة (مكاني). من خلال هذه المبادرة يتم توفير فرص تعلم أكبر للأطفال في المجتمعات المستضيفة من أجل ربطهم وتجسيرهم بالتعليم الرسمي.
كما توفر المبادرة الدعم النفسي للأطفال السوريين المتضررين من الأزمة في الأردن». وتكشف عن أن اختفاء هذه المبادرة سيحرم نحو 13 ألف طفل سوري متضرر من الدعمنستمر في التواصل مع المؤسسات المانحة. نشعر بأنهم يجب أن يفهموا الوضع الراهن. وطالبت مالكي المجتمع الدولي بالتحرك والإيفاء بوعوده إزاء دعم السوريين في مؤتمر بروكسل الأخير ولندن وغيره.
وبالنسبة لمقترح العودة تقول مالكي: «عندما أتحدث للسوريين لا يقولون عادة إنهم يحبون العودة، لكنهم يريدون ضمانات بالأمان خصوصاً لأطفالهم. لا يريد أي أحد أن يعود لمنطقة قتال وليس بإمكاننا لومهم. لا أتوقع أن نرى موجة من العودة إلى سوريا، إلا إن كانت هناك بيئة آمنة».
في وسط البلد القديمة بالعاصمة الأردنية بنايات يؤجر شققها مالكها الأردني تيسير ك. بأسعار مخفضة، معظمها يسكنها سوريون، عائلات وشباب عزب. الشقق إحجامها متوسطة، لكنها تؤمّن لهم مأوى آمناً بإيجار معقول. وعند زيارتها ولقاء مالكها قال «بدأت موجة اللجوء قبل نحو ثلاث سنوات وزاد المستأجرون واستقروا، إلا أن تلك الموجة لم تعد موجودة اليوم». وخلال الجولة بين الشقق يضيف «هنا يسكن شاب سوري أعزب يعمل في شركة ما، راتبه نحو أربعمائة دينار بالشهر. وضعه جيد ويدفع الإيجار دائماً في وقته». ويضيف «وهناك شقة يسكنها خمسة شباب سوريين، جميعهم يعملون، ويحرصون على دفع الإيجار بانتظام أيضاً». أكملنا جولتنا، مررنا عند شقة أم سورية مطلقة تتلقى مساعدات لتعيش، وأخرى لعرسان سوريين جدد يتلقون هم المساعدات أيضاً، وغيرهم.
«يأتي السوريون للعمل وجني رزقهم، ولا ينتظرون المساعدات»، بحسب تيسير. وأضاف لـ«الشرق الأوسط»، «لا أعلم من منهم يعمل بتصريح عمل قانوني، ومن منهم ليس لديه تصريح، لا أتدخل»، لكنه يؤكد أنه لم يسبب أي منهم مشكلة له. ويضيف: «بدأوا حياة جديدة هنا، وتأقلموا. لا أعتقد أن أي منهم يريد العودة إلى سوريا حالياً».
يؤكد ذلك أحمد م. «معلّم» الجبس السوري الذي ترك بيته في محافظة الحسكة السورية وانتقل إلى عمان عام 2012، مع أن المنطقة شهدت أحداثاً أقل فجعاً من باقي محافظات سوريا، إلا أن تردي الوضع المعيشي دفع أحمد للرحيل وترك عائلته هناك. اختار الأردن لأنه كان يسافر إليها للعمل متقطعاً منذ عام 1995، ويعمل حالياً بتصريح عمل قانوني. حاول إحضار عائلته لاحقاً، لكن الأمر بات مستحيلاً عن طريق الحدود القانونية. ومع أن فرص عمله في ورش البناء تتفاوت، أشهر خير وأشهر من دون عمل، إلا أنه يفضّل البقاء في عمان. يسكن أحمد في عمان القديمة، وقال لنا عند لقائه إنه مرتاح إلى حد ما هناك، وأن أموره جيدة. ويضيف لـ«الشرق الأوسط»، إن «من يعيش في المخيمات قد يكون مجبراً على العودة، لكنه لا يريد العودة لأن ليس لديه ثقة بالوضع الراهن». منطقة أحمد خاضعة لسيطرة فصائل كردية مدعومة من التحالف، ولو حتى أراد السفر إليها، سيحرص على عدم المرور بأي محافظة خاضعة لسيطرة النظام، مشيراً إلى أن «أي منشور على مواقع التواصل الاجتماعي قد يودي بحياة الشخص. وأفضّل إحضار عائلتي إلى هنا أكثر من عودتي أنا إليهم، فمهما كانت هنالك وعود بالمصالحات، تصفية الحسابات ستحصل».
وفي حين لم يستطع أحمد إحضار عائلته معه، شاء القدر أن يصطحب عدنان أفراد أسرته معه عندما اضطر إلى الفرار من حمص في أبريل (نيسان) 2013، عندما لجأت العائلة وقتها، لم تكن في جيوب أحمد إلا أجرة الطريق. استأجر بيتاً متواضعاً في الزرقاء، وأصبح عامل طوبار يتلقى أجراً يومياً. اضطر إلى بيع ذهب زوجته وشراء المواد اللازمة لافتتاح ورشة طوبار.عندما تحسن الوضع، انتقل وأسرته إلى ماركا الشمالية في عمان. أولاده الصغار في مدارس حكومية مجانية، وابنه الأكبر (19 عاماً) ترك التعليم للعمل مع والده. أما ابنته الكبرى فاستطاعت تأمين منحة دراسية من الاتحاد الأوروبي، وهي الآن تكمل دراستها الجامعية بتخصص هندسة العمارة.
مع أن تصاريح العمل كانت صعبة في بادئ الأمر، فإن الأمور تحسنت اليوم واستطاع عدنان إصدار تصريح عمل إنشائي حر. ويقول لـ«الشرق الأوسط»، إنه ليس مربوطاً بكفيل، ويعمل بحرية.
استطاع عدنان الانخراط في محيطه، وأصبح جزءاً من المجتمع، يلبي دعوات الجيران لحضور المناسبات السعيدة، واسمه معروف في السوق. وعند سؤاله إن كان يفكر في العودة في ظل المقترح الروسي؟... قال «المقترح الروسي فقط نراه ونسمع عنه في الإعلام. أنا مرتاح هنا في الأردن مع أنني حزت وعائلتي توطيناً في الولايات المتحدة، لكننا قررنا البقاء هنا، بين معارفنا وأصحابنا الأردنيين الجدد». ويضيف «العودة لها شروط ومؤهلات. وبالوضع الراهن الأمل بالعودة من سابع المستحيلات. لن نذهب بإقدامنا إلى الموت». ويؤكد عدنان أن «الثقة بالنظام باتت معدومة، وعدا عن الثقة، لدينا يقين أن النظام نفسه لم تعد كلمته مسموعة على الأرض وتلاشت سلطته». ويشرح: «وحتى لو صدر بحقي مرسوم إعفاء، قد تتعرض لي ميليشيا ما على الطريق في ظل الانفلات الأمني وتقتلني أنا وعائلتي، ولن يدرى بنا أحد». غرفة جلوس عائلة عدنان لم تعد تسكنها نشرات الأخبار، فقد عادت العائلة إلى عاداتها القديمة بمتابعة المسلسلات في ساعات المساء. وعن ذلك يقول «اليوم بعد سنوات على الاقتتال لم نعد نتابع الأخبار؛ لأن الأحداث ذاتها تتكرر وأصبحت لدي القناعة أن الموضوع السوري أصبح مجرد تصفية حسابات بين الدول الكبيرة، وإن لم يصلوا إلى تسوية لن يتغير الوضع في سوريا». ويختتم «لم تعد القضية شعباً ونظاماً، بل مسرح تصفية الحسابات. والحل لم يعد بأيدينا».