انشقاقات داخل كتائب المعارضة الإسلامية بسبب الصراع على مصادر التمويل

انفصال عناصر عن لواء «داود» بعد مبايعته «داعش».. واشتباكات داخل «الجبهة الإسلامية»

ارشيفية
ارشيفية
TT

انشقاقات داخل كتائب المعارضة الإسلامية بسبب الصراع على مصادر التمويل

ارشيفية
ارشيفية

تزايدت الانشقاقات داخل كتائب المعارضة السورية الإسلامية في الآونة الأخيرة، إذ فقدت «الجبهة الإسلامية» سيطرتها على عدد من الكتائب التي كانت منضوية في صفوفها، بعد أيام على إعلان عناصر في لواء «داود» المعارض انشقاقهم عنه، إثر مبايعته «الدولة الإسلامية». وفي حين يرجع خبراء أسباب ذلك إلى «تعدد مصادر التمويل وعدم وجود آيديولوجيا وطنية جامعة»، يرى قياديون معارضون أن «التراجع الميداني لمختلف كتائب المعارضة يؤدي إلى خلق توترات تتحول سريعا إلى خلافات عسكرية».
وكانت اشتباكات عنيفة اندلعت قبل يومين في قرى وبلدات بمحاذاة الحدود التركية في ريف حلب الشمالي بين «الجبهة الإسلامية» وكتائب «قبضة الشمال» المنشقة عنها. ويبدو أن سبب الخلاف بين الطرفين يعود إلى أفضلية السيطرة على المنافذ الحدودية مع تركيا، إذ أصدر المجلس العسكري لكتائب «قبضة الشمال» بيانا عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، أشار فيه إلى أنه «فوجئ بالحملة العسكرية التي شنتها الجبهة الإسلامية، بشتى أنواع السلاح المتوسطة والثقيلة على النقاط الحدودية»، متهما «الجبهة الإسلامية بمخالفة الاتفاق المبرم مع الكتائب الذي ينص على تسليم المعابر والنقاط الحدودية بشكل سلمي ومن دون قتال».
كما اتهم المجلس «الجبهة الإسلامية» بـ«التمهيد لمصالحة النظام وتسليم مدينة حلب وريفها له، من خلال ما تقوم به في ريف المحافظة الشمالي».
وسبق لـ«الجبهة الإسلامية» أن أعلنت على لسان أميرها العام عبد العزيز سلامة المعروف بـ«أبو جمعة»، فصل كتائب «جبهة الشمال»، ومن ضمنها كتائب «أمجاد الشام» ولواء «الربيع العربي»، وغيرهم من الكتائب العاملة بريف حلب الشمالي، عن صفوفها، وذلك بسبب «إفسادهم بالأرض وقطعهم الطرق وتعديهم على دماء وأموال الأبرياء بعد نصبهم الحواجز واستباحتهم أموال المدنيين وإرهابهم وإفسادهم بالأرض»، وفق بيان صادر عن الجبهة.
وأنذرت الجبهة التي تعد أكبر تكتل إسلامي معارض «قادة كتائب قبضة الشمال»، ودعتهم إلى «تسليم أنفسهم إلى المكتب القضائي في الجبهة الإسلامية، لعرضهم على المحكمة الشرعية».
وأشار رئيس مجلس قيادة الثورة السورية في حلب ياسر النجار لـ«الشرق الأوسط» إلى وجود «سوء تفاهم بين (الجبهة الإسلامية) وكتائب (قبضة الشمال) تطور إلى نوع من القطيعة بين الطرفين»، رافضا الكشف عن الأسباب الحقيقية للصراع بينهما.
ولم ينكر النجار وجود حالات انشقاق داخل جماعات المعارضة الإسلامية في سوريا، لكنه عزا ذلك إلى «التراجع الميداني عند كافة فصائل المعارضة وتقدم القوات النظامية، مما يسبب توترا بين الفصائل وأحيانا مواجهات مفتوحة».
وغالبا ما تبدل جماعات المعارضة السورية ذات التوجه الإسلامي ولاءاتها تبعا لجهة التمويل التي تمدها بالمال والسلاح. وتكشف الانشقاقات الأخيرة أن مصادر التمويل بدأت تتعدد داخل الفصيل الواحد. ويوضح المحلل العسكري السوري عبد الناصر العايد لـ«الشرق الأوسط» أن «تعدد مصادر الدعم يؤدي إلى اضطرابات في خريطة الفصائل الإسلامية، وأحيانا إلى انهيارات»، لافتا إلى أن «أرجحية عامل التمويل يجعل من تنظيم الدولة الإسلامية المستقطب الأكبر لجميع المنشقين، بسبب ثرائه الفاحش».
وكان لواء «داود» المعارض أعلن قبل أيام مبايعته لتنظيم «الدولة» وتوجهه برتل مدجج بالسلاح والمقاتلين إلى معقل التنظيم في الرقة، مما دفع عددا من عناصره إلى الانشقاق عنه.
ويعد اللواء من أكبر تشكيلات المعارضة الإسلامية في إدلب، ويقوده حسان عبود الذي ينحدر من بلدة سرمين في إدلب. وكان قبل سبعة أشهر بايع اللواء تنظيم داعش، لكنه عاد إلى صفوف «الحر» بعد أن أحرز الأخير تقدما ميدانيا في إدلب، ليعود حاليا إلى أحضان «داعش».
وفي هذا السياق، أكد العايد في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» أن لواء «داود» بدل بندقيته أكثر من مرة؛ إذ كان سابقا منتميا إلى حركة أحرار الشام ثم بات مستقلا، ليصبح حاليا تابعا لتنظيم داعش، موضحا أن «هذه النوعية من الحركات الإسلامية ليست متأصلة في وجودها، ولا تملك آيديولوجيا وطنية، مثل تلك التي يملكها (الجيش الحر)».
وتقتصر ظاهرة الانشقاقات على تكتلات المعارضة الإسلامية، من دون أن تشمل كتائب الجيش الحر، أو ما يسمى بـ«الكتائب المعتدلة» بوصف الكتائب الإسلامية تتنافس على مصادر التمويل، في حين تبدو هذه المصادر شبه معدومة لدى «الحر».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.