شبح المعارضة يهيمن على الحراك السياسي في العراق بانتظار المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات

عراقيون يتظاهرون في مدينة النجف للمطالبة بالتغيير ومحاربة الفساد (إ. ب. أ)
عراقيون يتظاهرون في مدينة النجف للمطالبة بالتغيير ومحاربة الفساد (إ. ب. أ)
TT

شبح المعارضة يهيمن على الحراك السياسي في العراق بانتظار المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات

عراقيون يتظاهرون في مدينة النجف للمطالبة بالتغيير ومحاربة الفساد (إ. ب. أ)
عراقيون يتظاهرون في مدينة النجف للمطالبة بالتغيير ومحاربة الفساد (إ. ب. أ)

فيما توقَّع القيادي في حركة التغيير الكردية ووزير الهجرة والمهجرين، جاسم الجاف، مصادقة المحكمة الاتحادية على النتائج النهائية للانتخابات بعد عطلة عيد الأضحى، فإن الحراك السياسي بدأ يتكثف خلال الأيام الأخيرة، بهدف بلورة شكل وطبيعة الحكومة المقبلة بوصفها حكومة توافقية لن تختلف عن الحكومات التي شُكِّلت بعد عام 2003 وإلى اليوم باعتمادها نهج المحاصصة والتوافق.
واستناداً إلى المعلومات التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» من مصدر مقرب من المباحثات الجارية حالياً بين الكتل السياسية فإن «الحراك السياسي الحالي يعتمد على مسارين اثنين تقريباً، وهما أولاً مسعى يقوده تحالف الفتح بزعامة هادي العامري باتجاه الانفتاح على باقي الكتل الشيعية، مثل (النصر) بزعامة حيدر العبادي، أو (سائرون) التي يدعمها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، أو (دولة القانون) بزعامة نوري المالكي التي تعد الأقرب إلى الفتح أو الحكمة بزعامة عمار الحكيم التي تعد الأقرب إلى الجميع ومن ثم الانفتاح على ما يُسمّى الفضاء الوطني والمقصود به السُنّة والأكراد». ويضيف المصدر المقرب الذي طلب عدم الإشارة إلى اسمه أن «المسار الثاني يتمثل في نوع من التوافق بين سائرون والنصر والحكمة والوطنية بزعامة إياد علاوي يسعى لتشكيل الكتلة الأكبر بصرف النظر عن مشاركة الجميع أو ذهاب هذه الكتلة أو تلك إلى المعارضة، خصوصاً (سائرون) التي لم تجرِ حتى الآن أي حوار مع دولة القانون»، مبيناً أن «دولة القانون هي الأخرى تحاول إقناع الكتل الشيعية الأخرى لا سيما الفتح بالعمل على تشكيل الكتلة الأكبر طبقاً لمفهوم أقرب إلى الأغلبية السياسية يمكن أن يعزل (سائرون) والنصر مقابل الانفتاح على السنة والكرد من أجل تشكيل الكتلة الأكبر».
لكن وفي سياق الحوارات والتفاهمات الحالية، يهيمن شبح المعارضة على الجميع بحيث بات مثل هذا الخيار مستبعداً بسبب شعور الجميع بعدم نضج التجربة الديمقراطية في العراق التي تمنح من يدخل السلطة كل المكاسب والامتيازات. وفي هذا السياق تبدي الكتل الصغيرة والتي تنتمي إلى مكونات صغيرة هي الأخرى مثل التركمان الخشية من الذهاب إلى المعارضة خوفاً على وجودها. وفي هذا السياق، يقول حسن توران عضو البرلمان العراقي عن محافظة كركوك ونائب رئيس الجبهة التركمانية في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «التركمان يريدون أن يكونوا جزءاً من الحكومة ومن أجل ذلك فإننا نجري حوارات مع كل الكتل ومستمرون بالحوارات مع الجميع»، مبيناً أن «التركمان يريدون ضمانات لمستقبل مناطقهم وهذا لن يتحقق ما لم يكون لنا وجود في السلطة حتى لا يفرض علينا وضع سياسي أو إداري أو أمني خارج إرادتنا أو خارج التوافق».
وردّاً على سؤال بشأن رؤيته لرغبة الكتل السياسية الكبيرة الشيعية والسنية المشاركة في الحكومة وعدم الذهاب إلى المعارضة، يقول توران إن «الكتل الكبيرة تخشى البقاء في المعارضة لأن ثقافتنا السياسية رسخت مفاهيم خاطئة عن المعارضة بوصفها طريق الخاسرين فقط، بالإضافة إلى أن المكاسب والامتيازات هي بيد من يملك السلطة فقط».
في السياق نفسه، يرى السياسي العراقي إبراهيم الصميدعي في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك ثلاثة أسباب تجعل الكتل السياسية تفكر بأن العمل السياسي هو أن تكون في الحكومة؛ الأول هو أن الإرادة الأميركية كثيراً ما عملت على تشكيل حكومة توافقية تحاول أن تمثل جميع المكونات، وبالتالي أنشأت ثقافة أن يكون الجميع في السلطة»، مبيناً أن «السبب الثاني هو أن وظيفة العمل السياسي هو الوجود في السلطة، لأن هذا الوجود لأنه سيؤدي ضمن نظام المحاصصة على الحصول على امتيازات عالية غير مشروعة بحجة الدفاع عن المكونات».
أما السبب الثالث، حسب الصميدعي، فهو أن «العمل السياسي تحول إلى استثمار مالي كبير من قبل القوى السياسية من خلال الاستحواذ على كل مصادر القرار، وما يمثله ذلك من استثمارات وهو ما أدى إلى بناء إمبراطوريات مالية كبيرة، وبالتالي فإن فلسفة السلطة في العراق لا تعترف بالمعارضة، لأنه يمكن أن تكون عملية استهداف طائفي أو عرقي أو سياسي». كردياً وفي وقت لا يزال الحزبان الكرديان الرئيسيان في إقليم كردستان (الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني) يجريان حوارات، مرة ثنائية ومرة أخرى منفردة، مع القوى السياسية العراقية في بغداد، فإن حركة التغيير الكردية المعارضة ترى على لسان القيادي فيها جاسم الجاف، وزير الهجرة والمهجرين، في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «التغيير لا تزال تتحفظ على النتائج التي تم الإعلان عنها وننتظر المصادقة عليها من قبل المحكمة الاتحادية حيث ما زلنا نراها غير صحيحة»، مشيراً إلى أن «مسألة المشاركة في الحكومة والذهاب إلى المعارضة لا يزال من السابق لأوانه الحديث عنها».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم