إردوغان: نتعرض لـ«مؤامرة سياسية» وحرب اقتصادية

زعيمة حزب معارض ترفض العقوبات الأميركية وتعتبر قضية برانسون «غطاءً»

إردوغان يصل إلى مطار طرابزون أمس (أ.ب)
إردوغان يصل إلى مطار طرابزون أمس (أ.ب)
TT

إردوغان: نتعرض لـ«مؤامرة سياسية» وحرب اقتصادية

إردوغان يصل إلى مطار طرابزون أمس (أ.ب)
إردوغان يصل إلى مطار طرابزون أمس (أ.ب)

اعتبر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أن بلاده تتعرض لـ«مؤامرة سياسية» هدفها إضعافها، لافتاً إلى أن بعض الأطراف (في إشارة إلى الولايات المتحدة) تسعى إلى تحقيق ما لم تنجح في تحقيقه في محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016، من خلال الحرب الاقتصادية.
ورفع إردوغان سقف تحديه للعقوبات الأميركية على بلاده بسبب قضية القس أندرو برانسون الذي يحاكَم بتهم تتعلق بدعم الإرهاب والتجسس والذي اعتُقل في أكتوبر (تشرين الأول) 2016 بدعوى دعمه حركة الخدمة التابعة للداعية التركي فتح الله غولن المقيم في أميركا في تنفيذ محاولة الانقلاب الفاشلة، قائلاً إن التأثير على سعر صرف الليرة التركية هو «عملية سياسية» هدفها استسلام تركيا في جميع المجالات، من المالية وصولاً إلى السياسية.
وأضاف إردوغان في كلمة خلال اجتماع لأعضاء حزبه العدالة والتنمية الحاكم في طرابزون (شمال شرق)، أمس (الأحد): «نواجه مرة أخرى مؤامرة سياسية. وسنتغلب عليها»، مؤكداً أنه إذا ضحّت الولايات المتحدة بعلاقاتها مع تركيا فإن بلاده ستردّ بالبحث عن «أسواق جديدة، وشراكات جديدة وحلفاء جدد». وتابع أن «ما فشلوا في تحقيقه عبر التحريض ومحاولة الانقلاب، يحاولون حالياً تنفيذه عبر المال، وهذا يسمى بصراحة: حرباً اقتصادية».
وقال إردوغان إن من يفرط بشراكته الاستراتيجية مع تركيا من أجل علاقاته مع «تنظيمات إرهابية» نقول له «مع السلامة»، في إشارة إلى الدعم الأميركي لوحدات حماية الشعب الكردية التي تقاتلها تركيا في شمال سوريا. وفقدت الليرة نحو 40% من قيمتها منذ بداية العام، وهو ما يرجع بشكل كبير، من وجهة نظر خبراء، إلى المخاوف من تأثير إردوغان على الاقتصاد ودعواته المتكررة إلى خفض أسعار الفائدة في مواجهة ارتفاع التضخم وتدهور العلاقات مع الولايات المتحدة.
ورأى إردوغان أنه «من الحماقة الاعتقاد أن دولة مثل هذه الدولة (تركيا)، ستتعثر جراء تقلبات سعر صرف العملات الأجنبية»، مشيراً إلى أن الشعب التركي «لن يسمح لأحد مرة أخرى بوضع أغلال في قدميه وعنقه، ومستعد لبذل روحه ثمناً للحرية».
ووجه دعوة جديدة إلى الشعب التركي لتحويل ما لديه من عملات أجنبية وذهب إلى الليرة التركية، من أجل دعمها في أزمتها الراهنة. في السياق ذاته، أشار تقرير نشرته وكالة «بلومبيرغ» الأميركية، إلى أن تركيا بدأت تنزلق نحو أزمة مالية شاملة، وسط تصاعد التوتر مع الولايات المتحدة، وتدهور غير مسبوق لعملتها المحلية، في الوقت الذي يرفض فيه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان رفع أسعار الفائدة، التي يصف نفسه بأنه عدو لها.
ولم يُظهر إردوغان، أي مؤشرات على استعداده لتقديم تنازلات لواشنطن، التي هددت بفرض مزيد من العقوبات على حليفتها في حلف الناتو؛ بسبب احتجازها قساً أميركياً، واعتزامها شراء منظومة دفاع جوي روسية. وجدد تأكيده، أمس، أن تركيا لن تتراجع في موقفها، ولن تقدّم أي تنازلات. وقالت الوكالة في تقرير مطول: «بدأ قلق المستثمرين يتزايد، في الوقت الذي بدأت فيه تركيا تتجه نحو أزمة مالية شاملة… والسؤال الآن هو: إلى أي مدى ستصل هذه الأزمة؟».
وتلقى موقف إردوغان دعماً من المعارضة التركية، وقالت ميرال أكشنار، رئيسة حزب «الجيد» المعارض، إن حزبها يرفض تماماً إقدام الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى على معاقبة تركيا عبر فرض ضغوط على حكومتها. وأضافت أكشنار، في كلمة أمس خلال مشاركتها في المؤتمر العام الاستثنائي الثاني لحزبها الذي أُعيد فيه انتخابها رئيسة له، أن المواقف الأميركية الأخيرة ضد تركيا ناجمة عن التطورات الجيوسياسية، وأن قضية القس الأميركي ما هي إلا «مجرد غطاء لاستهداف تركيا». كما جدّدت رفضها التام لفرض الولايات المتحدة عقوبات على وزيري العدل والداخلية التركيين.
والجمعة، قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب في تغريدة عبر حسابه على «تويتر»، إن «الليرة التركية تتراجع بسرعة أمام الدولار وأعلن أنه صدّق على مضاعفة الرسوم المفروضة على الصلب والألمنيوم القادم من تركيا وأن الرسوم «ستكون بعد الآن بمعدل 20% على الألمنيوم، و50% على الصلب».
والأسبوع الماضي، أعلنت واشنطن إدراج وزيري العدل عبد الحميد غل، والداخلية سليمان صويلو على قائمة العقوبات. وتذرعت واشنطن في ذلك بعدم الإفراج عن القس الأميركي أندرو برانسون، ما دفع أنقرة إلى استخدام حقها في المعاملة بالمثل، وتجميد الأصول المالية لوزيري العدل والداخلية الأميركيين.
وأُعيد انتخاب أكشنار، أمس، رئيسةً لحزبها اليميني القومي، بعد أقل من شهر على تنحيها عن رئاسته إثر هزيمتها أمام إردوغان في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في تركيا وبعد أن حلت رابعةً بنسبة 7.3% من الأصوات في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 24 يونيو (حزيران) الماضي، رغم أن العديد من المراقبين رأوا فيها منافسة جدية لإردوغان المتربع على السلطة منذ عام 2003.
وقالت أكشنار في كلمة أمام المؤتمر العام لحزبها إن «أياماً صعبة تنتظر بلادنا»، موجهة الانتقادات إلى إردوغان بسبب سياساته الخاطئة التي أوصلت تركيا إلى الوضع الراهن.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟