المصالحة مع «طالبان» بين المطرقة والسندان

مؤشرات إيجابية إلى قدرة السلطات الأفغانية على تقويض «داعش»

مسلحون من {طالبان} خارج ولاية هلمند في أفغانستان («الشرق الأوسط»)
مسلحون من {طالبان} خارج ولاية هلمند في أفغانستان («الشرق الأوسط»)
TT

المصالحة مع «طالبان» بين المطرقة والسندان

مسلحون من {طالبان} خارج ولاية هلمند في أفغانستان («الشرق الأوسط»)
مسلحون من {طالبان} خارج ولاية هلمند في أفغانستان («الشرق الأوسط»)

«وعدتنا أميركا بالهزيمة واللهُ وعدنا بالنصر، فسننتظر أي الوعدين ينجز أولاً». من يقرأ مقولة زعيم {طالبان} الراحل الملا عمر يستنبط استحالة التوصل لمصالحة وطنية في أفغانستان، حتى وإن ظهرت بين الحين والآخر مساع للتوصل لمصالحة فإنها لم تنته في السابق بنجاح، بالأخص مع رفض حركة طالبان التصالح، وقناعة السلطات الأميركية ضرورة التخلص من الحركة.
كل ذلك يبدو وكأنه قد تم محوه في أعقاب تصريحات قائد القوات الأميركية في أفغانستان الجنرال جون نيكلسون في مطلع يوليو (تموز) الماضي، إذ أكّد آنذاك حصول تفاوض سري ما بين مسؤولين في حركة طالبان ومسؤولين في السلطات الأفغانية من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وذلك في أول تواصل مباشر مع واشنطن في محادثات من أجل إحلال السلام في أفغانستان، الأمر الذي يؤكّد أن العلاقات ما بين الدول والتنظيمات لم تعد على نمط اللعبة الصفرية المحصلة، حيث لا يأتي ربح طرف إلا من خلال خسارة الطرف الآخر، وإنما بات الوضع أشبه بمحاولة التقارب من أجل وقف الصراع الدموي وتحقيق السلام، وإن كانت حيثياته قد جاءت نتيجة فشل القضاء على حركة طالبان لسبعة عشر عاماً من جهة، وظهور تنظيم داعش ليشكل ندّاً مباشرا لحركة طالبان في مواجهات ضارية، والأمر في الآونة الأخيرة يبدو أشبه بحلّ منطقي لجميع الأطراف.

تاريخ متأزم لحركة {طالبان}
ورغم ذلك فلا بد من وجود تساؤلات إن كان الحوار مع حركة طالبان مجدياً لا سيما نتيجة التاريخ المتأزم القديم لحركة طالبان في أفغانستان، منذ أن احتلّت كابل في سبتمبر (أيلول) 1996. بغض النظر عن ذلك، فإن اللافت أن في غضون المفاهمات بين الطرفين، يتضح إحراز حركة طالبان والسلطات الأفغانية تقدماً ملحوظاً في عراكهما مع تنظيم داعش في خرسان، حيث ذكر الناطق باسم حركة طالبان ذبيح الله مجاهد مقتل ما يزيد على 153 من أعضاء تنظيم داعش في خرسان على أيدي الحركة الطالبانية وقد قال بأن «ظاهرة «داعش» الخبيثة انتهت وتحرر الناس من عذاباتها في إقليم جوزجان» في شمال أفغانستان، فيما سلم ما يزيد على 200 «داعش»ي بمن فيهم قائدان أنفسهم للقوات الأفغانية فضلوا القيام بذلك بدل أن يتم القبض عليهم من قبل حركة طالبان.
ورغم أن حركة طالبان في فترة حكمها منذ سبتمبر 1996 وحتى عام 2001 أظهرت موقفها المتشدد في النهج الديني وفي التعامل مع المدنيين الأمر الذي وصل إلى النظام التعسفي ومحاكمة الآخرين وتقييد حرياتهم، ما تسبب بانتفاضة شعبية ضد الحركة. وفي أعقاب سقوط حكم طالبان عام 2001. أصبحت تنظيما مسلحاً يختبئ في المنطقة الجبلية الوعرة، الأمر الذي تسبب فيما بعد بسلسلة من الأحداث الإرهابية التي لم تمس القوات الأمنية أو الجنسيات التي تعتبرها مناوئة لها فحسب، وإنما تضرر منها الشعب الأفغاني برمته، وإن كانت حركة طالبان في بداية تأسيسها قد حرمت قتل المدنيين المسالمين، وتحرص على عدم المساس بالشعب الأفغاني، إلا أنها استمرت حتى إبان تحديد فترات للهدنة مع السلطات الأفغانية في تصريحاتها عن مساعيها مهاجمة القوّات الأجنبية في أفغانستان، الأمر الذي لا بد من معالجته حين تتم مناقشة المصالحة التي تهفو إليها السلطات الأميركية، وإن كانت تعتزم الانسحاب من الأراضي الأفغانية فوراً أم أن ذلك سيكون تدريجياً، إذ تتشابه حركة «طالبان» مع تنظيم «القاعدة» من حيث شيطنة أميركا وقوات «الناتو»، وتحويل كل منهما إلى العدو «الكافر» الذي لا بد من القضاء عليه، والتشديد على أهمية مغادرتهما للبلاد. وقد صرح زعيم حركة طالبان السابق في مناسبات كثيرة برفضه للمصالحة وإصراره على ضرورة مغادرة قوات الناتو لأفغانستان.

مبدأ «لا تفاوض مع الإرهابيين»
شاعت في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر سياسة رفض أغلب الدول المناوئة للإرهاب، التفاوض مع التنظيمات المتشددة، وبالأخص الولايات المتحدة، وقد برزت مقولات شائعة للرئيس الأميركي السابق جورج بوش الذي يندد بالإرهاب، ويذكر أهمية تعامل الدول جميعها مع التنظيمات الإرهابية بعنف وقد قسم العالم إلى قطبين أحدهما هو «محور الشر»، بالأخص وأن تصاعد الهجمات في تلك الحقبة حمل هالة إعلامية كبيرة، جعلت مجرد فكرة التفاوض معهم أشبه بالإذعان لهم وتأكيد شرعيتهم وإظهار الضعف، وإعطائهم الفرصة لتحقيق أهدافهم وللتمادي بالبطش بالآخرين أكثر.
إلا أن حالات كثيرة أكّدت أن الواقع يحتّم حدوث مصالحات مع التنظيمات المتطرفة من أجل تحقيق السلام.
سياسة عدم التفاوض مع المتطرفين برزت نتيجة صعوبة وضوح رؤى التنظيمات الإرهابية وهيكلها التنظيمي، بل وزاد ذلك ليصل في الآونة الأخيرة للتعتيم حتى على قادة التنظيمات وعدم ظهورهم الإعلامي بوفرة، مثل ما حدث مع تنظيم داعش مؤخراً. ورغم جدية الحكومات في قيامها بمساعي المصالحة في عدة حالات، إلا أنه يستحيل تصور إمكانية حدوثه مع التنظيمات الإرهابية التخريبية العابرة للحدود والمكونة من جنسيات متنوعة، وإن كانت القضية شائكة، فتنظيم داعش في خرسان على سبيل المثال يضم أعضاء كانوا في السابق ينتمون لحركة طالبان وقرروا الانسحاب منها والانضمام للتنظيم الآخر. وقبل ذلك قد حصل تنظيم «القاعدة» على ملاذ آمن في كنف حركة طالبان، الأمر الذي يحتّم في حال الوصول إلى تسوية ضرورة التأكيد على عدم إيواء التنظيمات المتطرفة في أفغانستان إلى جانب عدم استخدام الأسلحة وإن لم تكن هناك أي ضمانات لذلك.
ومن المقاربات التي يمكن أن تتشابه مع الأزمة الأفغانية مع حركة طالبان وطول فترتها، تفاوض الحكومة الكولومبية مع الحركة اليسارية المتمردة «فارك» أو «القوات المسلحة الثورية الكولومبية»، التي تأسست في عام 1964. ورغم حجم الضرر وعدد الضحايا الكبير من المدنيين، إلا أن الحكومة الكولومبية توصلت إلى مصالحة في 24 أغسطس (آب) 2016 حين تم التوصل إلى اتفاق للسلام. لم يكن هناك أي تصور بأن بإمكان زعيم حركة «فارك» رودريغو لوندونو أن يقول وسط احتفال رسمي في كولومبيا: «وداعاً للأسلحة، وداعاً للحرب، مرحباً بالسلام». أو أن يتم تسليم الأسلحة وصهرها في نصب تذكاري للسلام بعد سنوات تسببت بقتل أعداد كبيرة من الشعب الكولومبي.
من جهة أخرى فرغم تعهد رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارغريت ثاتشر بعدم التفاوض مع الإرهابيين، إلا أنها خاضت مفاوضات مع الجيش الجمهوري الآيرلندي، وهي أحد أبرز الصراعات في بريطانيا، إذ استمرّت لفترة طويلة، وقد تشكل الجيش الجمهوري الآيرلندي في عام 1919 بهدف استقلال آيرلندا عن التاج البريطاني، واستمرت فيما بعد ذلك على نسق حرب العصابات واستخدام العنف لتحقيق هدفها.
وقد تأرجحت مساعي إحلال السلام مرات كثيرة، فشلت إحداها في يوليو 1972. وتلا ذلك أحداث يوم الجمعة الدموي في بلفاست حيث تم تفجير 22 قنبلة في غضون ثماني دقائق، ولم ينته هذا الصراع إلا في عام 2005 في فترة رئيس الوزراء السابق توني بلير، حين أعلن الجيش الجمهوري الآيرلندي إنهاء كل أنشطته العسكرية وأن مساعيه كلها سيتم تحقيقها من خلال الوسائل السياسية.
وإذا ما اختلفت توجهات كل من «فارك» الكولومبية اليسارية والجيش الجمهوري الآيرلندي الذي هو في الأساس نتاج صراع بروتستاني - كاثوليكي، إلا أنها تتشابه مع حركة طالبان بمدى تأزمها وطول فترتها وتعقيد تركيبتها التي تتداخل مع المجتمع، على نسق حركة طالبان المكونة من قبائل الباشتون التي تملك نفوذاً وقدرة على أعمال العنف وزعزعة الأمن.
وقد ظهر التوجه الدولي للمصالحة الأفغانية في الآونة الأخيرة من خلال عدة مساع، أبرزها مبادرة الملك سلمان بن عبد العزيز لتمديد الهدنة ما بين السلطات الأفغانية وحركة طالبان فترة عيد الفطر، وفيما بعد تعزز الاهتمام السعودي نحو مصالحة أفغانية من خلال المؤتمر الدولي للعلماء المسلمين حول السلم والاستقرار في أفغانستان والذي انعقد في مدينتي جدة ومكة المكرمة في 10 و11 يوليو لهذا العام، حيث تم التأكيد على أهمية الحوار الوطني بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان.
مثل هذه المصالحة من جهة أخرى تأتي من أجل إيقاف التقاتل الذي وقع ضحيته المدنيون في أفغانستان، وقد ظهرت أول بوادر إيجابية في قدرة السلطات الأفغانية على تقويض قوة تنظيم داعش في أفغانستان إلى جانب حركة طالبان.
من جهة أخرى قد يختلف النظر إلى المصالحة وقابلية أعضاء حركة طالبان وقف النزاع والاندماج حسب مكانة أعضاء حركة طالبان وموقعهم في الهرم القيادي، حيث يسهل التعامل مع الأعضاء كلما هبطوا في أسفل الهرم. ورغم ذلك فإنه من الحري أن يكون التوصل إلى المصالحة مع تأكيد لوقف إطلاق النار والاعتداء على المدنيين، أو إيواء الجماعات المتطرفة، وإن كانت لا توجد أي ضمانات على نبذ العنف، إلا أنه من المؤكد أن ستة عشر عاماً من محاولة التخلص من حركة طالبان من دون جدوى تحتم ترجيح كفة المصالحة كتمهيد لتحقيق السلام في أفغانستان.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.