القصيم: تظاهرة اقتصادية عبر مهرجان للتمور في بريدة وعنيزة

تحولت التمور في منطقة القصيم من منتج زراعي شعبي يقتصر على الإهداء ما بين السكان إلى منتج اقتصادي يقف في الصف الأول عالمياً من دون منافس من ناحية الجودة وتعدد الأصناف وغزارة الإنتاج. كما باتت المهرجانات الخاصة بها ظاهرة سياحية جاذبة للمنطقة على الصعيدين المحلي والدولي، بعد أن حققت نجاحات كبيرة في السنوات الماضية وحظيت بسمعة واسعة النطاق وفرص عمل للشاب السعودي.
فمع إشراقة كل صباحٍ جديد يتوافد إلى السوق قرابة 800 سيارة محملة بأكثر من 50 صنفاً من التمور المختلفة، ويستقبلهم قرابة 4 آلاف شاب سعودي، غير أن «السكري» يبقى الصنف الأكثر رواجاً والأغلى حتى الآن، ويتراوح سعره ما بين الـ300 ريال و45 ريالاً لـ3 كيلو، وأصناف الشقراء والسكرية الحمرا والهشيشي ما بين 20 إلى 50 ريالا، والونانة والبرحي ونبتة علي ما بين 25 إلى 60 ريالاً، فيما تفاوتت أسعار بقية أصناف التمور حسب جودتها وكميتها.
ويعد مهرجان تمور بريدة الذي انطلق قبل قرابة الـ17 عاما، أحد أهم المهرجانات التي تُنظّم في السعودية، ويستقطب متسوقين من جميع دول الخليج العربي كما يتواصل عبر النوافذ الإلكترونية التي يقدمها المهرجان تجار تمور من مختلف دول العالم لشراء أنواع مختلفة، وهذا ما دفع بجيل جديد من الشباب إلى إحياء الممارسات القديمة للفلاحين بعد أن كادت أن تندثر للمحافظة على هوية المنطقة الزراعية، وتوطين هذه التجارة التي تعد من أهم المداخيل الاقتصادية لسكان المنطقة.
وفي مدينة عنيزة خصصت مساحة كبيرة لسوق التمر تضم معمل التعبئة والتغليف إضافة إلى أربع بوابات، بوابة خاصة لكبار الضيوف وبوابة خاصة بالمزارعين الباعة وبوابة خاصة بالمشترين وبوابة خاصة للمصدرين والشركات، إضافة إلى وجود ضيافة الشعبية لزوار المهرجان وضيافة خاصة بالضيوف ومركز إعلامي ونقاط إرشاد وساحات للمزاد ومناطق للتجزئة ومكاتب للدلالين وكاميرات مراقبة وحراسات على مدار الساعة.
وامتهن كثيرون من الشباب في منطقة القصيم تحديداً هذه التجارة بشراء مزارع النخيل أو استئجارها لمدة متفق عليها والاعتناء بها للوصول بمنتجه لجودة مميزة بالحجم وكذلك باللون عبر طرق السقيا والتسميد الآمن لإنتاج تمور ذات جودة عالية عبر طرق متعددة اكتسبوها من واقع خبرة الآباء والأجداد في هذا المجال، وغالباً ما يشرف على رعايتها طاقم آسيوي باكستاني وأفغاني متكامل محترف في هذا المجال، تبدأ رعايتها في فصل الشتاء وتسميدها حتى يحين موعد الخراف، ويتبعه فرز الفاخر منها والمتوسط والعادي كل على حدة، حيث تقسم التمر لثلاث فئات، ومن ثم تعبئتها بالصناديق الخاصة، قبل أن تجلب للسوق.
هنا ينتهي عمل هذا الطاقم الذي يأتي تحت إشراف سعودي ليسمح له بالتحرك بحريته، وما دون ذلك فإن هناك قيوداً صارمة على توطين هذه التجارة، ولا يسمح لغير السعوديين في البيع داخل السوق، ليبدأ دور الدلالين الذين يتسابقون على جذب التجار والزبائن بتقاسيم أصواتهم وابتكار طرق جديدة للنطق بالأرقام وتلحينها، إذ لا يبخل الواحد منهم على الزبائن بحنجرته التي لا تستريح أبداً، غير مبالين بحشرجات حلوقهم، وما يصيبهم من جفاف فيها، فعلب المياه لا تفارقهم أبداً.
وليس من المستغرب أن يكون ثمن صوت أبرز الدلالين يتجاوز الخمسة ملايين ريال في أقل من شهرين، في الوقت الذي يشهد كل موسم من مهرجانات التمور ولادة دلاليين جدد ينافسون أصحاب الخبرة. ويرى خالد المشيطي شيخ الدلالين أن وتيرة العمل، تزداد من يوم لآخر، وهو ما تسبب في إقبال مزيد من الشباب للعمل داخل السوق، فيما يؤكد إبراهيم الغيث الذي يعد من أقدم المسوقين في مهرجان تمور بريدة، أن السوق باتت من أهم الروافد الاقتصادية لمدينة بريدة والمنطقة بشكل عام، مشدداً على أهمية التحاق الشباب في السوق وامتهان زراعة التمور وتجارتها.
من الملحوظ أن هذه المهرجانات تشهد تطورا من عام إلى آخر، من نواحٍ عدة، وإن كان التنظيم والإحصاء من أهمها، إذ شهدت الأعوام الأخيرة في مهرجان بريدة الدولي، إحصاء جميع التمور التي تدخل السوق وتحديد أصنافها، عبر أجهزة كفية يقوم بها طاقم سعودي، إضافة إلى فرز المتوسط والممتاز والفاخر قبل دخول السيارات عبر بوابة السوق وتوجيههم للأماكن الخاصة بهم، ومن المتوقع أن تسجل معدلات مبيعات التمور العام الحالي نموا بنسبة 12 في المائة، حسب تأكيدات المسؤولين.