«بيزو»... قبلة من المغرب وإسبانيا في طبق

مطعم في «كوفنت غاردن» عنوانه الطعام والحب

المطعم يمتد على طابقين للمزيد من الخصوصية
المطعم يمتد على طابقين للمزيد من الخصوصية
TT

«بيزو»... قبلة من المغرب وإسبانيا في طبق

المطعم يمتد على طابقين للمزيد من الخصوصية
المطعم يمتد على طابقين للمزيد من الخصوصية

التقيت الشيف خالد دهبي منذ سنوات كثيرة، ومنذ ذلك الحين وهو يتكلم عن حلم يراوده على الرغم من النجاحات التي حققها في مطعمه في «فيربييه» بسويسرا وفي «كوينيسينشال» في لندن، والحلم كان إعطاء المطبخ المغربي حقه مع تطعيمه بنكهات المتوسط بعيدا عن المأكولات الـ«كليشيه» لأنه لطالما رفض فكرة أن المطبخ المغربي يرتكز على الكسكس والطاجن.
واليوم تحقق الحلم بعد أن وقع اختيار دهبي على واحد من أجمل العناوين في منطقة «كوفنت غاردن» السياحية، وافتتح مطعم «بيزو» Beso والتسمية تعني «قبلة» بالإسبانية، والحب واضح من خلال الديكور الراقي المستوحى من حديقة «ماجوريل» في مراكش ولوحات فنية زيتية من أهم الرسامين التي تعكس شغف الشيف دهبي، وقد يكون تصميم الطاولات في الداخل من بين أجمل ما قد تراه في أي مطعم عصري، فتجلس حول واحة مصنوعة من الفسيفساء باللون الأزرق تذكرك بالحديقة، والجلسات تتوزع بطريقة مريحة جدا، المطبخ مفتوح وهناك كرسيان ومصطبة أطلق عليهما الشيف اسم «طاولة الطاهي»، وفي هذا الركن تشاهد الحركة الدائمة في المطبخ أثناء تناولك الطعام.
المطعم مميز من عدة نواحٍ، الميزة الأولى تنطوي تحت لواء التفرد، فلا يوجد في لندن مطعم مماثل يمزج ما بين المغرب وإسبانيا ويقدم الأطباق التي تستحق نجمة ميشلان (الشيف دهبي حاصل على نجمة ميشلان في مطعمه بسويسرا)، والناحية الثانية هي أن الأسعار مدروسة جدا ونوعية الطعام تضاهي أفخم مطاعم لندن.
حالفنا الحظ في لندن هذا الصيف، فنعمنا بصيف دافئ وهذا ما جعل الجلسات الخارجية في «بيزو» أكثر من جميلة لأن موقع المطعم يقع على زاوية مهمة في شارع «شافتسبري» في منطقة تكتظ بالسياح في كل الأوقات.
وقد يكون شكل الأطباق وطريقة تقديمها هي خير إعلان لجذب المارة في الشارع الذين تشدهم رائحة الطعام وأناقة التقديم وحفاوة فريق العمل بالزبائن والخدمة الممتازة.
بدأ مهرجان الطعام على الطاولة بطبق من المقبلات من الحمص المقرمش مع الكمون والبابريكا، وتلاه طبق الكالاماري مع صلصة الليمون وسلطة مغربية وهي عبارة عن أكثر من نوع من السلطة في طبق واحد، وفي هذه السلطة يطغي المذاق المغربي ببهاراته المميزة.
والطبق الذي استوقفنا أيضا الـOx Tongue وهذا المذاق يغري محبي هذا النوع من اللحم، ولكن الصلصة التي ترافق لحم اللسان وطراوة اللحم قد تجعلك من أنصار هذا النوع من الأكل الذي قد لا يروق للجميع.
ومن الأطباق المميزة أيضا، سمك الـ«هيك» مع صلصة البقدونس وطبق الدجاج ولحم الضأن مع صلصة مبتكرة من الباذنجان المشوي والمدخن.
ولمحبي الخضراوات يمكنهم تذوق طاجن الخضار الغني بالنكهة، فيدخل فيه الزيتون والخوخ المجفف والليمون المخلل والطماطم والنتيجة خلطة سحرية تماما مثلما يصفها الشيف دهبي الشهير بكلمته: «أنا أصنع السحر في المطبخ وأجعل كل شيء ممكنا».
إذا كنت تحب الأكل المتوسطي الذي يقدم الأطباق على طريقة التاباس الإسبانية أو المازة الشرقية فستصبح من زبائن «بيزو» لأنه يمزج ما بين أفضل ما يقدمه المطبخ الإسباني والمطبخ المغربي الغني.
اللافت في لائحة الطعام عدم وجود أي طبق يحتوي على الكربوهيدرات، فالأكل صحي ولذيذ وخفيف على المعدة من دون التخلي عن أي نكهة.
ويقول الشيف دهبي إن النكهة اللذيذة ليست بالضرورة من خلال الإفراط في استخدام الزبدة كما يحصل في غالبية المطاعم الفخمة، إنما نوعية الطعام والصلصة المفعمة بالمكونات الطازجة هي الأهم في أي طبق.
واختتم كلامه بأن «بيزو» ليس مجرد مكان للأكل، إنه مطعم يجتمع فيه الأحباب لأنه مليء بالحب.
يشار إلى أن المطعم يضم غرفة خاصة للطعام في الطابق السفلي للباحثين عن الخصوصية التامة.



المطاعم و«إنستغرام»... قصة حب غير مكتملة

ديكورات جميلة ولكن مذاق الطعام عادي (إنستغرام)
ديكورات جميلة ولكن مذاق الطعام عادي (إنستغرام)
TT

المطاعم و«إنستغرام»... قصة حب غير مكتملة

ديكورات جميلة ولكن مذاق الطعام عادي (إنستغرام)
ديكورات جميلة ولكن مذاق الطعام عادي (إنستغرام)

في الماضي، كان الناس يخرجون لتناول الطعام في مطعمهم المفضل وتذوق طبقهم الألذ فيه، أما اليوم، وفي عصر وسائل التواصل الاجتماعي وتوفر كاميرا الهواتف الذكية في كل مكان وزمان، ونشر صور الطعام على منصات رقمية على رأسها «إنستغرام» أصبحت زيارة المطعم لالتقاط الصور ومشاركتها مع العالم، دون أكلها أحياناً. ولكن هل كل ما تأكله الكاميرا قبل المعدة لذيذ كما تراه في الصورة؟

برغر سمك في "فيش إند بابلز " (إنستغرام)

هناك فئة من المطاعم التي تحمل مصطلح «إنستغرامابل» Instagrammable وتعني أنها تبدو جميلة على صفحات «إنستغرام» نظراً للتركيز على شكل الأطباق وطريقة تقديمها واستخدام الألوان فيها، بعيداً عن التركيز عن النكهة والمنتج المستخدم فيها.

وفي دراسة نشرت أخيراً على موقع رقمي متخصص بأخبار المطاعم والطعام، تبين أن تصوير مأكولات (تبدو شهية مثل الكيك وأنواع الحلوى المنمقة) قد تزيد من نكهتها قبل أكلها، والسبب قد يعود إلى أن مقولة «العين تعشق قبل القلب أحياناً» صحيحة، وذلك لأن العين هنا تقع في حب الطبق قبل تذوقه، فقط بسبب الصور التي نلتقطها.

طبق شهير نشرت صوره على وسائل التواصل الاجتماعي (إنستغرام)

في الآونة الأخيرة، وفي تغير واضح في طريقة تصرف الذواقة في المطاعم أصبح التقاط صور الطعام أمراً مبالغاً به، لدرجة أنه أصبح من الضروري الاستئذان من الجالسين على طاولتك قبل مد يدك لتناول الأكل بسبب اهتمام بعضهم بالتقاط الصور ونشرها على الإنترنت، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل كل ما تلتقطه الكاميرا وينشر على الشبكة العنكبوتية يتمتع بنكهة لذيذة توازي الشكل الجميل؟

ديكورات تلفت الانظار والمهتمين بنشر صور المطاعم (إنستغرام)

هذا السؤال يذكرني بحادثة وقعت معي، بعدما تحمست لزيارة أحد المطاعم الإيطالية في لندن، بعد رؤية العديد من المؤثرين ينشرون صوراً لثمار البحر يسيل لها اللعاب، فقررت الذهاب وتذوق تلك التحف الصالحة للأكل، وللأسف انتهى الحماس بمجرد تذوق أول لقمة من طبق الأسماك المشكلة الذي جئت حالمة بصورته وتذوقه، فالمذاق لم يكن على المستوى الذي توقعته، خاصة أن لائحة الانتظار للحصول على حجز في ذلك المطعم طويلة مما اضطرني للتكلم مع المدير المسؤول في هذا الخصوص، والاعتراض على نوعية المنتج.

صور الطعام قد تكون خادعة في بعض الاحيان (انستغرام)

الأكل في أيامنا هذه بالنسبة للأجيال الصاعدة مثل «جين زي» وجيل الألفية يعدّ نوعاً من التعبير عن المكانة الاجتماعية والمادية، فنشر صور الأكل بالنسبة لهم يتعدى مفهوم التهام الطعام والتمتع بمذاقه، وإنما يكون نوعاً من المفاخرة والتباهي في أوساط مجتمعاتهم ومعارفهم.

فالطعام نوعان؛ الأول يركز على المذاق والنكهة، أما الثاني فيعتمد على التصميم الخارجي، تماماً مثل ما حصل مع دوناتس قوز القزح، أقراص الحلوى التي غزت الإنترنت وشبكة التواصل الاجتماعي، وسميت بـRainbow Food Craze فكل من تذوق هذه الحلوى بوصفة الدونات المعدلة والمبتكرة قال إن النوع التقليدي يتمتع بمذاق ألذ بكثير.

تاباس أسماك (إنستغرام)

هناك عدد من المطاعم حول العالم التي تشتهر بتقديم أطباق جميلة وجذابة بصرياً على «إنستغرام»، لكنها ليست بالضرورة لذيذة. غالباً ما يكون الهدف من هذه المطاعم هو جذب الانتباه من خلال الإبداع في العرض وتنسيق الألوان والتفاصيل الجمالية، ولكن عند تذوق الطعام قد يكون الطعم عادياً أو غير مميز.

فيما يلي بعض الأمثلة التي تُذكر عادة في هذا السياق، مثل مطعم «ذا أفو شو» في أمستردام المعروف بتقديم يعتمد بشكل كامل على الأفوكادو بطريقة مبهرة وجميلة، إنما هناك بعض الآراء التي تشير إلى أن الطعم لا يرقى إلى مستوى العرض البصري.

صور الطعام قد تكون خادعة في بعض الاحيان (انستغرام)cut out

أما مطعم «سكيتش» في لندن ويعدّ من المطاعم ذائعة الصيت والمميز بديكوراته الجميلة وألوانه الزاهية، فهناك آراء كثيرة حول مذاق أطباقه الذي لا يكون على قدر التوقعات العالية التي يولدها المظهر الفاخر.

ومطعم «شوغر فاكتوري» في الولايات المتحدة الذي يملك فروعاً كثيرة، وشهير بحلوياته ومشروباته المزينة بألوان مشرقة على «إنستغرام»، إلا أن الكثير من الزبائن يصفونه بأنه مجرد «سكر على شكل جميل»، ولا يقدم شيئاً مميزاً من حيث المذاق.

«إيل أند أن كافيه» في لندن، وهو غني عن التعريف، خاصة أنه من أكثر المطاعم التي تنشر صورها على «إنستغرام»، ومن بين أول المطاعم التي استخدمت أسلوب الديكور الذي يعتمد على الورود، فهناك من يعتقد أن أكله ليس جيداً على عكس الصور التي تنشر هنا وهناك.

برغر سمك في "فيش إند بابلز " (إنستغرام)cut out

«فيش أند بابلز» Fish & Bubbles الواقع في نوتينغ هيل بلندن، من المطاعم الإيطالية التي انتشرت بسرعة البرق على وسائل التواصل الاجتماعي، والصور والفيديوهات التي نشرها المؤثرون جرّت الكثير للذهاب إلى المطعم وتذوق ثمار البحر كما رأوها في الصور، ولكن الحقيقة هي عكس ذلك؛ لأن المذاق أقل من عادي والأسماك ليست طازجة، ومن زار هذا المكان فلن يزوره مرة ثانية.

ولمحبي البرغر فقد أغرتهم الصور في مطعم «بلاك تاب كرافت برغرز» في نيويورك بعد الشهرة التي حصل عليها على «إنستغرام»، إلا أن الكثير من الزبائن يجدون أن النكهات عادية، ولا تتناسب مع الشهرة التي حصل عليها على الإنترنت. ولا يتفق الكثير من الذين زاروا «سيريال كيلار كافيه» Celear Killer Café في كامدن تاون بلندن، الذي يقدم حبوب الإفطار بألوان زاهية وتنسيقات مبتكرة تجعلها مثالية للصور، أن الطعم يوازي روعة الصور، مما عرّض المقهى للكثير من الانتقادات، خاصة أنه ليس رخيصاً.

لائحة أسماء المطاعم التي تعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي لتسويق أطباقها التي لا ترتقي للجودة المطلوبة لا تنتهي، والسبب وفي عصرنا هذا هو التسويق البصري والجذب السريع للزبائن، حيث يعتمد هذا النوع من التسويق بشكل كبير على الصور والفيديوهات القصيرة، خاصة على منصات مثل «إنستغرام» و«تيك توك». الأشخاص يتأثرون بالصور الجميلة والجذابة أكثر من أي شيء آخر. لذلك، عندما تكون الأطباق مصممة بشكل جميل ومبهج، يسارع الناس إلى تصويرها ونشرها، مما يوفVر للمطعم تسويقاً مجانياً وانتشاراً واسعاً.V

الكثير من الزبائن في يومنا هذا يسعون إلى أماكن مثالية لتصوير أطباقهم ومشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي. بعض المطاعم تلبي هذا الاحتياج عبر تقديم أطباق مبهجة بصرياً، مما يجعل المطعم وجهة مفضلة رغم أن الطعم قد يكون عادياً.

في السنوات الأخيرة، بدأ الطعام يُعامل بوصفه نوعاً من الفنون البصرية. فهناك اتجاه كبير نحو تقديم الطعام بطريقة إبداعية وفنية، مما يجعل من الصعب أحياناً التوفيق بين الطعم والتصميم. فالبعض يرى أن تصميم الطبق الجميل يستهلك جهداً كبيراً قد يطغى على الاهتمام بالتفاصيل المتعلقة بالطعم.

ولكن، وفي النهاية، لا يصح إلا الصحيح، ويبقى هذا النوع من المطاعم التي تهتم بالشكل والديكور وطريقة تقديم الأطباق لتشد الكاميرا وتتحول إلى صور يتهافت عليها الزبائن حالة خاصة؛ لأنها ستكون مؤقتة وستجذب الزبون مرة واحدة على عكس المطاعم التي تعتمد على جودة المنتج ونوعية الطعام وطعمه. كما أنه لا يجوز وضع المسؤولية كاملة على كاهل المطاعم إنما يتحمل أيضاً الزبون وبعض المؤثرين المسؤولية في تضليل الرأي العام، والتسويق لمطعم لا يستحق الشهرة والانتشار.