رفض سياسي لحكومة «أكثرية»... والحريري مصمم على «ائتلاف وطني»

بري يساعد الرئيس المكلف على حلحلة العقد

الرئيس نبيه بري خلال لقائه أمس الوزير ملحم الرياشي (رئاسة مجلس النواب)
الرئيس نبيه بري خلال لقائه أمس الوزير ملحم الرياشي (رئاسة مجلس النواب)
TT

رفض سياسي لحكومة «أكثرية»... والحريري مصمم على «ائتلاف وطني»

الرئيس نبيه بري خلال لقائه أمس الوزير ملحم الرياشي (رئاسة مجلس النواب)
الرئيس نبيه بري خلال لقائه أمس الوزير ملحم الرياشي (رئاسة مجلس النواب)

ظهرت بنتيجة المباحثات الجارية لتشكيل حكومة جديدة في لبنان، جبهة معارضة من قبل «الحزب التقدمي الاشتراكي» و«القوات اللبنانية» لحكومة «أكثرية» جرى الترويج لها أخيراً، وسط تأكيدات بأن الرئيس المكلف سعد الحريري «مصمم على حكومة ائتلاف وطني».
وواصل رئيس مجلس النواب نبيه بري نشاطه في التواصل مع الأطراف السياسية في محاولة لإيجاد مخارج لأزمة تشكيل الحكومة التي مضى على تكليف الحريري بتشكيلها نحو 80 يوماً، من غير أن يتمكن من تذليل العقد، وأبرزها عقدة التمثيل الدرزي وعقدة التمثيل المسيحي.
والتقى بري أمس وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال ملحم الرياشي، موفداً من رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وعرض معه الأوضاع العامة والوضع الحكومي. وبعد الاجتماع الذي استمر لأكثر من ساعة ونصف الساعة في عين التينة، خرج وزير الإعلام ليصف اللقاء بـ«الممتاز، وأن الأمور إيجابية والرئيس بري يساعد الرئيس المكلف في حلحلة العقد أمامه، وهكذا فعل الحكيم إذ قدم التسهيلات أمام الحريري إلى الحدود القصوى». وأشار الرياشي إلى عقبات لا تزال مستمرة، «أهمها أن بعضهم يظن أن الحكومة تؤلف على جبل الأوليمب حيث تعيش الأساطير، في حين أننا كائنات بشرية عادية نسعى إلى ذلك». وأضاف: «لكن الأهم هو أن يتواضع هذا البعض ويعرف أن وحدة المعايير هي كل متكامل لا تنطبق على سواه من دونه، بل عليه وقبل سواه». وختم: «لا أحد يمكنه أن يحسب حجمه مرتين».
وكان مقرراً عصر أمس أن يلتقي وزير الإعلام الرئيس المكلف سعد الحريري في بيت الوسط.
وفي ظل تمسك «الاشتراكي» بأن يكون التمثيل الدرزي كاملاً (3 وزراء في حكومة ثلاثينية) من حصته، وتمسك «القوات» بالحصول على حقيبة سيادية، تصاعدت التسريبات أمس حول إمكانية اللجوء إلى حكومة أمر واقع، أو ذهاب الرئيس الحريري إلى حكومة أكثرية، وهو الجو الذي بدده «تيار المستقبل»، إذ شدد الأمين العام لـ«تيار المستقبل» أحمد الحريري في حديث إذاعي على «أن الرئيس المكلف سعد الحريري مصمم على حكومة ائتلاف وطني، وهذا يعني أن لا مكان لحكومة أكثرية»، لافتاً إلى أن «الائتلاف الوطني يعني مشاركة المكونات السياسية الأساسية في البرلمان، ولا يعني عزل أي مكون رئيسي، أو تسليم أي مكون القدرة على تعطيل الحكومة».
وينسحب رفض حكومة أكثرية على «حزب القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي»، إذ أكد عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب هادي أبو الحسن، أن «طرح حكومة أمر واقع ليس بجديد من الأساس، ومحاولات الإقصاء كانت موجودة سابقا، وبدأت في فترة الانتخابات النيابية من خلال الضغط الذي حصل من أجل إسقاطنا، ولكن أثبتنا في خلال الانتخابات حضورنا الشعبي والسياسي»، مشدداً على «أننا ثابتون على هذا الموقف ولا تقوم في البلد حكومة على قاعدة الغلبة والاستئثار والإقصاء، أو على قاعدة الحصول على الثلث المعطل من أي فريق كان». وقال: «لهذا السبب هذا الطرح لن يرى النور ولن يمر. البلد محكوم بتوازن سياسي دقيق وعلى جميع القوى السياسية مراعاة هذا التوازن الدقيق». وقال: «فليبتعدوا نهائيا عن فكرة حكومة أكثرية وأقلية لأنه أمر غير وارد بالنسبة إلينا».
وفي السياق نفسه، رأى عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب عماد واكيم ردا على سؤال لإذاعة «لبنان الحر» عن احتمال قيام حكومة أمر واقع «أن ليس هناك من أجواء أو معلومات عن ذلك»، لافتا إلى «أن الاتصالات مع الرئيس الحريري جيدة ومتماسكة». وسأل واكيم: «كيف تكون الحكومة بمن حضر؟ هناك من يطرح حكومة أكثرية، فمن هي هذه الأكثرية؟» لافتا إلى «أن الواضح أن هناك تجانسا موضوعيا وتآلفا في المواقف بين الرئيس سعد الحريري والقوات اللبنانية والنائب السابق وليد جنبلاط والرئيس نبيه بري من دون حلف سياسي». وأشار واكيم إلى أن ما يطرح لا يخرج عن نطاق التهويل كي تصل الأطراف المعنية بالعقد التي يفتعلها الوزير باسيل إلى أن «تلكّ» (تعدل بمسارها) لكن القوات لن «تلكّ».
في المقابل، أشار نائب رئيس «التيار الوطني الحر» نقولا صحناوي إلى أن «تفاصيل المفاوضات حول تشكيل الحكومة ستبقى سرية لكنني أستطيع القول إننا لم نتجاوز موضوع الأحجام حتى الساعة»، معتبرا أن «العقد ليست لدى التيار الوطني الحر ونحن لا نعرقل تشكيل الحكومة إنما نصر فقط على توزيع عادل ووحدة المعايير ولا نعارض إعطاء القوات وزارة سيادية ولكن ليس من حصتنا».
وعن العقدة الدرزية التي تعيق تشكيل الحكومة، أشار صحناوي في حديث إلى الـ«أو تي في»، إلى أننا «ومن اللحظة قلنا إن طرح الحزب الاشتراكي غير قابل للتنفيذ لأنه غير عادل»، مشيرا إلى أن «هذا الأمر يتم حلّه عبر وضع وحدة معايير وفي مكان قد يرضي أشخاصاً وفي مكان آخر لن يرضي آخرين».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.