أردوغان والسلاح الخاطئ في «الحرب الاقتصادية»

الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يتحدّث إلى أنصاره في ريزة (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يتحدّث إلى أنصاره في ريزة (رويترز)
TT

أردوغان والسلاح الخاطئ في «الحرب الاقتصادية»

الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يتحدّث إلى أنصاره في ريزة (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يتحدّث إلى أنصاره في ريزة (رويترز)

انخفضت العملة التركية اليوم (الجمعة) إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق وسط مخاوف بشأن السياسات الاقتصادية التي يعتمدها الرئيس رجب طيب أردوغان، فوصلت الليرة إلى 6.24 مقابل الدولار قبل أن ترتفع إلى 5.94 ليرة، بانخفاض 7 في المائة خلال اليوم، بل انها جرّت معها اليورو نزولاً بسبب المخاوف من تصاعد الأزمة واحتمال انعكاسها على المصارف الأوروبية العاملة في تركيا.
بذلك انخفضت العملة التركية 44 في المائة منذ بداية العام، وهذا دليل على أن الاقتصاد التركي في خطر شديد وقد يقع في دوامة الركود والتضخم. لكن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان حاول تهدئة مواطنيه ودعاهم ليل الخميس - الجمعة إلى عدم الشعور بالقلق. وقال خلال وجوده في مدينة ريزة التي ينحدر منها: "لا تنسوا هذا: إذا كان لديهم الدولار، فنحن لدينا شعبنا، ولدينا الله"، مضيفاً: "نحن نعمل بكد بالغ".
وأرجع الرئيس التركي الأزمة إلى عوامل خارجية يأتي في مقدمها التوتر في العلاقات مع الولايات المتحدة، وقال: "هناك حملات عديدة تُشنّ فلا تلتفتوا إليها. واعلموا هذا: نحن أفضل من الأمس، وسوف نكون أفضل غدا، ولا تشعروا بشكوك بهذا الشأن".
لا جدال في أن الأزمة قائمة وحادّة، ولكن هل هي عابرة ومنشأها خارجي أم ان ثمة خللا في بنية الاقتصاد التركي الضخم الذي يقدَّر حجمه بـ 880 مليار دولار؟
لعل المشكلة الكبرى هي أن البنوك والشركات التركية اقترضت مبالغ كبيرة بالدولار، وعموما تمثل الديون بالعملات الأجنبية نحو 30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لتركيا، علماً أن تسديد هذه الديون بات أصعب بكثير راهناً مع الهبوط الحاد والمتواصل للعملة المحلية.
وإذا كان صحيحاً أن الأزمة السياسية بين أنقرة وواشنطن تلعب دوراً في هبوط العملة التركية، فإن الصحيح أيضاً أن سياسة إبقاء الفائدة منخفضة التي يتمسك بها أردوغان هي العامل الأكثر تأثيرا في هذا المجال. فعندما يرفع الاحتياطي الفدرالي الأميركي سعر الفائدة يكون الاحتفاظ بالمال في الولايات المتحدة أكثر جاذبية من إبقائه في تركيا. والمؤكد أن سياسات أردوغان جعلت الاستثمار في تركيا عموما يبدو أقل جاذبية. والنتيجة هي أن كثراً يحاولون التخلص من الليرة التركية التي تتراجع بوتيرة دراماتيكية.
ويقول خبراء أوروبيون ان شيئاً لن يلجم التضخم في تركيا الذي لامس 16 في المائة سوى رفع أسعار الفائدة. وهنا تتخوف الأسواق الأوروبية من عجز السلطات التركية عن ضبط التضخم إذا بقي أردوغان وصهره وزير المال بيرات ألبيرق على موقفهما. والغريب أن الرئيس يرفض زيادة الفائدة مع أن الاقتصاد ينمو، فالدول التي تخشى عادة رفع معدلات الفوائد هي التي يكون نموها ضعيفاً، بحيث أن زيادة كلفة الاقتراض وبالتالي الاستثمار تجعل الاقتصاد يتباطأ. والواضح أن الاقتصاد التركي يتحمل رفع الفائدة الذي يلجم التضخم ويشده نزولا نحو الهدف المحدد له وهو 5 في المائة، ويحسّن جاذبية الليرة قليلا.
ومن المشكلات التي ينبغي على تركيا التصدّي لها بسرعة وفعالية، أن لديها مستوى عالياً من الديون المستحقة السداد في المستقبل القريب. وتفيد وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني بأن احتياجات التمويل الإجمالية لتركيا هذا العام ستكون نحو 230 مليار دولار.
ويقدر بنك غولدمان ساكس الاستثماري أنه إذا انخفضت الليرة أكثر إلى 7.1 مقابل الدولار، فإن كل احتياطات البنوك التركية قد تتبخر، وستواجه الشركات التركية التي اقترضت بالعملة الأميركية صعوبة كبيرة في سداد ديونها قد تصل إلى حد العجز.
كل هذا يرسم أسوأ سيناريو ممكن، وينبئ بأن الحرب الاقتصادية التي يقول أردوغان إنها تُشنّ على بلاده ستخسرها تركيا لأن الأسلحة التي تعتمدها في خوضها ليست كافية، بل ليست هي الأسلحة المطلوبة على الإطلاق.



المستثمرون يترقبون بيانات الوظائف الأميركية ومحضر «الفيدرالي» لرسم مسار مستقبل الفائدة

عرض قصاصات الصحف والبضائع الداعمة للرئيس المنتخب دونالد ترمب في بورصة نيويورك (أ.ب)
عرض قصاصات الصحف والبضائع الداعمة للرئيس المنتخب دونالد ترمب في بورصة نيويورك (أ.ب)
TT

المستثمرون يترقبون بيانات الوظائف الأميركية ومحضر «الفيدرالي» لرسم مسار مستقبل الفائدة

عرض قصاصات الصحف والبضائع الداعمة للرئيس المنتخب دونالد ترمب في بورصة نيويورك (أ.ب)
عرض قصاصات الصحف والبضائع الداعمة للرئيس المنتخب دونالد ترمب في بورصة نيويورك (أ.ب)

يترقب المستثمرون، الأسبوع المقبل، مجموعة كبيرة من البيانات الاقتصادية الأميركية، بما في ذلك بيانات الوظائف الشهرية الرئيسية، ومحضر اجتماعات «الاحتياطي الفيدرالي»، عن كثب مع دخول عام 2025. كما سيقومون بقياس صحة الاقتصاد الأميركي وما يترتب على ذلك من توقعات لأسعار الفائدة قبل تنصيب دونالد ترمب في 20 يناير (كانون الثاني).

بيانات الوظائف

ينصب التركيز خلال الأسبوع على بيانات الوظائف الشهرية الرئيسية غير الزراعية لشهر ديسمبر (كانون الأول)، التي ستعطي قراءة حديثة لمستويات التوظيف والأجور. ومن المرجح أن يكون الاقتصاد الأميركي اختتم عام 2024 بإضافة وظائف بشكل مطرد، استمراراً لاتجاه الأشهر الأخيرة. إذ إنه من المرجح أن يُظهر تقرير سوق العمل الذي من المقرر أن يصدره مكتب إحصاءات العمل يوم الجمعة أن الاقتصاد الأميركي أضاف 153 ألف وظيفة في ديسمبر، وفقاً لتوقعات الإجماع للاقتصاديين الذين استطلعت آراءهم «بلومبرغ». وهو سيكون أقل من 227 ألف وظيفة تمت إضافتها في ديسمبر، وأعلى قليلاً من 143 ألف وظيفة تمت إضافتها في المتوسط ​​لكل من الأشهر الستة الماضية. كما يتوقع المتنبئون أن يظل معدل البطالة ثابتاً عند 4.2 في المائة، وهو منخفض نسبياً وفقاً للمعايير التاريخية.

محضر «الفيدرالي»

كذلك، يصدر يوم الأربعاء محضر اجتماع الاحتياطي الفيدرالي. وقد دفعت الأدلة المتزايدة على قوة الاقتصاد الأميركي المستثمرين إلى تقليص توقعات خفض أسعار الفائدة في عام 2025. وتقدر أسواق المال الأميركية أسعار الفائدة الأميركية بما يزيد قليلاً عن 40 نقطة أساس لخفض أسعار الفائدة بحلول ديسمبر، وهو فرق كبير عن بداية العام الماضي عندما كانت الأسواق تسعّر ما يصل إلى 150 نقطة أساس لخفض أسعار الفائدة.

وقد يؤدي المزيد من البيانات الأميركية القوية إلى خفض توقعات خفض أسعار الفائدة بشكل أكبر، لا سيما أنه من المتوقع أن يعلن الرئيس المنتخب دونالد ترمب عن سياسات تشمل التعريفات التجارية والتخفيضات الضريبية، التي قد تعزز الاقتصاد وتؤجج التضخم بعد تنصيبه في 20 يناير.

وقال الخبير الاستراتيجي في بنك «نورديا» للائتمان وأسعار الفائدة، لارس مولاند، إن السياسة النقدية الأميركية دخلت مرحلة جديدة حيث يتوقف خفض أسعار الفائدة على انخفاض التضخم أو ضعف سوق العمل. وأضاف في مذكرة أن هناك خطراً أن تنتهي أسعار الفائدة الأميركية إلى أعلى مما تتوقعه الأسواق، وفق ما نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال».

وقد سجل الدولار مؤخراً أعلى مستوى له في عامين مقابل سلة من العملات، ومن المرجح أن تؤدي البيانات الاقتصادية القوية إلى ارتفاعه أكثر من ذلك، في حين قد ترتفع عوائد سندات الخزانة الأميركية أيضاً.

وكان «الاحتياطي الفيدرالي» قد خفّض أسعار الفائدة في ديسمبر، لكنه خفض أيضاً توقعاته لخفض أسعار الفائدة في المستقبل. ويتوقع الآن خفض أسعار الفائدة مرتين فقط في عام 2025.

وقال خبراء اقتصاديون في «إنفستيك» إن محضر اجتماع يوم الأربعاء يمكن أن يقدم تفاصيل حول كيفية تأثير سياسات ترمب المخطط لها على الاقتصاد وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على توقعات أسعار الفائدة.

وقبل صدور بيانات الوظائف غير الزراعية يوم الجمعة، سيتم توفير المزيد من الدلائل على صحة سوق الوظائف من خلال أرقام الوظائف الشاغرة لشهر نوفمبر (تشرين الثاني)، الصادرة يوم الثلاثاء، وبيانات الوظائف الخاصة لشهر ديسمبر الصادرة يوم الأربعاء. بالإضافة إلى أحدث أرقام مطالبات البطالة الأسبوعية يوم الخميس.

ومن المؤشرات الرئيسية الأخرى التي سيراقبها المستثمرون لقياس مدى جودة أداء الاقتصاد الأميركي هو مؤشر مديري المشتريات التصنيعي لشهر ديسمبر، المقرر صدوره يوم الثلاثاء، بالإضافة إلى استطلاع ثقة المستهلكين الأولي لجامعة ميشيغان لشهر يناير، المقرر صدوره يوم الجمعة. ومن المقرر صدور بيانات التجارة لشهر نوفمبر يوم الثلاثاء.