سنوات السينما

الأم وأولادها في «لا أحد يعلم»
الأم وأولادها في «لا أحد يعلم»
TT

سنوات السينما

الأم وأولادها في «لا أحد يعلم»
الأم وأولادها في «لا أحد يعلم»

Nobody Knows - (2004)
الأم التي اختفت تدريجياً

غالبية أفلام المخرج الياباني هيروكازو كوري – إيدا، مستقاة من قصص واقعية قرأها في الصحف ودفعته لتحقيق أفلامه عنها. «لا أحد يعلم» واحد من تلك الأفلام، إذ وقعت حوادثها الفعلية سنة 1988، عندما تم اكتشاف أربعة أطفال تركتهم أمهم وحدهم في شقة بحجم علبة سردين، واختفت من دون أثر. لكننا نتابع القصة من مطلعها، أي من قبل اختفاء الأم. والمشهد الأول الذي يقدم هذه الأسرة مثير: تستأجر الأم البيت ومعها طفلان؛ لكن عندما تدخل الشقة وتبدأ بفتح حقائبها تستخرج طفلين آخرين كانت أخفتهما لأجل أن تفوز بالشقة الصغيرة، من دون الاضطرار للإعلان عنهما، حتى لا تُحرم من الشقة. ثم نكتشف أن الأطفال الأربعة غير مسجلين في الدوائر الحكومية، ويعيشون بلا وثائق أو هويات خاصة بهم. في أحد الأيام تبدأ الأم منوال حياة غريب؛ إذ تختفي عن الوجود وتغيب لأسابيع طويلة ثم تعود. في كل مرّة تترك بعض المال بحوزة ابنتها الأكبر سناً (يويا ياغيرا) لكي تصرف منه على إخوتها، وتختفي، ثم تعود إلى أطفالها لترعاهم قليلاً، ثم تغيب من جديد. ذات مرّة تخرج الأم ولا تعود مطلقاً، ويصبح ضرورياً على أكيرا تحمّل مسؤولية مبكرة في إعالة نفسها والأطفال الثلاثة. أحياناً يصلها بعض المال من الأم، وأحياناً لا يصلها شيء على الإطلاق. هذا إلى أن يُكتشف الأمر في نهاية المطاف وتدخل العائلة الصغيرة مرحلة جديدة من الحياة.
لا يوفر الفيلم شيئاً يُذكر عن الأم ولا عن طبيعة عملها أو سبب اختفائها، ولا عن تاريخها خلال ظهورها. نحن لا نعلم شيئاً عن علاقاتها التي أنجبت بسببها أربعة أطفال من آباء مختلفين. ما هو عملها؟ من أين تأتي بالمال؟ لِمَ لَمْ تسجل الأطفال رسمياً؟ ماذا عن مشاعرها حيال ما تقوم به؟ وما هو سبب غيابها المتكرر؟ هل تحب أولادها أكثر مما تحب حريتها؟ ليست هناك من أجوبة، فالغالب أن المخرج لم يشأ التأليف والابتكار. لعل ما تم كشفه لم يكن كاملاً، وهو لم يكن راغباً في تبني أي افتراضات. لم يرد تأليف نيات واقتراح إجابات، والتدخل فيما لا يعرفه تأكيداً، وما لا يريد تأويله وتفسيره من عنده، فترك الأمور على نسيج من التلقائية، وهو أيضاً نسيج من البرود.
الكاميرا محمولة طوال الوقت، والأسلوب تسجيلي ذو طابع تلفزيوني (عمل المخرج طويلاً لحساب التلفزيون) ما يبعث على بعض الرتابة؛ خصوصاً أن الفيلم لا يعكس أحداثاً بقدر ما يصوّر وقائع ذات أماكن أحداث محدودة.
يستأثر العمل بالاهتمام، وبقدر كبير من الفضول والمتابعة؛ نظراً لموضوعه الآسر، وبسبب تمثيل جيد من يويا ياغيرا، وعفوي جداً من الأطفال كيتاورا، وكيمورا، وشيميزو. وهذا ما يبقى من الفيلم إلى جانب حسن شغل المخرج على تفاصيل صغيرة، تبدو عادية لكنها مهمة من حيث انسجامها تماماً مع الموضوع المصوّر. أيضاً هناك حقيقة أن البعد المتمثل للفيلم كامن في تصوير المدينة بأسرها، من دون أن يصوّرها المخرج عملياً. ذلك أنه إذا لم يكن أحد يعرف أحداً في الشقة المجاورة، ومصير أربع شخصيات صغيرة يبقى عالقاً في فراغ الحياة لستة أشهر، من قبل اكتشاف وجودهم، فإن التعليق الاجتماعي يتبدى واضحاً، وهو حول خامة الحياة الاجتماعية المُعاشة - حسب الفيلم - في طوكيو و- حسب علمنا - في كثير من بقع العالم. هيروكازو كوري - إيدا هو المخرج ذاته الذي خطف سعفة مهرجان «كان» الذهبية هذه السنة، عن فيلمه الجديد «لصوص الدكاكين»، ويمكن لمن يشاهد الفيلمين التعرّف على ملامح مشتركة بين العملين، سواء على صعيد الصنعة، أو على صعيد الموضوع، ففي الفيلم الجديد عائلة تبنت أطفالها من دون أن نعرف عن خلفياتهم شيئاً، وذلك استيحاء من حكاية أخرى قرأها المخرج في الصحف.



شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز