الجيش الجزائري يجدد رفضه للعب أدوار سياسية

احتجت المؤسسة العسكرية في الجزائر على «محاولات الزج بالجيش في متاهات السياسة»، بمناسبة اقتراب موعد انتخابات الرئاسة المنتظرة بعد ثمانية أشهر.
وطرح أكبر حزب إسلامي في البلاد قبل ثلاثة أسابيع مبادرة «سماها توافق بين المعارضة والسلطة لاختيار رئيس للبلاد»، ودعا الجيش إلى رعايتها. لكن «مجلة الجيش»، لسان حال وزارة الدفاع، قالت في عدد شهر أغسطس (آب) الجاري إنها «تستغرب ولا تستسيغ ولا تقبل، تعمد بعض الأشخاص، وبعض الأطراف، الابتعاد عن صلب الحنكة السياسية. فالسياسة هي القدرة على التكيف مع مقتضيات الواقع، والقدرة هنا تعني حسن التعامل مع مقتضيات المصلحة الوطنية ومتطلبات تحقيقها، وهذا يستوجب بالضرورة مستوى راقيا من الأداء السياسي في جميع الأحوال والظروف».
ولم تذكر المجلة من تقصد، لكن فهم من ذلك أن الأمر يتعلق بمبادرة سياسية أطلقتها «حركة مجتمع السلم» الإسلامية المعارضة، تتعلق بـ«فترة انتقالية»، يتسلم فيها الحكم «رئيس توافقي»، يحظى بإجماع الطبقة السياسية. واقترح الحزب أن يرافق الجيش هذا المسار، الذي يدوم عامين، باعتباره الجهة الوحيدة التي يمكنها أن تضمن عدم انحرافه عن هدفه، أي إخراج البلاد من أزمتها السياسية. وجاءت هذه المبادرة رفضا للتوجه السائد، والمتمثل في ترشح بوتفليقة لولاية خامسة.
ومما جاء في افتتاحية المجلة بهذا الخصوص أن دعوة الجيش لأداء أدوار سياسية «تتكرر مع اقتراب كل استحقاق انتخابي، وهي من السنن غير الحميدة»، ودعت إلى «العمل على كسب ثقة الشعب الجزائري من خلال الاهتمام بانشغالاته الملحة». مبرزة أن الجيش الوطني الشعبي «يعرف حدود ونطاق مهامه الدستورية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال إقحامه في المتاهات الحزبية والسياسية. ومع ذلك هناك من يسمح لنفسه بتنصيب شخصه وصيا على الجيش، بل وناطقا باسمه، ناسيا أو متناسيا أن جيشنا هو جيش الشعب الجزائري... هو جيش الجزائر بكل ما تحمله هذه العبارة الطيبة من معان تاريخية عريقة، ومن قيم سامية ونبيلة، وبكل ما تمثله من حاضر ومستقبل».
وتابعت النشرة العسكرية موضحة «ننتظر من كافة الأطياف السياسية والمجتمع المدني أن يوفوا الجيش حقه، وأن يقدروا ما يبذله من جهود مضنية طيلة شهور السنة وأيامها، وحتى لياليها».
ويوحي هذا الكلام بأن الجيش وقائد أركانه الفريق أحمد قايد صالح يقصدان عبد الرزاق مقري، رئيس «مجتمع السلم»، صاحب مبادرة «اختيار رئيس توافقي برعاية الجيش». ومعروف أن صالح يعد من أشد رجال السلطة ولاء للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي هو وزير الدفاع والقائد الأعلى للقوات المسلحة، بحسب الدستور. ويعود لبوتفليقة الفضل في تعيين صالح رئيسا لأركان الجيش عام 2005 خلفا للجنرال محمد العماري، الذي عارض استمراره في الحكم. واختاره عام 2014 ليكون نائبا لوزير الدفاع. واختلف صالح مع رئيس المخابرات العسكرية سابقا الجنرال مدين حول ترشح بوتفليقة لولاية رابعة عام 2014. ذلك أن الأول دعم المسعى بقوة بينما رفضه مدين، وكانت النتيجة أن الرئيس عزل مدين في العام الموالي.
وذكر مقري بخصوص رفض الجيش الخوض في شؤون السياسة «إننا ندعم هذا التوجه ونسنده، ونعتبره توجها حضاريا يحقق المصلحة الوطنية، ونأمل أن يكون قطيعة نهائية وفعلية مع ممارسات مراحل سابقة، كان فيها تدخل الجيش في السياسة واضحا ومعلوما، يعرف الجميع تفاصيله، وصرّح به علانية بعض قادة أحزاب السلطة مرات ومرات بأشكال لا أوضح منها».
وقال مقري إنه لا يعتبر نفسه معنيا بما ورد في «مجلة الجيش»، على أساس أنه لم يدع إلى تدخل المؤسسة العسكرية في «المرحلة الانتقالية»، وفي اختيار «رئيس توافقي». وأضاف موضحا «الجميع يعلم أن المؤسسة العسكرية هي المتحكمة في اللعبة السياسية منذ الاستقلال، لكن في السنوات الأخيرة توجد مؤشرات كثيرة تساعد على التوجه الجديد بعدم تدخل الجيش في السياسة، منها وجود نخبة جديدة داخل المؤسسة العسكرية من جيل الاستقلال متعلمة ووطنية ومهنية، وهذا يساعد على ضبط علاقة عادية تكاملية دستورية بين العسكري والمدني».