«بيربري» تثير جدلاً بإتلافها فائض بضائعها

البحث عن طرق جديدة تحترم البيئة أصبح ضرورة وليس ترفاً

من عرض الدار لخريف 2018 وشتاء 2019
من عرض الدار لخريف 2018 وشتاء 2019
TT

«بيربري» تثير جدلاً بإتلافها فائض بضائعها

من عرض الدار لخريف 2018 وشتاء 2019
من عرض الدار لخريف 2018 وشتاء 2019

لا تزال الضجة التي أثارها خبر إتلاف دار «بيربري» منتجات تقدر بـ28.6 مليون جنيه إسترليني (ما يعادل 38 مليون دولار أميركي)، في عام 2018، مُدوية. فهذا الرقم الذي كشف عنه تقرير نشرته الدار مؤخرا، جعل حتى من كانوا يعرفون أن مثل هذه الأمور تحدث في كثير من بيوت الأزياء، مصدوما.
ويمكن القول إن هذه العملية بمثابة السر الذي يعرفه الكل: يتهامسون به، لكن يتغاضون عنه على أساس أنه جزء من العملية ككل. طبعا لا تزال بيوت الأزياء تبرر وتشرح بأنها مضطرة للقيام بهذا الإجراء حفاظا على مكانتها وخوفا من وقوع منتجاتها في أيدي أشخاص غير مرغوب فيهم لأنهم لا يعكسون الصورة التي يريدون أن ترتبط بهم. من هذا المنظور، تحاول جهدها تجنب خفض أسعارها بشكل كبير حتى لا تصبح مشاعا للكل. ثم إننا في السنوات الأخيرة لاحظنا أنها كلما رفعت أسعارها وأصبحت بعيدة المنال، زاد سحرها والإقبال عليها، كما هي الحال بالنسبة لدار «هيرميس» الفرنسية. وقد تكون هذه الأخيرة الأكثر ذكاء في استراتيجياتها، لأنها لا تنتج كميات كبيرة، وهو ما يصب في صالحها. فلائحة الانتظار للحصول على حقيبة «بيركين» أو «كيلي» قد تطول لعدة أشهر نظرا لقلة الإنتاج بحجة أن كل حقيبة تُصنع باليد بحرفية عالية.
«بيربري» التي تلقت كثيرا من الانتقادات في المدة الأخيرة، قد تكون لها مبررات أكثر من غيرها. فقد عانت في الثمانينات من تقليد منتجاتها وارتباطها بمشاغبي ملاعب كرة القدم والطبقات حديثة النعمة التي كانت تعشق نقشاتها المربعة. والنتيجة أنها بعد أن كانت وجهة الطبقات المالكة، أصبح مجرد ذكر اسمها يثير في أنفسهم الخوف. احتاجت إلى عملية إنقاذ مكثفة نجح فيها مصممها السابق كريستوفر بايلي؛ وبعد عدة محاولات من الارتقاء بها بتصاميم ابتعد فيها عن النقشات من جهة؛ وبرفعه أسعارها وأيضا باستعادة شراء اسم الدار من كل أنحاء العالم من جهة أخرى.
لم يكن مطروحا بالنسبة لها أن تعيد الأخطاء نفسها، لهذا كان الحل أمامها أن تتخلص من الفائض بأي ثمن في الوقت الحالي على الأقل، واعدة بأن تتبنى استراتيجيات جديدة تتماشى مع متطلبات العصر وتغيراته. وقد صرحت بأنها تُدرك أن العملية غير بيئية، لهذا تتبرع منذ عام 2017 بفائض الجلود لشركة «ألفيس آند كريسي» المتخصصة في إعادة تدوير ما لا تريده باقي بيوت الأزياء. كما أشارت إلى أنها بدأت تُتلف هذه البضائع بالتعاون مع شركات متخصصة قادرة على تسخير وتسريع الطاقة حتى تقلل من التأثيرات الجانبية على البيئة. ووعدت أيضا بأنها ستبذل جهدها لتقنين إنتاجها حتى لا يكون هناك فائض من الأساس. ومع ذلك لا أحد يستطيع أن يتكهن بأحوال السوق ويضمن المبيعات.
المشكلة، حسب المراقبين في هذا التقليد؛ أي إتلاف البضائع البائرة، أن كمياتها في ارتفاع بسبب انفتاح الأسواق والتوسعات التي قامت بها معظم بيوت الأزياء في أماكن متفرقة من العالم، الأمر الذي يعني زيادة إنتاجها. في دار «بيربري» مثلا ارتفع الرقم من 5.5 مليون جنيه إسترليني في عام 2013 و18.8 مليون جنيه إسترليني في عام 2016، إلى 26.9 مليون في عام 2017، ثم إلى 28.6 مليون هذا العام.
بيوت الأزياء الأخرى تعترف بأنها غير سعيدة بالعملية لكنها مضطرة لها حتى تحمي حقوقها وتضمن عدم وقوعها في أيادي المستنسخين والمقلدين، وهو مما قد يؤدي إلى ترخيصها والتأثير على مكانتها.
قبل «بيربري»؛ وجه كثير من الانتقادات لمحلات «أيتش آند إم» السويدية لإتلافها 15 طنا من منتجاتها «البائرة» في محطة «فاستيراس» شمال غربي استوكهولم، رغم تأكيدها أنها لا تتخلص من أي أزياء يمكن إعادة استعمالها، وبأنها تحرق فقط تلك التي تكون متعفنة أو متلوثة بالرصاص.
كما أن أوساط الموضة تتهامس منذ مدة طويلة، كيف أن دار «لويس فويتون» تفضل التخلص من إكسسواراتها على بيعها في مواسم التنزيلات بأسعار مخفضة.
وعندما سُئل مالكها الملياردير الفرنسي برنار آرنو عن السبب، كان رده واضحا بأنه نابع من حرصه على ألا يظلم من اشتروا المنتج نفسه بسعره الكامل.



الملك تشارلز الثالث يُدخل الموضة قصر «سانت جيمس»

ريكاردو ستيفانيللي يستعرض النتائج الأولى المتعلقة بمفهوم «الاستدامة البشرية» (برونيللو كوتشينللي)
ريكاردو ستيفانيللي يستعرض النتائج الأولى المتعلقة بمفهوم «الاستدامة البشرية» (برونيللو كوتشينللي)
TT

الملك تشارلز الثالث يُدخل الموضة قصر «سانت جيمس»

ريكاردو ستيفانيللي يستعرض النتائج الأولى المتعلقة بمفهوم «الاستدامة البشرية» (برونيللو كوتشينللي)
ريكاردو ستيفانيللي يستعرض النتائج الأولى المتعلقة بمفهوم «الاستدامة البشرية» (برونيللو كوتشينللي)

اهتمام الملك تشارلز الثالث بالموضة، وبكل ما يتعلق بالبيئة، أمر يعرفه الجميع منذ أن كان ولياً للعهد. لهذا لم يكن غريباً أن يستقبل في قصر سانت جيمس حديثاً مؤتمراً نظّمه «تحالف الاقتصاد الحيوي الدائري (CBA)»، ليؤكد أنه لا يزال متمسكاً بمبادئه. فالمشروع الذي نُظّم المؤتمر من أجله يستهدف تسريع التحوّل نحو اقتصاد مستدام، وتعزيز التقدّم في المشروع الإنساني.

وتُعدّ هذه دورته الثانية، التي جاءت تحت عنوان «مختبر الأزياء المتجددة في جبال الهيمالايا»، علماً بأن من يقف وراءه أسماء مهمة في عالم المال والأعمال ومجال الإبداع على حد سواء، نذكر منها جيورجيو أرماني وبرونيللو كوتشينللي.

ريكاردو ستيفانيللي مع الملك تشارلز الثالث في المؤتمر (برونيللو كوتشينللي)

المشروع ثمرة تعاون بين فرق معنيّة بالموضة، في إطار «مبادرة الأسواق المستدامة»، التي أطلقها الملك تشارلز الثالث -عندما كان ولياً للعهد- وشركة «برونيللو كوتشينللي (S.p.A)» و«تحالف الاقتصاد الحيوي الدائري». وتأسس لدعم القضايا المرتبطة بالمناخ العالمي وغيرها من المسائل الحيوية التي تُؤثّر على البشرية. وهي قضايا يشدد الملك تشارلز الثالث على أنها تحتاج إلى تكاثف كل القوى لإنجاحها.

حضر المؤتمر باحثون وعلماء وروّاد أعمال وقادة مجتمعات محلية (برونيللو كوتشينللي)

حضر المؤتمر، إلى جانب الملك البريطاني، نحو 100 مشارك، من بينهم باحثون وعلماء وروّاد أعمال، ومستثمرون، وقادة مجتمعات محلية.

كان للموضة نصيب الأسد في هذا المؤتمر، إذ شارك فيه فيديريكو ماركيتي، رئيس فرقة العمل المعنيّة بالموضة، وجوزيبي مارسوتشي، ممثل عن دار «جورجيو أرماني»، وبرونيللو كوتشينللي، الرئيس التنفيذي لشركة «برونيللو كوتشينللي». وتحدَّث هذا الأخير عن التقدّم الذي أحرزته الشركة الإيطالية حتى الآن في إطار دعم قيم الاقتصاد الدائري، وحماية البيئة، فضلاً عن تعزيز مفاهيم الأزياء والسياحة المستدامة، مستشهداً بدفعات أولية من «باشمينا»، استخدمت فيها مواد خام من مناطق واقعة في جبال الهيمالايا.

ويُعدّ مشروع الهيمالايا، الذي وُلد من رؤية مشتركة بين «برونيللو كوتشينللي» و«فيديريكو ماركيتي»، من المشروعات التي تحرص على ضمان إنتاج يُعنى برفاهية الإنسان، من دون أي تأثيرات سلبية على الطبيعة والبيئة. وحتى الآن يُحقق المشروع نتائج إيجابية مهمة، لكن دعم الملك تشارلز الثالث له يُضفي عليه زخماً لا يستهان به.