مصادر فرنسية: صيغة الحكم تتخطى الجدل حول هوية رئيس الوزراء

قالت إن الأزمة العراقية تطال المصالح الغربية

مصادر فرنسية: صيغة الحكم تتخطى الجدل حول هوية رئيس الوزراء
TT

مصادر فرنسية: صيغة الحكم تتخطى الجدل حول هوية رئيس الوزراء

مصادر فرنسية: صيغة الحكم تتخطى الجدل حول هوية رئيس الوزراء

رغم الخلاف الأساسي بين المكونات العراقية السياسية والطائفية والعرقية حول هوية رئيس الوزراء القادم، بعد الرفض الذي يواجهه نوري المالكي الراغب في البقاء في منصبه لولاية ثالثة معتمدا على نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، ترى باريس أن السؤال الأهم اليوم في العراق هو «صيغة الحكم الآتي وشكل النظام السياسي» المفترض به أن يكون صورة للحل السياسي المنشود للأزمة العراقية.
وترى مصادر فرنسية رسمية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أن مسألة صيغة الحكم «تتخطى الجدل» الخاص بهوية رئيس الوزراء لأنها «ستبقى مطروحة أكان المالكي في السلطة أم لم يكن». وما يزيد من حراجة هذه المسألة اليوم أنها تأتي على خلفية تطورين أساسيين، الأول: الرغبة التي عبر عنها الأكراد بإجراء استفتاء بشأن تقرير المصير، أي الانفصال عن العراق، والثاني: الإعلان عن إقامة «الخلافة الإسلامية» في المناطق الخاضعة لتنظيم داعش في سوريا والعراق. وكلا العنصرين يمسان مسألة شكل النظام السياسي؛ لأن التداعيات المترتبة على حسمها، بحسب باريس، متعددة ومؤثرة على مجرى النزاع وعلى تصرف أطرافه ميدانيا وسياسيا.
ويدور الجدل حول شكل النظام السياسي بما يتضمنه من توزيع للثروات وتقاسم المسؤوليات داخل الدولة المركزية وحول أفكار ومفاهيم سبق أن نوقشت عند إقرار الدستور العراقي، ومنها علاقة الدولة المركزية بالأطراف، وشكل هذه العلاقة وطبيعة الدولة (فيدرالية أو كونفدرالية أو لا مركزية موسعة) والضمانات التي يوفرها النظام السياسي لمكوناته، ومنها التوافق على تقاسم الثروات، وعلى رأسها النفط، والحقوق التي يتمسك بها كل مكون.
وتفيد المصادر الفرنسية المعنية مباشرة بالملف العراقي بأن الاتفاق السياسي الذي يسعى العراقيون لبلورته بضغط من الأطراف الخارجية يقوم على دعامتين، الأولى: التوافق على شخصيات مقبولة من الجميع لتولي المناصب الرئيسة في الدولة المركزية (الرئاسات الثلاث) وفق التوزيع المعمول به منذ سقوط نظام الرئيس صدام حسين، والثاني: الإطار الدستوري والمؤسساتي الذي سيعيش في ظله عراق المستقبل. وبحسب باريس، فإن ما يسهل ولوج هذه المرحلة من البحث عن حل سياسي هو أن «خطوط الجبهات العسكرية قد تجمدت»، بمعنى أن التخوف من «نزول» داعش باتجاه بغداد وسيطرتها على مناطق إضافية رئيسة أمر لم يعد ممكنا بعد الهزائم الأولى التي لحقت بالقوات العراقية الحكومية التي تراجعت عن مواقعها بشكل يثير الكثير من علامات الاستفهام.
فضلا عن ذلك، ترى باريس أن تهديد الأكراد بالمطالبة بالاستقلال عن بغداد «مناورة أكثر مما هو مطلب فعلي» رغم أنهم يسعون على المدى الأبعد لحيازة الاستقلال، بيد أنهم يعرفون أن تطورا من هذا النوع سيغذي عدم الاستقرار في المنطقة وسيغيظ تركيا وإيران وسوريا، أي البلدان التي تحتضن أقليات كردية قد تريد يوما أن تحذو حذو أكراد العراق، ما سيفجر المنطقة ككل. ولذا، فإن المصادر الفرنسية التي تؤكد أن لباريس «علاقة خاصة» بأكراد العراق بالنظر لما فعلته فرنسا من أجلهم في التسعينات على صعيد حماية المناطق الكردية، والدور الذي لعبته منظمة «فرانس ليبرتيه» غير الرسمية التي كانت ترأسها دانييل ميتران، عقيلة الرئيس الأسبق فرنسوا ميتران - تشدد على المحافظة على وحدة العراق وعلى «التوصل إلى حل سياسي يأخذ بعين الاعتبار مصالح ومطالب الفرقاء وعلى رأسهم الأقليات» الدينية والعرقية، ومنها الأكراد.
تعترف باريس بأنه تعوزها أوراق الضغط في الملف العراقي بسبب موقفها من غزو العراق في عام 2003 الذي رفضته فرنسا ونددت به بعنف فضلا عن أنها تعي أن نوعية العلاقة القائمة بينها وبين بغداد تختلف عن تلك التي تقيمها الحكومة العراقية مع واشنطن ولندن، بيد أنها ترى أن العراق «يطرح مشكلة أمنية من الطراز الأول؛ لأنها لا تهدد استقرار العراق والمنطقة فحسب، بل إنها تطال المصالح الغربية الأساسية، وبالتالي لا تستطيع فرنسا، رغم أنها قبلت أن تلعب في الصفوف الخلفية، ترك الأمور للولايات المتحدة الأميركية وحدها». ولذا، فإن باريس تضع في المقدمة علاقتها «الخاصة» بالأكراد من جهة، وبالدول المحيطة بالعراق ذات العلاقة القوية مع المكون السني، من أجل تمرير الرسائل والدفع باتجاه تسوية سياسية «تتم بوجود المالكي أو من دونه» وتوفر إطارا دستوريا وسياسيا يلائم جميع الأطراف، ولا يكون لطرف على حساب آخر.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.