أوروبا تراهن على تدابير مضادة للعقوبات الأميركية

اجتماع وزاري في بروكسل قريباً لتقييم الوضع والإجراءات المتخذة

أول اجتماع بين وزراء خارجية الدول الأوروبية ومسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي ووزير الخارجية الإيراني عقب خروج ترمب من الاتفاق النووي بروكسل منتصف مايو الماضي (أ.ب)
أول اجتماع بين وزراء خارجية الدول الأوروبية ومسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي ووزير الخارجية الإيراني عقب خروج ترمب من الاتفاق النووي بروكسل منتصف مايو الماضي (أ.ب)
TT

أوروبا تراهن على تدابير مضادة للعقوبات الأميركية

أول اجتماع بين وزراء خارجية الدول الأوروبية ومسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي ووزير الخارجية الإيراني عقب خروج ترمب من الاتفاق النووي بروكسل منتصف مايو الماضي (أ.ب)
أول اجتماع بين وزراء خارجية الدول الأوروبية ومسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي ووزير الخارجية الإيراني عقب خروج ترمب من الاتفاق النووي بروكسل منتصف مايو الماضي (أ.ب)

جاء رد فعل البلدان الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي مع إيران (فرنسا وبريطانيا وألمانيا إضافة إلى المفوضية الأوروبية) فورياً عقب دخول العقوبات الأميركية على إيران وعلى الشركات المتعاملة معها حيز التنفيذ الليلة الماضية.
وأتى الرد الأوروبي الذي كان متوقعاً مزدوجاً؛ سياسياً من جهة، وقانونيا واقتصاديا من جهة أخرى. فعلى المستوى السياسي، سارع وزراء خارجية البلدان الأوروبية الثلاثة ومسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد فدريكا موغيريني إلى إصدار بيان مشترك صباح أمس عبروا فيه عن «أسفهم» لعودة العقوبات على إيران، وأكدوا تمسكهم بالاتفاق لأنه «يشكل عنصراً أساسياً لمنع الانتشار النووي ولأمن أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط والعالم». وفي جملة تحمل لهجة تحذيرية موجهة لطهران، أشار البيان إلى أنهم «ينتظرون من إيران أن تستمر في التنفيذ الكامل لالتزاماتها النووية» المنصوص عليها في الاتفاق.
انطلاقاً من ذلك، ولمواجهة العقوبات الأميركية، كان الأوروبيون بحاجة إلى تدابير مقنعة للرد على العقوبات الأميركية ولإبراز عزمهم على «حماية» الشركات والمؤسسات الأوروبية التي تقيم علاقات تجارية «مشروعة» مع إيران تتطابق مع قوانينهم ومع القرار الدولي رقم 2231. أما «درع» الحماية فيتمثل في إعادة تفعيل قانون محاربة المقاطعة الأوروبي ابتداء منذ اليوم الثلاثاء لمواجهة مفاعيل القوانين الأميركية عابرة للحدود.
إضافة لذلك، فإن البلدان الأوروبية الثلاثة أعادت التأكيد على التزامها المحافظة على «القنوات المالية» مع إيران وضمان استمرارها في تصدير النفط والغاز. بيد أن ما يؤكد عليه الأوروبيون لا يأتي بجديد قياسا إلى ما جاء في بيانهم الذي أعقب اجتماع فيينا الوزاري الأخير بحضور محمد جواد ظريف. لذا، فإن الأوروبيين يؤكدون أنهم «سيكثفون جهودهم» وسيتعاونون مع البلدان «الأخرى» الراغبة في تدعيم الاتفاق النووي والمحافظة على علاقاتها الاقتصادية مع طهران، في إشارة إلى الصين وروسيا والهند وكوريا الجنوبية وتركيا وأطراف أخرى تستورد النفط الإيراني.
ويخطط الأوروبيون لاجتماع وزاري تقويمي «في الأسابيع القادمة»، أي قبل انطلاق العقوبات على الطاقة والنفط والغاز في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
في الأثناء، تقول المصادر الفرنسية إن انطلاق العقوبات «لا يعني أن الاتفاق النووي قد مات». لكن السؤال الرئيسي يتناول مدى «نجاعة» التدابير الأوروبية وتحديدا القانون المفعل حديثا من أجل محاربة المقاطعة الأميركية. وهذا القانون كان أقر في عام 1996 لكنه لم يطبق أبدا. ويراد منه أن يحمي الشركات الأوروبية قانونيا من الخضوع للإجراءات الأميركية ويلغي العقوبات المتخذة بحقها، إضافة إلى تعويضها عن الخسائر المالية التي تكون قد تعرضت لها بسبب استمرار تعاملها مع إيران. ويأتي القانون بجديد لجهة أنه يغرم الشركات الأوروبية التي تمتثل للأوامر الأميركية، ما يعني أن هذه الشركات ستكون خاسرة في الحالتين: إذا تعاملت مع إيران ستكون عرضة للعقوبات الأميركية، وإن امتثلت لها فإنها ستكون معرضة أيضا لعقوبات أوروبية وفق القوانين النافذة في كل بلد أوروبي.
يعتبر الأوروبيون أن العقوبات الأميركية عابرة للحدود ليست «شرعية ولا قانونية»، وأنه ليس لواشنطن أن تفرض قوانينها خارج حدودها وعلى غير شركاتها. لكن الأوروبيين لا يبدون كثيرا من التفاؤل إزاء القوة الضاربة لقانون الحماية.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن جان كلود يونكر، رئيس المفوضية الأوروبية قوله إن الوسائل «المطلوبة» أصبحت موجودة لكن ليس لنا أن نبالغ لأنها محدودة «الفعالية».
وقالت مصادر دبلوماسية فرنسية لـ«الشرق الأوسط» إن الجهات الرسمية «تقوم بما هي قادرة عليه لكنها لا تستطيع أن تتخذ القرارات نيابة عن الشركات والمؤسسات المعنية»، إذ إنها لا تملكها.
وبالنظر لأعداد الشركات الأوروبية الكبرى التي قررت الانسحاب من السوق الإيرانية، فمن الواضح أن تدابير الحملة الأوروبية ستستفيد منها خصوصا الشركات الوسطى والصغرى التي ليس لها مصالح في الولايات المتحدة الأميركية. وفي فرنسا وحدها، فإن شركات رئيسية كانت وقعت عقودا بالمليارات مع إيران أخذت بالانسحاب مثل شركة توتال النفطية، وأنجي للغاز وبيجو - سيتورين لصناعة السيارات، وأكور للسياحة، وسانوفي لصناعة الأدوية، وإيرباص للطيران، و«سي إم آي - سي جي إم» للنقل البحري... وما يصح على فرنسا يصح أيضا على إيطاليا وألمانيا، ما يعني أن الجهود الأوروبية لكسر العقوبات الأميركية لن تكون فاعلة أو كافية.
يبقى أمام الأوروبيين طريق ضيق هو الحصول على «إعفاءات» من الجانب الأميركي لبعض شركاتهم. لكن الردود الأميركية حتى الآن خيبت آمالهم لأنها جاءت سلبية.
وربما تراهن الدول الأوروبية على ضغوطها الخاصة على شركاتها الراغبة بالخروج من إيران، إذ تطلب منها رسمياً الحصول على إذن مبرر بالخروج وإلا تعرضت لعقوبات أوروبية. لكن هذا التدبير الذي لم يتم العمل به إطلاقاً قد يكون عرضة للنقض في المحاكم، لأنه يعني التدخل في حرية الشركات وعملية اتخاذ القرارات فيها.
حقيقة الأمر أن التحدي الذي يواجهه الأوروبيون هو «إقناع» إيران بالبقاء داخل الاتفاق. من هنا أهمية معرفة ما إذا كانت التدابير الأوروبية ستكون ناجعة وتمكن طهران من الاستمرار في الاستفادة من ريع الاتفاق النووي. ورغم أن مصادر رسمية فرنسية قالت لـ«الشرق الأوسط» إن طهران «ليست في وضعية إعطاء إنذارات لأوروبا» وأن «وضعها داخل الاتفاق سيكون أفضل حالا من خارجه»، فإنها تعي أن الرئيس روحاني الذي يراهن عليه الغربيون، «سيكون في موقع بالغ الضعف» إذا تبين للإيرانيين أن التدابير الأميركية آخذة في خنق الاقتصاد الإيراني، وأن ما وعد به الأوروبيون لم يوفر الرد المطلوب.



القضاء الفرنسي يقرر الإفراج عن السجين اللبناني الأشهر في العالم

جورج إبراهيم عبد الله أثناء محاكمته بتهمة التواطؤ في جريمة قتل الدبلوماسيين الأميركي تشارلز راي والإسرائيلي ياكوف بارسيمانتوف  في محكمة ليون، وسط شرق فرنسا، في 3 يوليو 1986 (أ.ف.ب)
جورج إبراهيم عبد الله أثناء محاكمته بتهمة التواطؤ في جريمة قتل الدبلوماسيين الأميركي تشارلز راي والإسرائيلي ياكوف بارسيمانتوف في محكمة ليون، وسط شرق فرنسا، في 3 يوليو 1986 (أ.ف.ب)
TT

القضاء الفرنسي يقرر الإفراج عن السجين اللبناني الأشهر في العالم

جورج إبراهيم عبد الله أثناء محاكمته بتهمة التواطؤ في جريمة قتل الدبلوماسيين الأميركي تشارلز راي والإسرائيلي ياكوف بارسيمانتوف  في محكمة ليون، وسط شرق فرنسا، في 3 يوليو 1986 (أ.ف.ب)
جورج إبراهيم عبد الله أثناء محاكمته بتهمة التواطؤ في جريمة قتل الدبلوماسيين الأميركي تشارلز راي والإسرائيلي ياكوف بارسيمانتوف في محكمة ليون، وسط شرق فرنسا، في 3 يوليو 1986 (أ.ف.ب)

يوم 24 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1984، دخل رجلٌ يحمل الجنسية الجزائرية إلى مقر الشرطة في مدينة ليون، طالباً الحماية من عناصر المخابرات الإسرائيلية (الموساد) الذين يقتفون أثره، إلا أن جهاز المخابرات الداخلية الفرنسي نجح في كشف هويته الحقيقية، وعلم بسرعة أن الشخص الساعي للحماية، الذي يتحدث اللغة الفرنسية بطلاقة، ليس سوى «عبد الكريم سعدي»، وهو الاسم الحركي لجورج إبراهيم عبد الله. وتبين لاحقاً، كما ذكّرت بذلك صحيفة «لو فيغارو»، أن جورج إبراهيم عبد الله كان يمتلك جوازات سفر مالطية ومغربية ويمنية، إضافة لجواز السفر الجزائري، وأيضاً اللبناني.

لم تتأخر محاكمة اللبناني جورج إبراهيم عبد الله، البالغ من العمر اليوم 73 عاماً، الذي قبل القضاء الفرنسي الجمعة إطلاق سراحه بعد 40 عاماً أمضاها في السجن. والغريب أنه حُوكم مرتين: الأولى في عام 1986، بتهمة التآمر الجنائي وحيازة أسلحة ومتفجرات، وقضت المحكمة بسجنه لمدة أربع سنوات. لكنه، في العام التالي، حُوكم مرة ثانية من قبل محكمة الجنايات الخاصة في باريس بتهمة التواطؤ في اغتيال دبلوماسيين اثنين في عام 1982، هما الأميركي تشارلز راي والإسرائيلي ياكوف بارسيمنتوف، ومحاولة اغتيال القنصل العام الأميركي روبرت هوم في مدينة ستراسبورغ، وآخر في عام 1984. وثابر جورج إبراهيم عبد الله على إنكار التهم الموجهة إليه، مشدداً على أنه «ليس سوى مناضل عربي». وفي المحاكمة الثانية، التي جرت في عام 1987، وبالنظر للضغوط التي انصبت على فرنسا من جانب الولايات المتحدة الأميركية ومن إسرائيل، صدر بحقه حكم بالسجن المؤبد. اللافت أن الادعاء العام طلب سجنه لعشر سنوات، إلا أن قضاة محكمة الجنايات الخاصة لم يأخذوا بما طلبه الادعاء وقضوا بالسجن المؤبد.

وليس من المؤكد تماماً أن القرار الصادر عن محكمة تطبيق الأحكام التي وافقت على طلب الإفراج عن جورج إبراهيم عبد الله والسماح له بمغادرة الأراضي الفرنسية في السادس من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، سيتحقق. والسبب في ذلك أن الادعاء سارع إلى تأكيد أنه سيتقدم باستئناف على قرار المحكمة المذكورة الإفراج عن عبد الله شرط أن يغادر الأراضي الفرنسية وألا يعود إليها مطلقاً. وجاءت موافقة المحكمة هذه المرة بعد رفض لعشر محاولات سابقة. والمرة الوحيدة التي كاد يخرج فيها عبد الله من سجن «لانميزان» الواقع في منطقة جبال البيرينيه الفاصلة بين فرنسا وإسبانيا، وعلى بعد 120 كلم من مدينة تولوز، إلى الحرية كانت في عام 2013، حيث وافق القضاء المختص وقتها على الإفراج عنه شرط أن يصدر عن وزارة الداخلية وقتها التي كان يشغلها الاشتراكي مانويل فالس قرار بطرده من الأراضي الفرنسية. والحال أن هذا القرار لم يصدر ولم تعرف وقتها حيثياته، ولكن المرجح أن الضغوط المشتركة الأمريكية والإسرائيلية حالت دون ذلك. والمعروف عن فالس قربه من إسرائيل.

ويعد جورج إبراهيم عبد الله أحد أقدم السجناء السياسيين في العالم. والمعروف أنه ساهم في تأسيس وقيادة الفصائل الثورية اللبنانية المسلحة، وكان مناضلاً نشطاً لصالح القضية الفلسطينية ومتبنياً للأفكار الماركسية.

وبعد مرور عدة سنوات على سجنه، خصوصاً منذ أن أصبح له الحق في الخروج من السجن منذ 25 عاماً، ورفض القضاء الثابت الإفراج عنه، حظي بدعم محلي وخارجي. وكانت كلمة الكاتبة الفرنسية الحائزة على جائزة «نوبل» آني أرنو مدوية حين أعلنت أن جورج إبراهيم عبد الله «ضحية قضاء الدولة الفرنسية الذي هو عار فرنسا». الجديد في قرار المحكمة، الجمعة أنها لم تطلب، كما في عام 2013، صدور قرار طرد من وزارة الداخلية. لكن بالمقابل، يشاع أن فرنسا حصلت من لبنان على تعهدات مكتوبة من الحكومة اللبنانية تفيد بأن عودته إلى لبنان «لا يفترض أن تفضي إلى اهتزازات للنظام العام». وترجمة ذلك، وفق صحيفة «لو فيغارو»، أنه لا يفترض أن يستقبل جورج إبراهيم عبد الله، في حال إتمام عودته استقبال الأبطال.

وفي السنوات الأخيرة، سعت الحكومات اللبنانية المتعاقبة، خصوصاً في عهد الرئيس السابق ميشال عون، للإفراج عن عبد الله، لا بل إن وزيرة العدل ماري كلود نجم زارته في سجنه في عام 2022.

من جانبه، رحب محامي عبد الله، جان لوي شالانسيه، بقرار المحكمة، معتبراً أنه «انتصار قضائي وسياسي». بدوره قال توم مارتن، المتحدث باسم تجمع «فلسطين سوف تنتصر» لوكالة الصحافة الفرنسية، إن قرار محكمة تنفيذ الأحكام «خبر جيد بالطبع، لكنه مجرد خطوة أولى، لأن المدعي العام استأنف للتو»، مضيفاً: «يجب أن تشجعنا هذه الأخبار السارة على تطوير وتوسيع وتكثيف حملة الدعم التي لن تنتهي حتى يصبح جورج إبراهيم عبد الله حراً طليقاً في بلده لبنان».