مالي: 17 مرشحاً للانتخابات الرئاسية يطعنون في المحكمة الدستورية

اتهموا بعض أعضائها بتلقي رشى من معسكر الرئيس

مؤتمر صحافي للمعارضة المالية في باماكو أمس (أ.ف.ب)
مؤتمر صحافي للمعارضة المالية في باماكو أمس (أ.ف.ب)
TT

مالي: 17 مرشحاً للانتخابات الرئاسية يطعنون في المحكمة الدستورية

مؤتمر صحافي للمعارضة المالية في باماكو أمس (أ.ف.ب)
مؤتمر صحافي للمعارضة المالية في باماكو أمس (أ.ف.ب)

رفع 17 مرشحاً للانتخابات الرئاسية في مالي، شكوى ضد عدد من أعضاء المحكمة الدستورية، الجهة التي ستقول يوم غد الأربعاء الكلمة الفصل بخصوص نتائج الدور الأول من الانتخابات الرئاسية، وذلك بعد أن استقبلت الطعون للبت فيها. ومن أبرز المرشحين الذين تقدموا بالطعن زعيم المعارضة سوميلا سيسي صاحب المركز الثاني في الانتخابات، ورجل الأعمال الثري أليو ديالو صاحب المركز الثالث، وعالم الفيزياء الفلكية الشيخ موديبو ديارا صاحب المركز الرابع.
وطلب المرشحون في الشكوى بضرورة التحقيق مع ستة من أعضاء المحكمة الدستورية، وذلك بعد اتهامات نشرتها الصحافة المحلية وتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، تقول إن هؤلاء القضاة تلقوا رشى من طرف الرئيس المنتهية ولايته إبراهيما ببكر كيتا من أجل تجاهل عمليات التزوير.
ويتقدم المرشحين المتقدمين بالشكوى، زعيم المعارضة سوميلا سيسي، الذي سيخوض الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية في مواجهة الرئيس المنتهية ولايته. وقال محامي زعيم المعارضة في تصريح صحافي إن «زعيم المعارضة شرع في إجرائين قضائيين، أحدهما ضد ستة من أعضاء المحكمة الدستورية بما في ذلك رئيسة المحكمة»، أما الإجراء الثاني فيتعلق بعمليات واسعة لملء صناديق الاقتراع لصالح الرئيس المنتهية ولايته، خاصة في شمال ووسط البلاد.
وأضاف المحامي في حديثه أمام الصحافيين في باماكو: «عندما يكون التصويت منظما، وبشكل علمي، فمن الصعب جلب أدلة عليه»، ولكنه أشار إلى أن محاضر التصويت المقبلة من مدينة كيدال، في أقصى شمال شرقي مالي: «كانت موضوعة في ظرف مفتوح، بينما من المفترض أن تكون في ظرف محكم الإغلاق بالشمع الأحمر». وتأتي طعون مرشحي المعارضة في أعضاء المحكمة الدستورية، في وقت تستعد هذه المحكمة غداً الأربعاء لإعلان النتائج النهائية والرسمية للدور الأول من الانتخابات الرئاسية، في ظل توقعات بأنها سوف ترفض الطعون المقدمة من طرف مرشحي المعارضة، وإثبات قرار اللجوء للدور الثاني الذي سينظم يوم 12 من شهر أغسطس (آب) الحالي.
وكانت وزارة الداخلية في مالي قد أعلنت يوم الخميس الماضي النتائج المؤقتة للدور الأول من الانتخابات الرئاسية التي نظمت يوم الأحد 29 يوليو (تموز) الماضي، وأظهرت هذه النتائج تقدم الرئيس المنتهية ولايته إبراهيما ببكر كيتا بنسبة 41 في المائة من الأصوات المعبر عنها، وذلك بفارق كبير عن أقرب منافسيه زعيم المعارضة سوميلا سيسي الذي حصل على نسبة 17 في المائة فقط.
وبما أن أياً من المرشحين البالغ عددهم 24 لم يحصل على نسبة تزيد على الخمسين في المائة في الدور الأول، سيكون لزاماً على السلطات تنظيم دور ثانٍ ما بين الرئيس المنتهية ولايته وزعيم المعارضة، وهو تكرار لما جرى في الانتخابات الرئاسية الماضية (2013) عندما تواجه الرجلان في دور ثانٍ انتهى بفوز ساحق لصالح كيتا.
وحتى الآن، لا تزال الأمور غير واضحة بخصوص التحالفات السياسية التي تمهد للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية. وكانت خاديجاتو ديالو، السيدة الوحيدة المرشحة للانتخابات الرئاسية قد أعلنت موقفها بشكل صريح ودعت أنصارها إلى التصويت في الدور الثاني لصالح الرئيس المنتهية ولايته، ولكنها في الدور الأول حصلت على نسبة أقل من واحد في المائة.
من جانبها، أصدرت المجموعة الدولية الحاضرة في باماكو بياناً صحافياً أمس قالت فيه إنها «توجه تهنئة صادقة إلى المرشحين الذين وصلا إلى الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية»، ولكنها أضافت أنها «تحيي بقية المرشحين، وخصوصا السيدة الوحيدة، الذين عبروا من خلال ترشحهم عن التعددية السياسية في مالي».
ووجّهت المجموعة الدولية التحية إلى الطبقة السياسية في دولة مالي، وقالت إنها «كانت مسؤولة وناضجة طيلة هذه العملية الانتخابية»، كما دعت كل الأطراف إلى «التمسك بالأجواء المسؤولة والهادئة التي جرى فيها الدور الأول من الانتخابات، واستمرارها حتى الدور الثاني».
وفي نهاية بيانهم، قال ممثلو المجموعة الدولية في باماكو إنهم يدعون السلطات في مالي إلى أخذ الملاحظات التي صدرت عن بعثات مراقبي الانتخابات «بعين الاعتبار» في الدور الثاني من الانتخابات، كما دعت المرشحين إلى اعتماد السبل القانونية المتاحة من أجل الطعن في النتائج، إن كانت لديهم طعون.
كما وجهت المجموعة الدولية التعزية إلى مالي، حكومة وشعباً، بعد سقوط ضحايا خلال عملية الانتخابات بسبب عمليات إرهابية، كان آخرها مقتل 12 شخصاً في هجوم إرهابي استهدف قافلة نقل نتائج الانتخابات في منطقة وسط مالي.
وجرى الدور الأول من الانتخابات الرئاسية في مالي وسط تحديات أمنية كبيرة، خاصة بعد أن أطلقت جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» تحضيرات بشن هجمات ضد مكاتب التصويت. وقد تسببت هذه الهجمات «الإرهابية» في إغلاق 716 مكتب تصويت، وإعاقة التصويت لعدة ساعات في أكثر من 4 آلاف مكتب تصويت.
وستكون التحديات الأمنية حاضرة بقوة في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، بينما سترفع السلطات المحلية من جاهزيتها، وهي التي عبأت خلال الدور الأول أكثر من 30 ألف جندي وعسكري، كما استفادت من دعم وإسناد من طرف قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وأكثر من 4 آلاف جندي فرنسي على الأرض.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟