الجيش اللبناني يصف مقتل جندي إسرائيلي على الحدود بـ«سلوك فردي»

مدرعة إسرائيلية تتربص على الحدود اللبنانية أمس بعد أن قتل جندي لبناني أحد عناصر الجيش الإسرائيلي أول من أمس (أ.ف.ب)
مدرعة إسرائيلية تتربص على الحدود اللبنانية أمس بعد أن قتل جندي لبناني أحد عناصر الجيش الإسرائيلي أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

الجيش اللبناني يصف مقتل جندي إسرائيلي على الحدود بـ«سلوك فردي»

مدرعة إسرائيلية تتربص على الحدود اللبنانية أمس بعد أن قتل جندي لبناني أحد عناصر الجيش الإسرائيلي أول من أمس (أ.ف.ب)
مدرعة إسرائيلية تتربص على الحدود اللبنانية أمس بعد أن قتل جندي لبناني أحد عناصر الجيش الإسرائيلي أول من أمس (أ.ف.ب)

نجحت الاتصالات السياسية بين المسؤولين اللبنانيين ومسؤولي الأمم المتحدة في لبنان، أمس، بتهدئة الوضع الأمني على حدود لبنان الجنوبية مع إسرائيل، إثر إطلاق جندي لبناني، مساء أول من أمس، النار باتجاه دورية إسرائيلية على الجانب الآخر من الحدود المقابلة لمنطقة الناقورة، أسفر عن مقتل جندي إسرائيلي.
وأبلغ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان ديريك بلامبلي، أن ما حصل على الحدود «هو عمل فردي محصور في نطاقه الضيق»، معربا عن أمنيته الحفاظ على الهدوء على الحدود التزاما للقرار الدولي الرقم 1701.
وتقاطع ذلك، مع ما أكده مصدر عسكري لـ«الشرق الأوسط»، قائلا، إن «الحادث فردي»، مشيرا إلى أن الجندي «يجري التحقيق معه في وزارة الدفاع اللبنانية لمعرفة ملابسات إطلاقه النار»، لافتا إلى أن الدورية الإسرائيلية «لم تتخط الحدود اللبنانية، وكانت داخل الحدود الإسرائيلية». وبعد تحفظ طويل أصدرت قيادة الجيش بيانا قالت فيه، إن «ما جرى ناجم عن سلوك فردي قام به أحد الجنود، وقد تولت لجنة عسكرية التحقيق بالموضوع». ولفتت إلى أن «التنسيق جار مع قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان لمعالجة تداعيات الحادث»، مؤكدة «مجددا التزام الجيش مندرجات قرار مجلس الأمن رقم 1701 بصورة كاملة، لا سيما الحفاظ على استقرار المناطق الحدودية بالتعاون والتنسيق مع القوات الدولية».
وفيما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الميجور أري شاليكار أن «قواته أطلقت النار على شخصين مشتبه بهما على الجانب اللبناني من الحدود وأصابت أحدهما»، نفى المصدر العسكري لـ«الشرق الأوسط» ذلك، مؤكدا أن القوات الإسرائيلية «نفذت عملية تمشيط واسعة للمنطقة التي أصيب فيها العسكري الإسرائيلي، خشية أن تكون هناك عملية ضدهم».
وأكد الناطق الرسمي باسم الـ«يونيفيل» أندريا تننتي لـ«الشرق الأوسط» أن «الهدوء ساد المنطقة الجنوبية بعد الحادث»، مشيرا إلى التزام الطرفين، اللبناني والإسرائيلي، بالحفاظ على الهدوء في منطقة عمل الـ«يونيفيل».
وقال مصدر أمني لبناني لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «الجنود المولجين نقطة المراقبة الحدودية مع إسرائيل التي أطلقت النار من محيطها في اتجاه الأراضي الإسرائيلية، موجودون في مركزهم»، مشيرا إلى أن «التحقيق جار في ظروف الحادث». وقال المصدر الأمني في جنوب لبنان «الجنود الذين كانوا في المركز الحدودي الذي ذكر أن إطلاق النار صدر من محيطه، موجودون اليوم في النقطة نفسها».
ويقع مركز الجيش اللبناني على بعد نحو 500 متر من خط الهدنة بين لبنان وإسرائيل، على مقربة من بلدة رأس الناقورة الواقعة في أقصى الجنوب الغربي للبنان. وهو عبارة عن غرفة تضم أجهزة اتصال، يوجد فيها عادة ثلاثة جنود مهمتهم المراقبة للإبلاغ عن كل ما يجري على الحدود.
وأعلنت القوات الإسرائيلية، في بيان، أن جنديا إسرائيليا تعرض لإطلاق نار، فيما كان يقود آلية قرب روش هانيكرا، على مقربة من الحدود مع لبنان. وذكر الجيش الإسرائيلي أن الجندي تلقى العلاج في الموقع، ثم تم إجلاؤه إلى مستشفى وتوفي بعد ذلك متأثرا بجروحه. وعلى الفور، شهدت منطقة الحدود في الناقورة استنفارا متبادلا. وذكرت تقارير إعلامية لبنانية أن الجيش الإسرائيلي أطلق قنابل مضيئة، ونفذ سلاح الجو الإسرائيلي تحليقا للطيران الحربي والمروحي واستنفارا عالي الجهوزية، كما نفذ عملية تمشيط واسعة للأحراج الواقعة في المنطقة، وأصابت رصاصاته مركز الأمن العام اللبناني في الناقورة.
وأشارت الوكالة الوطنية للإعلام إلى أن أصوات إطلاق النار من أسلحة متوسطة وثقيلة كانت تسمع حتى بلدة الناقورة في الوقت الذي تعمل فيه قوات الـ«يونيفيل» على تهدئة الأجواء بين الطرفين.
وقال المتحدث باسم جيش إسرائيل الكولونيل بيتر ليرنر، إن «الجيش الإسرائيلي رفع مستوى جهوزيته على طول الحدود اللبنانية»، مضيفا: «لن نتساهل مع أي اعتداء على دولة إسرائيل ونحتفظ بحق الدفاع المشروع عن النفس ضد الذين يهاجمون إسرائيل ومدنيها».
ويعد هذا التطور، الأول من نوعه منذ مواجهات الجيش اللبناني مع القوات الإسرائيلية في منطقة العديسة المحاذية للحدود مع إسرائيل، في يونيو (حزيران) 2010. وفي السابع من أغسطس (آب) الماضي، أعلن الجيش اللبناني عن إصابة جنود إسرائيليين في انفجارين بعد توغلهم بعمق 400 متر في الأراضي اللبنانية. وتبنى العملية في وقت لاحق الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.
وعلى الجانب اللبناني، اطلع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، من قيادة الجيش، على ملابسات الحادث الذي وقع في منطقة رأس الناقورة الحدودية، داعيا إلى استكمال التحقيقات لمعرفة ملابسات ما جرى. كما التقى بلامبلي، وأكد له أن الحادث «فردي».
واستكمالا لجهود التهدئة، عقد الاجتماع الثلاثي الأمني الاستثنائي في منطقة الـ«يونيفيل» في رأس الناقورة برئاسة القائد العام لليونيفيل وحضور بلامبلي، وشارك فيه ضباط من الجيش اللبناني وآخرين من الجيش الإسرائيلي. وأوضح قائد قوات الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان، الجنرال باولو سيرا، أن «ظروف الحادث لم تتضح بعد، لكن نتائج التحقيق الأولية تشير إلى أن الحادث كان فرديا».
وأكد سيرا في بيان وصلت «الشرق الأوسط» نسخة منه، أن المجتمعين في الناقورة ناقشوا خطوات تعزيز الإجراءات الأمنية الموجودة على الخط الأزرق، لمنع تكرار حوادث مماثلة. وقال إن «الطرفين اللبناني والإسرائيلي أكدا التزامها الكامل بوقف الأعمال العدائية»، مشيرا إلى أنهما شددا على الاهتمام بتوفير الهدوء والاستقرار على طول الحدود، وتعهدا للعمل مع الـ«يونيفيل» لتعزيز الإجراءات الأمنية على الحدود.
من جانبه، حمل وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون الحكومة اللبنانية مسؤولية مقتل الجندي الإسرائيلي، قائلا، إن «إسرائيل لن تتسامح حيال خرق سيادتها». ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن يعلون قوله إننا «نعتبر الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني مسؤولين عما يحدث في جانبهم من الحدود ولن نتسامح حيال خرق سيادتنا على طول أي حدود وبالتأكيد ليس عند الحدود مع لبنان».
ولفت يعالون إلى الاجتماع الثلاثي الاستثنائي الذي عقد في الناقورة، قبل انعقاده، مشيرا إلى أن «تل أبيب ستطالب الجيش اللبناني بأن يقدم تفسيرا عما حدث بالضبط وما إذا كان الحديث عن جندي لم يطع التعليمات وأي إجراءات اتخذت ضده وماذا ينوي الجيش اللبناني أن يفعل من أجل عدم تكرار أحداث من هذا النوع».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.