الصحافة في الموصل.. كابوس يطارد العاملين فيها

صورة وزعتها قناة «الموصلية» لمقدمة البرامج فيها نورس النعيمي التي اغتيلت قرب منزلها في الموصل أول من أمس (أ.ف.ب)
صورة وزعتها قناة «الموصلية» لمقدمة البرامج فيها نورس النعيمي التي اغتيلت قرب منزلها في الموصل أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

الصحافة في الموصل.. كابوس يطارد العاملين فيها

صورة وزعتها قناة «الموصلية» لمقدمة البرامج فيها نورس النعيمي التي اغتيلت قرب منزلها في الموصل أول من أمس (أ.ف.ب)
صورة وزعتها قناة «الموصلية» لمقدمة البرامج فيها نورس النعيمي التي اغتيلت قرب منزلها في الموصل أول من أمس (أ.ف.ب)

تحولت مهنة الصحافة في الموصل، ثانية كبرى مدن العراق، إلى كابوس يطارد العاملين فيها، بعدما مقتل خمسة إعلاميين منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في المدينة الغارقة في دوامة من العنف اليومي.
وتلقى الصحافيون والإعلاميون في الموصل (350 كم شمال بغداد) أخيرا تهديدات بالقتل والتصفية، بحسب ما أكد صحافيون لوكالة الصحافة الفرنسية، مما يدفع بالعديد منهم إلى ترك عملهم أو التفكير في المغادرة. ويقول الصحافي سليم فاضل (30 عاما) «اضطررت إلى تغيير مكان سكني في الموصل وملازمة بيتي دون مغادرته بعد عمليات القتل التي طالت عددا من زملائي مؤخرا». ويضيف «لقد غادر زملاء لي الموصل نحو إقليم كردستان مع عائلاتهم أو إلى خارج العراق هربا من استهدافهم المحتمل خاصة أن هناك شائعة في الموصل تقول إن الجماعات المسلحة أصدرت قائمة بأسماء 40 صحافيا ستجري تصفيتهم من قبلها».
واغتال مسلحون مجهولون الأحد صحافية عراقية قرب منزلها في الموصل. وأعلنت قناة «الموصلية» في خبر عاجل «استشهاد مقدمة البرامج (...) نورس النعيمي في إطلاق نار من قبل مسلحين مجهولين قرب منزلها في حي الجزائر» شرق مدينة الموصل.
ومنذ أكتوبر الماضي، قتل خمسة صحافيين في العراق إلى جانب نورس النعيمي المولودة في عام 1994، بينهم أربعة في الموصل أحدهم يعمل في قناة «الموصلية» أيضا. ولم يعلن عن اعتقال أي من المتورطين في عمليات اغتيال هؤلاء الصحافيين.
ودور الجهات الحكومية حيال الصحافة والإعلام في محافظة نينوى محدود نوعا ما في الدفاع عن حقوق العاملين في هذا المجال ومحاولة تأمين الحماية لهم. وتقول ممثلة الجمعية العراقية للدفاع عن حقوق الصحافيين في نينوى، بان العبيدي «للأسف الشديد فإن جهودنا لا تتعدى إصدار البيانات والشجب والاستنكار عند حدوث اعتداء أو تجاوز على أي صحافي في الموصل، وذلك بسبب عدم اهتمام الجهات الحكومية المعنية بالأمر». وتضيف أن «50 صحافيا وإعلاميا لقوا حتفهم في محافظة نينوى على أيدي مجهولين منذ عام 2003، إضافة إلى سقوط جرحى وإصابة آخرين بإعاقات جسدية».
وتشير منظمة «مراسلون بلا حدود» إلى أن «العديد من الصحافيين العراقيين يتعرضون يوميا للتهديدات، ومحاولات القتل، والاعتداءات، والمعاناة من أجل الحصول على تراخيص، والمنع من الدخول، ومصادرة أدوات عملهم». وتوضح أن الصحافيين في العراق الذي يشهد أعمال عنف متواصلة منذ 2003 «يعيشون في مناخ شديد التوتر، تتفاقم فيه الضغوط السياسية والطائفية».
والموصل، ثانية كبرى مدن العراق، إحدى أكثر المناطق التي شهدت تدهورا أمنيا على مدى الأشهر الأخيرة، إذ ارتفعت معدلات حوادث التفجير بالسيارات المفخخة والعبوات الناسفة والاعتداءات الانتحارية، إضافة إلى الاغتيالات خصوصا تلك التي استهدفت مسؤولين محليين.
ورغم انتشار القوات العراقية في أنحاء الموصل ومحافظة نينوى، في عمليات أمنية ترصد لها الحكومة المركزية إمكانيات مادية عالية، فقد تمكنت المجموعات المسلحة المتطرفة من بسط نفوذها في عدد من المناطق القريبة من الموصل. وغالبا ما توزع في الموصل ومناطق أخرى في نينوى منشورات تحمل تواقيع هذه المجموعات وبينها تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» المنتمي إلى تنظيم القاعدة، داعية الأهالي إلى سحب أبنائهم من الشرطة والجيش وضمهم إلى المجاميع المسلحة التي تقاتل القوات الحكومية.
ويقول فاضل «نستغرب ضعف القوات الأمنية والحكومة المحلية التي تبدو عاجزة أمام ما يجري من قتل واستهداف للصحافيين من دون أن تحرك ساكنا لتوفير الحماية لهم أو على الأقل اعتقال بعض من يقوم بأعمال القتل لمعرفة الجهات التي تقف وراءها».
وفي مقابل ذلك، تقر لجنة الثقافة في مجلس محافظة نينوى بعجزها عن تأمين الحماية اللازمة للصحافيين. وقال عضو اللجنة اضحوي الصعيب «نعترف بعجزنا عن فعل ما من شأنه تأمين حماية للصحافيين في الموصل، بل إننا لا نتمكن حتى من حماية أنفسنا تجاه ما يتعرض له الجميع من استهداف منظم».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.