«السوشيال ميديا» في مصر تحت مجهر الدولة

تواضروس يطوي صفحته... والسيسي ينتقد... وضرائب في الطريق

TT

«السوشيال ميديا» في مصر تحت مجهر الدولة

تتابعت في مصر، أخيراً، الإجراءات والتصريحات الرسمية لمسؤولين حكوميين ورجال دين، تتعلق جميعها بانتقاد أو وقف التعامل مع حسابات مواقع التواصل الاجتماعي. الأمر الذي عزز، بحسب ما يرى مراقبون، من «وضع مواقع السوشيال ميديا في مصر تحت مجهر الدولة بشكل مكثف مقارنة مع السابق».
ويأتي القرار الذي أقدم عليه، قبل أيام، بابا الأقباط الأرثوذكس في مصر، تواضروس الثاني، بإغلاق صفحته الرسمية على موقع «فيسبوك»، كأحدث ظواهر التعاطي المحلي مع «السوشيال ميديا»، خاصة أنه لم يكن قرارا منفرداً، بل واكبه توجيه من لجنة «الرهبنة وشؤون الأديرة» بالمجمع المقدس (أعلى سلطة كنسية) للرهبان بإغلاق حساباتهم أيضاً، ومنحت فرصة «لمدة شهر لغلق أي صفحات أو حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، والتخلي الطوعي عن هذه السلوكيات والتصرفات التي لا تليق بالحياة الرهبانية، وقبل اتخاذ الإجراءات الكنسية معهم»، بحسب نص التوجيه الكنسي.
وفي آخر منشور له على صفحته قال تواضروس: «ضياع الوقت في الاهتمام بمواقع التواصل الاجتماعي، صار مضيعة للعمر والحياة والنقاوة».
ولم يقتصر الوصف السلبي لمواقع التواصل ووصفها بـ«غير اللائقة» وفق ما تقول الكنيسة، على المؤسسة الدينية المسيحية، بل إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، انتقد بدوره، نهاية الشهر الماضي حملة إلكترونية راجت على موقع «تويتر» منتصف يونيو (حزيران) وكانت تحمل هاشتاغ يدعو إلى رحيله عن السلطة، وقال السيسي في لقاء جماهيري: «عندما أريد أن أخرج بكم من الفقر والاحتياج وأجعل منكم أمة ذات شأن تقولوا هاشتاغ (ارحل يا سيسي)... في دي (هذه) أزعل».
ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي يعبر فيها الرئيس المصري، عن انتقاد لـ«السوشيال ميديا»، إذ حذر في لقاء مع المثقفين والإعلاميين في أبريل (نيسان) 2016 من الاعتماد على مواقع التواصل كمصدر للمعلومات، وقال: «هذا شيء خطير جدا إنها مجرد مؤشر... أنا اليوم ممكن أعمل حكاية داخل مصر بكتيبة أو اثنين من الخاصين بمواقع التواصل، وأدخل على الإنترنت، وأصنعها دائرة مغلقة وتنقلوا منها الأخبار».
الحكومة بدورها أقدمت الشهر الماضي، على إعلان اتخاذ إجراء عملي يتضمن البدء في دراسة تطبيق ضريبة على إعلانات مواقع التواصل الاجتماعي.
ويقدر عدد المستخدمين المصريين لموقع «فيسبوك» بين 45 و48 مليون شخص، بحسب دراسة أعدتها لجنة «الاتصالات» في البرلمان نهاية العام الماضي.
وتُحمّل الحكومة المصرية، مواقع التواصل جانبا كبيرا من المسؤولية عن انتشار الشائعات، التي قدرها الرئيس المصري، بأنها بلغت 21 ألف إشاعة في الأشهر الثلاثة الماضية، ويخصص مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لرئاسة الوزراء المصرية، نشرة دورية للرد على «الشائعات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي».
ولم يبد تحرك البرلمان ببعيد عن الإجراءات الحكومية، إذ أصدر الشهر الماضي، 3 مشروعات لتنظيم الصحافة والإعلام، أخضعت «كل موقع إلكتروني شخصي أو مدونة إلكترونية شخصية أو حساب إلكتروني شخصي يبلغ عدد متابعيه 5 آلاف متابع أو أكثر لسلطة هيئات الإعلام والصحافة الحكومية» كما يمنح القانون للهيئات المسؤولة «سلطة حجبها».
الخبير الإعلامي، خالد البرماوي، يقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «السياق العام للتعاطي مع مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، يمكن أن يعطي صورة عامة بشأن اتجاه لتعزيز مسألة التنظيم والتحكم الحكومي في تلك المواقع، وهو الأمر الذي يمكن أن تحيط به مخاوف من التقييد، خاصة أن جزءاً من النظرة الرسمية للسوشيال ميديا تتصل بالدرجة الأولى بالجانب الأمني».
ويشرح البرماوي، أن إجراء مثل الذي أقدم عليه البابا تواضروس، يعود لما يراه بأنه «أمر غير مجدي من وجهة نظره، لكن مع ذلك لا تزال الكنائس المختلفة والأديرة تمتلك صفحات على تلك المواقع لتحقيق هدف التواصل مع جمهورها».
ويلفت إلى أنه بالرغم من «عدم إمكانية اعتبار الإجراء الكنسي والحكومي المتمثل في الضرائب، إجراءات جرى تنسيقها بين الجهتين على سبيل المثال، فإنه يعطي صورة عن مستوى أكثر تداخلا من قبل مؤسسات الدولة المصرية، لتحقيق إجراءات في سياق محاولة ضبط العلاقة مع السوشيال ميديا».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.