عمليات تخريب واسعة لخطوط الكهرباء في العراق

TT

عمليات تخريب واسعة لخطوط الكهرباء في العراق

لم تخل بيانات وزارة الكهرباء العراقية منذ أسابيع من ذكر عمليات التخريب المتعمدة التي تطال خطوط نقل الطاقة الكهربائية الرئيسية وأبراجها في سياق سلسلة من الهجمات المتواصلة والمنتظمة التي شملت الخطوط في المحافظات الغربية والجنوبية على حد سواء، وهو أمر ينظر إليه كثير من المراقبين على أنه عمل يتعدى حدود الأعمال التي تقوم بها الجماعات الإرهابية المرتبطة بـ«داعش» ليصل إلى اتهام جماعات وأحزاب مرتبطة في العملية السياسية وتسعى من خلال ذلك إلى إفشال عمل الحكومة وتأجيج الأوضاع ضدها، في ظل حالة «التأجيج» القائمة أصلاً والاحتجاجات المتواصلة منذ أربعة أسابيع.
ويرى مسؤول في وزارة الكهرباء أن «ملف الكهرباء ارتبط في وقت مبكر في السياسية، لذلك نلاحظ اليوم أن العابثين بهذا الملف والمتورطين بقطع شبكة الخطوط هم طيف واسع من الإرهابيين والجهات السياسية من جميع الاتجاهات». ويعتقد المسؤول، الذي يفضّل عدم الإشارة إلى اسمه، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «إنتاج الطاقة ارتفع هذا العام إلى نحو 16 ألف ميغاواط، وكان يفترض أن يجهّز المواطنين بين 16 - 22 ساعة في اليوم، لكن عمليات التخريب المتعمدة عقدت الأمور وتراجعت عمليات التجهيز إلى مستويات متدنية جداً، ما أثار سخط وغضب المواطنين».
وحول الفوائد السياسية التي يمكن أن تجنيها الجهات السياسية المفترضة التي تعبث بملف الكهرباء يقول المسؤول: «لا أدري بالضبط، لكنها نوع من العدمية السياسية، أو ربما لأنها تريد أن تستثمر التحسن الملحوظ في إنتاج وتجهيز الطاقة في المرحلة اللاحقة لاحتمال توليها للسلطة، بحيث تقول للناس إنها نجحت في ملف الكهرباء وليس الآخرين».
الهجمات على خطوط نقل الطاقة بدأت منذ السنوات الأولى للاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 وكانت تحدث غالبا في المحافظات الشمالية والغربية التي توجد فيها جماعات «القاعدة»، أولا، و«داعش» لاحقا، لكن الجديد في موجة الهجمات الحديثة، أنها لم تترك محافظة في العراق - باستثناء محافظات إقليم كردستان - إلا وطالتها عمليات التخريب ضمنها العاصمة بغداد، الأمر الذي يكشف البعد السياسي لتلك العمليات. والأمر اللافت أيضا في عمليات التخريب أنها باتت تتم في أحيان كثيرة بواسطة سلاح «قناص».
وبالعودة إلى بيانات وزارة الكهرباء المتعلقة بعمليات استهداف خطوط النقل، يلاحظ أن الوزارة أصدرت في 22 يوليو (تموز) الماضي بياناً أعلنت فيه أن كوادرها الهندسية تمكنت من إعادة خط نقل الطاقة الكهربائية (الضغط الفائق)، الذي يربط خطوط الطاقة في قضاء خور الزبير مع محطة الرميلة الغازية في محافظة البصرة جنوب العراق. والخط تعرض لإطلاقات نارية تسببت بقطعه، بحسب بيان الوزارة.
وبعد يومين من حادث البصرة، أعلنت وزارة الكهرباء عن تعرض «خط نقل الطاقة الكهربائية الضغط الفائق شمال غربي بغداد، إلى استهداف تخريبي بعيارات نارية بمنطقة الحماميات أدى إلى فصل الخط وخروجه عن الخدمة، وفقدان 300 ميغاواط من الطاقة المجهزة لجانب الكرخ من العاصمة بغداد». وفي يوم 28 من الشهر نفسه، أُعلن عن تعرض خطي نقل الطاقة (شمال سامراء - ملا عبد الله) و(دور - حويجة) للمرة الرابعة على التوالي عبر استهداف الأبراج الناقلة بعبوات ناسفة في ناحية الرشاد، ما أدى إلى انفصالها عن الخدمة وتسببهما بضعف تجهيز الطاقة في محافظتي كركوك وصلاح الدين.
وتستمر بيانات وزارة الكهرباء على هذا المنوال وتعلن مرة أخرى في 2 أغسطس (آب) الحالي عن تعرض خط نقل الطاقة الكهربائية الفائق الرابط بين كركوك - ديالى إلى عمل إرهابي تخريبي في منطقة وادي عوسج قرب سيطرة أنجانة أدى إلى انفصال الخط من الجهتين. وتكرر الأمر ذاته في اليوم التالي على خطي نقل الطاقة الكهربائية الضغط العالي المزدوج (132 كي في) في منطقة الدبس غرب كركوك عبر استهداف البرجين الناقلين للطاقة 87 و88 بعبوات ناسفة. وفي نفس اليوم تمكنت ملاكات الشركة العامة لنقل الطاقة الكهربائية المنطقة الجنوبية من إحباط محاولة تخريب طالت خط نقل الطاقة الكهربائية الضغط الفائق الرابط بين محافظتي الناصرية وواسط جنوبا.
وفي آخر مسلسل الهجمات المتواصلة على خطوط نقل الطاقة أعلنت وزارة الكهرباء، أول من أمس، عن تعرض ثلاثة خطوط لنقل الطاقة الكهربائية الضغط الفائق بين محافظتي ديالى وكركوك، وخطوط الضغط العالي الرابطة بين قضائي الدور والحويجة غرب البلاد لهجمات تخريبية.
وحول كل ما يجري في قطاع الكهرباء من عمليات تخريب متعمدة، يقول مدير العلاقات والإعلام في كهرباء بغداد، أحمد العبادي، إن «الأمر يبدو وكأن ثمة قوى مصممة على إفشال عمل وزارة الكهرباء في قيادتها لهذا القطاع الحيوي في البلاد». ويرى العبادي في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «عمليات التخريب تصدر عن جماعات خبيرة وليست جاهلة، بدليل أنها تستهدف مجمع القوى الحيوية والاستراتيجية في خطوط النقل، بحيث تتسبب إصابة تلك الخطوط بعزل محطات التوليد عن مناطق واسعة». ويلاحظ العبادي أن «التخريب شمل في الفترات الأخيرة أغلب مناطق العراق، قبل أيام استهدف الخط المغذي للطاقة شمال الرصافة في بغداد، أما خطوط كركوك - ديالى فقد تعرضت إلى 8 عمليات تخريب في غضون الشهر الأخير». ويعتقد العبادي أن «التخريب هو التحدي الأكبر الذي يواجه الوزارة هذه الأيام والقوى الأمنية غير قادرة على منعه بسبب بعد المسافات التي تقطعها الخطوط الناقلة، ومع ذلك يصب علينا المواطنون جام غضبهم، علما بأن وزارة الكهرباء فقدت أكثر من 1000 موظف وعامل نتيجة هجمات إرهابية شنت عليهم أثناء ممارستهم لأعمال الصيانة والتصليح».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم