السوريون في تركيا منقسمون إزاء المبادرة

سادت حالة من الحيرة والجدل والرفض بين اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا، إثر تصريحات المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرينتييف، وإعلانه عن مبادرة روسية تضمن عودة مليون و700 ألف لاجئ سوري إلى بلدهم، واستعداد الحكومة السورية لقبول كل من يريدون العودة لديارهم.
سعيد (47 سنة)، المنحدر من مدينة حلب (شمال سوريا)، لجأ إلى تركيا بداية 2013 رفقةً زوجته وعائلته بعدما أجبرته الحرب على ترك منزله وممتلكاته، لم يكترث كثيراً بتلك التصريحات، واعتبرها دعاية مبالغاً فيها، وهو يرى أن الحرب لم تنتهِ بعد على الأرض فعلياً، وتساءل في بداية حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «روسيا أكبر حليف للنظام، كيف تصبح دولة ضامنة لإعادة اللاجئين؛ هذا الكلام غير منطقي».
ويمتلك سعيد متجراً صغيراً لبيع الألبسة النسائية والولادية الجاهزة، يقع بالسوق القديمة في منطقة زيتون بورنو، في مدينة إسطنبول التركية، ويعمل على مدار 12 ساعة لخدمة زبائنه الذين يكون جلهم من السوريين والعرب المقيمين في تركيا.
وقد أعرب عن خشيته إذا عاد في ظل الظروف الراهنة، وقال: «مين منا ما بده يرجع لوطنه. كلنا نحلم أن تتحقق هذه الأمنية اليوم قبل غد»، ورجح أن يكون ريف مدينتي حلب وإدلب المنطقة المزمع إنشاؤها كمراكز لاستقبال اللاجئين العائدين، وتابع كلامه: «حدود هذه المنطقة مغلقة، ومعظمها ريفيّة ومقطّعة الأوصال، والعمل الصناعي والتجاري يحتاج إلى مدن كبيرة وأسواق منتعشة وحدود مفتوحة، داخلياً وخارجياً».
وكشفت مصادر دبلوماسية لـ«الشرق الوسط» أن وفداً روسياً من وزارتي الدفاع والخارجية سيجري جولة في المنطقة، لبحث سبل إعادة نحو مليون و700 ألف لاجئ سوري لدى لبنان والأردن وتركيا والعراق.
لكن هبة (28 سنة)، المتحدرة من مدينة دير الزور (شرق سوريا)، التي لجأت إلى تركيا منذ 5 سنوات، استبعدت فكرة العودة إلى بلدها حالياً، فكيف ستعود إلى مكان أصحابه إما قتلوا أو هاجروا، وأضافت: «عائلتي، كباقي السوريين، تشتتوا في دول المهجر، أنا مع أمي وأبي نعيش بتركيا، وإخوتي في ألمانيا، وعندي أخت بهولندا، وثانية في السويد؛ صعب نرجع نعيش تحت سقف بيت واحد».
ومنذ إطلاق أول رصاصة في مسقط رأسها، نهاية 2012، قررت هبة وعائلتها اللجوء إلى تركيا، وتسعى للحصول على الجنسية التركية، وتابعت حديثها لتقول: «أسست شغل هون، وتعلمت اللغة التركية. لا المبادرة الروسية ولا غيرها ستعطيني دفع بالعودة إلى بلد مزقته نيران الحرب».
وخلال زيارته للعاصمة اللبنانية نهاية الشهر الماضي، حث ألكسندر لافرينتييف، المبعوث الروسي الخاص إلى سوريا، اللاجئين السوريين على العودة إلى بلادهم، مؤكداً أنهم لن يواجهوا أي تهديد من حكومة الرئيس بشار الأسد أو أجهزة الأمن السورية، وقال في تصريحات صحافية: «هؤلاء اللاجئون، الذين لا يزالون في لبنان وفي الأردن وفي تركيا، حان الوقت لإعادة النظر في الأمر، واتخاذ قرار العودة».
ويرى معن طلاع، الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، ومقره إسطنبول، أن ملف العودة بشكل رئيسي يرتبط بإزالة أسباب الهجرة الرئيسية، التي لا تزال غائبة عن الهندسة الروسية للحل السياسي في سوريا، وقال: «أي حل يرتبط ارتباطاً عضوياً بانتهاء مسببات الصراع، وليس نتائجه فقط، فملف العودة وضرورات الاستقرار لا تزال تغيب معاييرها وشروطها عن المبادرة الروسية».
وكشف لافرينتييف أن الحكومة السورية لن تتمكن من تقديم كثير من المساعدات المالية التي سيحتاجها العائدون، وحث المانحين الأجانب على تقديم المساعدة، لكن الباحث طلاع حلل هذه التصريحات بالقول: «تهدف موسكو من مبادرتها لتحقيق أمرين: أولهما المساندة المالية التي تتطلب مبالغاً يصعب عليها وحلفائها تأمينها بمفردهم؛ وثانيهما: تأسيس مناخات سياسية تؤمن انخراط أعداء النظام في عملية شرعنة نظام الأسد بشكل تدريجي».
وتسببت الحرب الدائرة في سوريا منذ 2011 في نزوح ملايين اللاجئين نحو الدول المجاورة، وتحديداً إلى تركيا والأردن ولبنان، وباتت تركيا الوجهة الأولى للاجئين السوريين، حيث كشفت دائرة الهجرة في وزارة الداخلية التركية، في آخر إحصائية لها، أن عدد اللاجئين السوريين على الأراضي التركية بلغ حتى منتصف يوليو (تموز) الماضي 3.5 مليون لاجئ، وتعد مدينة إسطنبول من أكبر التجمعات السكانية، حيث بلغ عددهم نحو 537 ألفاً و829 لاجئاً.
ويروي سمير (26 عاماً)، الذي أنهى دراسته الجامعية، وحصل على إجازة كلية الاقتصاد من جامعة البعث بحمص، صيف 2012، كيف أجبر على ترك مدينته حمص (وسط سوريا) قبل 7 سنوات، لأنه رفض الالتحاق بخدمة الجيش النظامية، كما رفض القتال إلى جانب قوات المعارضة المسلحة، ولجأ إلى تركيا، وهو يسكن في مدينة إسطنبول.
وبسبب ظروف اللجوء، يعمل نادلاً في مطعم سوري بمنطقة الفاتح بغير اختصاص دراسته، ويسكن مع زوجته في استوديو صغير في مكان عمله نفسه، ويذهب نصف راتبه لإيجار المنزل ودفع الفواتير الشهرية، فالمعيشة في تركيا باهظة الثمن، على حد قوله، وقال: «على الرغم من ذلك، أفضل العيش هنا على أن أعود إلى مكان تحكمه ميليشيا طائفية، ونظام قتل وهجر ملايين السوريين».
واستبعد أن تتمكن روسيا من توفير غطاء قانوني، وعودة آمنة للاجئين والمهجرين، ولفت قائلاً: «هل ستكون هناك عدالة اجتماعية؟ هل ستحميها قوة عسكرية منضبطة؟ أشكك في ذلك لأن روسيا من أبرز حلفاء النظام الحاكم»، وشدد على أن عودته مشروطة بحل سياسي شامل وتسوية تحفظ كرامة المواطن.
وبحسب تقديرات مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، عاد نحو 600 ألف نازح داخل سوريا إلى مناطقهم، ونحو 15 ألف لاجئ سوري كان يعيش في دول الجوار عادوا تلقائياً إلى منازلهم بالنصف الأول من العام الحالي، معظمهم من لبنان.
وقالت المفوضية، في بيان نشر على حسابها الرسمي الشهر الفائت: «ظروف العودة الآمنة، التي تضمن الكرامة، ليست متوفرة بعد، ولا تشجع المفوضية أو تسهل عودة اللاجئين إلى سوريا في الوقت الراهن».
وشدد الباحث مهند طلاع على أن تكون عودة اللاجئين والمهجرين السوريين «كريمة»، باعتبارها مطلباً اجتماعياً وسياسياً تتطلب تضافر كل الجهود المحلية والإقليمية والدولية، وفق الاتفاقيات والقرارات الدولية.