خلافات «التيار الحر» و«الاشتراكي» تنغّص «مصالحة الجبل»

TT

خلافات «التيار الحر» و«الاشتراكي» تنغّص «مصالحة الجبل»

تدخل اليوم مصالحة الجبل التي طوت صفحة الاقتتال المسلّح بين المسيحيين والدروز عامها الثامن عشر، على وقع الخلافات المستعرة بين «التيار الوطني الحرّ» والحزب التقدمي الاشتراكي، على ملفات كثيرة وكبيرة، تبدأ بتأليف الحكومة، ولا تنتهي بالتعيينات وصفقات الكهرباء والنفط وكيفية مقاربة مكافحة الفساد، لكنّ ذلك لا يلغي اهتمام الفريقين بحماية «المصالحة التاريخية» مهما باعدت بينهما الصراعات السياسية. ولا يتخوف الطرفان من أن تقود هذه الصراعات إلى نسف المصالحة، أو تجاوزها ما دام أن القواعد الشعبية تطبّقها وتكرّسها على الأرض.
مصالحة الجبل حصلت برعاية البطريرك الماروني السابق نصرالله صفير ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وتوّجت بالزيارة التاريخية للبطريرك الماروني إلى الجبل في الثالث من أغسطس (آب) 2001، وجولته على القرى والبلدات التي تهجّر منها المسيحيون خلال الحرب الأهلية، وقد حثّ يومها المسيحيين على العودة إلى أرضهم وطي صفحة الماضي الأليم، وتكريس العيش المشترك قولاً وفعلاً مع الطوائف الأخرى.
وللمناسبة دعا جنبلاط، في تصريح إلى أنّ «تكون ذكرى المصالحة لحظة تأمّل في كيفيّة اعتماد لغة حوار عقلانية بعيداً عن لغة الغرائز التي تجرفنا جميعاً دون استثناء». وحيّا الزعيم الدرزي «كلّ شهداء الوطن دون تمييز». وقال: «كفانا تفويتاً للفرص، وآن الأوان لنظرة موحّدة إلى المستقبل تحفظ الوطن وتصونه في هذا العالم الّذي تتحكّم فيه شريعة الفوضى».
وللدلالة على أهمية المناسبة والحرص على بقائها، أكد عضو تكتل «لبنان القوي» النائب ماريو عون لـ«الشرق الأوسط»، أنه «لا أحد يرغب في نسف مصالحة الجبل، لا من المسيحيين ولا من الدروز ولا حتى المسلمين». وقال: «هذه المصالحة تكرست بالقول والفعل منذ زيارة البطريرك صفير الشهيرة إلى الجبل، القاعدة الشعبية عند الطرفين باتت أكثر تمسكاً بها من بعض السياسيين»، ورأى أنه «مهما حصل من تشنجات أو مواقف سياسية فإن حدودها السجال العادي، إذ لا رغبة لدى أحد بالعودة إلى الوراء»، معتبراً أن «الحفاظ على المصالحة يعني الحفاظ على لبنان وعلى العيش المشترك في جبل لبنان، وعلى خصوصية البلد الذي يحتاج إلى تضامن جميع اللبنانيين، لأن الجميع في مركب واحد».
ويبدي الحزب التقدمي الاشتراكي اهتماماً كبيراً بهذا الإنجاز، باعتبار أن رئيسه وليد جنبلاط «كان عرّابه، ولا يزال صمام أمانه»، ورأى مفوض الإعلام رامي الرئيس أن الحزب «أكثر تمسكاً بالمصالحة من أي وقت مضى». واعتبرها «أكبر الإنجازات التي تحققت بعد اتفاق الطائف، لأنها طوت صفحة الحرب الأليمة، وأسست لبناء مستقبل أفضل لأبناء الجبل»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أنه «لا خوف على المصالحة مهما بلغت المناكفات، لأن معظم القوى السياسية في الجبل متفقة على أن الخلاف في الرأي لا يفسد المصالحة ولا يقوضها»، مبدياً استغرابه لأن «بعض الأطراف تعيش على نبش دفاتر الماضي وإثارة الأحقاد والغرائز الطائفية، لكننا لا نلقي لها بالاً، لأن خيار وليد جنبلاط والحزب التقدمي الاشتراكي يكمن في الحرص على المصالحة وحمايتها مهما بلغت الاختلافات».
ولا تزال خلافات «التيار الحرّ» والحزب «الاشتراكي» تتصدّر المشهد السياسي في جبل لبنان، منذ عودة رئيس الجمهورية ميشال عون من منفاه الباريسي في العام 2005، واستفحال الصراعات الانتخابية ومقاربة الملفات في الحكومة، وعبّر النائب ماريو عون عن أسفه للمواقف السياسية التي «تأتي بين الحين والآخر من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط، والتي تنطوي على تحدٍ لبعض المرجعيات المسيحية، وهذا أمر غير مقبول». ودعا إلى «العودة إلى حدود المنطق في التعاطي السياسي، والإقلاع عن المواقف المتطرفة، حتى لا تواجه بمواقف متطرفة أيضاً». ورأى عضو تكتل «لبنان القوي» أن «من يراهن على العودة إلى خلف المتاريس واهم، لأننا جميعاً تخطينا المرحلة السوداء، ولا أحد في وارد استرجاعها أو العودة إليها». انتقاد عون لمواقف جنبلاط ردّ عليها رامي الريس قائلاً: «لبنان يعيش في ظلّ نظام ديمقراطي حتى إشعار آخر، وحرية التعبير عن الرأي مصونة ويكفلها الدستور، ولن نتخلى عنها». وسأل «ما علاقة الانتقادات التي يوجهها جنبلاط لكيفية إدارة بعض المؤسسات أو كيفية مكافحة الفساد، أو صفقات الكهرباء بمصالحة الجبل؟ وهل انتقاد بعض القطاعات يمس الثوابت الوطنية؟». وختم مفوض الإعلام في الحزب الاشتراكي: «سنرفع الصوت حول إدارة بعض القطاعات، بقدر حرصنا وحمايتنا لهذه المصالحة التاريخية».
من جهته، شدّد رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، في تعليق على مواقع التواصل الاجتماعي، على أنّ «المصالحة في الجبل أغلى من أن تؤثّر فيها عبارات من الماضي الّذي تخطيناه»، داعياً إلى «العودة إلى لغة العقل مهما اختلفنا في السياسة». وركّز على أنّه «لا للعودة لا للأحادية ولا للماضي ونبش الأحقاد، بل تمسّك بالشراكة الكاملة المبنية على التآخي».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.