السويداء... اختبار بالدم لـ «الحكم الذاتي»

أكثر من 50 ألف مطلوب للخدمة العسكرية يرفضون شروط النظام السوري

السويداء... اختبار بالدم لـ «الحكم الذاتي»
TT

السويداء... اختبار بالدم لـ «الحكم الذاتي»

السويداء... اختبار بالدم لـ «الحكم الذاتي»

دخلت محافظة السويداء في جنوب سوريا ما يمكن وصفه بـ«مرحلة الحسم» و«تقرير المصير»، بين أن تعود إلى سلطة النظام السوري، بمضمونها الأمني والعسكري إلى جانب الوجه الإداري، وبين أن تحتفظ بتجربة «الحكم الذاتي» التي بدأت باختبارها قبل 7 سنوات، وألزمتها الدفاع الذاتي عن النفس، وأبعدت المطلوبين للخدمة العسكرية الإجبارية عن الالتحاق بصفوف قوات النظام.
هذه القضية وضعت الطرف الروسي في موقع المفاوض للبحث عن مخرج يرضي النظام المصرّ على اقتياد أكثر من 50 ألف مطلوب للخدمة العسكرية، والعودة الفعلية والكاملة إلى السويداء، وبين أهالي يرفضون هذا التوجه، بحسب ما يقول معارضون للنظام في المنطقة.
وفي ظل هذا الجدل، غطت التفجيرات الإرهابية والهجمات الانتحارية التي استهدفت المنطقة وأسفرت عن مقتل أكثر من 250 شخصاً، على كل النقاش السابق، رغم أن معارضين اعتبروا أن الهجوم الأخير لتنظيم داعش، يتحمل مسؤوليته النظام. إذ أكد «الائتلاف الوطني السوري» المعارض في تصريح صحافي له «مسؤولية قوات نظام الأسد تجاه تمكّن تنظيم داعش من تنفيذ هذه العمليات الإجرامية، وذلك بالنظر إلى تمكُن المهاجمين من قطع مسافات طويلة، وتجاوز حواجز عدة، والدخول إلى المدينة لارتكاب جريمتهم». وأشار الائتلاف إلى «الدور الأصلي للنظام في إنشاء ودعم تنظيم داعش الإرهابي وتركه يرتكب جرائمه»، مؤكدا رفضه التمييز بين إرهاب نظام الأسد وإرهاب التنظيمات المتطرفة والعنصرية والطائفية، مشددا على «ضرورة محاربة الإرهاب، والعمل على تخليص سوريا منه».

تعد السويداء أكبر المحافظات الثلاث الواقعة في جنوب سوريا، وتمتد شرقا وجنوبا على الحدود مع الأردن، وتسكنها غالبية من الموحّدين الدروز. ولقد حاولت السويداء منذ تفجر الثورة السورية على الحياد، مع أن واحدا من كبار ضباط النظام، هو العميد عصام زهر الدين، يتحدر من محافظة السويداء المعروفة باسم جبل العرب، وقتل العام الماضي إثر استعادة النظام السيطرة على مدينة دير الزور من قبضة «داعش».
والواقع أن السويداء لم تشهد تحركات عسكرية استراتيجية ضد النظام، مع أن المنطقة شهدت عدة مظاهرات وسرعان ما استوعبها النظام. وحاول تحييد السويداء عن آلته العسكرية، عندما كان الوضع مضبوطاً، بموجب تسوية غير معلنة. وأدى التحييد الواقعي عن الأحداث إلى منح المحافظة هامشا لـ«حكم ذاتي» جرى اختباره خلال السنوات الفائتة، وإن ظلت إدارات الدولة الرسمية – أي النظام – موجودة. ويمكن القول: إن المحافظة قلّما شهدت مواجهات مباشرة، ولم تخرج عن سيطرة النظام، الذي يمتلك في أراضيها مطارين عسكريين هما مطار الثّعَلة (غرب) ومطار خِلخِلة (شمال) على الرغم من التوترات التي اتسمت بها مدينة السويداء (المركز الإداري للمحافظة) باستثناء تصفية الضابط خلدون زين الدين بعد التحاقه ورفاقه بالثورة، ثم عندما أشهرت حركة «مشايخ الكرامة» معارضتها للنظام وأُخمِدت هذه التجربة عبر اغتيال الشيخ أبو فهد وحيد البلعوس قائد «المشايخ» في تفجير استهدف موكبه في العام 2015.
ومن ناحية أخرى، تعقدت علاقة محافظة السويداء في فترات ما بـ«جارتيها» محافظة درعا ومحافظة ريف دمشق إبان احتدام الثورة السورية، رغم أن قنوات اتصال دائمة ظلت موجودة، بهدف إخماد التوتر. ومع أنها حافظت على علاقتها مع إدارات الدولة الرسمية، فإن الشعور بـ«الحكم الذاتي» كان يتزايد عند كل منعطف، وخصوصا المنعطفات العسكرية، حين كان أبناء السويداء يعملون لصدّ الهجمات ويتولّون مهمة الأمن الذاتي.

- تحييد السويداء خلال الأزمة
نزعة الحياد أو التحييد، تحولت الآن إلى عبء، وصارت مادة خلافية أكثر تعقيدا إثر محاولة النظام بسط سيطرته على المحافظة بالقوة، وإعادة حضور الدولة بالمعنيين الأمني (الاستخباراتي) والعسكري إليها، وهو ما يرفضه السكان.
وهكذا، عادت قضية السويداء إلى الضوء، مع استعادة النظام القسم الأكبر من الجنوب السوري إثر «تسويات» مع المعارضة برعاية روسية. ولقد تحدث ناشطون عن أن ميليشيا «حماة الديار» الموالية للنظام، جمعت أسلحة عناصرها الخفيفة والمتوسطة، خلال الأسبوعين الأخيرين، تمهيدا لتسليمها، وذلك في استمرار لمساعي النظام لسحب السلاح منذ منتصف العام 2017.
وفي ظل مقترحات بأن تعمل قوات النظام لضم المطلوبين للخدمة العسكرية أو العسكريين المدنيين الخارجين عن سيطرتها، إلى «الفيلق الخامس»، الذي يُدار من قبل القوات الروسية في سوريا، التقى وفد عسكري روسي الأسبوع الماضي مع بعض شيوخ العقل (الرؤساء المذهبيون للدروز) الثلاثة وكذلك وجهاء من المحافظة، في منزل شيخ العقل يوسف جربوع، للتباحث بمستقبل المحافظة. ونُقل عن الوفد الروسي أنه مُكلّف بنقل اقتراحات زعماء السويداء، حول نزع السلاح و«تسوية أوضاع» الميليشيات المحلية والمطلوبين للخدمة في قوات النظام إلى القيادة الروسية، التي كان يفترض أن تبحثها مع القيادة السورية لإيجاد حلول مناسبة.
تلك المقترحات كانت تتسم بالتعقيد، «إذ تمكن أهالي السويداء خلال الأزمة من إبقاء أنفسهم بعيدين عن تداعيات الحرب، وذلك عبر مواقف متتالية كانوا يسعون خلالها لتوافق مع الأطراف بهدف تحييد المنطقة عن تداعيات الحرب»، وفق الباحث السياسي السوري الدكتور سمير التقي، الذي يشير في حديث إلى «الشرق الأوسط» أنه على الرغم من أن فئات من السويداء كانت موالية للنظام أو انخرطت في بيئات معارضة «كانت للسويداء في المبدأ، هويتها الخاصة، ولا تزال، وهو ما يمنع النظام من العودة إليها بالشكل الذي كان سائدا قبل الأزمة السورية».
ويتابع التقي أن «القضية الرئيسة اليوم أن النظام لا يمكن أن يدخل بشبيحته وأدواته الأمنية والميليشيات الإيرانية أو الفيلق الخامس إلى المنطقة، بسبب موانع الأهالي». ويلفت إلى أن «الاعتقاد الأكبر هو إيجاد حل وسط، وهو حل لن يجده إلا الروس لأن النظام يسعى لتحطيم إرادة المدينة، ولا يوافق على أن تكون هناك إدارة محلية تسمح لأن تنأى السويداء بنفسها عن الشبيحة وأمراء الحرب». ثم يقول: «ثمة ميليشيات تنتشر في درعا قامت بعمليات تعفيش ونهب. نحن مقبلون على حالة حرجة، يحاول الروس تهدئتها، لكن من الصعب إخضاع جبل العرب وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه، لذلك لا بد من أن تكون هناك فرص ليتمكن أهالي جبل العرب من الاحتفاظ بهويتهم وبالقدرة على إدارة شؤونهم بعيدا عن التدخلات».

- موانع «الحكم الذاتي»
غير أن المعضلة في ذلك تتمثل في النظام. وهي تجعل المهمة أكثر تعقيدا مما آلت إليه الأمور في الشمال السوري، بالنظر إلى أن أكراد سوريا، استطاعوا تحقيق جزء من الاستقلالية في الإدارات المدنية بدعم أميركي وغربي، وهو الدعم المفقود في السويداء حتى الآن. وحقاً، ليس هناك طرف يقرّر سوى الروس، في ظل موانع يحاول النظام وضعها، وضغوط يمارسها لعودة الأمور إلى ما كانت عليه.
وعمّا إذا كان الروس يستطيعون دعم هذا التوجه، يرى التقي أن الروس يحتاجون إلى مخرج، ذلك لأن النظام «يضع شروطا تعجيزية، ويعتبر أن القرار النهائي للمحافظة يعود له حصرياً». ولا ينفي التقي أن السويداء تسعى إلى تطبيق «إدارة مدنية مستقلة عن بنية النظام وأجهزته الأمنية»، معربا عن قناعته بأن هذه التجربة التي برزت خلال الحرب من خلال إدارة الشؤون مدنيا بنحو مستقل، والدفاع عن المدينة بمعزل عن النظام «هي نقطة مضيئة بتجربة المحافظة». ويستطرد: «الأكراد أخذوا حقهم، لكن أهالي السويداء لا يلقون حتى الآن دعما من قوة دولية تحميهم».

- مطلوبون للخدمة العسكرية
خلال سنوات الأزمة السورية السبع، عزف القسم الأكبر من أهالي السويداء عن الالتحاق بقوات النظام وأجهزته الأمنية أو الميليشيات التابعة له، مع أن الشبان كانوا يعملون على حماية أنفسهم من هجمات كتل تنظيم داعش القريبة منهم، ويواجهون إشكالات مع فصائل عسكرية معارضة، فضلا عن مواجهة النظام وضباطه الأمنيين حين كانوا يتخذون قرارات ويريدون تطبيقها بالقوة، ضد رغبة السكان (منها ما هو متصل بالأراضي والمراعي). ومن ثم، وصل عدد المطلوبين للخدمة الإجبارية بعد 7 سنوات، إلى أكثر من 50 ألف (نحو 53 ألف) شاب مطلوب، كما تقول المعارضة السورية عالية منصور، ويمثل هؤلاء معضلة أمام الالتحاق بالقوات العسكرية النظامية، في حين يضغط النظام لاقتيادهم للخدمة.
وقبل أسابيع قليلة، أعلنت شبكات إعلامية موالية للنظام في السويداء عن إعادة فتح باب «تسوية أوضاع» المتخلّفين عن الخدمتين الاحتياطية والإلزامية والمنشقين الدروز بالنسبة للخدمة العسكرية تحت إشراف «الفيلق الخامس الروسي السوري المشترك». وقال ناشطون إن «آلية التسوية»، تشمل المطلوبين للخدمتين الإلزامية والاحتياطية والمنشقين «الفارين»، وسيمضي الملتحقون خدمتهم في المنطقة الجنوبية، أي محافظات درعا والسويداء والقنيطرة.
التقي يشرح قضية التخلف عن الخدمة العسكرية، بالقول: إن السكان يعتبرون أنفسهم قاموا بحماية المدينة والمحافظة طوال سنوات الأزمة بمعزل عن النظام. بل إن مصادر التسليح لم تكن محصورة بالنظام، بل كان السلاح يأتي من أطراف مختلفة وأدوا دورهم واستطاعوا البقاء خارج الحرب السورية الأهلية كحرب عمياء.
وبالتالي، يرون أنهم حموا أنفسهم في الوقت الذي كان النظام بعيدا عنهم وعن حمايتهم، ولذلك يرفضون الآن العودة إلى المنظومة العسكرية والأمنية، والانخراط في قوات النظام والإبقاء على التجربة نفسها. ويضيف: «من مصلحة الروس إغلاق الموضوع الآن، لكن النظام يصر على عودتهم إلى التجنيد، وهو ما يرونه فصلا جديدا لإعادة دور أجهزة الأمن وفروع المخابرات وأمراء الحرب إلى المنطقة».
ويشرح التقي دور المجندين والتجربة المحلية خلال سنوات الأزمة، قائلا: «بالسلوك العام أبقى أهالي السويداء أنفسهم خارج التورّط بالدم، وبقوا نظيفين من تداعيات الحرب الأهلية. هذا المكسب لا يريدون التضحية به». ويؤكد أنه «يجب الحفاظ على هذه التجربة التي أمنت السلم الأهلي، ولم تدخل عمليا تحت الحكم العسكري وحكم الميليشيات والمحسوبيات».

- تفجيرات إرهابية
في ظل هذه الوقائع، جاءت الهجمات الإرهابية لتنظيم داعش التي استهدفت محافظة السويداء، لتخلط الأوراق، بالنظر إلى أن المعارضة اعتبرت الهجوم نتيجة تراخٍ متعمّد من النظام، ومحاولة لإعادة تعويم نفسه كحامٍ للسويداء. إذا تساءلت عن كيفية دخول الانتحاريين إلى المنطقة، بينما يمتلك النظام القدرة على رصد المنطقة من الجو. وفي حين يدعي النظام أن طائراته الحربية وقواته العسكرية شاركت في صدّ الهجوم وضرب التنظيم وقواعده، يؤكد شهود من أهالي السويداء أنهم تكفلوا وحدهم بصد الهجوم.
«داعش» بدأ هجومه صباح الأربعاء قبل المضي بتفجير 4 انتحاريين أحزمتهم الناسفة في مدينة السويداء تزامنا مع تفجيرات مماثلة استهدفت قرى في ريفها، قبل أن يشن هجوما على 7 قرى ويتمكن من السيطرة لساعات على 3 منها، بحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان».
وتحدثت وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا» عن مقتل «عشرات الشهداء» وإصابة عشرات آخرين بجروح جراء الهجمات. وأوردت أن وحدات الجيش «تصدت لهجوم نفذه إرهابيو تنظيم داعش على منازل المواطنين في قرى المتونة ودوما وتيما والشبكي (الشبكة)» في ريف السويداء الشمالي. وقتل 56 من مقاتلي التنظيم، بينهم 7 انتحاريين، وفق المرصد.
وتمكنت قوات النظام مع مسلحين محليين من صد هجوم الإرهابيين في مدينة السويداء وقرى في ريفيها الشمالي والشرقي، فيما أفادت آخر حصيلة للمرصد عن مقتل 246 شخصا، بينهم 135 مدنياً، غالبيتهم «سكان محليون حملوا السلاح دفاعا عن قراهم». وارتفعت الحصيلة تدريجيا منذ صباح الأربعاء حتى منتصف الليل مع العثور على جثث مزيد من المدنيين قال المرصد إنه «تم إعدامهم داخل منازلهم بالإضافة إلى وفاة مصابين متأثرين بجراحهم». وتبنى تنظيم داعش الأربعاء في بيانين منفصلين الهجمات، وقال إن «جنود الخلافة» نفذوها في مدينة السويداء وريفها. ونشر فجر الخميس على حساباته على تطبيق «تلغرام» صورا تظهر قيام مقاتليه بذبح شخصين على الأقل، قال إنهما من الجيش (النظامي) السوري والموالين له في ريف السويداء.
ويعد هذا الاعتداء الأكبر على المحافظة التي بقيت إلى حد كبير بمنأى عن النزاع منذ اندلاعه في العام 2011. وتسيطر قوات النظام على كامل المحافظة فيما يقتصر تواجد مقاتلي التنظيم على منطقة صحراوية عند أطراف المحافظة الشمالية الشرقية.

- تبادل اتهامات
هجوم «داعش» أظهر أن التنظيم بعد طرده من مناطق واسعة في سوريا والعراق المجاور، ما زال قادرا على التسلل من الجيوب والمناطق الصحراوية التي يتحصن فيها لتنفيذ هجمات دموية. ويُذكر أن قوات النظام – المدعومة من الروس – في مايو (أيار) الماضي تمكنت بعد هجوم واسع من طرد التنظيم من أحياء في جنوب دمشق، وأجلت مئات من مسلحيه من مخيم اليرموك وأحياء مجاورة في جنوب العاصمة إلى البادية السورية الممتدة من وسط سوريا حتى الحدود مع العراق، والتي تتضمن جزءا من أطراف محافظة السويداء. ومنذ إجلاء هؤلاء من جنوب دمشق، فإنهم دأبوا على شن هجمات على نقاط للنظام وحلفائه في البادية والمناطق المحيطة بها، وفق المرصد.
هذا، ونشرت شبكات إعلامية محلية على مواقع التواصل الاجتماعي صورا قالت إنها تعود لمقاتلين من التنظيم قتلوا خلال الاشتباكات الأربعاء قبل الماضي. وأفادت بالعثور على بطاقات هوية بحوزتهم تظهر أنهم من مخيم اليرموك.
هذه الوقائع، زادت من الشكوك حول مسؤولية النظام الأولى بإجلاء مقاتلي التنظيم من جنوب دمشق إلى هذا المكان. وتاليا بالتقاعس عن صدّه، واستدرجت ردودا مقابلة. وبينما علّق رئيس النظام السوري بشار الأسد خلال استقباله مسؤولا روسيا على ما حدث بالقول إن «جريمة اليوم تدل على أن الدول الداعمة للإرهاب تحاول إعادة بث الحياة في التنظيمات الإرهابية لتبقى ورقة بيدهم يستخدمونها لتحقيق مكاسب سياسية»، نددت وزارة الخارجية الروسية بـ«أعمال العنف الجماعية ضد السكان المسالمين» في السويداء.
ولكن، ربما كان أبلغ ردود الفعل، ذلك الذي جاء من النائب السابق وليد جنبلاط رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» في لبنان الذي قال بداية: «السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف وصلت، بهذه السرعة، تلك المجموعات الداعشية إلى السويداء ومحيطها، وقامت بجرائمها قبل أن ينتفض أهل الكرامة للدفاع عن الأرض والعرض؟ أليس النظام الباسل الذي ادعى بعد معركة الغوطة أنه لم يعد هناك من خطر داعشي.. إلا إذا كان المطلوب الانتقام من مشايخ الكرامة؟». وتابع في تغريدة ثانية: «وما هي جريمة مشايخ الكرامة سوى رفض التطوّع بالجيش لمقاتلة أهلهم أبناء الشعب السوري». وأردف جنبلاط: «الحزب الاشتراكي يتمنى للمرة الثانية من القيادة الروسية حماية مشايخ الكرامة من انتقام النظام وغدره، وحفظ كرامة مشايخ الكرامة، والأخذ بعين الاعتبار بمطالبهم المحقة».

- حركة «مشايخ الكرامة»
«مشايخ الكرامة» هم مجموعة من المشايخ والفعاليات في محافظة السويداء رفضوا، في تحرك لهم منذ العام 2013، التطبيع مع النظام والقتال في صفوفه. وردّ النظام بالتحريض عليهم، وانتهى الأمر باغتيال أبرز قادة المجموعة الشيخ وحيد البلعوس (أبو فهد) في تفجير يجزم المعارضون أن النظام مسؤول عنه في العام 2015.
وعاد «مشايخ الكرامة» إلى الضوء أخيرا في ظل الحملة التي قادها النظام السوري للسيطرة على الجنوب السوري. إذ تبنّت حركة «مشايخ الكرامة» في محافظة السويداء موقف الحياد من المواجهات بين قوات النظام والمعارضة على أطراف محافظتي درعا والسويداء، الشهر الماضي. وأورد الجناح الإعلامي لـ«مشايخ الكرامة» بياناً، قالوا فيه إن الحركة لن تكون «طرفا في إراقة الدماء تمسّكاً منها بثوابت مؤسسها الشيخ وحيد البلعوس» الذي اغتالته أجهزة النظام الأمنية في العام 2015، برفقة عدد من قيادات وعناصر الحركة. ووصف البيان الأحداث الأخيرة بـ«الصراع بين أبناء الوطن الواحد».
وفي أعقاب اجتماع بين المفاوضين الروس وفعاليات السويداء، أصدر فصيل «قوات شيخ الكرامة» في السويداء، بيانا اتهم فيه روسيا بأنها «قوة احتلال»، بعد تسريبات عن أن الطرف الروسي اعتبر «مشايخ الكرامة» فصيلا إرهابياً.
وقال البيان، إن «الكلام الروسي الأخير عن وجود منظمات إرهاب في جبل العرب تصعيد خطير جداً، فكيف لرعاة الإرهاب وصانعيه، ولدولة محتلة، أن تصف مَن حمل السلاح مدافعا عن أرضه وعرضه بالإرهاب؟». وأعلن مقاتلو الفصيل الأبرز في السويداء عن جاهزيتهم «العالية لأي استفزاز من أي جهة كانت، ونعتبر أي اعتداء على أي شاب من شباب الجبل هو إعلان للحرب التي كنا وما زلنا أهلا لها».


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.