علي عبد العال... رجل المعارك وحامل الرسائل الغامضة

رئيس مجلس النواب المصري أمضى نصف قرن من عمره بعيداً عن السياسة

يكفل الدستور المصري، الذي شارك عبد العال في مراحل صياغته المتعاقبة لمجلس النواب سلطات واسعة في محاسبة الحكومة ومساءلتها.
يكفل الدستور المصري، الذي شارك عبد العال في مراحل صياغته المتعاقبة لمجلس النواب سلطات واسعة في محاسبة الحكومة ومساءلتها.
TT

علي عبد العال... رجل المعارك وحامل الرسائل الغامضة

يكفل الدستور المصري، الذي شارك عبد العال في مراحل صياغته المتعاقبة لمجلس النواب سلطات واسعة في محاسبة الحكومة ومساءلتها.
يكفل الدستور المصري، الذي شارك عبد العال في مراحل صياغته المتعاقبة لمجلس النواب سلطات واسعة في محاسبة الحكومة ومساءلتها.

أمضى رئيس «مجلس النواب» (البرلمان) المصري، الدكتور علي عبد العال، نحو نصف قرن من حياته المهنية بعيداً عن العمل السياسي، إلا أنه في فترة لم تتعد السنوات الثلاث من عمر رئاسته للبرلمان، بات إحدى الركائز الرئيسية في حياة مصر السياسية.
مؤيدو عبد العال يرون أنه أثبت صلابة ووضوحاً في الرؤية بمواقفه الداعمة لـ«تثبيت» الدولة واستقرارها، في حين يذهب منتقدوه إلى اتهامه بخوض المعارك غير المدروسة وبث الرسائل الغامضة. ويأخذ هؤلاء على رئيس مجلس النواب، أنه يبث بين الحين والآخر رسائل لأعضاء في «البرلمان»، تتسم بالغموض تارة، والتهديد والوعيد تارة أخرى... فالرجل الذي استهل دور الانعقاد الأول قبل سنتين ونصف السنة، بحديث غامض ومبتور عن عضو بالمجلس قال فيه، إنه يعرف إلى أي «تنظيم ينتمي وممن يتلقى التعليمات»، اختتم دور الانعقاد الثالث من عمر المجلس بتهديد مجموعة أخرى من البرلمانيين بأنهم «لن يكونوا أعضاء بالمجلس بعد أقل من أسبوع» وأن عضويتهم ستُسقط.

منذ وصول الدكتور علي عبد العال إلى منصبه رئيساً لمجلس النواب المصري في عام 2016، وكانت تلك هي المرة الأولى التي ينال فيها عضوية «النواب»، تتعدد رسائله وتلميحاته وأخباره ودفاعاته. ويرصد متابعو الشأن البرلماني جملته اللافتة التي وجهها إلى عدد من النواب، بنهاية دور الانعقاد الثالث، أواخر الشهر الماضي، في أعقاب التصويت على مشروع قانون يمنح حصانة قضائية «مقيّدة» وبعض المميزات لمجموعة من «كبار ضباط القوات المسلحة» في مصر. ومع أن القانون نال الموافقة من الغالبية باستثناء 8 نواب من أعضاء تكتل «25 – 30» المعارض (عدد أعضاء البرلمان أكثر من 590 نائباً)؛ فإن عبد العال أردف معقباً: «شكراً، الرسالة وصلت».
المدافعون عن رئيس البرلمان، يرون أن طريقته في التعاطي مع المواقف في المجلس بـ«الرسائل غير المباشرة»، ربما تليق بحكمة أكسبتها سنوات العمر لرجل في السبعين من عمره جاء إلى موقعه النيابي من السلك الأكاديمي وقاعات التدريس في الجامعات. لكن، مقابل ذلك يرى مناوئون للرجل أنه تخلى في بعض الأحيان عن الهدوء وأطلق رسائل قوية بدا فيها مستنداً إلى سلطات يكفلها موقعه النافذ رئيساً للمجلس وأطلق لغضبه العنان.
عبد العال من مواليد مدينة أسوان يوم 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 1948، وتلقى دراسته الجامعية في كلية الحقوق بجامعة عين شمس في العاصمة المصرية القاهرة، حيث نال الليسانس (الإجازة)، ثم شهادتين في القانون العام والقانون الجنائي. وحصل على درجة الدكتوراه من جامعة باريس في فرنسا عام 1984.

- بداية رئاسته البرلمانية
انتُخب عبد العال رئيساً لمجلس النواب في يناير (كانون الثاني) 2016، من قِبل أعضاء البرلمان من قائمة «في حب مصر» التي نالت الأغلبية، وتحولت فيما بعد إلى ائتلاف «دعم مصر» صاحب المواقف المؤيدة والمساندة للرئيس عبد الفتاح السيسي.
وبحسب ما جاء في خطابه الأول بعد انتخابه، تعهد عبد العال بأن يكون المجلس «منبراً لحوار ديمقراطي راقٍ تتاح فيه الفرصة لكافة الانتماءات السياسية للتعبير عن آَرائها»... وزاد «في النهاية، فإنه على الأقلية النزول لرأى الأغلبية، كما أن على الأغلبية ألا تتجاهل رأى الأقلية».
ومنذ أسبوعين تقريباً، شهدت الجلسة العامة لمجلس النواب، تعليقات حادة أصدرها رئيس المجلس، أثناء التصويت على تعديلات على مشاريع قوانين، منها تعديل المعاملات المالية لرئيسي مجلس النواب ومجلس الوزراء، والوزراء والمحافظين ونوابهم.
وانفعل عبد العال، بعد إعلان النائب ضياء داود، عضو تكتل «25 - 30» المعارض، رفضه مشاريع القوانين والتعديلات التي أدخلت عليها وقوله «رفضناها سابقاً ونرفض التعديلات التي أجريت عليها الآن»؛ إذ ردّ رئيس البرلمان رداً غاضباً بالقول، إن «جلسة التصويت بحسب اللائحة لا تشهد أخذ الآراء التفصيلية، ويكون الرد على النداء بالاسم للعضو بالموافقة أو الرفض». ثم عاد للحديث متوعّداً بأن المجلس سيصوّت «على إسقاط العضوية عن بعض النواب، بحسب ما انتهت إليه لجنة القيم بالمجلس»، وأردف «لدي تحقيق في لجنة القيم يتضمن إعاقة نواب لأعمال المجلس والإساءة إلى رموز الدولة في وسائل إعلام معروفة بالاسم، فهل يكون لهؤلاء شرف الجلوس في هذه القاعة؟... بالتأكيد الإجابة لا... ولن أسمح ببقاء من يريد تعطيل المجلس بالقوة». وأكمل عبد العال مهدداً دون أن يحدد أحداً بالاسم «لن تكونوا أعضاء في هذا المجلس من الأسبوع المقبل».
ويبدو أن دَأْب عبد العال، على الوعيد لم يكن وليد انفعال؛ إذ سبق له التصريح بأن أحد النواب أرسل شكوى ضد المجلس إلى «إحدى المؤسسات الدولية... ولن أقول اسم النائب فكل شيء سيطرح في جلسة سرية، وهو يعرف نفسه جيداً، ولن تمرّ الواقعة مرور الكرام». وانتهت تلك المواجهة التي بدأت بتصريح يلفه الغموض، وتبين أن بطلها هو رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب (آنذاك) أنور السادات، بإسقاط عضويته في فبراير (شباط) 2017 بعد اتهامه بـ«الحط من قدر مجلس النواب في تقارير عن أداء المجلس تم إرسالها إلى الاتحاد البرلماني الدولي».
ورغم خروج السادات منذ عام ونصف العام من تحت قبة المجلس، فإنه لا يزال مادة لحديث رئيس مجلس النواب، الذي قال في مايو (أيار) الماضي، إن السادات «يحاول إسقاط المجلس، وكانت هناك محاولة منه، حيث اصطحب بعض النواب للسفر للخارج، وتمت إحالتهم إلى التحقيق».

- ظالم ومظلوم
لم يقبل مجلس النواب في عهد رئاسة عبد العال، ببث جلساته على الهواء مباشرة لأكثر من جلستين فقط، وسرعان ما قرّر وقف بثها تلفزيونياً وإذاعياً. وعلى الرغم من أن المادة 120 من الدستور تنصّ على أن «جلسات مجلس النواب علنية, ويجوز انعقاد المجلس في جلسة سرّية، بناءً على طلب رئيس الجمهورية، أو رئيس مجلس الوزراء، أو رئيس المجلس، أو 20 من أعضائه على الأقل، ثم يقرّر المجلس بأغلبية أعضائه ما إذا كانت المناقشة في الموضوع المطروح أمامه تجرى في جلسة علنية أو سرية»، فإن البرلمان أجرى تصويتاً وقرّر بعده وقف البث، وأيده في ذلك أكثر من تقرير قضائي من هيئة المفوضين بمجلس الدولة.
ولقد رد رئيس مجلس النواب على طلبات تتجدّد بين آن وآخر، بإعادة البث بالقول، إن «كل الأبحاث التي أجريت على البث المباشر للجلسات انتهت إلى أنه يؤدى لتشتيت انتباه النائب، بتركيزه على الكاميرا أكثر من الجلسة، ولدي هذه التقارير، ومن مؤسسات دولية محترمة»، لكنه لم يعلن تلك الرسائل أو يقدمها لأعضاء مجلس النواب.
وربما تبدو الرغبة في وقف بث الجلسات مُفَسرة إلى حد بعيد لعلاقة رئيس البرلمان، ابن المدرسة الفرنسية في القانون، المتوترة بالإعلام، فهو الذي عدّ في تصريحات أدلى بها في أغسطس (آب) عام 2017، أن مجلسه «تعرض لظلم كبير من الإعلام، رغم ما خاضه البرلمان من معارك كبيرة».
وإذا كان عبد العال ومجلسه أصبحا في خانة «المظلوم» من الإعلام، بحسب تقدير رئيس البرلمان؛ فإن المجلس ورئيسه يواجهان ادعاءات تضعهما في خانة «الظالم» للحريات الصحافية والإعلامية إثر إصدار 3 قوانين أخيراً، أثارت رفض قطاع معتبر من الصحافيين والإعلاميين الذين عدوها «مقيدة».
على أي حال، فإن علاقة عبد العال مع الإعلام، تأخذ منحى متوتراً، وترتبط هي الأخرى بطريقته في بث الرسائل؛ فقد دخل عبد العال في مواجهة مع مؤسسة «الأهرام» ورئيس مجلس إدارتها السابق أحمد النجار، الذي هاجمه صراحة ومباشرة من فوق منصة البرلمان، قائلاً إنه (أي النجار): «تولى منصبه في غفلة من الزمن». وكان ذلك في أعقاب نشر إحدى إصدارات المؤسسة تقريراً صحافياً رصدت فيه أكثر من 150 خطأً لغوياً في خطاب عبد العال أمام البرلمان.
فصول المواجهة بين عبد العال وصحافيين لم تتوقف عند الحدود المحلية؛ إذ كانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو)، طرفاً في خصومة معه، وبعد إعلان اعتزامها منح جائزتها لـ«حرية الصحافة لعام 2018» للصحافي المصري محمود أبو زيد الشهير بـ«شوكان»، الذي يخضع للمحاكمة، وقيد الحبس على ذمة القضية منذ 5 سنوات تقريباً، قال عبد العال، إن المنظمة ستمنح جائزتها لشخص «مصري متهم في قضية جنائية، بدعم منظمات مشبوهة مارقة وداعمة للإرهاب، وليس لها دخل من قريب أو من بعيد للزجّ بنفسها في موضوعات ذات طابع سياسي».
للعلم، لم يُدن الصحافي الشاب «شوكان»، ومع ذلك فإن رئيس البرلمان الذي كان يشغل منصب وكيل النائب العام في سبعينات القرن الماضي، بل وشارك في لجنة صياغة الدستور عام 2014 قبل ترشحه للبرلمان، هاجم «اليونيسكو» مهدّداً: «هذا الأمر لا يمكن أن يقبله مجلس النواب المصري أو أي دولة أخرى، ولا سيما أن مصر إحدى الدول المؤسسة لهذه المنظمة»... وانتهى الأمر بمنح شوكان الجائزة رغم الاعتراضات المصرية.

- الفصل بين السلطات
يكفل الدستور المصري، الذي شارك عبد العال في مراحل صياغته المتعاقبة، لمجلس النواب سلطات واسعة في محاسبة ومساءلة الحكومة، وكذلك يؤدي رئيس الجمهورية أمام البرلمان اليمين الدستورية لتولي منصبه. ووفق الدستور نفسه وبحسب مادته الخامسة، فإن نظام الحكم في الدولة يقوم على التعددية الحزبية والسياسية «والفصل بين السلطات والتوازن بينها».
وطوال سنتين ونصف السنة من عمر مجلس النواب لا يسجل تاريخ العلاقة بين البرلمان المصري بتشكيله الحالي، والحكومة وقائع خلاف لافتة؛ إذ لم يرفض منح الثقة لحكومة رئيس الوزراء السابق شريف إسماعيل، ولا التعديلات التي أجريت على تشكيلها. وكذلك، فإن النواب لم يسحبوها، أو حتى تمكنوا من تنفيذ استجواب واحد بحق رئيس الوزراء.
وأبدى عبد العال الذي يمثل رأس السلطة التشريعية، من فوق منصة البرلمان، آراء مؤيدة ومساندة للحكومة، بل وقدم دفاعاً في مواجهة اتهامات أعلنها أعضاء ضد الأداء الحكومي المتمثل في التوسع في الاستدانة والقروض. وقال في عام 2016، إن «هذه الحكومة (حكومة شريف إسماعيل) ليست هي التي أغرقت مصر في الديون، الديون متراكمة من الحكومات السابقة، والمشروعات القومية التي انطلقت أخيراً لم تشهدها مصر من قبل منذ سنوات طويلة ومنذ بناء مشروع السد العالي، النظام السياسي الحالي هو من أحيا المشروعات العملاقة».
وبينما يتبقى في عمر البرلمان المصري قرابة ثلاث سنوات إذ تنتهي ولايته في يناير 2021، لا يبدو أن رئيس البرلمان علي عبد العال سيتوقف عن إطلاق رسائله الغامضة والمهددة في أدوار الانعقاد المقبلة.


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».