أمضى رئيس «مجلس النواب» (البرلمان) المصري، الدكتور علي عبد العال، نحو نصف قرن من حياته المهنية بعيداً عن العمل السياسي، إلا أنه في فترة لم تتعد السنوات الثلاث من عمر رئاسته للبرلمان، بات إحدى الركائز الرئيسية في حياة مصر السياسية.
مؤيدو عبد العال يرون أنه أثبت صلابة ووضوحاً في الرؤية بمواقفه الداعمة لـ«تثبيت» الدولة واستقرارها، في حين يذهب منتقدوه إلى اتهامه بخوض المعارك غير المدروسة وبث الرسائل الغامضة. ويأخذ هؤلاء على رئيس مجلس النواب، أنه يبث بين الحين والآخر رسائل لأعضاء في «البرلمان»، تتسم بالغموض تارة، والتهديد والوعيد تارة أخرى... فالرجل الذي استهل دور الانعقاد الأول قبل سنتين ونصف السنة، بحديث غامض ومبتور عن عضو بالمجلس قال فيه، إنه يعرف إلى أي «تنظيم ينتمي وممن يتلقى التعليمات»، اختتم دور الانعقاد الثالث من عمر المجلس بتهديد مجموعة أخرى من البرلمانيين بأنهم «لن يكونوا أعضاء بالمجلس بعد أقل من أسبوع» وأن عضويتهم ستُسقط.
منذ وصول الدكتور علي عبد العال إلى منصبه رئيساً لمجلس النواب المصري في عام 2016، وكانت تلك هي المرة الأولى التي ينال فيها عضوية «النواب»، تتعدد رسائله وتلميحاته وأخباره ودفاعاته. ويرصد متابعو الشأن البرلماني جملته اللافتة التي وجهها إلى عدد من النواب، بنهاية دور الانعقاد الثالث، أواخر الشهر الماضي، في أعقاب التصويت على مشروع قانون يمنح حصانة قضائية «مقيّدة» وبعض المميزات لمجموعة من «كبار ضباط القوات المسلحة» في مصر. ومع أن القانون نال الموافقة من الغالبية باستثناء 8 نواب من أعضاء تكتل «25 – 30» المعارض (عدد أعضاء البرلمان أكثر من 590 نائباً)؛ فإن عبد العال أردف معقباً: «شكراً، الرسالة وصلت».
المدافعون عن رئيس البرلمان، يرون أن طريقته في التعاطي مع المواقف في المجلس بـ«الرسائل غير المباشرة»، ربما تليق بحكمة أكسبتها سنوات العمر لرجل في السبعين من عمره جاء إلى موقعه النيابي من السلك الأكاديمي وقاعات التدريس في الجامعات. لكن، مقابل ذلك يرى مناوئون للرجل أنه تخلى في بعض الأحيان عن الهدوء وأطلق رسائل قوية بدا فيها مستنداً إلى سلطات يكفلها موقعه النافذ رئيساً للمجلس وأطلق لغضبه العنان.
عبد العال من مواليد مدينة أسوان يوم 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 1948، وتلقى دراسته الجامعية في كلية الحقوق بجامعة عين شمس في العاصمة المصرية القاهرة، حيث نال الليسانس (الإجازة)، ثم شهادتين في القانون العام والقانون الجنائي. وحصل على درجة الدكتوراه من جامعة باريس في فرنسا عام 1984.
- بداية رئاسته البرلمانية
انتُخب عبد العال رئيساً لمجلس النواب في يناير (كانون الثاني) 2016، من قِبل أعضاء البرلمان من قائمة «في حب مصر» التي نالت الأغلبية، وتحولت فيما بعد إلى ائتلاف «دعم مصر» صاحب المواقف المؤيدة والمساندة للرئيس عبد الفتاح السيسي.
وبحسب ما جاء في خطابه الأول بعد انتخابه، تعهد عبد العال بأن يكون المجلس «منبراً لحوار ديمقراطي راقٍ تتاح فيه الفرصة لكافة الانتماءات السياسية للتعبير عن آَرائها»... وزاد «في النهاية، فإنه على الأقلية النزول لرأى الأغلبية، كما أن على الأغلبية ألا تتجاهل رأى الأقلية».
ومنذ أسبوعين تقريباً، شهدت الجلسة العامة لمجلس النواب، تعليقات حادة أصدرها رئيس المجلس، أثناء التصويت على تعديلات على مشاريع قوانين، منها تعديل المعاملات المالية لرئيسي مجلس النواب ومجلس الوزراء، والوزراء والمحافظين ونوابهم.
وانفعل عبد العال، بعد إعلان النائب ضياء داود، عضو تكتل «25 - 30» المعارض، رفضه مشاريع القوانين والتعديلات التي أدخلت عليها وقوله «رفضناها سابقاً ونرفض التعديلات التي أجريت عليها الآن»؛ إذ ردّ رئيس البرلمان رداً غاضباً بالقول، إن «جلسة التصويت بحسب اللائحة لا تشهد أخذ الآراء التفصيلية، ويكون الرد على النداء بالاسم للعضو بالموافقة أو الرفض». ثم عاد للحديث متوعّداً بأن المجلس سيصوّت «على إسقاط العضوية عن بعض النواب، بحسب ما انتهت إليه لجنة القيم بالمجلس»، وأردف «لدي تحقيق في لجنة القيم يتضمن إعاقة نواب لأعمال المجلس والإساءة إلى رموز الدولة في وسائل إعلام معروفة بالاسم، فهل يكون لهؤلاء شرف الجلوس في هذه القاعة؟... بالتأكيد الإجابة لا... ولن أسمح ببقاء من يريد تعطيل المجلس بالقوة». وأكمل عبد العال مهدداً دون أن يحدد أحداً بالاسم «لن تكونوا أعضاء في هذا المجلس من الأسبوع المقبل».
ويبدو أن دَأْب عبد العال، على الوعيد لم يكن وليد انفعال؛ إذ سبق له التصريح بأن أحد النواب أرسل شكوى ضد المجلس إلى «إحدى المؤسسات الدولية... ولن أقول اسم النائب فكل شيء سيطرح في جلسة سرية، وهو يعرف نفسه جيداً، ولن تمرّ الواقعة مرور الكرام». وانتهت تلك المواجهة التي بدأت بتصريح يلفه الغموض، وتبين أن بطلها هو رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب (آنذاك) أنور السادات، بإسقاط عضويته في فبراير (شباط) 2017 بعد اتهامه بـ«الحط من قدر مجلس النواب في تقارير عن أداء المجلس تم إرسالها إلى الاتحاد البرلماني الدولي».
ورغم خروج السادات منذ عام ونصف العام من تحت قبة المجلس، فإنه لا يزال مادة لحديث رئيس مجلس النواب، الذي قال في مايو (أيار) الماضي، إن السادات «يحاول إسقاط المجلس، وكانت هناك محاولة منه، حيث اصطحب بعض النواب للسفر للخارج، وتمت إحالتهم إلى التحقيق».
- ظالم ومظلوم
لم يقبل مجلس النواب في عهد رئاسة عبد العال، ببث جلساته على الهواء مباشرة لأكثر من جلستين فقط، وسرعان ما قرّر وقف بثها تلفزيونياً وإذاعياً. وعلى الرغم من أن المادة 120 من الدستور تنصّ على أن «جلسات مجلس النواب علنية, ويجوز انعقاد المجلس في جلسة سرّية، بناءً على طلب رئيس الجمهورية، أو رئيس مجلس الوزراء، أو رئيس المجلس، أو 20 من أعضائه على الأقل، ثم يقرّر المجلس بأغلبية أعضائه ما إذا كانت المناقشة في الموضوع المطروح أمامه تجرى في جلسة علنية أو سرية»، فإن البرلمان أجرى تصويتاً وقرّر بعده وقف البث، وأيده في ذلك أكثر من تقرير قضائي من هيئة المفوضين بمجلس الدولة.
ولقد رد رئيس مجلس النواب على طلبات تتجدّد بين آن وآخر، بإعادة البث بالقول، إن «كل الأبحاث التي أجريت على البث المباشر للجلسات انتهت إلى أنه يؤدى لتشتيت انتباه النائب، بتركيزه على الكاميرا أكثر من الجلسة، ولدي هذه التقارير، ومن مؤسسات دولية محترمة»، لكنه لم يعلن تلك الرسائل أو يقدمها لأعضاء مجلس النواب.
وربما تبدو الرغبة في وقف بث الجلسات مُفَسرة إلى حد بعيد لعلاقة رئيس البرلمان، ابن المدرسة الفرنسية في القانون، المتوترة بالإعلام، فهو الذي عدّ في تصريحات أدلى بها في أغسطس (آب) عام 2017، أن مجلسه «تعرض لظلم كبير من الإعلام، رغم ما خاضه البرلمان من معارك كبيرة».
وإذا كان عبد العال ومجلسه أصبحا في خانة «المظلوم» من الإعلام، بحسب تقدير رئيس البرلمان؛ فإن المجلس ورئيسه يواجهان ادعاءات تضعهما في خانة «الظالم» للحريات الصحافية والإعلامية إثر إصدار 3 قوانين أخيراً، أثارت رفض قطاع معتبر من الصحافيين والإعلاميين الذين عدوها «مقيدة».
على أي حال، فإن علاقة عبد العال مع الإعلام، تأخذ منحى متوتراً، وترتبط هي الأخرى بطريقته في بث الرسائل؛ فقد دخل عبد العال في مواجهة مع مؤسسة «الأهرام» ورئيس مجلس إدارتها السابق أحمد النجار، الذي هاجمه صراحة ومباشرة من فوق منصة البرلمان، قائلاً إنه (أي النجار): «تولى منصبه في غفلة من الزمن». وكان ذلك في أعقاب نشر إحدى إصدارات المؤسسة تقريراً صحافياً رصدت فيه أكثر من 150 خطأً لغوياً في خطاب عبد العال أمام البرلمان.
فصول المواجهة بين عبد العال وصحافيين لم تتوقف عند الحدود المحلية؛ إذ كانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو)، طرفاً في خصومة معه، وبعد إعلان اعتزامها منح جائزتها لـ«حرية الصحافة لعام 2018» للصحافي المصري محمود أبو زيد الشهير بـ«شوكان»، الذي يخضع للمحاكمة، وقيد الحبس على ذمة القضية منذ 5 سنوات تقريباً، قال عبد العال، إن المنظمة ستمنح جائزتها لشخص «مصري متهم في قضية جنائية، بدعم منظمات مشبوهة مارقة وداعمة للإرهاب، وليس لها دخل من قريب أو من بعيد للزجّ بنفسها في موضوعات ذات طابع سياسي».
للعلم، لم يُدن الصحافي الشاب «شوكان»، ومع ذلك فإن رئيس البرلمان الذي كان يشغل منصب وكيل النائب العام في سبعينات القرن الماضي، بل وشارك في لجنة صياغة الدستور عام 2014 قبل ترشحه للبرلمان، هاجم «اليونيسكو» مهدّداً: «هذا الأمر لا يمكن أن يقبله مجلس النواب المصري أو أي دولة أخرى، ولا سيما أن مصر إحدى الدول المؤسسة لهذه المنظمة»... وانتهى الأمر بمنح شوكان الجائزة رغم الاعتراضات المصرية.
- الفصل بين السلطات
يكفل الدستور المصري، الذي شارك عبد العال في مراحل صياغته المتعاقبة، لمجلس النواب سلطات واسعة في محاسبة ومساءلة الحكومة، وكذلك يؤدي رئيس الجمهورية أمام البرلمان اليمين الدستورية لتولي منصبه. ووفق الدستور نفسه وبحسب مادته الخامسة، فإن نظام الحكم في الدولة يقوم على التعددية الحزبية والسياسية «والفصل بين السلطات والتوازن بينها».
وطوال سنتين ونصف السنة من عمر مجلس النواب لا يسجل تاريخ العلاقة بين البرلمان المصري بتشكيله الحالي، والحكومة وقائع خلاف لافتة؛ إذ لم يرفض منح الثقة لحكومة رئيس الوزراء السابق شريف إسماعيل، ولا التعديلات التي أجريت على تشكيلها. وكذلك، فإن النواب لم يسحبوها، أو حتى تمكنوا من تنفيذ استجواب واحد بحق رئيس الوزراء.
وأبدى عبد العال الذي يمثل رأس السلطة التشريعية، من فوق منصة البرلمان، آراء مؤيدة ومساندة للحكومة، بل وقدم دفاعاً في مواجهة اتهامات أعلنها أعضاء ضد الأداء الحكومي المتمثل في التوسع في الاستدانة والقروض. وقال في عام 2016، إن «هذه الحكومة (حكومة شريف إسماعيل) ليست هي التي أغرقت مصر في الديون، الديون متراكمة من الحكومات السابقة، والمشروعات القومية التي انطلقت أخيراً لم تشهدها مصر من قبل منذ سنوات طويلة ومنذ بناء مشروع السد العالي، النظام السياسي الحالي هو من أحيا المشروعات العملاقة».
وبينما يتبقى في عمر البرلمان المصري قرابة ثلاث سنوات إذ تنتهي ولايته في يناير 2021، لا يبدو أن رئيس البرلمان علي عبد العال سيتوقف عن إطلاق رسائله الغامضة والمهددة في أدوار الانعقاد المقبلة.