صراع «الكتلة الأكبر» يحتدم داخل البيت الشيعي

مصدر سياسي مطلع: ضغوط أميركية لاختيار العبادي مرشحاً وحيداً

TT

صراع «الكتلة الأكبر» يحتدم داخل البيت الشيعي

على مدى الأيام الأخيرة وعقب مطالبة المرجعية الشيعية في النجف التي جاءت بصيغة تحذير بشأن أهمية الإسراع في تشكيل الحكومة العراقية القادمة بأسرع وقت، تبادلت كل من كتلتي «الفتح» التي يتزعمها هادي العامري و«سائرون» التي يدعمها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر التصريحات حول اقترابهما من تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر لكن بمحورين مختلفين.
وفيما كانت كتلة «الفتح» أعلنت أنها هي التي باتت الكتلة الأكبر باقترابها من الـ60 مقعدا فإن تحالف «سائرون»، وطبقا لما أعلنه المتحدث باسمه الدكتور قحطان الجبوري لـ«الشرق الأوسط»، هي «القائمة الفائزة الأكبر ولم يطرأ تغيير على ذلك رغم أن النتائج النهائية للانتخابات لم تظهر بعد».
وطبقا للمراقبين السياسيين المتابعين للشأن العراقي فإن الصراع داخل البيت الشيعي حول الكتلة الأكبر لا يزال يتمحور حول شخصية ومواصفات رئيس الوزراء المقبل وليس البرنامج الحكومي الذي بات من أهم شروطه أن يكون برنامجا خدميا لكي يلبي مطالب حركة الاحتجاجات التي لا يتوقع نهاية قريبة لها بعد أن أخذت الضوء الأخضر من المرجعية الشيعية بالاستمرار ومواصلة الضغوط على الطبقة السياسية.
القيادي في التيار الصدري أمير الكناني وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط» يرى أن «ما يحصل داخل البيت الشيعي لا يعد صراعا بين طرفين أو اتجاهين بقدر ما هو تنافس بين كتل برلمانية تعتقد كل واحدة منها أنها هي الأقدر على تقديم الخدمات للمواطنين»، مبينا أن هذا الصراع «ينسجم مع طبيعة المرحلة التي تتطلب التنافس من أجل تقديم أداء أفضل، يضاف إلى ذلك أن هذا التنافس هو حالة صحية في الديمقراطيات الناشئة ومنها الديمقراطية العراقية». وردا على سؤال بشأن أن الصراع يتمحور حول شخص المرشح لرئاسة الحكومة وليس البرنامج الحكومي الذي لم يجر التطرق إليه إلا على شكل عناوين عامة، يقول الكناني: «حتى لو كان التنافس على منصب رئاسة الوزراء الذي هو حصة الشيعة فهذا هو الآخر أمر طبيعي حتى لو أدى ذلك إلى خسارتهم لهذا المنصب فهو أمر لا غبار عليه في ظل الحراك الديمقراطي».
من جهته، فإن الناطق الرسمي باسم تحالف «سائرون»، يقول إن التحالف «يعمل الآن على الاقتراب من الكتلة الأكبر طبقا لاستحقاقه الوطني كفائز أول في الانتخابات وكذلك تقاربه مع الجميع شريطة أن يكون البرنامج الحكومي هو الفيصل وهو المعيار»، مبينا أن «هذا الأمر ينسجم مع توجهات المرجعية الدينية العليا التي دعت الجميع إلى الإسراع في تشكيل الحكومة على أن تكون حكومة خدمات وهو ما كنا نؤكد عليه سواء قبل الانتخابات أو بعدها».
إلى ذلك، أكد سياسي عراقي مطلع طالبا عدم الإشارة إلى اسمه أو هويته في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «الولايات المتحدة الأميركية أبلغت أطرافا عراقية مهمة أن خيارها الوحيد لرئاسة الحكومة هو رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي بصرف النظر عن حجم الكتلة أو من يكون معه ومن يخرج ومع من ينضم لتحالفه»، مبينا أن «بعض الرسائل الأميركية بدت ملغومة وتحمل لغة تحذير من أن إصرار كتل أو أحزاب أو شخصيات على مرشحين آخرين غير مقبولين أميركيا، ويمكن أن يجعلهم تحت طائلة العقوبات الأميركية كقوى وأشخاص».
وأضاف المصدر أن «هذا مرتبط إلى حد كبير بتطور الصراع الأميركي - الإيراني وتصاعد فرض العقوبات على إيران، حيث إن الإدارة الأميركية قد تلحق أطرافا عراقية وليس الدولة العراقية بالعقوبات». ويرى السياسي العراقي المطلع أن «هناك مرشحين آخرين غير العبادي ومنهم هادي العامري زعيم الفتح لكن يبدو أن حظوظه في ظل الإصرار الأميركي على العبادي وكذلك طبيعة النظرة الأميركية للعامري بوصفه قريبا من إيران يمكن أن تقلل حظوظه»، مشيرا إلى أن «مرشحي التسوية أو المرشحين المستقلين لم يحسم أمر أي منهم بعد وإنما هي بالونات من جهات معينة سواء لترجيح كفة طرف أو حرقه لصالح طرف آخر».
وبينما يرى السياسي العراقي أن «حظوظ بعض المرشحين خصوصا المقربين من إيران، التي لم تعد تدعم العبادي بينما تدعمه أميركا بقوة، ستحسمها تطورات العلاقة الأميركية - الإيرانية، ولكن لا بد من التأكيد على أن اللاعب الأكبر في تنصيب رؤساء الوزارات العراقية منذ عام 2003 وإلى اليوم هم الأميركيون الذين كانوا يقبلون شراكة إيران إلا هذه المرة فإنهم يريدون الإنفراد باختيار رئيس الوزراء المقبل».
في سياق متصل شددت بعثة الأمم المتحدة في العراق على تشكيل حكومة عراقية شاملة ومؤيدة للإصلاحِ وتكون قادرة على الوفاءِ بمطالبِ المواطنين والاستجابة لتطلّعاتهم. وقال بيان للأمانة العامة لمجلس الوزراء إن «الأمين العام لمجلس الوزراء مهدي العلاق استقبل رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق يان كوبيتش وجرى خلال اللقاء تبادل الرؤى المتعلقة بالإصلاحات الحكومية القادمة وسبل تحقيق التنمية والتقدّم الاقتصادي بما يؤمن تحقيق الاستقرار في العراق». وأكد كوبيتش طبقا للبيان على «ضرورة الإسراع بتشكيلِ حكومة وطنية جديدة شاملة ومؤيدة للإصلاحِ وتكون قادرة على الوفاءِ بمطالبِ المواطنين والاستجابة لتطلّعاتهم».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».