«البخل» يقف في طريق منح الآباء إجازة لرعاية الأبناء

نيوزيلندا الدولة الوحيدة التي تسمح بعطلة مدفوعة الأجر للأمهات والآباء

«البخل» يقف في طريق منح الآباء إجازة لرعاية الأبناء
TT

«البخل» يقف في طريق منح الآباء إجازة لرعاية الأبناء

«البخل» يقف في طريق منح الآباء إجازة لرعاية الأبناء

ما زالت مسألة منح إجازة للآباء لرعاية الأبناء على غرار الأمهات تشغل بال الكثيرين في معظم أنحاء العالم، رغم مرور ما يقرب من عقدين من القرن الحادي والعشرين، ونحن تحديداً على مشارف نهاية عام 2018، بحسب ما ذكرته وكالة «بلومبيرغ» للأنباء.
وعلى سبيل المثال، لا تسمح الولايات المتحدة بمنح إجازة للأب لرعاية الأبناء، بينما تفعل ذلك دول مثل سورينام وبابوا غينيا الجديدة، وتمنح دول كثيرة في آسيا إجازة للأم فقط لرعاية الأبناء، من بينها الهند والصين. وفي الوقت نفسه، تعتبر نيوزيلندا الدولة الوحيدة التي تمنح إجازة رعاية أبناء للأمهات والآباء.
ومن المثير للسخرية، أنه حتى عندما تكون هناك سياسات لمنح إجازة للآباء لرعاية الأبناء، فإنها تتم في نطاق محدود. وتتبع دولتا اليابان وكوريا الجنوبية، وهما من المجتمعات التي تهتم بالأب بصورة كبيرة، سياسة منح فترات إجازة للآباء، تعتبر هي الأطول بين الفترات التي تمنحها الدول الأخرى في العالم، بحسب وكالة «بلومبيرغ».
ويحق للآباء في اليابان الحصول على إجازة مدتها 52 أسبوعاً بأجر يغطي نحو 60 في المائة من متوسط الدخل الإجمالي، لتكون بذلك الأكثر سخاء بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إلا أن ما يتراوح بين 2 و3 في المائة فقط من الآباء الجدد هم من يحصلون على تلك الاستحقاقات.
وتقف وجهات النظر الراسخة حول من يجب أن يعمل بالإضافة إلى المعلومات المضللة حول دور الأب في رعاية الأبناء، في طريق فاعلية هذه السياسات. فقد قام موظف في أحد البنوك باليابان برفع دعوى قضائية ضد صاحب العمل، وهي شركة «ميتسوبيشي يو. إف. جيه. مورغان ستانلي للأوراق المالية»، يزعم فيها حرمانه من الحصول على إجازة بصفته أباً منفصلاً عن زوجته، وعانى من مضايقات، وصلت إلى حد إقدام شركة السمسرة على فصله من العمل في وقت سابق من العام الحالي، وما زالت قضيته منظورة في ساحة القضاء حتى الآن.
وبحسب وكالة «بلومبيرغ» للأنباء، لا تختلف كوريا الجنوبية كثيراً عن اليابان من حيث عدد أيام الإجازة والتعويضات المتاحة، إلا أن النفقات العامة التي تخصصها كوريا الجنوبية للآباء والأمهات لرعاية كل طفل، تقل عن 5 آلاف دولار، وهو مبلغ أقل من متوسط المبلغ الذي حددته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، كما أنه يعادل نصف المبلغ الذي تنفقه اليابان في هذا الصدد، وهو 10 آلاف دولار، أي ما يمثل الحد الأدنى للاستفادة من هذه الفوائد.
وخلافاً لهذه الحواجز، تبرر الشركات في كثير من الأحيان سياساتها التي تتسم بـ«البخل»، حيث تقول إن تكلفة إجازة الأب لرعاية الأبناء مرتفعة للغاية، وإنها من الممكن أن تؤدي إلى تقليص عدد الوظائف.
ومن جانبه، يطرح جودي هيمان، الذي يعمل في كلية الصحة العامة ومركز تحليل السياسات العالمية في جامعة كاليفورنيا - لوس أنجليس، سؤالاً واقعياً، حول حجم تكلفة استبدال هذا الموظف، وبالنسبة لأي شركة عادية، ففي الحقيقة، تعتبر الإجازة مدفوعة الأجر أرخص من حيث التكاليف، حسب وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ).
وعندما نأخذ في الحسبان الوقت، والمال، والموارد الأخرى التي يتم إنفاقها، فمن الممكن أن يصل إجمالي تكاليف الاستبدال إلى ما يتراوح بين 90 في المائة و200 في المائة من راتب الموظف السنوي، وذلك بحسب ما يقوله جوش ليفز، مؤلف كتاب «كل شيء: كيف تحبط ثقافة العمل أولاً الآباء والأسر والشركات، وكيفية علاج ذلك».
ويوضح ليفز أن الإجازة مدفوعة الأجر ترتبط للغاية بالاحتفاظ بالموظفين، ما يقلل من النفقات ويعزز الأرباح.
ولكن يبقى السؤال، من الذي يتحمل تكاليف الإجازة؟ في جميع أنحاء العالم، تقوم نظم التأمين الاجتماعي - في الغالب - بتغطية نفقات الإجازات المدفوعة، وذلك سواء بشكل كلي أو جزئي، مع وجود مساهمات من جانب أصحاب العمل والموظفين. وفي اليابان وكوريا الجنوبية، من الممكن للشركات التي تضم أقل من 5 من العاملين أن تختار برامج تأمين إعانات الوالدين، لتكونا بذلك الدولتين الوحيدتين من بين الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية اللتان تنطبق عليهما هذه الاستثناءات. وما زالت خطط التأمين الطوعية متاحة في هاتين الدولتين.
ومن جانبها، وفرت الولايات المتحدة 12 أسبوعاً من الإجازات غير مدفوعة الأجر في إطار قانون الأسرة والإجازات الطبية الذي دخل حيز التنفيذ في مطلع تسعينات القرن الماضي. وفي هذا العام، بدأت بعض الشركات الأميركية متعددة الجنسيات التي كانت تتبع في السابق القوانين المحلية، تقديم سياسات عالمية متعلقة بإجازة الأمومة، تصل إلى 20 أسبوعاً، إلا أنها تستمر في الالتزام بالممارسات المحلية عندما يتعلق الأمر بإجازات الآباء.
وفي هونغ كونغ على سبيل المثال، يحق للآباء الحصول على 3 أيام إجازة مقابل 80 في المائة من حجم الراتب اليومي.
وإلى جانب ميزة الاحتفاظ بالموظفين، هناك دليل على أنه من الممكن أن تساعد إجازة الأبوة أيضاً في سد فجوة الأجور القائمة على أساس نوع العامل (ذكر أو أنثى). ووفقاً لدراسة أجراها «المعهد السويدي لتقييم سياسة سوق العمل»، فإن دخل الأم يزيد بنسبة نحو 7 في المائة على كل شهر إضافي يأخذه زوجها إجازة من العمل.



مسرحية «5 دقايق» تختصر زمن الوفاء للأهل بـ50 دقيقة

مايا سعيد مع بطلي العمل طارق تميم وسولانج تراك (مايا سعيد)
مايا سعيد مع بطلي العمل طارق تميم وسولانج تراك (مايا سعيد)
TT

مسرحية «5 دقايق» تختصر زمن الوفاء للأهل بـ50 دقيقة

مايا سعيد مع بطلي العمل طارق تميم وسولانج تراك (مايا سعيد)
مايا سعيد مع بطلي العمل طارق تميم وسولانج تراك (مايا سعيد)

تختصر المخرجة مايا سعيد زمن الوفاء للوالدين بمسرحية «5 دقايق». اختارت عرضها في موسم عيد الميلاد، الموعد نفسه الذي خسرت فيه والدها. فكرّمته على طريقتها ضمن نص بسيط ومعبّر، يترك أثره عند متابعه ويتسلل إلى مشاعره من دون أن تفرض عليه ذلك. لا مبالغة في الوقت ولا في الحوارات.

رسالة إنسانية بامتياز تمرّ أمامك بـ50 دقيقة لتستوعب هدفها في الدقائق الخمس الأخيرة منها. على مسرح «ديستركت 7» في بيروت يقام العرض. ومع بطلي المسرحية طارق تميم وسولانج تراك وضعت مايا سعيد الشخصيتين اللتين يؤديانهما بتصرفهما، فأدركا دقّة معانيهما بحيث جسّداهما بعفوية تليق بخطوطهما.

مسرحية «5 دقايق» تحية تكريمية في ذكرى من نحبّهم (مايا سعيد)

بحوارات تميل إلى الكوميديا رغبت مايا سعيد في إيصال رسالتها المؤثرة. لم تشأ أن تحمّل المشاهد همّاً جديداً. ولا أن تُغرقه بمشاعر الأسى والحزن. فموسم الأعياد يجب أن يطبعه الفرح، ولكن لا بأس إذا ما تحررنا من أحاسيس حبّ مكبوتة في أعماقنا، وتكمن أهميتها بمنبعها فهي آتية من ذكرى الأهل.

تحكي المسرحية عن ليلة ميلادية تقتحم خلالها سيدة غريبة منزل «الأستاذ حرب»، فتقلبه رأساً على عقب بالشكلين الخارجي والداخلي. وتجري أحداث العمل في مساحة ضيقة على خشبة تتزين بديكورات بسيطة. وتتألّف من شجرة عيد الميلاد وكنبة وطاولة. وإذا ما تفرّجنا على هذا المكان بنظرة ثلاثية الأبعاد، سنكتشف أن الخشبة تُشبه شاشة تلفزيونية. فحلاوتها بعمقها وليس بسطحها العريض. مربّعة الشكل يتحرّك فيها البطلان براحة رغم ضيق المكان. يشعر المشاهد بأنه يعيش معهما في المكان والزمان نفسيهما.

وتعلّق مايا سعيد، كاتبة ومخرجة العمل، لـ«الشرق الأوسط»: «ينبع الموضوع من تجربة شخصية عشتها مع والدي الذي رحل في زمن الميلاد. وعندما تدهورت حالته الصحية عاش أيامه الخمسة الأخيرة فاقداً الذاكرة. ومثله مثل أي مريض مصاب بألزهايمر لم يكن في استطاعته التعرّف إليّ. وهو أمر أحزنني جداً».

من هذا المنطلق تروي مايا سعيد قصة «5 دقايق». وضمن أحداث سريعة وحوارات تترك غموضاً عند مشاهدها، يعيش هذا الأخير تجربة مسرحية جديدة. فيحاول حلّ لغز حبكة نصّ محيّرة. ويخيّل له بأنها مجرّد مقتطفات من قصص مصوّرة عدّة، ليكتشف في النهاية سبب هذا التشرذم الذي شرّحته المخرجة برؤية مبدعة.

طارق تميم يجسّد شخصية مصاب بألزهايمر ببراعة (مايا سعيد)

وتوضح مايا سعيد: «رغبت في أن يدخل المشاهد في ذهن الشخصيتين وأفكارهما. وفي الدقائق الخمس الأخيرة وضعته في مكان الشخص الذي يعاني من مرض الطرف الآخر. أنا شخصياً لم أتحمّل 5 أيام ضاع فيها توازن والدي العقلي. فكيف لهؤلاء الذين يمضون سنوات يساعدون أشخاصاً مصابون بمرض ألزهايمر».

وعن الصعوبة التي واجهتها في إيصال رسالتها ضمن هذا العمل تردّ: «كان همّي إيصال الرسالة من دون سكب الحزن والألم على مشاهدها. فنحن خرجنا للتو من حرب قاسية. وكان ذلك يفوق قدرة اللبناني على التحمّل. من هنا قرّرت أن تطبع الكوميديا العمل، ولكن من دون مبالغة. وفي الوقت نفسه أوصل الرسالة التي أريدها بسلاسة».

يلاحظ مشاهد العمل طيلة فترة العرض أن نوعاً من الشرود الذهني يسكن بطله. وعرف طارق تميم كيف يقولبه بحبكة مثيرة من خلال خبرته الطويلة في العمل المسرحي. وبالتالي كانت سولانج تراك حرفيّة بردّ الكرة له بالأسلوب نفسه. فصار المشاهد في حيرة من أمره. وتُعلّق مايا سعيد في سياق حديثها: «طارق وسولانج ساعداني كثيراً في تلقف صميم الرسالة. فتقمصا الشخصيتين بامتياز بحيث قدماهما أجمل مما كُتب على الورق».

ضمن نص معبّر تدور«5 دقايق» (مايا سعيد)

طيلة عرض المسرحية لن يتوصّل مشاهدها إلى معرفة اسمي الشخصيتين. فيختلط عليه الأمر في كل مرة اعتقد بأنه حفظ اسم أحدهما. وكانت بمثابة حبكة نص متقنة كي يشعر المشاهد بهذه اللخبطة. وتستطرد مايا: «لا شك أن المسرحية تتضمن مفاتيح صغيرة تدلّنا على فحوى الرسالة. والتشابك بالأسماء كان واحداً منها».

حاولت مايا سعيد إيصال معاني عيد الميلاد على طريقتها. وتختم: «لهذا العيد معانٍ كثيرة. وأردتها أن تحمل أبعاداً مختلفة تخصّ الأشخاص الذين نحبّهم حتى لو رحلوا عنّا. فغيابهم يحضر عندنا في مناسبات الفرح. وبهذا الأسلوب قد ننجح في التعبير لهم عن ذكراهم في قلوبنا».