نهم الحوثيين لتكديس العملة الصعبة وتهريبها يسحق الريال اليمني

هادي اجتمع مع التجار ومحافظ البنك ووجه بتشكيل مجلس اقتصادي

يمنيان يحملان مساعدات غذائية قدمها برنامج الغذاء العالمي في صنعاء (إ.ب.أ)
يمنيان يحملان مساعدات غذائية قدمها برنامج الغذاء العالمي في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

نهم الحوثيين لتكديس العملة الصعبة وتهريبها يسحق الريال اليمني

يمنيان يحملان مساعدات غذائية قدمها برنامج الغذاء العالمي في صنعاء (إ.ب.أ)
يمنيان يحملان مساعدات غذائية قدمها برنامج الغذاء العالمي في صنعاء (إ.ب.أ)

واصلت العملة اليمنية (الريال) أمس تهاويها غير المسبوق أمام العملات الأجنبية في صنعاء وعدن وبقية المحافظات اليمنية، وسط مخاوف الاقتصاديين من انعكاس ذلك على معيشة السكان بسبب الارتفاع الموازي في أسعار السلع الغذائية والوقود، في ظل تدني الدخل اليومي وتوقف رواتب الموظفين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية.
وفيما بلغ سعر صرف الدولار الواحد أمس في صنعاء وعدن ومأرب، ما بين 520 و525 ريالا، ألقى مصرفيون تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» اللائمة على تصرفات الميليشيات الحوثية، مؤكدين قيام الجماعة بعمليات مضاربة وشراء للعملات الأجنبية ما أدى إلى شح المعروض النقدي من العملات الصعبة.
في شوارع صنعاء الرئيسية وأحيائها الخلفية، تفشت في العامين الأخيرين مئات المحلات الخاصة باستبدال العملات وتحويلها بشكل متسارع وغير مفهوم، ومن دون الحصول على أي تصاريح قانونية لمزاولة مهنة الصرافة أو دفع مبالغ التأمين لدى البنك المركزي اليمني.
أغلب هذه المحلات الحديثة التي تنامت تحت سمع وبصر الجماعة الحوثية تعود ملكيتها - بحسب مصادر مصرفية - لقيادات في الجماعة أو لعناصر تحظى بحماية منها، وهو ما منح الجماعة الفرصة للهيمنة على سوق بيع وشراء العملات والمضاربة بها، لإرباك خطوات الحكومة الشرعية والتحالف الداعم لها من جهة ولتخزين احتياطيات الجماعة بالعملة الصعبة، وشحنها إلى مخابئ سرية في صعدة وعمران.
في مطلع السنة الحالية كان سعر الريال اليمني شهد تهاويا مماثلا كاسرا حاجز الـ500 ريال أمام الدولار الواحد، غير أن الأمر الملكي السامي لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بمنح البنك المركزي اليمني في عدن وديعة سعودية جديدة بمبلغ ملياري دولار، أدى إلى كبح جماح التهاوي السريع للعملة اليمنية، وأعادها للاستقرار النسبي، طيلة ستة أشهر.
يقول «محمد. ث» وهو خبير مصرفي في صنعاء: لا يوجد مبرر حقيقي لهذا التهاوي المتسارع في قيمة الريال اليمني، وبخاصة بعد الوديعة السعودية والإجراءات الأخيرة للبنك المركزي التي قرر خلالها العودة إلى دعم استيراد السلع الأساسية وتوفير العملة الصعبة للمستوردين بأسعار أقل من سعر السوق.
من جهته، يقول «إبراهيم. أ» وهو موظف قديم في شركة «صرافة عريقة»: «السبب في اعتقادي هو الميليشيات الحوثية ومضاربتها بالعملة بناء على توجيه من قيادة الجماعة لجني المزيد من المكاسب، وفي الوقت ذاته لإعاقة عمل الحكومة الشرعية والتسبب في ارتفاع أسعار السلع وإلقاء اللائمة عليها بصفتها المسؤولة عن استقرار السوق وإدارة العملية المصرفية بعد أن أصبح المقر الرئيسي للبنك المركزي في العاصمة المؤقتة عدن».
زميل إبراهيم، في الشركة نفسها ويدعى «نبيل»، أكد خلال استطلاع «الشرق الأوسط» لرأيه عن سبب الانهيار المتسارع في سعر الريال اليمني، أن الميليشيات الحوثية، بدأت منذ أسبوعين عملية شراء واسعة للعملة الصعبة من السوق، مستغلة عملية سطوها على مئات الملايين من الريالات من فئتي (500 - 1000) المطبوعة من قبل البنك المركزي في عدن، ومصادرتها من البنوك وشركات الصرافة بدعوى أنها نقود غير معترف بها، لجهة أن مصدرها هو الحكومة الشرعية.
ويرجح مصرفيون آخرون استطلعت «الشرق الأوسط» آراءهم، أن الجماعة الحوثية، بدأت تعد العدة لما بعد سقوطها المرتقب سواء بالحسم العسكري أو الانصياع السياسي، من خلال تحويل مدخرات قادتها وعناصرها والموالين لها من التجار إلى العملات الصعبة، لجهة تهريبها إلى الخارج ولجهة سهولة إخفائها بعكس العملة المحلية التي تحتاج إلى حيز أكبر.
إلى ذلك، يعتقد بعض العاملين في السوق المصرفية اليمنية، أن موسم الحج له دوره في تصاعد الطلب على العملات الأجنبية وبخاصة الريال السعودي، إذ يحتاج نحو 25 ألف حاج إلى تحويل نفقاتهم من الريال اليمني إلى الريال السعودي، فضلا عن تصاعد الطلب عند التجار لجهة استيراد مستلزمات العيد، إلى جانب وجود نسبة إقبال كبيرة على السفر للخارج بغرض السياحة العلاجية أو الهروب من قبضة الميليشيات الحوثية.
وفي هذا السياق، يؤكد مراقبون اقتصاديون في صنعاء، أن الشعور بالخوف وعدم الأمان في ظل حكم الميليشيات دفع بالكثير من السكان والناشطين ورجال الأعمال والسياسيين السابقين إلى نقل أعمالهم وأموالهم بالتدريج إلى خارج اليمن، وبخاصة بعد تصاعد عمليات النهب الحوثية للمصارف وشركات الصرافة وزيادة ما تفرضه الميليشيات من إتاوات ومن رسوم متنوعة على الأعمال والتجارة.
وإلى جانب عدم وجود سياسة نقدية واضحة لدى البنك المركزي اليمني في عدن، وعدم وجود أي قيود على عمليات الاستيراد للسلع الاستهلاكية غير الضرورية، فضلا عن تراجع نسبة تحويلات المغتربين اليمنيين وعدم التسريع بعمليات استئناف تصدير الغاز والنفط من حقول مأرب، يرجح المراقبون أن عملية تهاوي الريال اليمني ستستمر في ظل الإقبال الواسع على شراء العملات الصعبة.
وتسود المخاوف لدى المراقبين من تأثر معيشة السكان بسبب هذا التدهور في سعر الريال، وبخاصة بعد أن انخفضت قيمته خلال الأسابيع الأخيرة إلى نحو 10 في المائة، وهو ما رافقه صعود مباشر في أسعار السلع الغذائية والوقود والأدوية، حيث ارتفعت أسعار البيض والدجاج - على سبيل المثال - إلى الضعف تقريبا، في حين بدأ أصحاب المخابز في تصغير حجم الرغيف بدعوى ارتفاع سعر القمح.
وفي مسعى كما يبدو من قبل الشرعية في عدن لوضع إجراءات تحد من هذا الانهيار في سعر العملة، وجه الرئيس عبد ربه منصور هادي أمس بتشكيل مجلس اقتصادي من الحكومة ويضم ممثلين عن الغرف التجارية والصناعية، وأمر المجلس بعقد اجتماعات مع الحكومة بصورة منتظمة.
وأكد هادي خلال استقباله أمس في عدن رئيس وأعضاء الغرفة التجارية والصناعية أهمية دور رجال الأعمال في بناء أركان منظومة الدولة عبر نشاطهم التجاري والاقتصادي المرتبط بحياة المواطن، وقال: «إن تحقيق الاستقرار مسؤولية وطنية ومجتمعة يتشارك الجميع في استتبابها وإرساء مداميكها من خلال التحلي بالقيم وأساسيات العمل التي تكفل حقوق التاجر ولا تضيف أعباء غير مبررة ومبالغة على المواطن المستهلك».
واستعرض هادي التجريف المتواصل من قبل الميليشيات الحوثية للاقتصاد في بلاده، مشيرا إلى أنها «استباحت مقدرات الدولة ومواردها واستنزفت احتياطات البنك المركزي لمصلحة مجهودها الحربي وخدمة مشروعها الدخيل». قبل أن يتم نقل البنك إلى عدن، وما تلا ذلك من تحقيق استقرار نسبي وصرف لرواتب موظفي الدولة، بدعم سعودي، ووديعة مقدارها مليارا دولار لدعم استقرار سعر العملة.
وذكرت وكالة «سبأ» أن هادي «طالب الجميع بتحمل مسؤولياتهم في هذه الظروف والمرحلة الحاسمة التي يمر بها البلد، وتنظيم التعاون والتكامل مع البنك المركزي ووزارة الصناعة والتجارة والأجهزة ذات العلاقة لحفظ استقرار العملة وتحقيق استقرار الأسعار التي تطال تبعاتها المواطن البسيط بصورة أساسية، لافتا إلى خطوات هامة تعمل الدولة على تحقيقها لتعزيز الموارد وتنميتها وتفعيل أجهزة الرقابة لتجفيف منابع التهريب والفساد.
من جانبه، قدم محافظ البنك المركزي محمد زمام، إحاطة عن وضع البنك واحتياطاته المالية وجهود العمل والتنسيق مع الغرف التجارية ورجال الأعمال لتوفير الاحتياجات واستقرار السوق ومتابعة محلات الصرافة المرخصة ومراقبة غير المرخص منها لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقها.
ويأمل المراقبون الاقتصاديون والعاملون في القطاع المصرفي اليمني أن تتوصل الجهود الحكومية إلى نتيجة ملموسة وعاجلة لوقف التدهور المتواصل في سعر العملة الوطنية، بالاستفادة من الوديعة السعودية.
كما يأملون أن تتخذ إجراءات ملموسة لوقف عمليات المضاربة الحوثية بسعر العملة وللحد من عمليات تهريبها إلى الخارج، إضافة إلى وضع لائحة سوداء بشركات الصرافة والبنوك المحلية التي تسهل للجماعة الحوثية أعمالها في استنزاف العملات الصعبة وغسل الأموال.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

العالم العربي مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

لجأت الجماعة الحوثية إلى مواجهة مخاوفها من مصير نظام الأسد في سوريا بأعمال اختطاف وتصعيد لعمليات استقطاب وتطييف واسعة وحشد مقاتلين

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)

تنديد يمني بتصفية الحوثيين أحد المعتقلين في تعز

مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيمهم (رويترز)
مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيمهم (رويترز)
TT

تنديد يمني بتصفية الحوثيين أحد المعتقلين في تعز

مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيمهم (رويترز)
مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيمهم (رويترز)

نددت الحكومة اليمنية بتصفية الحوثيين أحد المعتقلين المدنيين في أحد السجون الواقعة شرق مدينة تعز، واتهمت الجماعة بالتورط في قتل 350 معتقلاً تحت التعذيب خلال السنوات الماضية.

التصريحات اليمنية التي جاءت على لسان وزير الإعلام، معمر الإرياني، كانت بعد أيام من فرض الولايات المتحدة عقوبات على قيادي حوثي يدير المؤسسة الخاصة بملف الأسرى في مناطق سيطرة الجماعة.

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)

ووصف الإرياني إقدام الحوثيين على تصفية المواطن أحمد طاهر أحمد جميل الشرعبي، في أحد معتقلاتهم السرية في منطقة الحوبان شرق تعز، بأنها «جريمة بشعة» تُضاف إلى سجل الجماعة الحافل بالانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية، وتعكس طبيعتها الوحشية وعدم التزامها بأي قانون أو معايير إنسانية، وفق تعبيره.

وأوضح الوزير اليمني في تصريح رسمي أن الحوثيين اختطفوا الضحية أحمد الشرعبي، واحتجزوه قسرياً في ظروف غير إنسانية، قبل أن يطلبوا من أسرته، في 11 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، الحضور لاستلام جثته بعد وفاته تحت التعذيب.

وقال إن هذا العمل الوحشي من قِبَل الحوثيين يظهر اللامبالاة بأرواح اليمنيين، ويعيد التذكير باستمرار مأساة الآلاف من المحتجزين والمخفيين قسراً في معتقلات الجماعة بما في ذلك النساء والأطفال.

وأشار وزير الإعلام اليمني إلى تقارير حكومية وثقت أكثر من 350 حالة قتل تحت التعذيب في سجون الحوثيين من بين 1635 حالة تعذيب، كما وثقت المنظمات الحقوقية -بحسب الوزير- تعرض 32 مختطفاً للتصفية الجسدية، بينما لقي آخرون حتفهم نتيجة الانتحار هرباً من قسوة التعذيب، و31 حالة وفاة بسبب الإهمال الطبي، وقال إن هذه الإحصاءات تعكس العنف الممنهج الذي تمارسه الميليشيا بحق المعتقلين وحجم المعاناة التي يعيشونها.

ترهيب المجتمع

اتهم الإرياني الحوثيين باستخدام المعتقلات أداة لترهيب المجتمع المدني وإسكات الأصوات المناهضة لهم، حيث يتم تعذيب المعتقلين بشكل جماعي وتعريضهم لأساليب قاسية تهدف إلى تدمير إرادتهم، ونشر حالة من الخوف والذعر بين المدنيين.

وطالب وزير الإعلام في الحكومة اليمنية المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان بمغادرة ما وصفه بـ«مربع الصمت المخزي»، وإدانة الجرائم الوحشية الحوثية التي تمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي والإنساني.

الحوثيون يتعمدون ترهيب المجتمع بالاعتقالات والتعذيب في السجون (رويترز)

ودعا الوزير إلى «ممارسة ضغط حقيقي على ميليشيا الحوثي» لإطلاق صراح كل المحتجزين والمخفيين قسرياً دون قيد أو شرط، وفرض عقوبات صارمة على قيادات الجماعة وتصنيفها «منظمة إرهابية عالمية».

وكانت الولايات المتحدة فرضت قبل أيام عقوبات على ما تسمى «لجنة شؤون الأسرى» التابعة للحوثيين، ورئيسها القيادي عبد القادر حسن يحيى المرتضى، بسبب الارتباط بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في اليمن.

وتقول الحكومة اليمنية إن هذه المؤسسة الحوثية من أكبر منتهكي حقوق الإنسان وخصوصاً رئيسها المرتضى الذي مارس خلال السنوات الماضية جرائم الإخفاء القسري بحق آلاف من المدنيين المحميين بموجب القوانين المحلية والقانون الدولي الإنساني.