«النجف» تعيد رسم المشهد السياسي في بغداد

الطبقة السياسية محاصرة بين المرجعية والاحتجاجات

مظاهرة ضد الفساد وسوء الخدمات والبطالة في البصرة أول من أمس (إ.ب.أ)
مظاهرة ضد الفساد وسوء الخدمات والبطالة في البصرة أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

«النجف» تعيد رسم المشهد السياسي في بغداد

مظاهرة ضد الفساد وسوء الخدمات والبطالة في البصرة أول من أمس (إ.ب.أ)
مظاهرة ضد الفساد وسوء الخدمات والبطالة في البصرة أول من أمس (إ.ب.أ)

في وقت تستمر فيه التظاهرات في كثير من المحافظات الوسطى والجنوبية، لا سيما محافظة البصرة التي انطلقت منها الشرارة الأولى قبل نحو ثلاثة أسابيع، فإن خطبة المرجعية الشيعية في النجف، أول من أمس، وضعت ولأول مرة الكتل والأحزاب السياسية، لا سيما الشيعية منها، أمام امتحان مصيري بأن جعلتها في مواجهة شارع غاضب باتت تلك القوى والأحزاب هي المستهدفة الأول أمامه.
ففي محافظة البصرة الغنية بالنفط، فإنه سلسلة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لصالحها بما فيها إطلاق الأموال الموعودة والوظائف، استمرَّت المظاهرات، لا سيما بعد أن منحت خطبة المرجعية المظاهرات الضوء الأخضر للاستمرار بالضغط على الكتل السياسية التي بدأت تتخلى عن مسؤوليتها عما حصل وتحمل رئيس الوزراء حيدر العبادي مسؤولية تردي الخدمات وغضب الناس.
وأمام أحد حقول الغاز في المحافظة تظاهر المئات، أمس، مطالبين بتوفير فرص عمل «بدلاً من تعيين أيادٍ عاملة أجنبية».
وبشأن إمكانية استمرار التظاهرات في البصرة والمحافظات الوسطى والجنوبية يقول الشيخ مزاحم التميمي أحد أبرز شيوخ محافظة البصرة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «الاحتجاجات ستتواصل، ولكن ليس مثلما كانت عليه في البداية لا سيما بعد سلسلة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة حيال كثير من القضايا الملحّة، ومن ضمنها بعض الإجراءات التي اتخذتها بغداد لصالح البصرة فيما يتعلق بالكهرباء والماء المالح وبعض الإجراءات الأخرى».
وأضاف التميمي إنه «وفقاً لتلك الإجراءات وما قامت به الحكومة المحلية في البصرة، وهي إجراءات جادة وملموسة يمكننا القول إن كثيراً من مطالب المتظاهرين سوف تتحقق في موضوع تحسين الشبكة الكهربائية وكذلك شبكة المياه».
وأوضح التميمي أن «هناك إجراءات أخرى تم اتخاذها بزيادة الإطلاقات المائية، الأمر الذي يجعل اللسان الملحي يتراجع فضلاً عن إضافة أموال أخرى لغرض استقدام شركات أجنبية بهدف تحلية المياه»، مبيناً أن «أزمة المياه ليست جديدة ولكنها تضاعفت بعد إغلاق إيران مياه الكارون، مما زاد اللسان الملحي وهو ما ضاعف المشكلة أكثر من أي وقت مضى».
وأكد التميمي أن «المظاهرات سوف تكون أكثر عقلانية دون حرق مقرات أو منشات عامة، خصوصاً مع بدء إجراءات عملية بشأن البطالة وضرورة إيجاد فرص عمل لأبناء المحافظة بدلاً من العمالة الأجنبية».
وفي السياق نفسه، أكد عضو البرلمان العراقي السابق صلاح الجبوري عن محافظة ديالى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، بشأن رؤية المحافظات الغربية لما يجري، أن «دعم المظاهرات نراه ضرورياً، شريطة أن تبقى في حدود المطالب المشروعة لأنه إذا ما فلتت الأمور، فإن الجميع سوف يتضرر خصوصاً نحن أبناء المحافظات الغربية مررنا بظروف صعبة»، مبيناً أنه «في حال خرجت الأمور عن السيطرة في الوسط والجنوب فإن كركوك والمناطق المتنازع عليها سوف تحصل فيها مشكلات كبيرة، كذلك فإن الخلايا النائمة خصوصا من (داعش) وغيره سوف تستيقظ على وقع الفوضى وهو ما يعني حصول مشكلات لا تحمد عقباها».
وبشأن موقف المرجعية وتدخلها الحاسم هذه المرة، قال الجبوري إن «موقف المرجعية محل ترحيب بالنسبة لنا لكننا كنا نتمنى أن تؤكد رسالة المرجعية على عدم تكرار الوجوه التي أثبتت فشلها، خصوصاً الفاسدين، وليس فقط رفع شعار عام هو محاربة الفاسدين».
من جهته، أكد الدكتور عدنان السراج، رئيس المركز العراقي للتنمية الإعلامية المقرب من رئيس الوزراء حيدر العبادي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «خطاب المرجعية الدينية كان واضحاً على صعيد معالم تشكيل السلطة، حيث شخصت تماماً ما هو المطلوب من خلال أن يكون رئيس الوزراء قوياً وحازماً دون تدخل المفسدين في عمله، بالإضافة إلى أنها طلبت من الكتل السياسية رفع يدها عن اختيار الوزراء، كما طرحت خريطة طريق على صعيد محاربة الفساد والفاسدين من خلال إكمال الموازنات الختامية للوزارات حيث يتبين من خلالها من هي الجهات المقصرة في عملها طوال السنوات الماضية».
وأضاف السراج إنه «ما لم يحصل ذلك فإن المرجعية أكدت للجميع أنهم سوف يواجهون جمهوراً غاضباً، وبالتالي فإنها وضعت الجميع أمام خيارين؛ إما أمامها في حال لم يلتزموا بما عليهم القيام به أو أمام الجمهور الذي يمكنه فرض خيارات أخرى».
وأوضح السراج أن «مما يؤسف له أن الكتل السياسية، وبدلاً من أن تتحلى بروح المسؤولية حيال ما جرى، لا سيما أنها كلها مشاركة بكل مفاصل العمل الحكومي بدأت تحمل رئيس الوزراء المسؤولية وهو أمر مثلما يعرف الجميع لا يتحمله وحده سواء كان رئيس الوزراء الحالي أو سواه».



الحوثيون يعلنون اقتصار هجماتهم البحرية على السفن المرتبطة بإسرائيل

جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)
جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يعلنون اقتصار هجماتهم البحرية على السفن المرتبطة بإسرائيل

جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)
جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)

أعلنت الجماعة الحوثية في اليمن أنها ستكتفي، فقط، باستهداف السفن التابعة لإسرائيل خلال مرورها في البحر الأحمر، بعد بدء سريان وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بحسب رسالة بالبريد الإلكتروني أرسلتها الجماعة، الأحد، إلى شركات الشحن وجهات أخرى.

ونقل ما يسمى بـ«مركز تنسيق العمليات الإنسانية»، التابع للجماعة الحوثية، أن الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر، ستقتصر، فقط، على السفن المرتبطة بإسرائيل بعد دخول وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ.

وأضاف المركز، الذي كلفته الجماعة بالعمل حلقةَ وصل بينها وشركات الشحن التجاري، أنها توعدت الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل باستئناف الضربات على السفن التابعة لها في حال استمرار هذه الدول في هجماتها الجوية على المواقع التابعة لها والمناطق الخاضعة لسيطرتها.

وسبق للجماعة الحوثية تحذير الدول التي لديها وجود عسكري في البحر الأحمر من أي هجوم عليها خلال فترة وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وتوعدت في بيان عسكري، أنها ستواجه أي هجوم على مواقعها خلال فترة وقف إطلاق النار في غزة، بعمليات عسكرية نوعية «بلا سقف أو خطوط حمراء».

لقطة أرشيفية لحاملة الطائرات الأميركية هاري ترومان التي أعلن الحوثيون استهدافها 8 مرات (رويترز)

كما أعلنت الجماعة، الأحد، على لسان القيادي يحيى سريع، المتحدث العسكري باسمها، استهداف حاملة الطائرات أميركية هاري ترومان شمال البحر الأحمر بمسيرات وصواريخ لثامن مرة منذ قدومها إلى البحر الأحمر، بحسب سريع.

وسبق لسريع الإعلان عن تنفيذ هجوم على هدفين حيويين في مدينة إيلات جنوب إسرائيل، السبت الماضي، باستخدام صاروخين، بعد إعلان سابق باستهداف وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب بصاروخ باليستي، في حين اعترف الجيش الإسرائيلي باعتراض صاروخين أُطْلِقا من اليمن.

موقف جديد منتظر

وفي وقت مبكر من صباح الأحد كشفت وسائل إعلام تابعة للجماعة الحوثية عن استقبال 4 غارات أميركية، في أول ساعات سريان «هدنة غزة» بين إسرائيل، و«حركة حماس».

ويتوقع أن تكون الضربات الأميركية إشارة إلى أن الولايات المتحدة ستواصل تنفيذ عملياتها العسكرية ضد الجماعة الحوثية في سياق منعزل عن التطورات في غزة واتفاق الهدنة المعلن، بخلاف المساعي الحوثية لربط العمليات والمواجهات العسكرية في البحر الأحمر بما يجري في القطاع المحاصر.

ومن المنتظر أن تصدر الجماعة، الاثنين، بياناً عسكرياً، كما ورد على لسان سريع، وفي وسائل إعلام حوثية، بشأن قرارها اقتصار هجماتها على السفن التابعة لإسرائيل، والرد على الهجمات الأميركية البريطانية.

كما سيلقي زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي خطاباً متلفزاً، بمناسبة بدء اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وزعم سريع، السبت الماضي، وجود رغبة لدى الجماعة لوقف هجماتها على إسرائيل بمجرد دخول وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ، وإيقاف الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر؛ إذا توقفت الولايات المتحدة وبريطانيا عن مهاجمة أهداف في اليمن.

كما أكّد زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، الأسبوع الماضي، أن الهجمات على إسرائيل ستعود في حال عدم احترام اتفاق وقف إطلاق النار.

ومنذ نوفمبر (تشرين الثاني) من العام قبل الماضي تستهدف الجماعة الحوثية سفناً في البحر الأحمر بزعم تبعيتها لإسرائيل، حيث بدأت باحتجاز السفينة جالكسي ليدر التي ترفع علم جزر الباهاما في المياه الدولية، والتي لا تزال، وأفراد طاقمها البالغ عددهم 25 فرداً، قيد الاحتجاز لدى الجماعة.

السفينة «غالاكسي ليدر» التي تحتجزها الجماعة الحوثية منذ 14 شهراً (رويترز)

وأتبعت الجماعة ذلك بتوسع عملياتها لتشمل السفن البريطانية والأميركية، بصواريخ باليستية وطائرات مسيَّرة في المياه القريبة من شواطئ اليمن بزعم دعم ومساند سكان قطاع غزة ضد الحرب الإسرائيلية.

وتسببت تلك الهجمات في تعطيل جزء كبير من حركة التجارة الدولية، وأجبرت شركات الشحن والملاحة على تغيير مسار السفن التابعة لها، واتخاذ مسار أطول حول جنوب قارة أفريقيا بدلاً من عبور قناة السويس.

وأدى كل ذلك إلى ارتفاع أسعار التأمين وتكاليف الشحن وزيادة مدد وصولها، وبث مخاوف من موجة تضخم عالمية جديدة.

لجوء إلى التخفي

ويلجأ قادة الجماعة إلى الانتقال من مقرات إقامتهم إلى مساكن جديدة، واستخدام وسائل تواصل بدائية بعد الاستغناء عن الهواتف المحمولة والأجهزة الإلكترونية، رغم أنهم يحيطون أنفسهم، عادة، باحتياطات أمنية وإجراءات سرية كبيرة، حيث يجهل سكان مناطق سيطرتهم أين تقع منازل كبار القادة الحوثيين، ولا يعلمون شيئاً عن تحركاتهم.

أضرار بالقرب من تل أبيب نتيجة اعتراض صاروخ حوثي (غيتي)

وشهدت الفترة التي أعقبت انهيار نظام الأسد في دمشق زيادة ملحوظة في نقل أسلحة الجماعة إلى مواقع جديدة، وتكثيف عميات التجنيد واستحداث المواقع العسكرية، خصوصاً في محافظة الحديدة على البحر الأحمر.

كما كشفت مصادر لـ«الشرق الأوسط»، خلال الأيام الماضية أن الاتصالات بقيادة الصف الأول للجماعة المدعومة من إيران لم تعد ممكنة منذ مطلع الشهر الحالي على الأقل، نتيجة اختفائهم وإغلاق هواتفهم على أثر التهديدات الإسرائيلية.

وأنشأت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا في ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه، تحالفاً عسكرياً تحت مسمى تحالف الازدهار، لمواجهة الهجمات الحوثية وحماية الملاحة الدولية، وفي يناير (كانون الثاني) الماضي بدأ التحالف هجماته على المواقع العسكرية للجماعة والمنشآت المستخدمة لإعداد وإطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة.

وأطلق الاتحاد الأوروبي، في فبراير (شباط) الماضي، قوة بحرية جديدة تحت مسمى «خطة أسبيدس»، لحماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر، وحدد مهامها بالعمل على طول خطوط الاتصال البحرية الرئيسية في مضيق باب المندب ومضيق هرمز، وكذلك المياه الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب وخليج عمان والخليج، على أن يكون المقر في لاريسا اليونانية.

احتفالات حوثية في العاصمة صنعاء بوقف إطلاق النار في غزة (إعلام حوثي)

وتزامنت هجمات الجماعة الحوثية على السفن التجارية في البحر الأحمر مع هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ باليستية على مدن ومواقع إسرائيلية، ما دفع سلاح الجو الإسرائيلي للرد بضربات جوية متقطعة، 5 مرات، استهدف خلالها منشآت حيوية تحت سيطرة الجماعة.

وشملت الضربات الإسرائيلية ميناء الحديدة وخزانات وقود ومحطات كهرباء في العاصمة صنعاء.

ونظمت الجماعة الحوثية في العاصمة صنعاء، الأحد، عدداً من الاحتفالات بمناسبة وقف إطلاق النار في قطاع غزة، رفعت خلالها شعارات ادعت فيها أن عملياتها العسكرية في البحر الأحمر وهجماتها الصاروخية على الدولة العبرية، أسهمت في إجبارها على القبول بالهدنة والانسحاب من القطاع.

وتأتي هذه الاحتفالات مترافقة مع مخاوف قادة الجماعة من استهدافهم بعمليات اغتيال كما جرى مع قادة «حزب الله» اللبناني خلال العام الماضي، بعد تهديدات إسرائيلية باستهدافهم، وسط توقعات بإصابة قادة عسكريين كبار خلال الضربات الأميركية الأخيرة في صنعاء.