أصبح بول بوغبا قائداً للفريق الفرنسي، وضمنت تمريرته المذهلة لكيليان مبابي في أن تبقى مباراة نهائي كأس العالم، التي اختتمت في روسيا منتصف الشهر الحالي، محفورة في الأذهان نموذجاً للكرة المبهرة.
ولو أن هناك لحظة يحق لبول بوغبا الرقص خلالها والتقاط الصور والغناء من قلبه طرباً لما يحمله من سعادة، ستكون تلك هي اللحظة المناسبة.
وربما يشعر جمهور فريق مانشستر يونايتد الإنجليزي ومدربه البرتغالي جوزيه مورينيو بالسعادة أيضاً لفوز بول بوغبا بكأس العالم، على أمل أن يعطيه ذلك دفعة معنوية قوية لتكرار العروض التي قدمها، في الدوري الإنجليزي.
وكان بوغبا عرضة للانتقادات بسبب عروضه المخيبة في صفوف مانشستر يونايتد، حيث وجد نفسه احتياطياً في القسم الثاني من الموسم، وانتقدته الصحافة الفرنسية أيضاً بسبب تراجع مستواه، لا سيما في المباريات الودية استعداداً لكأس العالم، لكنه ساهم بشكل كبير في رفع منتخب بلاده الكأس العالمية للمرة الثانية في تاريخه، وسجل هدفاً رائعاً في مرمى كرواتيا بالنهائي (4 - 2).
لقد كان مسرح الحدث «استاد لوجنيكي»، حيث وقف بوغبا يرقص مع الرئيس الفرنسي ماكرون، وأيضاً مع والدته وأشقائه داخل أرض الملعب. كما رقص حاملاً الكأس الذهبية الأيقونية البالغ ارتفاعها 36.8 سنتيمتر، وتمثل الإنجاز الأهم في عالم كرة القدم. في هذه اللحظة كان بوغبا بطلاً متوجاً للعالم وسجل هدفاً في مباراة النهائي، ونجح في بناء احترام كبير له داخل وطنه، لكن كان الشيء الوحيد الذي ينقصه مصفف شعر محترف يبتكر له قصة شعر مميزة لبطولة كأس العالم تخلد أكثر لحظات حياته مجداً.
بالنظر إلى ولع بوغبا بتصوير كل شيء، ونشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي، سواء كان داخل غرفة تغيير الملابس، أو في الحافلة، بجانب تشجيعه أقرانه بالفريق على مختلف صور الاحتفال، بدا اللاعب عنصراً مركزياً في كل شيء يخص هذا الجيل الفرنسي. خلال انعقاد هذه البطولة تبدلت مكانة بوغبا داخل الفريق، وحتى بالنسبة لأقرانه في الفريق يبدو من الصعب تحديد كيف حدث ذلك. لكن الجميع يشعرون بهذا التغيير. وقال عادل رامي: «يمكنني أن أقول لكم إن بول بوغبا أصبح قائداً رغم أني لا أعرف كيف حدث ذلك. لقد أظهر هذه القيادة. وهو الشخص الذي أنار أمامنا الطريق. وكان بمثابة رجل فرنسا القوي».
ويحمل تطور بوغبا خلال البطولة إلى صورة جديدة من القوة، وإظهاره قدرته على استغلال قوته وحضوره ومهاراته الفنية مع شعور واضح بالمسؤولية والتركيز في داخله رمزاً لكيف تحول المنتخب الفرنسي إلى منافس قوي خلال الشهر الذي قضاه في روسيا.
عندما قدم المنتخب الفرنسي إلى روسيا للمشاركة في البطولة؛ أثير في البداية جدال حول دور بوغبا في الفريق. ودارت نقاشات حول سمات بوغبا الأكثر غموضاً، وجرى البحث عن سبيل لدفعه لتقديم أفضل ما لديه، وكيفية ضمان تناغمه مع الخطة التكتيكية التي يتبعها الفريق.
لم يكن أداء فرنسا خلال المباراة الافتتاحية في دور المجموعات أمام أستراليا مقنعاً. أثناء المباراة بذل اللاعبون جهداً كبيراً، لكنهم افتقدوا الابتكار والتناغم. ومع هذا كان لوجبا التأثير الأكبر بينهم على النتيجة. نجح بوغبا من خلال كرة ذكية في فتح المباراة لتحتسب ركلة الجزاء الأولى - الأمر الذي يعتبر صورة من صور المساعدة من جانبه ـ
وذلك قبل أن يضع اللمسة النهائية على هدف الفوز في المباراة. بعد المباراة بدا أن التحقيقات بدأت من جديد حول بوغبا الذي حاول الدفاع عن نفسه، وإبعاد نفسه عن أي مناخ سلبي.
وقال اللاعب ضاحكاً: «يبدو أن حقي في ارتكاب الأخطاء أقل عن الآخرين. لقد تحولت من اللاعب صاحب أكبر صفقة انتقال في العالم إلى اللاعب الأكثر عرضة للنقد في العالم. دائماً ما أواجه انتقادات. عندما كنت صغيراً اعتدنا أنا وأصدقائي دائماً إغاظة بعضنا البعض بأن نقول: أنت كنت جيداً وأنت كنت سيئاً. الأمر كله يتعلق بما يدور داخل الملعب، وأتعامل مع الانتقادات مثلما كنت أتعامل معها عندما كنت صبياً صغيراً. لا أنصت لها أبداً. وإنما أحرص على الاستمتاع وهذه هي الإجابة الوحيدة التي يمكنني تقديمها لجميع من ينتقدونني أو يظنون فيَّ هذا أو ذاك».
في مرحلة التصفيات بدا بوغبا أكثر تأثيراً يوماً بعد آخر، في الوقت ذاته خفتت أصوات الانتقاد شيئاً فشيئاً. أمام الأرجنتين بدا بوغبا مستمتعاً مع تألق فرنسا على الجانب الإبداعي. وأمام أوروغواي ساعد بوغبا فريقه في السيطرة على زمام المباراة وتقليل الضغط بأقصى صورة ممكنة. أمام بلجيكا ظهر بوغبا قوياً ومنضبطاً ودعم الجهود الدفاعية لزملائه عبر مزيج من الأداء القوي واليقظة. وأظهر بوغبا قدرته على القيام بمهام متنوعة وتقديم اللازم في مواقف مختلفة.
بمرور الوقت أصبحت الصلات التي يقيمها داخل أرض الملعب أقوى. وتعمقت الروابط بينه وبين نيغولو كانتي باعتبارهما لاعبي قلب الملعب. من بين المميزات الكبرى الإضافية التي حصل عليها المنتخب الفرنسي من وراء بوغبا تفهمه الغريزي لكيليان مبابي مثلما اتضح في الهدف المبهر الذي أحرزه الفريق عندما تناغم أداء اللاعبين، وقدما أداءً مبهراً بجانب نجاحهما في استغلال الحظ الجيد الذي رافق فرنسا خلال الشوط الأول على وجه الخصوص. ويخرج بوغبا من البطولة سعيداً بإنجازه بتسجيل هدف في النهائي، ومعاونته في تسجيل آخر.
في فرنسا أضاءت أحد جوانب قوس النصر بصورة وجه بوغبا إلى جوار صورة وجه زين الدين زيدان على جانب آخر. بالنسبة لبوغبا يعتبر هذا تكريماً بالغ الأهمية لأنه يربطه بالمنتخب الفرنسي الذي فاز ببطولة كأس العالم عام 1998، وهي ذكرى ترتبط في داخله بتعلقه الشديد بوالده الراحل فاسو أنتوان. وقال بوغبا: «أفكر في عام 1998 عندما كنت أشاهد مقطعاً مصوراً لبطولة كأس العالم برفقة والدي داخل المنزل، وكنا نعيد بعض اللقطات. كنا نحرص على مشاهدة شريط الفيديو طوال الوقت. اليوم أصبحت بطلاً للعالم. وأفتقد والدي لكنني أشعر أنه يراني الآن. وأعتقد أنه فخور للغاية بي. وأهدي له هذا الإنجاز».
في أعقاب البطولة سارع ريو فيرديناند وهو يرتدي قبعة مانشستر يونايتد إلى توضيح أن النادي يواجه تحدياً يتمثل في إيجاد طريقة للسماح بهذه النسخة من بوغبا، وهي نسخة أكثر تناغماً ونفوذاً، من التألق أكثر داخل «أولد ترافورد». لكن تبقى هذه مسألة أخرى ليوم آخر.
ويقول مورينيو: «عندما تحرز كأس العالم لا بد أن يرتد عليك ذلك إيجاباً. إنه أمر رائع وممتاز لأي لاعب، عدد كبير من اللاعبين لم تسنح لهم فرصة الفوز باللقب، أو أن منتخبات بلادهم ليست قوية. بالنسبة إلى بوغبا، أعتقد أنها كأس العالم الأولى التي شارك وفاز بها، ولا بد أن يرتد عليه ذلك إيجاباً».
وأضاف: «آمل بأن يفهم لماذا كان جيداً في القسم الثاني من البطولة (كأس العالم). في النهائي كان رائعاً بكل بساطة».
ويغيب بوغبا عن معسكر مانشستر يونايتد مع تسعة لاعبين أساسيين آخرين، بسبب المشاركة في كأس العالم، لكن الثلاثي المؤلف من الحارس الإسباني ديفيد دي خيا والصربي نيمانيا ماتيتش والبرازيلي فريد المنتقل حديثاً إلى صفوف الفريق، سيلتحق بالمعسكر الأميركي هذا الأسبوع.
بوغبا... من دائرة الشكوك إلى بؤرة التألق
جمهور مانشستر يونايتد والمدرب مورينيو في انتظار أن يكرر البطل الفرنسي الأداء نفسه الذي قدمه في مونديال روسيا
بوغبا... من دائرة الشكوك إلى بؤرة التألق
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة