ميناء بربرة يحوّل «أرض الصومال» لاعباً أساسياً في البحر الأحمر

باستثمارات تصل إلى 442 مليون دولار... وتوقعات بتضاعف حجم الحاويات 5 مرات

جانب من ميناء بربرة الذي يتوقع أن يتحول إلى قوة اقتصادية كبيرة خلال شهور (أ.ف.ب)
جانب من ميناء بربرة الذي يتوقع أن يتحول إلى قوة اقتصادية كبيرة خلال شهور (أ.ف.ب)
TT

ميناء بربرة يحوّل «أرض الصومال» لاعباً أساسياً في البحر الأحمر

جانب من ميناء بربرة الذي يتوقع أن يتحول إلى قوة اقتصادية كبيرة خلال شهور (أ.ف.ب)
جانب من ميناء بربرة الذي يتوقع أن يتحول إلى قوة اقتصادية كبيرة خلال شهور (أ.ف.ب)

بعد أن كانت مدينة ساحلية منسية تطل على خليج عدن، تغير كل شيء في بربرة، إثر اتفاق مع شركة موانئ دبي العالمية، كرّس «جمهورية أرض الصومال» عنصرا أساسيا في حمى التنافس الاقتصادي، القائم على الضفة الأفريقية من البحر الأحمر.
لكن رغم ذلك لم يبلغ ميناء بربرة مستوى الحداثة الذي يطمح إليه، إذ تتكدس فيه عشرات الحاويات التي تغمرها شمس حارقة، وبعض الرافعات التي علاها الصدأ. لكن موقع المرفأ عند مدخل مضيق باب المندب، رابع أهم المعابر البحرية العالمية للتزود بالطاقة، يفتح الباب أمام الكثير من الأحلام والآفاق، خصوصا بعد أن تم في مارس (آذار) 2018 توقيع اتفاق ثلاثي بين «أرض الصومال» وشركة موانئ دبي العالمية وإثيوبيا، إذ يمنح الاتفاق 51 في المائة من الأسهم لشركة موانئ دبي، و30 في المائة لأرض الصومال، و19 في المائة لإثيوبيا.
وحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، فإنه من المقرر أن تستثمر الشركة الإماراتية 442 مليون دولار لتحديث الميناء. وسيبدأ إنجاز توسعة أولى بطول 400 متر في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ويستمر العمل بها 24 شهرا. وبالتوازي مع ذلك ينتهي العمل في إنشاء منطقة حرة على بعد 15 كلم من الميناء.
وقال سعد علي شير، وزير خارجية جمهورية أرض الصومال المعلنة من جانب واحد: «إن المكاسب التي ننتظرها من تطوير الميناء هي فرص العمل.. ونتوقع قدوم العديد من المستثمرين الأجانب إلى المنطقة الحرة، وأن يجلبوا فرص عمل وعائدات. وإجمالا فإن ما نسعى إليه هو التنمية والوظائف».
من جهته، يقول سعيد حسن عبد الله، المدير العام لسلطة موانئ جمهورية أرض الصومال، إن قدوم شركة دبي العالمية (أُبرم الاتفاق في 2016 واعتمد في 2018) شكل «صدمة ثقافية» للناس في الميناء.
ومنذ حصول الاتفاق تضاعف حجم الحاويات التي تعبر ميناء بربرة. ومع انتهاء الأشغال فإنه من المتوقع، بحسب عبد الله، أن يتضاعف الحجم خمس مرات، ليصل عندها إلى مستوى حجم الحاويات التي تمر بموانئ جيبوتي.
وتسعى الجارة إثيوبيا، التي يزيد عدد سكانها على مائة مليون نسمة، إلى تنويع منافذها على البحر مع أرض الصومال واريتريا، التي تقاربت معها بشكل لافت مؤخرا، وكينيا والسودان.
ونتيجة حرمانها من منفذ بحري إثر استقلال إريتريا عام 1993، ارتهنت إثيوبيا مطولا لجيبوتي، التي يعبر منها 95 في المائة من وارداتها وصادراتها.
وتطمح جمهورية أرض الصومال، التي تفادت الغرق في الفوضى التي يشهدها الصومال، إلى منافسة جيبوتي ذات يوم. وفي هذا السياق رأى الباحث أحمد سليمان أنها «في موقع جيد للحصول على دور أكثر تأثيرا على القضايا الاقتصادية والتجارية».
وأثار الاتفاق مع شركة موانئ دبي العالمية غضب مقديشو، لأنه يمنح أرض الصومال الساعية إلى اعتراف دولي، ثقلا.
وكانت «جمهورية أرض الصومال» قد أعلنت استقلالها عن الصومال في 1991، لكن لم تعترف بذلك أي دولة. وأثر ذلك على الحوار مع الصومال، الذي من المقرر أن يستأنف بعد طول توقف في الربيع المقبل، حسب علي شير، مؤكدا الاستعداد «للحوار معهم وحل الخلافات بهدوء حول طاولة».
ويتخوف بعض أهالي أرض الصومال من الثمن الذي قد تدفعه بلادهم. لكن شير يرد على ذلك بقوله: «بالطبع وجود قوى أجنبية على أرضك ينطوي دائما على مخاطر، لكن نعتقد أن المكاسب أكبر بكثير من المخاطر».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.