إثيوبيا وإريتريا... صراع الحدود يتحول إلى سلام وجود

«أعداء الأمس حلفاء اليوم» في منطقة القرن الأفريقي

إثيوبيا وإريتريا... صراع الحدود يتحول إلى سلام وجود
TT

إثيوبيا وإريتريا... صراع الحدود يتحول إلى سلام وجود

إثيوبيا وإريتريا... صراع الحدود يتحول إلى سلام وجود

«أعداء الأمس يبحثون اليوم تعويض ما فات»... هكذا ظهرت قصة التقارب الذي عدّه البعض مفاجئاً بين إثيوبيا وإريتريا، ليغير بشكل كبير واقع منطقة القرن الأفريقي، وعلى نحو غير مسبوق. وفي غضون أقل من أربعة أشهر فقط منذ توليه السلطة في شهر أبريل (نيسان) الماضي، أعاد أبيي أحمد، الذي يعد أول شخصية من قومية الأورومو تترأس الحكومة في إثيوبيا، رسم خريطة جزء مهم من منطقة شرق أفريقيا وتحالفاتها المعقدة.
وبعد سلسلة من الإجراءات الجريئة، نجح أبيي في إعادة ترتيب البيت الإثيوبي من الداخل، بالتزامن مع إعادة التوازن في علاقات بلاده الخارجية. وكان الملف الصعب، في تلك المعادلة، يتمثل في العلاقات المتوترة مع إريتريا، الدولة الجارة والعدو التاريخي التقليدي، لكن الزعيم الإثيوبي الجديد نجح في إنهاء التوتر على نحو أثار انتباه العالم إلى ما يجري في منطقة القرن الأفريقي.
قبل شهور قليلة مضت كان من الصعب تخيل تفاصيل ما حدث أخيراً بين لإثيوبيا وإريتريا. وكما قال دبلوماسي عربي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا «ما جرى يُعدّ أمراً مذهلاً بكل تأكيد، ولم يكن ليخطر ببال أفضل صناع الأفلام في السينما، ناهيك عن تسارع الأحداث وتزامنها».
وفي مناسبة مرور مائة يوم على تولى أبيي أحمد رئاسة الحكومة، وقف الناطق باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، ليدافع خلال مؤتمره الصحافي الأسبوعي عن نظرية أن كل ما جرى تم بشكل لا شأن لطرف ثالث فيه، مفنداً نظريات الوسطاء الإقليميين، ومؤكداً أن اتفاقية السلام عقد من دون وساطة ثالثة أو الحاجة لوجود وسيط إقليمي أو دولي.
ولم يفت الوزير، مع ذلك أن يعلن أنه لم يكن في الحسبان أن توقع اتفاقية السلام مع إريتريا قبل 100 يوم، فمن وجهة نظره أن الاتفاقيات مع سلطات أسمرة ستغير ما وصفه بـ«جيو دبلوماسية القرن الأفريقي»، ولفت الناطق باسم الخارجية إلى أن «الشعبين رابحان من هذه الاتفاقية التاريخية، وأن الموارد التي كانت تستخدم في الحرب ستستخدم في التنمية في المستقبل».
مع ذلك، يتوجه أبيي أحمد إلى الولايات المتحدة، في أول زيارة له منذ صعوده إلى سدة الحكم، حيث سيكون لديه برنامج حافل يتضمن لقاء المغتربين الإثيوبيين هناك؛ بهدف حثهم على المشاركة في برنامجه الإصلاحي في الداخل. وفي اجتماع سيعقد تحت شعار «كسر الجدار وبناء الجسر»، سيجتمع أبيي مع مواطنيه في العاصمة الأميركية واشنطن اليوم السبت (28 يوليو/تموز)، قبل أن يتحوّل في اليوم التالي للقاء الذين يعيشون في لوس أنجليس، بحسب ما قالته وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية.
وفي احتفاله بمرور مائة يوم على تولي أبيي السلطة في الثاني من شهر أبريل الماضي كان بعهدة الزعيم الإثيوبي الجديد جملة من القرارات الاقتصادية والسياسية المهمة، وزيارات خارجية لدول الجوار ومصر. وبعدما كادت الاحتجاجات تعرقل مسيرة الدولة التي تستضيف مقر الاتحاد الأفريقي وتمتلك حضوراً سياسياً بارزاً، وبخاصة في منطقة القرن الأفريقي، تمكن أبيي البالغ من العمر 42 سنة، من السيطرة على زمام الأمور... وانطلق في مسيرة طموحة.
بداية السلام
كانت البداية من مقر البرلمان الإثيوبي، حيث أعلن أبيي أحمد أنه يمد يده بالسلام إلى «الجارة» إريتريا، لإنهاء القطيعة والعداء بعد حرب طاحنة بين «الجارتين»، مفاجئاً الجميع بأن إثيوبيا تقبل للمرة الأولى بشكل رسمي تنفيذ «اتفاقية الجزائر» عام 2000 لإنهاء النزاع الحدودي مع إريتريا. أبيي زار بعد ذلك إقليم الصومال الذي خاض نزاعاً حدودياً مع إقليم الأورومو، الذي ينتمي إليه. ولاحقاً، زار الأقاليم الإثيوبية التسعة خلال المائة يوم الأولى من حكمه، للتعرف على الأوضاع عن قرب، ومنها مدينة أمبو، حاضرة إقليم الأورومو، ومعقل المعارضة ومنطلق الاحتجاجات التي شهدتها البلاد على مدى السنوات الثلاث التي سبقت توليه مهام منصبه.
وكانت أول زيارة خارجية له إلى جيبوتي، توجه بعدها إلى السودان، حيث أعلن الرئيس السوداني عمر البشير العفو عن جميع سجناء الحق العام من الإثيوبيين في بلاده. وفي المملكة العربية السعودية حط أبيي أحمد رحاله في أول زيارة رسمية له خارج أفريقيا، قبل أن يزور دولة الإمارات العربية المتحدة لاحقاً.
في الشأن الداخلي سمحت السلطات للمعارضة السياسة بالعودة إلى البلاد، وأفرجت عن المعتقلين السياسيين. كما صوّت البرلمان بالأغلبية لصالح إنهاء حالة الطوارئ المفروضة منذ 16 فبراير (شباط) الماضي، ورفع أسماء ائتلاف المعارضة الإثيوبية المسلحة «قنوب سبات» و«جبهة تحرير أورومو الديمقراطية» و«جبهة تحرير أوغادين» و«الجبهة الوطنية الإثيوبية» من قائمة المجموعات الإرهابية، التي سبق إدراجها على قائمة المجموعات الإرهابية في يونيو (حزيران) 2011. وبدورها تخلت المعارضة الإثيوبية في إريتريا عن المقاومة المسلحة معلنة تعليق أنشطتها العسكرية، بينما عادت قيادات «جبهة تحرير أورومو المتحدة» المعارضة إلى إثيوبيا بعد عقدين في المنفى.
الحرب والسلم مع إريتريا
وبما يخص إريتريا، عقب أول زيارة قام بها أبيي إلى إريتريا في الثامن من يوليو الجاري، صدر إعلان مشترك بانتهاء الحرب بينهما وبدء مرحلة السلام، ووقّع رئيس الوزراء الإثيوبي والرئيس الإريتري أسياس أفورقي «إعلان سلام وصداقة» مشتركاً.
للعلم، في مايو (أيار) عام 1991، نجحت قوات «الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا» بقيادة أفورقي، في دخول العاصمة الإريترية أسمرة، بعد 30 سنة من الكفاح المسلّح. وبعدها بأيام قليلة فقط، دخل تحالف فصائل الثوار بقيادة رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ملس زيناوي العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، لينهي حكم منغيستو هايلي ماريام. وبفضل التحالف الذي كان قائماً، برعاية دولية، بين قيادتي الثوار في إريتريا وإثيوبيا، جرى الاتفاق على إجراء استفتاء لاستقلال إريتريا بعد 3 سنوات من وصول الجبهتين للسلطة، وفيه اختار الناخبون الإريتريون الاستقلال في استفتاء جرى تنظيمه في أبريل 1993.
وفى الثالث من شهر مايو من العام نفسه، اعترفت إثيوبيا بسيادة إريتريا واستقلالها. وتم تشكيل حكومة إريترية انتقالية لتسيير شؤون البلاد، وانتخب أفورقي رئيساً للدولة. إلا أن الرياح لم تأتِ بما تشتهي سفن الحلفاء القدامى؛ إذ سرعان ما اندلع خلاف بين «رفقاء السلاح» أفورقي وزيناوي، دفع أفورقي إلى طلب ترسيم الحدود، وأصدر العملة الوطنية «الناكفا» لتحل محل العملة الإثيوبية «البر»، لتتصاعد الخلافات التجارية بين البلدين.
لذا؛ كان طبيعياً أن تتطور الأمور إلى صراع مسلح في 6 مايو عام 1998، على امتداد الحدود بين البلدين البالغ طولها ألف كيلومتر، فيما عرف باسم حرب «بادمي»، إشارة إلى المثلث الحدودي الذي يضم ثلاث مناطق. وفي مواجهة عسكرية دامية جرت في مايو 2000، سقط نحو 100 ألف قتيل من الجانبين وآلاف الجرحى والمعاقين والأسرى والنازحين، وأنفقت خلالها أكثر من 6 مليارات دولار، قبل أن يُبرم يوم 18 يونيو اتفاق مبدئي في الجزائر، تلاه في ديسمبر (كانون الأول) عام 2000، توقيع اتفاقية سلام بين الجانبين لإنهاء الحرب.
الدبلوماسي الإثيوبي تيولد جبر مسكيل، يعتقد أن اتفاق السلام بين إثيوبيا وإريتريا سيكون له أثر كبير في تعزيز السلام والأمن والاندماج الاقتصادي في المنطقة المضطربة، معتبرا أنها مرحلة افتتاحية ستحقق فيها المنطقة السلام في السنوات القادمة. إلى جانب هذا تتهيأ إثيوبيا، التي لا تملك أي سواحل بحرية وفقدت إمكانية الوصول إلى البحر الأحمر قبل نحو 30 سنة، لبناء قوة بحرية في إطار إصلاحات عسكرية. ويُذكر أن إثيوبيا كانت قد سرحت قواتها البحرية في 1991 بعد انفصال إريتريا. وبعد قطع وصولها إلى المرافئ الاريترية، نقلت إثيوبيا تجارتها البحرية إلى جيبوتي المجاورة، واستثمرت بشكل كبير في السكك الحديد والبنى التحتية الأخرى، لتصبح أحد أسرع الاقتصادات نمواً في أفريقيا.
لكن، خلال اجتماع عقده أخيراً مع كبار القادة العسكريين الإثيوبيين قال أبيي أحمد «علينا أن نبني قدرات قواتنا البحرية في المستقبل»، لافتاً إلى أن بلاده تمتلك واحدة من أقوى القوات البرية والجوية في أفريقيا. كذلك، في مواجهة مديونية كبيرة ونقص في العملات الأجنبية، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد خلال الشهر الماضي خصخصة مؤسسات رئيسية تملكها الحكومة، مثل الخطوط الجوية الإثيوبية و«إثيو» للاتصالات.
ويعتقد غيتاشيو تكلي مريم، المستشار السابق لدى الحكومة الإثيوبية، أن الإصلاحات الاقتصادية وتحسن العلاقات، رغم أنهما غير مرتبطين بالضرورة، يمكن أن يبثا الحياة في الاقتصاد، وأضاف «إن التقارب سيحد من التعزيزات العسكرية التي استمرت سنوات». وتابع أن التجارة بين إثيوبيا وإريتريا كانت قطاعاً مضطرباً حتى قبل الحرب. ثم إن السلع الإثيوبية المهربة عبر المرافئ الإريترية، وتلاعب أسمرة بعملتها، تسببا في تأزم العلاقات وأجّجا النزاع الحدودي، وتابع: «ما أخشاه الآن، حتى بعد كل تلك السنين، أن لا تكون قدرتنا التنظيمية قوية بما يكفي لتجنب مثل تلك التجاوزات».
وحتى إن كانت إثيوبيا متلهفة الآن للوصول إلى مرفأي عصب ومصوّع الإريتريين، فإن غيتاشيو يخشى أن يكون الميناءان «في حالة متهالكة» بعد توقف التجارة عقب الحرب. لكن المحللين يحذّرون من أن إريتريا، التي أصبحت في عهد أفورقي إحدى أكثر الدول انغلاقاً أمام بيئة الاستثمارات، قد لا تشارك في المكاسب الاقتصادية نفسها في المرحلة الجديدة. ويرى سيث كابلان، البروفسور في جامعة جونز هوبكنز الأميركية - وهو متخصص بالاقتصاد الإريتري - أن «آفاق هذا الاتفاق، لإعادة إحياء الاقتصاد هائلة... لكن معرفة الخطوات التالية لأفورقي هي المجهول الكبير، ذلك أن إريتريا فعلت كل شيء تقريباً لإبعاد الاستثمارات الخارجية».
حين يتوقف إطلاق النار
الآن وبعد 18 سنة على صمت مدافع الحرب الحدودية بين إثيوبيا وإريتريا، تبدو بلدة زالمبيسا الإثيوبية أشبه بجبهة هادئة يتناثر فيها الركام وتعبرها طريق لا تؤدي إلى أي مكان. لكن التغيير قد يكون وشيكاً بعد اتفاق قادة البلدين على إعادة العلاقات؛ ما يحيي الأمل في استئناف التجارة وعودة الازدهار إلى بلدات مثل زالمبيسا. وفي لقاء مع وكالة «أ.ف.ب» الفرنسية، أبدت مصففة الشعر تيرهاس غيريكيدان «لا شك أنه إذا فتحت الطريق فإن الأمور ستتغير». وكانت هذه البلدة التي اجتاحتها القوات الإريترية جهة الجنوب، آخر بلدة إثيوبية على الطريق الرئيسية بين عاصمتي الدولتين، ولقد قامت قوات إريتريا «بتسويتها بالأرض بشكل منهجي» بحسب ما كتب أسقف كاثوليكي محلي في رسالة عام 2003 إلى الأمين العام للأمم المتحدة. وطبقاً لما رواه تايما ليملم صاحب مقهى في البلدة فإنه «لم يبق شيء، كل ما وجدناه حجارة».
اليوم الطريق التي تربط زالمبيسا بإريتريا ما زالت مقطوعة بحواجز عسكرية، والبلدة التي كانت مركزاً تجارياً يضج بالحركة، ينمو الصبار في مبانيها التي دمرتها الحرب ويخيم عليها هدوء حذر. لكن أهالي المنطقة الحدودية يأملون الآن بأن تزدهر التجارة في منطقتهم وأن تتوقف المناوشات المتقطعة بين الجيشين.
والحقيقة، ثمة مشاهد إنسانية لا تخطئها عين في كل ما يحدث، أبرزها عبد السلام حجو، الذي روت قصته وكالة «رويترز» الذي التقى زوجته وابنتيه للمرة الأولى منذ اختفائهن، بعدما ظن أن زوجته راحت ضحية للنعرة الوطنية التي اجتاحت البلدين تحت وطأة الحرب وإراقة الدماء. وللتوضيح، فإنه طيلة 18 سنة، لم تكن هناك وسيلة للاتصال بين إثيوبيا وإريتريا بعدما قطعت كل خطوط النقل وخدمات الهاتف والبريد منذ بداية الصراع، لكن أزمة عبد السلام فرجت أخيراً بعدما كان بين أكثر من 400 مسافر توجّهوا إلى أسمرة يوم الأربعاء الماضي في أول رحلة طيران مباشرة بين البلدين منذ 1998. وخارج مبنى صغير في حي جيزا بندا تيليان بأسمرة، استقبل عبد السلام بالزغاريد والتهليل، بينما تعانق الزوج والزوجة والابنتان للمرة الأولى منذ تلك المدة، وانفجر عبد السلام بالبكاء عندما عانقته ابنتاه. وقال: «كانت سنوات من الظلام. الانفصال والشوق كانا فوق الاحتمال. تخيل أن شخصاً فاز باليانصيب للتو. هذا هو شعوري الآن». وتجنب عبد السلام، الذي كان يحاول السيطرة على انفعالاته، أي أسئلة بشأن الماضي بما في ذلك السؤال عن سبب رحيل زوجته مع ابنتيهما رغم أن ابنهما بقي معه.



ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.