إثيوبيا مصدومة لمقتل مدير سد «النهضة»

الشرطة بدأت تحقيقات موسعة لكشف ملابسات الحادث... ومظاهرات في أديس أبابا

سيمجنيو بيكيلي، مدير مشروع سد «النهضة».
سيمجنيو بيكيلي، مدير مشروع سد «النهضة».
TT

إثيوبيا مصدومة لمقتل مدير سد «النهضة»

سيمجنيو بيكيلي، مدير مشروع سد «النهضة».
سيمجنيو بيكيلي، مدير مشروع سد «النهضة».

بدأت السلطات الإثيوبية أمس تحقيقات موسعة في واقعة مقتل المهندس سيمجنيو بيكيلي، مدير مشروع سد «النهضة»، الذي يشيّد على نهر النيل بتكلفة 4 مليارات دولار. وعثرت الشرطة على بيكيلي مقتولا داخل سيارته في ميدان «مسكل» وسط العاصمة أديس أبابا، ولوحظ بقع دماء على ذراع مسجاة داخل السيارة، قبل أن تنقل سيارة إسعاف الجثمان، وفقا لما ذكرته هيئة الإذاعة والتلفزيون الإثيوبية (فانا).
وعبر رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، الذي بدأ أمس زيارة عمل رسمية إلى الولايات المتحدة، هي الأولى له منذ توليه منصبه في أبريل (نيسان) الماضي، عن صدمته لسماع خبر مقتل بيكيلي الذي وصفه بأنه «صديقه».
وتجمع مئات الاثيوبيين في اديس أبابا احتجاجاً على مقتله.
وكتب فيتسوم أريجا مدير مكتب أبي في تغريدة له على موقع «تويتر»: «رئيس الوزراء أبي حزين ومصدوم تماما لسماع وفاة المهندس بيكيلي»، مشيرا إلى أن أبي تلقى هذا الخبر القاسي الحزين بحزن كبير لدى وصوله إلى الولايات المتحدة. وتابع أن «الشرطة تجري التحقيق... ورئيس الوزراء يقدم تعازيه لأسرته والشعب الإثيوبي».
من جانبه، قال المفوض العام للشرطة الإثيوبية زينو جمال، إن أجهزة الأمن تجمع جميع الأدلة المادية وتجري تحقيقات جنائية، لافتا إلى أنه تم العثور على جرح رصاصة وراء أذن المهندس. وأوضح أنه تم تفكيك كاميرات الدوائر التلفزيونية حول الميدان، مشيرا إلى وجود مسدس على الجانب الأيمن من الجثة الهامدة داخل السيارة.
وأضاف: «الشرطة أيضا تقوم بجمع المعلومات من شهود العيان الذين كانوا في المشهد وإجراء التحقيق بعدما عثر عليه ميتا داخل سيارته حيث كان مصابا بأعيرة نارية». وقال للصحافيين: «تحققنا من أن بيكيلي قتل بالرصاص». ونفى ما تردد عن مشاركة التحقيقات الفيدرالية الأميركية في التحقيقات، مؤكدا أنه لم يشارك أي أجانب في التحقيقات. بدورها، قالت وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية إن «اغتيال بيكلي لن يؤدي إلى توقف نهضة إثيوبيا»، معتبرة أنه «كلما مات واحد ولد ألف مثله، وسوف تنهض وتنمو وتزدهر». ورأت أنه «من المحزن أنه لم يتمكن من رؤية ثمرة عمله»، ووصفته بأنه «رجل من رجال الدولة التي تفتخر بهم البلاد».
وتساءلت: «ومن هم المستفيدون من هذا الاغتيال؟، إذا كان القتلة فكروا بأن هذا المشروع سيتوقف بمقتل، نقول لهم إن المشروع لن يتوقف بسبب وفاة شخص واحد فهناك آلاف المهندسين الإثيوبيين أمثال الراحل». وتابعت: «العدالة تأتي بسرعة إلى كل شخص مهما كان منصبه ومكانته».
وشغل بيكيلي منصبه مديرا للمشروع منذ البدء في إنشائه، قبل العثور على جثته أمس وسط صدمة شعبية ورسمية، علما بأنه ثاني مسؤول في الشركة يتوفى في الأشهر الأخيرة، حيث هوجم في مايو (أيار) الماضي المدير المحلي للمجموعة النيجيرية دانغوتي ديب كامرا واثنان من مساعديه وقتلوا خارج أديس أبابا. وقبل ساعات من مقتله أكد بيكيلي في تصريحات لشبكة «بي بي سي» أن أشغال السد تتقدم وفق التوقعات، حيث كان يعد وجه هذا المشروع الضخم الجاري قرب الحدود ين إثيوبيا والسودان، الذي سيكون عند تدشينه مع ستة آلاف ميغاوات (ما يعادل ستة مولدات نووية) أكبر سد في أفريقيا.
من جهته، استبعد الخبير في شؤون القرن الأفريقي عبد المنعم أبو إدريس، وقوف أيد خارجية وراء مقتل المدير. وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه يرجح أن يكون مقتله نتاج صراعات داخلية، تستهدف وقف الإصلاحات التي تجري في إثيوبيا، وتابع: «أرجح أن تكون أيد داخلية وراء مقتل الرجل، لا سيما وأن مكتبه في سد النهضة قد تعرض لحريق قبل أيام».
وكان السد موضع انتقادات شديدة من مصر التي عبرت عن خشيتها من أن يؤثر هذا السد على النيل الذي تبلغ قيمته أربعة مليارات دولار، على مستوى تدفق مياه النيل على أراضيها الواقعة في مستوى أدنى منه. وتعتمد مصر في احتياجاتها المائية بنسبة 90 في المائة على مياه النيل.
وفي مايو الماضي أبرمت مصر والسودان وإثيوبيا اتفاقا لتشكيل لجنة علمية كلفت دراسة آثار السد الذي يعتبر أحد المشروعات الضخمة التي تنجزها حاليا إثيوبيا، التي تعمل أيضا على تطوير السكك الحديدية ومجمعات صناعية بغرض تحوير اقتصادها والتصدي للفقر.



«فاغنر» تعتقل 6 موريتانيين وسط مخاوف من «انتهاكات»

عناصر «فاغنر» في مالي (أ.ب)
عناصر «فاغنر» في مالي (أ.ب)
TT

«فاغنر» تعتقل 6 موريتانيين وسط مخاوف من «انتهاكات»

عناصر «فاغنر» في مالي (أ.ب)
عناصر «فاغنر» في مالي (أ.ب)

اعتقلت وحدة من مقاتلي «فاغنر» الروسية الخاصة 6 مدنيين موريتانيين على الأقل في إحدى القرى الواقعة داخل الشريط الحدودي بين موريتانيا ومالي، وفق ما أكدت مصادر محلية وإعلامية موريتانية، الثلاثاء.

وقالت المصادر إن مجموعة من مقاتلي «فاغنر» دخلوا قرية لقظف، الواقعة على بُعد 40 كيلومتراً إلى الجنوب من مدينة باسكنو، أقصى جنوب شرقي موريتانيا، غير بعيد عن الحدود مع دولة مالي. مؤكدةً أن جميع سكان قرية لقظف يحملون الجنسية الموريتانية، رغم أن القرية تقع داخل شريط حدودي «غير مرسَّم»، وبالتالي تتداخل فيه صلاحيات البلدين: مالي وموريتانيا.

موريتانيان معتقلان من طرف مجموعة «فاغنر» (إعلام محلي)

وبسبب غياب ترسيم الحدود، نفَّذ الجيش المالي المدعوم من قوات «فاغنر»، خلال العامين الأخيرين، عمليات عسكرية كثيرة داخل الشريط الحدودي، ضمن ما تطلق عليه مالي «مطاردة العناصر الإرهابية»، لكنَّ هذه العمليات راح ضحيتها عشرات المدنيين الموريتانيين.

اقتحام واختطاف

وصفت المصادر المحلية ما حدث أمس في القرية بأنه «عملية اختطاف» تعرَّض لها ستة مواطنين موريتانيين، فيما تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صور وأسماء «المختطفين»، وكان بعضهم يحمل بطاقة تعريفه الموريتانية.

وحسب المصادر نفسها، فإن قوات «فاغنر» اقتحمت القرية خلال تنظيم سوق محلية أسبوعية، وأطلقوا وابلاً من الرصاص في الهواء، قبل أن يجمعوا رجال القرية، ويقرروا توقيف 7 أشخاص، أفرجوا عن واحد منهم لاحقاً، كما صادروا خمس سيارات رباعية الدفع وعابرة للصحراء، تعود ملكيتها إلى رجال من القرية.

في غضون ذلك، نشرت الصحافة المحلية أن قوات «فاغنر» نقلت الموقوفين الستة إلى مدينة نامبالا، داخل أراضي مالي، وسلَّمتهم للجيش المالي، وسيجري نقلهم إلى العاصمة باماكو، «تمهيداً لإطلاق سراحهم»، على حد تعبير صحيفة محلية.

رعب «فاغنر»

خلال العامين الأخيرين قُتل عشرات الموريتانيين على يد الجيش المالي وقوات «فاغنر» الروسية، داخل الشريط الحدودي بين البلدين، وحتى داخل أراضي مالي، وهو ما أسفر عن برود في العلاقة بين البلدين، كاد يتطور إلى قطيعة نهائية.

وقُتل أغلب هؤلاء الموريتانيين بطرق بشعة، من بينها الحرق والدفن في قبور جماعية، مما أشعل موجة غضب عارمة في الشارع الموريتاني، لكنَّ الماليين برَّروا ذلك بالحرب التي يخوضونها ضد الإرهاب، والتي دعت الموريتانيين إلى اصطحاب هوياتهم، والابتعاد عن مناطق الاشتباك.

قوات موريتانية على الحدود مع مالي (أ.ف.ب)

ومنذ أكثر من عامين، تجري معارك عنيفة بين الجيش المالي المدعوم من «فاغنر» من جهة، و«جبهة تحرير ماسينا» التابعة لتنظيم «القاعدة» في منطقة على الحدود مع موريتانيا، وتحدث مطاردات تنتهي في الغالب داخل الشريط الحدودي.

شريط حدودي رمادي

يمتد الشريط الحدودي بين البلدين على أكثر من ألفي كيلومتر، وبعمق يزيد على 10 كيلومترات، حيث تقع فيه عشرات القرى التي يقطنها سكان من البلدين، دون تحديد إن كانت موريتانية أم مالية.

وحاول البلدان ترسيم الحدود عدة مرات منذ الاستقلال عن فرنسا قبل ستين عاماً، لكنَّ هذه المحاولات لم تُفضِ إلى نتيجة، ليشكل البلدان بعد ذلك لجنة مشتركة لتسيير الحدود.

وسبق أن هددت السلطات الموريتانية، التي احتجت على ما يتعرض له مواطنوها، بالرد والتصعيد أكثر من مرة، وطالبت في الوقت ذاته مواطنيها بالانسحاب من هذه المنطقة، حتى تنتهي المعارك. لكنَّ سكان المنطقة الحدودية من البدو، المشتغلين بتربية الأبقار والإبل والأغنام، ويعيشون منذ قرون على التحرك في المنطقة، بحثاً عن الماء والمرعى، لا يمتلك أغلبهم أي أوراق مدنية، وبعضهم الآخر يحوز الجنسيتين؛ الموريتانية والمالية.

ومع تصاعد استهداف الموريتانيين، زار قائد الجيش المالي نواكشوط، مطلع مايو (أيار) الماضي، وعقد لقاءات مطولة مع قائد الجيش الموريتاني ووزير الدفاع، أسفرت عن تشكيل لجنة مشتركة، والاتفاق على تنسيق العمليات على الأرض.

الرئيس الموريتاني أجرى مشاورات مع المسؤولين في مالي لمنع تسلل أي إرهابيين محتملين إلى أراضي بلاده (أ.ف.ب)

وكان الهدف من هذا التنسيق، حسبما أعلن الطرفان، هو منع تسلل أي إرهابيين محتملين إلى أراضي موريتانيا، لكن أيضاً تفادي أي استهداف للموريتانيين بالخطأ داخل الشريط الحدودي. ومنذ ذلك الوقت لم يُقتَل أي مواطن موريتاني داخل الشريط الحدودي، فيما تراجعت بنسبة كبيرة تحركات قوات «فاغنر» في الشريط الحدودي، وتعد عملية توقيف الموريتانيين (الثلاثاء) الأولى من نوعها منذ ستة أشهر.