اهتمام استثماري بسندات «يوروبوندز» اللبنانية

تحفّز عليه جاذبية انخفاض الأسعار وارتفاع المردود

اهتمام استثماري بسندات «يوروبوندز» اللبنانية
TT

اهتمام استثماري بسندات «يوروبوندز» اللبنانية

اهتمام استثماري بسندات «يوروبوندز» اللبنانية

تحظى سندات الدين الدولية المصدرة من قبل وزارة المال اللبنانية باهتمام غير معهود في أوساط المستثمرين المحليين والخارجيين، بفعل التقلبات الحادة التي تشهدها أسعار السندات، واعتمادها كمؤشر رئيسي للوضع المالي في البلاد في ظل تصريحات متضاربة عن انهيار محتمل تتمدد آثاره إلى سعر صرف الليرة... بينما يصر حاكم المصرف المركزي رياض سلامة على طمأنة الأسواق وحيازة الاحتياطات الضامنة للاستقرار النقدي.
وقد زاد منسوب الهواجس فعليا بعد تراجع دراماتيكي لأسعار السندات الدولية (يوروبوندز) بما يقارب 30 في المائة في الحد الأقصى من القيمة الاسمية وفقا لآجال الاستحقاق ومعدلات المردود. حيث وصلت أسعار السندات التي تستحق بعد العام 2030 إلى ما بين 72 و74 في المائة من قيمتها الأصلية، وتمدد التراجع إلى كل الفئات، فارتفع تلقائيا العائد السوقي من متوسط يقارب 8 في المائة إلى معدلات قريبة من 11 في المائة.
بالمقابل، يؤكد سلامة أن «مهمة مصرف لبنان هي الحفاظ على استقرار صرف الليرة واستقرار التسليف (القروض) وسلامة القطاع المصرفي والمساهمة في ملاءة الدولة»، موضحا أن «69 في المائة من الودائع في المصارف اللبنانية هي بالعملات الأجنبية، وأساسا بالدولار. والجزء الأكبر من التسليفات، أي 80 في المائة، بالعملات الأجنبية. ولا يمكننا عندما نقوم بمقاربة للأوضاع المالية والاقتصادية أن نتجاهل التاريخ، لأن هذه الأمور تؤثر على معنويات المستثمر والمستهلك... والبنك المركزي عندما يضع سياساته وأهدافه يرتكز على الواقع اللبناني، والواقع النقدي ليس معزولا عن الوضع العام للبلد».
وقد تلقف مستثمرون محليون من أفراد وبنوك وشركات موجة البيع من قبل مؤسسات وصناديق أجنبية، واعتبروها فرصة مناسبة للتوظيف. فتكفل الطلب المحلي بانتعاش نسبي لأسعار السندات وتقليص الحد الأقصى للتراجع إلى حدود 20 في المائة، وتراجع المردود الأعلى دون 10 في المائة. لكن لا يتم - في المقابل - رصد عمليات كبيرة أو حصول تحول هام من قبل المستثمرين المحليين والخارجيين على السواء إلى هذا النوع من الاستثمار رغم جاذبيته. وهو أمر غير مفاجئ في ظل دفق التصاريح والتحليلات عن صعوبة الوضع المالي للدولة.
ووفقا لأحدث تقارير مجموعة بنك عودة المصرفية، شهدت سوق السندات اللبنانية في الأسبوع الأخير موجة بيع أجنبية على الأوراق المتوسطة والطويلة الأجل، في ظل رغبة بعض المستثمرين المؤسساتيين الأجانب في جني الأرباح بعد ارتفاع الأسعار في الأسبوعين السابقين مع عودة الإقبال المحلي. كذلك، اتبعت السندات المنحى التراجعي لأسعار السندات في الأسواق الناشئة الأخرى بعد أن قدّم الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) تقييماً متفائلاً لاقتصاد الولايات المتحدة، وهوَّن من أثر سجالات سياسة التجارة العالمية الدائرة حالياً على توقعات استمرار تشديد السياسة النقدية، ما عزز التوقعات برفع الفائدة أربع مرات هذا العام.
وفي التفاصيل، قام المتعاملون المؤسساتيون الأجانب بعرض أوراقهم التي تستحق في العام 2022 و2024 و2026 و2030 و2037 والذي قابله بعض الطلب المحلي. وفي هذا السياق، ارتفع متوسط المردود المثقل من 8.07 في المائة، إلى 8.51 في المائة خلال الأسبوع الأخير، واتسع هامش مقايضة المخاطر الائتمانية لخمس سنوات للأسبوع من مستوى 585 - 605 نقطة أساس في الأسبوع السابق، إلى مستوى 630 - 650 نقطة أساس.
ويبلغ إجمالي سندات الدين الدولية العائدة للحكومة اللبنانية نحو 31 مليار دولار (القيمة الاسمية)، أغلبها يتم الاكتتاب فيها من قبل المصارف المحلية، فضلا عن محفظة البنك المركزي التي تحوي أيضا سندات بقيمة ملياري دولار لم تطرح للاكتتاب بعد، من أصل 5 مليارات دولار تمت مبادلتها بسندات خزينة محررة بالليرة مع وزارة المال قبل أسابيع. بينما وصل الدين العام الإجمالي إلى نحو 83 مليار دولار (توازي 155 في المائة من الناتج المحلي)، محمولا بمعظم شرائحه أيضا من البنوك المحلية والبنك المركزي. وهذا ما يعزز نسبيا الاطمئنان إلى عدم وقوع لبنان في براثن شبيهة بـ«التجربة اليونانية».
ويؤكد رئيس جمعية المصارف الدكتور جوزيف طربيه أن «إجمالي أصول القطاع تصل إلى نحو 233 مليار دولار، أي ما يزيد على 400 في المائة من الناتج المحلي، كما تزيد قاعدة الودائع لدى المصارف عن 177 مليار دولار (حتى منتصف العام الحالي)... ورغم كل المعوقات المعروفة داخليا وإقليميا، تحتفظ مصارفنا بقدرات مهنية وشبكات علاقات راسخة تكفل لها جذب المزيد من الودائع والتوظيفات وتحقيق معدلات نمو مقبولة جدا تتراوح بين 5 و6 في المائة سنويا، ولدى البنك المركزي احتياطيات تفوق 44 مليار دولار (دون احتساب القيمة الموازية لاحتياط الذهب البالغة نحو 12 مليار دولار). وهذه المؤشرات تعزز المُحافظة على الاستقرار الاقتصادي والمالي في البلاد».
ووفقاً لتقرير «المردود العالي في الأسواق الناشئة» الصادر عن شركة «ميريل لينش»، حَقَّقَ دين لبنان الخارجي عائداً سلبيّاً بلغ 5.19 في المائة خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي، مقابل عائد سلبي بلغ 4.40 في المائة في شهر مايو (أيار) السابق، ليصل بذلك العائد التراكمي «السلبي» إلى 9.98 في المائة مع نهاية النصف الأول من العام 2018. وبذلك، احتلّ لبنان المركز الأخير بين 13 دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وبحسب التقرير، تعزى هذه «العوائد السلبيّة»، والتي شهدتها كلّ الأسواق الناشئة بشكلٍ عامّ، إلى عمليّات بيع سندات سيادّية على نطاقٍ واسع في الأسواق الناشئة. مع الإشارة إلى أنّ المردود السيادي الوارد لا يأخذ بعَيْن الاعتبار المخاطر المترتِّبة على هذه الاستثمارات، مما يفسِّر نسبة الهوامش المرتفعة على الديون السياديّة (Option Adjusted Spread) للدول ذات المردود العالي. وكان المردود الإضافي (Excess Return) على دين لبنان الخارجي سلبيّاً عند مستوى بلغ 8.93 في المائة في النصف الأوّل من العام 2018، ليحتلّ لبنان المرتبة الأخيرة أيضاً على صعيد المنطقة، مُسجِّلاً في الوقت عينه أعلى نسبة هوامش على الديون السياديّة، والتي وصلت إلى 747 نقطة أساس، ورابع أعلى نسبة هوامش على الديون السياديّة على صعيد الأسواق الناشئة حول العالم.



«الفيدرالي» على وشك خفض الفائدة مجدداً يوم الأربعاء

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
TT

«الفيدرالي» على وشك خفض الفائدة مجدداً يوم الأربعاء

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)

من المتوقع على نطاق واسع أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي تكاليف الاقتراض خلال اجتماعه، يوم الأربعاء المقبل، مع احتمال أن يسلط المسؤولون الضوء على كيفية تأثير البيانات الاقتصادية الأخيرة على قراراتهم بشأن أسعار الفائدة في العام المقبل.

وتضع الأسواق المالية في الحسبان احتمالات بنسبة 97 في المائة أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية بمقدار ربع نقطة مئوية، ليصبح النطاق بين 4.25 في المائة و4.5 في المائة، وفقاً لأداة «فيد ووتش».

ومع ذلك، تضاءل مبرر بنك الاحتياطي الفيدرالي لخفض الفائدة مؤخراً بعد التقارير التي تشير إلى أن التضخم لا يزال مرتفعاً بشكل مستمر مقارنةً بالهدف السنوي لـ«الفيدرالي» البالغ 2 في المائة، في حين أن سوق العمل لا تزال قوية نسبياً. وكان البنك قد خفض أسعار الفائدة في سبتمبر (أيلول) ونوفمبر (تشرين الثاني) بعد أن أبقاها عند أعلى مستوى في عقدين طوال أكثر من عام، في محاولة للحد من التضخم المرتفع بعد الوباء.

ويؤثر سعر الأموال الفيدرالية بشكل مباشر على أسعار الفائدة المرتبطة ببطاقات الائتمان، وقروض السيارات، وقروض الأعمال. ومن المتوقع أن تكون أسعار الفائدة المرتفعة في الوقت الحالي عقبة أمام النشاط الاقتصادي، من خلال تقليص الاقتراض، مما يؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد لتخفيف الضغوط التضخمية والحفاظ على الاستقرار المالي.

لكن مهمة بنك الاحتياطي الفيدرالي لا تقتصر فقط على مكافحة التضخم، بل تشمل أيضاً الحد من البطالة الشديدة. وفي وقت سابق من هذا الخريف، أدى تباطؤ سوق العمل إلى زيادة قلق مسؤولي البنك بشأن هذا الجزء من مهمتهم المزدوجة، مما دفعهم إلى خفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في سبتمبر. ورغم ذلك، تباطأ التوظيف، فيما تجنب أصحاب العمل تسريح العمال على نطاق واسع.

توقعات الخبراء بتخفيضات أقل في 2025

تدور الأسئلة المفتوحة في اجتماع الأربعاء حول كيفية موازنة بنك الاحتياطي الفيدرالي بين أولويتيه في مكافحة التضخم والحفاظ على سوق العمل، وكذلك ما سيقوله رئيس البنك جيروم باول، عن التوقعات المستقبلية في المؤتمر الصحفي الذي سيعقب الاجتماع. وبينما تبدو التحركات المتعلقة بأسعار الفائدة في الأسبوع المقبل شبه مؤكدة، فإن التخفيضات المستقبلية لا تزال غير واضحة.

وعندما قدم صناع السياسات في بنك الاحتياطي الفيدرالي آخر توقعاتهم الاقتصادية في سبتمبر، توقعوا خفض المعدل إلى نطاق يتراوح بين 3.25 في المائة و4.5 في المائة بحلول نهاية عام 2025، أي بتقليص بنسبة نقطة مئوية كاملة عن المستوى المتوقع في نهاية هذا العام.

وتوقع خبراء الاقتصاد في «ويلز فارغو» أن التوقعات الجديدة ستُظهر ثلاثة تخفيضات ربع نقطة فقط في عام 2025 بدلاً من أربعة، في حين توقع خبراء «دويتشه بنك» أن البنك سيُبقي على أسعار الفائدة ثابتة دون خفضها لمدة عام على الأقل. فيما تتوقع شركة «موديز أناليتيكس» خفض أسعار الفائدة مرتين في العام المقبل.

التغيير الرئاسي وتأثير التعريفات الجمركية

يشكّل التغيير في الإدارة الرئاسية تحدياً كبيراً في التنبؤ بمستقبل الاقتصاد، حيث يعتمد مسار التضخم والنمو الاقتصادي بشكل كبير على السياسات الاقتصادية للرئيس المقبل دونالد ترمب، خصوصاً فيما يتعلق بالتعريفات الجمركية الثقيلة التي تعهَّد بفرضها على الشركاء التجاريين للولايات المتحدة في أول يوم من رئاسته.

وتختلف توقعات خبراء الاقتصاد بشأن شدة تأثير هذه التعريفات، سواء كانت مجرد تكتيك تفاوضي أم ستؤدي إلى تأثيرات اقتصادية كبيرة. ويعتقد عديد من الخبراء أن التضخم قد يرتفع نتيجة لنقل التجار تكلفة التعريفات إلى المستهلكين.

من جهة أخرى، قد تتسبب التعريفات الجمركية في إضعاف الشركات الأميركية والنمو الاقتصادي، مما قد يضطر بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة لدعم الشركات والحفاظ على سوق العمل. كما يواجه البنك تحدياً في فصل تأثيرات التعريفات الجمركية عن العوامل الأخرى التي تؤثر في التوظيف والتضخم.

وتزداد هذه القضايا غير المحسومة وتزيد من تعقيد حسابات بنك الاحتياطي الفيدرالي، مما قد يدفعه إلى اتباع نهج أكثر حذراً بشأن تخفيضات أسعار الفائدة في المستقبل. كما أشار مات كوليار من «موديز أناليتيكس» إلى أن التغيرات المحتملة في السياسة التجارية والمحلية تحت إدارة ترمب قد تضيف طبقة إضافية من عدم اليقين، مما يدعم الحاجة إلى نهج الانتظار والترقب من لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية.